كرة القدم... لعبة العالم التي تتقاطع مع السياسة العالمية

كيف يمكن لقطر أن تنقذ إرثها في كأس العالم؟ 

كرة القدم... لعبة العالم التي تتقاطع مع السياسة العالمية

ترجمات - السياق

مع انطلاق نهائيات كأس العالم 2022 في قطر، فإن أسئلة كثيرة قفزت إلى الذهن عن اللعبة الأشهر في العالم، والمنتخبات التي لم تستطع الفوز باللقب الرفيع، رغم أن قادتها أحد السياسيين الماهرين والمشجعين للعبة.

فبينما يعد الرئيس الصيني شي جين بينغ أقوى مدرب كرة قدم في العالم، إلا أن فريق الصين يمثل إحراجًا لبلاده، حيث يحاول رئيس الحزب الشيوعي تداركه عبر خطط كبيرة يجهزها للعبة.

في الوقت نفسه، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أو ما يعرف بـ«الكابتن أردوغان»، لا يستطيع مساعدة فريق كرة القدم التركي، مع وجود الكثير من رأس المال السياسي والاجتماعي والمالي المستثمر في تشكيلته الوطنية، ما يثير تساؤلًا: لماذا لا تستطيع تركيا التأهل لكأس العالم؟

إلا أن تلك الأسئلة وغيرها من قبيل: كيف يمكن لقطر أن تنقذ إرثها في كأس العالم؟ وكيف وجدت ترانيم الحرب العالمية الثانية طريقها إلى كأس العالم 2018؟ وكيف هزمت كرة القدم الفصل العنصري؟ أسئلة طرحت نفسها مع انطلاق بطولة كأس العالم في قطر.

أسئلة كثيرة، حاولت «فورين بوليسي»، الإجابة عنها في سلسلة حلقات لها عن «لعبة العالم»، في إشارة إلى كرة القدم، التي تتقاطع مع السياسة العالمية.

 

كيف يمكن لقطر أن تنقذ إرثها في كأس العالم؟

عام 2010، وبعد أيام من منح الاتحاد الدولي لكرة القدم، كأس العالم 2022 لقطر، نُشرت تقارير «سيئة» عن البلاد على الصفحة الافتتاحية لصحيفة الغارديان، والمعاملة الاستغلالية للعمال المهاجرين، الذين بنوا الملاعب وغيرها من البنى التحتية للبطولات.

ومنذ ذلك الحين، كانت هناك تقارير منتظمة عن انتهاكات أو دعوات لمقاطعة كأس العالم، بحسب «فورين بوليسي»، التي قالت إنه لا أحد يجادل في أن معاملة قطر لعمالها الوافدين تمثل مشكلة، ليس القطريون أنفسهم وليس الفيفا، التي اضطرت من خلال مراجعتها الخاصة لسجل حقوق الإنسان في قطر عام 2017 إلى تضمين مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان في أنظمتها الأساسية.

في فبراير 2021، ذكرت صحيفة الغارديان أن 6500 عامل مهاجر لقوا مصرعهم منذ عام 2010 وأشارت إلى أن هذه الوفيات مرتبطة ببناء الاستاد، إلا أن هذا الادعاء كان غير دقيق ويفتقد السياق المهم.

 

صورة سيئة... بصناعة محلية

وتقول «فورين بوليسي»، إنه في حين أن الصحافة الغربية مسؤولة جزئياً عن هذا النوع من التقارير، فإن الاختزال المثير للسوق العالمي المعقد للعمالة المهاجرة هو كذلك، مشيرة إلى أن صورة قطر الدولية السيئة هي من صنعها، فبدلاً من تشجيع وسائل الإعلام المحلية على تغطية هذه القضايا المهمة، تحاول الحكومة ونظام الرقابة التابع لها سرد قصة البلاد، من خلال البيانات الرسمية والبيانات الصحفية الصادرة عن الوزارات الحكومية المستبدة.

تلك السياسة القطرية دفعت العديد من صحفيي الغرب لا يعرفون عن قطر إلا ما تنشره «نيويورك تايمز» والصحف البريطانية، إلا أنه بقدر ما تكون حقوق الإنسان محور العديد من القصص عن اختيار فيفا لقطر كمضيف لكأس العالم.

وتقول «فورين بوليسي»، إنه يمكن لقطر أن تساعد نفسها، من خلال تحرير قانون الإعلام الصارم، البالغ من العمر 43 عامًا، الذي لا علاقة له بـ«القيم التقليدية» القطرية، مشيرًا إلى أن الدوحة تعد مكانًا صعبًا للغاية بالنسبة للصحفيين للعمل، ما يمثل مشكلة لكل من المراسلين المحليين والصحفيين الدوليين.

وأشارت إلى أنه بينما تقول الحكومة إنها أنهت «الرقابة على الصحافة المحلية» عام 1995 وإن وزارة الإعلام القديمة ألغيت عام 1998، تحدث مسؤولوها في أماكن مهمة خارج البلاد عن التزامهما بحرية التعبير، مؤكدة أنه بينما قناة الجزيرة القطرية منظمة إخبارية عالمية المستوى، إلا أنها لا تكاد تقدم أي تقارير انتقادية عن الدولة أو الجدل المحيط بكأس العالم.

وأشارت إلى أن قانون الإعلام في قطر لعام 1979، يتضمن حظرًا غير محدود على التعبير الذي لا تفضله الحكومة، ومتطلبات الترخيص للمنشورات، والأحكام الجنائية لأي جريمة تقريبًا، بما في ذلك التشهير.

 

حرية الصحافة

وأضافت أن قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2014 يتضمن غرامات إضافية وسجنًا لبعض الجرائم نفسها، بينما جرت إضافة قانون الأخبار الكاذبة إلى قانون العقوبات في البلاد عام 2020، مشيرة إلى أن كل هذا يفسر مكانة الدولة المتدنية في مؤشرات الحرية العالمية.

ففي مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2022، تحتل قطر المرتبة 119 من أصل 180 دولة، بانخفاض عن أعلى مستوى لها عند 74 عام 2008، بعد أن حجبت صحيفة الدوحة نيوز المستقلة والمشاكسة، بسبب حجة ظاهرية مفادها عدم وجود رخصة نشر.

وأكدت أن الحالة الواضحة لقانون الإعلام الجديد، أنه يمكن أن يساعد في تأمين إرث كأس العالم الوحيد الذي تهتم به بقية العالم، فلم يكن هناك أي انتقاد لقطر أكثر غضبًا من ذلك الموجه لمعاملتها لقوة العمل الوافدة، ومعظمهم من جنوب آسيا وإفريقيا، الذين يشكلون أكثر من 50% من سكان البلاد.

وأشارت إلى أنه لا ينبغي لأحد أن يتوقع من قطر مراجعة قوانين الإعلام الخاصة بها لتناسب النقاد الغربيين، الذين تعاني أنظمة تنظيم وسائل الإعلام وقوانين التعبير الخاصة بهم نقاط ضعف. ومع ذلك، فإن الادعاءات الدولية لقطر بأنها تقدمية في مجال حرية التعبير لا تتوافق بشكل مذهل مع واقعها المحلي.

 

شي جين بينغ أقوى مدرب كرة قدم في العالم... فلماذا أخفق منتخب الصين  في الوصول لكأس العالم؟

 

يمثل فريق الصين إحراجًا وطنيًا لبلاده، بعد خساراته المتعددة وإخفاقه في الوصول لكأس العالم مرات عدة، لكن رئيس الحزب لديه خطط كبيرة للعبة.

وتقول «فورين بوليسي» إن الدولة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في العالم أخفقت في التأهل لكأس العالم التي أقيمت لأول مرة عام 1930، وبدأت تقام كل أربع سنوات.

وأشارت إلى أن كأس ​​العالم الوحيدة التي تأهلت الصين لها بطولة 2002 التي استضافتها اليابان وكوريا الجنوبية، وخسرت فيها بكين المباريات الثلاث، ولم تسجل أهدافًا واستقبلت شباكها تسعة أهداف.

لكن الفجوة بين إمكانات كرة القدم في الصين وواقعها أكبر من أي وقت مضى، حيث تستمر دولة يبلغ عدد سكانها 1.3 مليار نسمة ولديها شهية متزايدة لكرة القدم بالتراجع على المستوى الدولي.

إلا أنه مع ذلك، قد يكون هذا على وشك التغيير، حيث إن القوى السياسية التي دفعت الصين إلى قمة الألعاب الأولمبية حوَّلت اهتمامها الآن إلى كرة القدم.

في حين أن المنتخب الوطني للسيدات لديه سجل ثابت من النجاح، فقد وصل مشجعو الصين إلى نقطة الانهيار مع فريق الرجال مرات عدة على مر السنين، فكانت آخر إهانة خلال تصفيات كأس العالم، عندما مُنيت بهزيمة على يد جارتها هونغ كونغ، التي كانت حينها تحت الحكم البريطاني، في واحدة من أكثر الليالي السوداء في تاريخ الكرة الصينية.

فاليوم الذي بات معروفًا بـ«حادثة 19 مايو» عام 1985، لا يزال يطارد المنتخب الصيني لكرة القدم منذ 35 عامًا، لما شهده من أعنف المواجهات في تاريخ كرة القدم الصينية، بأبعاد سياسية واقتصادية.

فبعد المباراة قام المشجعون بأعمال شغب عنيفة، وحطموا السيارات وهاجموا الحافلات، وهددوا الصحفيين الأجانب والموظفين الدبلوماسيين، في بداية لعداوة شرسة بين المنتخبين لا تزال قائمة حتى اليوم.

ولدى شي جين بينغ أحلام كثيرة، يهدف من خلالها لجعل الصين قوة عظمى، إضافة إلى حلم آخر بالفوز بكأس العالم لكرة القدم، في معركة يعدها شخصية.

فالرئيس شي، شهد تدمير منتخب بلاده على يد نادي واتفورد البريطاني، عام 1983 بخمسة أهداف مقابل هدف، ما جعله عام 2011، يكشف النقاب عن حلم كرة القدم العظيم.

ولا يريد الرئيس الصيني استضافة كأس العالم لكرة القدم فحسب، بل يريد حتى رفع الكأس يومًا ما.

مع طموح كرة القدم الصيني، من المقرر أن تنطلق معركة القوة الجيوسياسية في الملعب أيضًا.

وفي سبيل تحقيق حلمه، بدأ التنين الصيني تجنيد لاعبين أجانب في فريقه الوطني، مستهدفًا اللاعبين المرفوضين في الغرب، الذين يطاردون النجومية في الصين الآن.

 

هل من المستحيل على تركيا التأهل لكأس العالم؟ 

مع وجود الكثير من رأس المال السياسي والاجتماعي والمالي المستثمر في تشكيلة المنتخب التركي، لماذا لا تستطيع تركيا التأهل لكأس العالم؟

تساؤل طرحته «فورين بوليسي»، وحاولت الإجابة عنه ببعض الدلائل، قائلة إن تركيا لم تستطع أن تجتاز نهائيات كأس العالم 2018 في روسيا، فقد تلاشت آمالها في التأهل بخسارتها 0-3 على أرضها أمام آيسلندا في أكتوبر 2017،

وقالت الصحيفة، إن تركيا تعرضت للإذلال من قبل بلد يبلغ عدد سكانه تقريبًا عدد سكان ضاحية باشاك شهير في اسطنبول، مشيرة إلى أنه يجب أن تكون تركيا إحدى أقوى دول كرة القدم في أوروبا، فعدد سكانها من الشباب المهووسين بكرة القدم نحو 80 مليون شخص.

فمنذ وصولها إلى السلطة عام 2002، أغرقت حكومة حزب العدالة والتنمية (AKP) كرة القدم التركية باهتمام ومال غير مسبوقين: المساعدة في تضخيم الإيرادات بشكل كبير، والشروع في ما لا يقل عن 30 مشروعًا لبناء الملاعب الجديدة في 27 مدينة، وبناء مجمع تدريب فاخر للمنتخب الوطني، وعطاءات متكررة لاستضافة البطولات الدولية.

ويقود حزب العدالة والتنمية الرئيس رجب طيب أردوغان، وهو نفسه لاعب كرة قدم شبه محترف، يستخدم الرياضة كوسيلة لتلميع أوراق اعتماده الشعبوية، بحسب «فورين بوليسي»، التي قالت إنه في ظل حكم أردوغان، أصبحت اللعبة رابطًا أكثر أهمية من أي وقت مضى للقوة السياسية والاقتصادية.

 

ما الأسباب؟

إلا أنه مع ذلك، فإن تركيا لم تتأهل لكأس العالم تحت حكم حزب العدالة والتنمية، فآخر مرة تأهلت عام 2002، وتقدمت إلى الدور نصف النهائي، وحصلت على المركز الثالث بشكل مثير للإعجاب.

ومنذ ذلك الحين، يعاني المنتخب التركي إلى حد كبير، بينما أداء الدوري المحلي لم يكن أفضل بكثير، رغم حصوله على سابع أكبر إيرادات في الاتحاد الأوروبي لكرة القدم ومع توقيع الأندية على نجوم كبار (إذا تقدموا في السن).

وتدعم الأغلبية العظمى من المشجعين الأتراك أحد الفرق الثلاثة الكبيرة، التي تتخذ من اسطنبول مقراً لها: بشيكتاش وفنربخشة (التي يمكن أن تحسب أردوغان كمشجع) أو غلطة سراي، وجميعهم منافسون لدودون.

وفاز غلطة سراي بكأس الاتحاد الأوروبي عام 2000، لكن منذ ذلك الحين لم يصل أي فريق تركي إلى نهائي دوري كبير للأندية، بحسب "فورين بوليسي"، التي قالت إن تركيا حافظت على استقرارها إلى حد ما في ترتيب الاتحاد الأوروبي لكرة القدم للأندية، خلال الخمسة عشر عامًا الماضية، وعادةً ما تحتل المرتبة العاشرة أو الحادية عشرة.

وطالما كانت تركيا دولة متدنية الإنجاز في كرة القدم -قبل عام 2002، فقد ظهرت فقط في كأس العالم عام 1954- ومع مرور الوقت أصبح الاتحاد الأوروبي لكرة القدم أكثر تنافسية.

لكن مع ذلك، مع النمو الاقتصادي في تركيا وتطورها في ظل حزب العدالة والتنمية، ومع وجود الكثير من رأس المال السياسي والاجتماعي والمالي المستثمر في الرياضة، إلا أنه من المدهش أن الفريق الوطني لم يكن أكثر نجاحًا، إنها قيمة رديئة للمال.

 

تفنيد المشكلة

وتقول «فورين بوليسي»، إن جزءًا من المشكلة أن الأموال لا تُستثمر في المكان الذي ينبغي أن تكون فيه، بينما قال أوزجهان سينيوفا الباحث في كرة القدم التركية والأوروبية بجامعة الشرق الأوسط التقنية في أنقرة: «هناك شبكة وثيقة من العلاقات بين السياسة والأعمال وكرة القدم في تركيا. إن ذلك يؤثر في الجدارة، وهذا بدوره يؤدي إلى سوء الحكم».

وتولى رئيس الاتحاد التركي لكرة القدم، يلدريم ديميرورين، وهو رجل أعمال متحالف بشكل وثيق مع حزب العدالة والتنمية ولا يحظى بشعبية لدى العديد من المشجعين.

ورغم سجله الحافل كرئيس لبيشكتاش، عندما كاد النادي ينهار بسبب ديونه، فإن ديميرورين استخدم منصبه للإدلاء ببيانات سياسية لدعم الحكومة، وحصلت الشركة القابضة التابعة لعائلته مؤخرًا على قرض بفائدة منخفضة من أحد البنوك الحكومية لشراء إحدى وسائل الإعلام الرئيسة في تركيا، بحسب «فورين بوليسي»، التي قالت إنه يسبب هالة قذرة من التسييس والمحسوبية.

في الوقت نفسه، لا يوجد سوى القليل في طريق التخطيط الاستراتيجي طويل الأجل أو سياسة رياضية متماسكة لرعاية المواهب، بخلاف أسطول ملاعب كرة القدم الجديدة اللامعة والمرموقة -التي تميل سعتها إلى تجاوز عدد الحضور إلى حد كبير- هناك القليل من الاستثمار والتخطيط في أكاديميات الشباب أو اللعبة الشعبية.

وقال مصطفى هوس صحفي تركي: «لا يوجد شيء تحت الشعبوية في كرة القدم»، مشيرًا إلى أنه عندما واجهت تركيا آيسلندا، كانت تلعب ضد دولة صغيرة لكنها ذات نظام لإعداد لاعب متطور، وجيش ضخم من المدربين لكل فرد، وشبكة من الملاعب.

ومع ذلك، نادرًا ما ترى أي شخص يلعب هذه الرياضة في تركيا، فالمساحات الخضراء أو المفتوحة –بصرف النظر عن ملاعب كرة القدم المناسبة- نادرة بشكل صادم في المدن الكبرى.

ويوجد في تركيا أقل عدد من الرياضيين المحترفين وشبه المحترفين في أوروبا، رغم أن الأعداد آخذة في الازدياد.

فعندما وصلت تركيا إلى الدور نصف النهائي في كأس العالم 2002، كانت لديها نواة قوية من لاعبي غلطة سراي -بمن في ذلك هاكان سوكور وحسن ساس وبولنت كوركماز- الذين فازوا بكأس الاتحاد الأوروبي قبل عامين، وعندما وصل المنتخب الوطني إلى الدور نصف النهائي من بطولة أوروبا 2008، ضم الفريق لاعبين من فنربخشة مثل سميح سينتورك، الذي وصل إلى ربع نهائي دوري أبطال أوروبا في ذلك الموسم.

إلا أن فرق اسطنبول الثلاثة الكبيرة لديها عددًا قليلًا من النجوم الأتراك، بحسب «فورين بوليسي»، التي تقول إنه في حين أن الدوري التركي الممتاز أصبح مسليًا وتنافسيًا بشكل متزايد في السنوات الأخيرة، إلا أنه يضم في المتوسط ​​اللاعبين الأكبر سنًا -والآن بعد رفع الحصة- من المحتمل أن يكون معظم اللاعبين الأجانب خارج البطولات الكبرى في أوروبا.

يأتي العديد من لاعبي المنتخب الوطني التركي من الشتات التركي، الذين وُلدوا ونشأوا في أوروبا الغربية، بينما الأغلبية العظمى من الأندية اتحادات قائمة على الأعضاء، وتنتخب رؤساء الأندية الذين يميلون إلى التركيز على شراء نجوم أجانب كبار السن باهظي الثمن، مثل الأسطورة الهولندية روبن فان بيرسي.

ويتفاقم سوء الإدارة بسبب الإنفاق الخارج عن السيطرة، والصراعات المالية، والمدى القصير على مستوى النادي، فتركيا الدولة الأوروبية الوحيدة التي تكون فيها ديون ومطلوبات النادي أكبر من أصول النادي.

وعلى عكس الشركات الخاصة، فإن الرؤساء في الاتحادات القائمة على الأعضاء ليسوا مسؤولين عن ديون النادي، ويميلون إلى تحقيق النجاح والشعبية على المدى القصير عن طريق اقتراض الأموال أو استخدام الإيرادات المعززة على عمليات النقل المبذر، مع العلم أنهم يستطيعون تحمل نفقاتهم.

وغالبًا ما كانت كرة القدم التركية ممزقة بالصراع بين وداخل الأندية الكبيرة، بينما اشتهرت كارسي، مجموعة المعجبين البارزين في بشكتاش، بهتافاتها غير الموقرة، والسياسات ذات الميول اليسارية إلى حد كبير، ودورها البارز في احتجاجات غيزي بارك المناهضة للحكومة عام 2013، فإن بعض أعضائها الرئيسين منقسمون بشدة بسبب الخلافات الشخصية والسياسة، والمصالح التجارية.

 

لعبة محصلتها صفر

في فنربخشة، تنازع المشجعون من خلفيات سياسية واجتماعية مختلفة مع بعضهم ومع إدارة النادي في السنوات الأخيرة، وكما هو الحال في السياسة التركية، غالبًا ما رأى بعض رؤساء وأعضاء ومشجعين بارزين في أندية كرة القدم هذه الرياضة على أنها لعبة محصلتها صفر، وبذلك كان سلوكهم عدوانيًا وعرضة لنظرية المؤامرة من المنافسين والحكام.

وتقول «فورين بوليسي»، إن تاريخ التلاعب بنتائج المباريات المزعومة والتدخل السياسي، يضيف إحساسًا بأن كرة القدم غير عادلة في الأساس، وتخضع لمصالح خاصة، وتغذي الانقسام على المستوى الوطني، حيث غالبًا ما يولد اللاعبون والمدربون ومسؤولو الاتحاد المثيرون للجدل المرتبطون بنادٍ معين، العداء من منافسيها.

فعلى سبيل المثال، رفض حارس مرمى فنربخشة فولكان ديميريل، اللعب للمنتخب الوطني بعد تعرضه للإيذاء من بعض مشجعي فريق غلطة سراي قبل مباراة عام 2014.

وشابت المنتخب الوطني أيضًا في السنوات الأخيرة سلسلة من الفضائح التي تقوِّض الروح المعنوية خارج الملعب، بما في ذلك الخلاف بشأن المكافأة خلال يورو 2016.

على أرض الملعب، اعتمد الفريق الوطني -في كثير من الأحيان- أسلوب لعب غير جذاب، غالبًا ما يقدّر الروح القتالية المتوترة على الذوق أو الأسلوب، فلم يلعب المنتخب الوطني في أحد ملاعب اسطنبول الكبيرة منذ فترة طويلة، ربما لأن المسؤولين الحكوميين يخشون السخرية هناك.. (تلقى أردوغان صيحات الاستهجان الشهيرة من المشجعين عند افتتاح ملعب غلطة سراي الجديد عام 2011، وشارك العديد من أنصار الفرق الثلاثة الكبيرة لاحقًا في احتجاجات جيزي).

وانتشرت في أحياء اسطنبول، غالبًا في معاقل المحافظين الموالية للحكومة، وأدت الحوادث غير المستحبة خلال مباريات المنتخب الوطني، حيث أطلقت الجماهير التركية الحاضرة صيحات استهجان دقيقة صمت إحياءً لذكرى ضحايا الهجمات الإرهابية، إلى زيادة السمية التي أحاطت بالمنتخب الوطني.

في هذه الأجواء المنقسمة، يبدو أن كثيرين من الأتراك المهووسين بكرة القدم سقطوا عن حب أي يلدزلار (نجوم الهلال) بحسب الباحث سينيوفا، الذي قال إن «المنتخب الوطني ليس وطنيًا كما كان»، مشيرًا إلى أنه سيكون من غير العدل رسم علاقة مباشرة بين الحكومة ونجاح فريقها الوطني لكرة القدم.

وتقول «فورين بوليسي»: فكرة أن كرة القدم تعكس المجتمع مبالغ فيها قليلاً، مشيرة إلى أنه مع ذلك، فإنه في بلد ترتبط فيه كرة القدم بالسياسة والهوية، كثيرًا ما تتجلى الطاقات والتوترات التي تشكل تركيا في هذه الرياضة.

 

الكرة... انعاكس لحالة تركيا المضطربة

وتعكس حالة كرة القدم التركية -إلى حد ما- حالة تركيا المضطربة، التي شهدت في السنوات الأخيرة اقتصادًا متعثرًا، وإرهابًا، وانهيارًا لعملية السلام الكردية، وانقلابًا عسكريًا فاشلاً، واستقطابًا متزايدًا، وادعاءات المحسوبية والفساد، ومشاريع البناء المثيرة للجدل، والاستبداد المتزايد.

وأشارت «فورين بوليسي»، إلى أن العديد من الشخصيات البارزة في كرة القدم والسياسة التركية يتغذى على الاستقطاب والانقسام، وغالبًا ما تستند ظروف قوتهم إلى العداء، ليس أقلها أردوغان.

وليس من قبيل المصادفة أن العديد من أفضل اللاعبين الناشئين في تركيا - مثل Cengiz Under و Caglar Soyuncu و Berke Ozer - تمت رعايتهم في ألتينوردو، وهو فريق صغير في مدينة إزمير الغربية.

وتقول «فورين بوليسي»، إن فريق ألتينوردو أحد الأندية التركية القليلة التي لديها برنامج جاد طويل الأمد لاستكشاف المواهب التركية وتطويرها، مشيرة إلى أن نظام اللعب النظيف المالي التابع للاتحاد الأوروبي لكرة القدم (UEFA) على ترويض بعض دفعات الإنفاق الأكثر وحشية للفرق التركية الأكبر وتشجيع تنمية الشباب.

ورغم مشكلات كرة القدم التركية، فإن العديد من الجوانب تجعلها جميلة وفريدة من نوعها، بينها: الدراما الكرنفالية، والعاطفة الحمراء، والمشاهد المذهلة، وبعض اللاعبين الرائعين والمواهب المثيرة.

كان لقب أردوغان كلاعب كرة قدم في السبعينيات هو الإمام بيكنباور، في إشارة إلى تفانيه الديني ومهاراته في الملعب، التي تذكر بعضًا من الأسطورة الألمانية فرانز بيكنباور.

لكن أردوغان لا يرى السياسة على أنها رياضة جماعية، فعندما أعيد انتخابه، ورث نظامًا رئاسيًا جديدًا يتمتع بسلطات كاسحة، ويصدق فعليًا ويرسخ حكمه الفردي.

ويمكن أن يكون لأزمة اقتصادية تختمر تأثير كبير في تركيا وكرة القدم التركية، بينما من المرجح أن يستمر أردوغان في الاستقطاب وزعزعة استقرار البلاد وتقويض مكانتها في ما يتعلق بحقوق الإنسان وسيادة القانون، مع ما يترتب على ذلك من تداعيات على طموحاته الكروية.

في حين أن المشجعين الأتراك يحبون بشدة رؤية منتخبهم الوطني يتأهل لكأس العالم، فإن الاتجاه الحالي يشير إلى أنه من المرجح كثيرًا أن تفوت تركيا مرة أخرى أروع مرحلة بكرة القدم في العالم.

 

كيف وجدت ترانيم الحرب العالمية الثانية طريقها إلى كأس العالم 2018؟

مع انطلاق كأس العالم 2022، لم تخيب النسخة السابقة من الحدث الدولي الأبرز، آمال الذين يحبون «المستضعفين»، فالمنتخب الكرواتي استقطب جماهير جديدة في جميع أنحاء العالم.

إلا أن كأس العالم، مثل جميع المسابقات الدولية، لا وجود لها خارج الجغرافيا السياسية، فمع تسليط الأضواء على المستضعفين، كان هناك عضوان من الفريق الكرواتي يحظيان باهتمام من نوع مختلف.

بدأت القضية بعد مباراة ربع النهائي بين كرواتيا وروسيا في 7 يوليو 2018، فبعد فوز الفريق على البلد المستضيف، أصدرت الفيفا، الهيئة الحاكمة لكرة القدم الدولية، على الفور تحذيرًا رسميًا إلى فيدا، مدعية أن شعار «المجد لأولكرانيا» الذي رفعه انتهك الحظر المفروض على التصريحات السياسية.

اعتذر فيدا وفرض غرامة على فوكوجيفيتش، الذي طرده الاتحاد الكرواتي لكرة القدم لاحقًا، قائلا في تصريحات لمجلة رياضية روسية: «لا توجد سياسة في كرة القدم».

لكن توجيه اللوم إلى الكرواتيين، بدلاً من حل المشكلة، أثار المزيد من الجدل، ولفت الانتباه إلى التوتر المستمر بين روسيا وأوكرانيا والطرق التي تلعب بها سياسات الذاكرة بشكل مختلف، عبر الدول.

فبعد وقت قصير من الإدانة الأولية للفيديو، وصفت صحيفة إندبندنت «المجد لأوكرانيا»، بأنه صرخة يستخدمها القوميون الأوكرانيون المتطرفون.

وردًا على ذلك، نشرت السفارة الأوكرانية في لندن احتجاجًا على «تويتر»، قائلة إن الشعار غير ضار وسائد، واتهمت صحيفة إندبندنت بنشر دعاية روسية، من خلال ربط الشعار بالتطرف القومي.

وأفادت "رويترز" -في ذلك الوقت- بأن المشجعين الأوكرانيين أغرقوا صفحة الفيفا على "فيسبوك" بالتعليقات الغاضبة.

 

قصة شعار المجد لأوكرانيا؟

من المؤكد أن «المجد لأوكرانيا» له استخدام حديث، فصعود الروح الوطنية الأوكرانية في مواجهة العملية العسكرية الروسية، دفع الأوكرانيين العاديين -وليس القوميين المتطرفين فقط- للوصول إلى هذه العبارة كوسيلة لدعم الهوية الوطنية، والفخر، والعزم على العيش في أمة حرة، لكن الجدل نفسه لا يخلو من الجدارة، فللشعار تاريخ مظلم، حتى لو لم يكن كل من يستخدمه على علم به.

وقبل فترة طويلة من «الثورة الأوكرانية» من 2013 إلى 2014، المعروفة بانتفاضة ميدان، تم استخدام «المجد لأوكرانيا» من قِبل مجموعتين من حقبة الحرب العالمية الثانية: منظمة القوميين الأوكرانيين (OUN) وجيش التمرد الأوكراني (UPA)، اللذين شاركا في تصفية آلاف اليهود، بحسب «فورين بوليسي»، التي قالت إن جيس التمرد الأوكراني حارب ضد النازيين والاتحاد السوفييتي، ما أدى إلى «ذبح» بين 70 ألفًا و100 ألف من القرويين البولنديين في هذه العملية.

ومع أخذ ذلك في الاعتبار، فإن الحجة القائلة إن «المجد لأوكرانيا»، اليوم، حميدة تمامًا لأنها تمت استعادتها في أعقاب انتفاضة «ميدان» لا تصمد، فالرموز -سواء كانت علم الكونفدرالية أو المطرقة والمنجل- ليست منفصلة عن ماضيها.

وهناك سبب لغضب كثيرين من الولايات المتحدة الصيف الماضي، بسبب تماثيل الجنرالات الكونفدراليين، تمامًا كما كان هناك سبب لحظر ألمانيا بعد الحرب رموز الرايخ الثالث، بحسب «فورين بوليسي»، التي تقول إن التاريخ مهم، وأوكرانيا من بين جميع الأماكن، تعرف هذا أفضل من غيرها.

عام 2018، كانت أوكرانيا ودول البلطيق غاضبة من شركة أديداس لتقديمها قميصًا نسائيًا رجعيًا مزينًا بـ«اتحاد الجمهوريات الاشتراكية «ورالسوفيتية» على الصدر.

وتقول «فورين بوليسي»، إنه ربما كانت شركة «أديداس» تقصد شيئًا هزليًا، لكن كما أشار العديد من الأوكرانيين، كان استخدام الرموز المرتبطة بالحقبة الشيوعية القمعية بلا تفكير في أحسن الأحوال.

وأقرت شركة أديداس بعرضها غير المدروس، للحصول على دولارات الحنين إلى الماضي، وسحبت القمصان من السوق.

 

أسباب تاريخية

كان لأوكرانيا ودول البلطيق الحق في ادعاء الإساءة من قِبل شركة أديداس، ليس لأسباب تاريخية فقط، بحسب «فورين بوليسي»، التي تقول إنه عادة ما تكون محاولات تبييض الرموز المرتبطة بالعنف السابق إشارات تحذيرية جيدة بالمتاعب المقبلة.

فتحت حكم فلاديمير بوتين، تمت إعادة تأهيل ذكريات الاتحاد السوفييتي وجوزيف ستالين تدريجياً، الأمر الذي جعل الجمهوريات السوفيتية السابقة مثل أوكرانيا متوترة، ولسبب وجيه، فإن المرء لا يحتاج إلى النظر أبعد من حرب موسكو عام 2008 مع جورجيا واستيلائها على شبه جزيرة القرم عام 2014.

إلا أنه مع ذلك، أعاد المعهد الأوكراني للذاكرة الوطنية، الذي تديره الحكومة، تأهيل بعض القادة، كما سُمع هتاف «المجد لأوكرانيا» في التجمعات القومية، مثل اجتماع يناير 2018 لدروزينا القومية اليمينية المتطرفة.

وارتبط صعود القومية المتطرفة في أوكرانيا بالعنف ضد الأقليات العرقية، فأوكرانيا شهدت ست مذابح ضد الغجر خلال الشهرين الماضيين: وفي أبريل الماضي احتفلت مسيرة في لفيف بالانقسام الأوكراني لقوات الأمن الخاصة.

وفي أوروبا، كما هو الحال في الولايات المتحدة، لا يكون الماضي بعيدًا أبدًا، فعلم الكونفدرالية ليس مجرد رمز للجنوب، إنه رمز للعبودية.

وتقول «فورين بوليسي»، إن المطرقة والمنجل ليسا مجرد حنين إلى الماضي من الحرب الباردة، إنهما يمثلان عشرات الملايين من القتلى والجرحى والسجن من قِبل النظام السوفييتي وعملائه.

و«المجد لأوكرانيا» ليست عبارة بسيطة تم تبنيها في العقد الماضي للترويج لأوكرانيا الحديثة، ولا طريقة سهلة لمضايقة روسيا في ملعب كرة القدم، بل كان شعار العديد من الجنود الأوكرانيين شبه العسكريين، الذين قتلوا اليهود والبولنديين على حد سواء.

وتقول الصحيفة الأمريكية، إنه بالطبع، لهذه الرموز الآن معانٍ أخرى -العديد من الرموز لها- لكن هذه المعاني الخاصة تم دفع ثمنها أيضًا بالدم. أقل ما يمكننا فعله هو الاعتراف بذلك.

 

كيف هزمت كرة القدم الفصل العنصري؟

بينما استضافت جنوب إفريقيا عام 2010 كأس العالم، فإن البلد الذي منح معنى جديدًا لـ«كرة القدم السياسية»، واجه أيضًا تاريخه الخاص وجهاً لوجه.

وتقول «فورين بوليسي»، إنه جرى إيلاء الكثير من الاهتمام لدور الرئيس نيلسون مانديلا في فوز جنوب إفريقيا بكأس العالم للرجبي عام 1995، الذي تم تصويره في فيلم Invictus. لكن شون جاكوبس، وهو من مواطني كيب تاون ومؤرخ ومؤلف، يصف تلك البطولة بأنها «نقطة مضيئة» في تاريخ جنوب إفريقيا من الصراع العنصري، مضيفًا أن: «القصة الحقيقية هي كرة القدم».

فالقصة الحقيقية تبدأ على بعد أميال عدة من موقع الاستاد الجديد الفاخر في كيب تاون بجزيرة روبن، الذي بات مرئيًا بوضوح لمليارات من مشاهدي التلفزيون أثناء مشاركتهم في كأس العالم.

كانت مستعمرة سجن الجزيرة موطنًا لآلاف السجناء السياسيين في جنوب إفريقيا، خلال حقبة الفصل العنصري، فمن بين الرجال الذين لعبوا في دوري كرة القدم في السجن، أصبح عدد مذهل من الشخصيات المهمة في تشكيل جنوب إفريقيا بعد الفصل العنصري، بينهم الرئيس جاكوب زوما الذي استقال عام 2018، وزعيم المعارضة ووزير الدفاع الأسبق تيرور ليكوتا، ووزير المستوطنات البشرية الأسبق كجاليما موتلانثي، الذي أكمل ولاية الرئيس السابق ثابو مبيكي الثانية.

ولم يشارك مانديلا قط، فقط شاهد المباريات المبكرة من مبنى منعزل حتى بنت السلطات جدارًا لعرقلة رؤيته.

وكشفت «أكثر من مجرد لعبة»، التي كتبها تشاك كور ومارفن كلوز، أن سجناء جزيرة روبن كان لديهم كتابان مفضلان من أرفف مكتبة السجن: كارل ماركس داس كابيتال، وكتاب دينيس هويل لكرة القدم.

وبعد سنوات من الالتماسات الثابتة، وافقت سلطات السجن عام 1967 على السماح للسجناء بتأسيس دوري كرة القدم الخاص بهم، اتحاد ماكانا لكرة القدم. وأمضى السجناء أيام الأسبوع في تكسير الصخور بالمحجر، لكن تم تخصيص ساعتين من كل سبت لمباريات كرة القدم.

مساء الأحد كان للحديث عن المباراة، من الاثنين إلى الأربعاء للتعامل مع انتهاكات القواعد، والخميس والجمعة لاختيار الفرق ووضع الاستراتيجيات. كانت عملية التفكير بين اللاعبين أنهم إذا تمكنوا من إدارة الدوري في هذه الظروف القاسية، ربما يمكنهم إدارة دولة.

ولم يتبنَّ المسؤولون الأفريكانيون في نظام الفصل العنصري كرة القدم، فلقد أحبوا لعبة الركبي والكريكيت ومولوا تلك الرياضات بسخاء، لكنهم رأوا كرة القدم لعبة للأفارقة.

في البداية، تجاهلوا الرياضة، ثم بدأوا حظر بعض المباريات، وفي أبريل 1963، في ملعب Natalspruit الرياضي بجوهانسبرج، أغلقت السلطات البوابات وتركت ملاحظة تقول إن ألعاب اليوم قد ألغيت، فتسلق 15 ألفًا من المشجعين البوابات، حاملين زوجًا إضافيًا من دعامات المرمى لاستبدال المجموعة التي ألغيت مشاركتها، ما أدى إلى استمرار المباريات.

 

نتائج عكسية

وبينما حاولت الحكومة لاحقًا تنظيم مباراة سنوية بين اللاعبين السود والبيض، إلا أنها جاءت بنتائج عكسية، فقد أكدت فقط الطبيعة غير العادلة والعنصرية للنظام السياسي في البلاد.

لكن مع ذلك، فإن المباريات نجحت في تقويض نظام الفصل العنصري بطرق حاسمة، غفي عام 1976، سمحت الحكومة لفريق من أعراق مختلطة باللعب ضد فريق الأرجنتين الزائر في جوهانسبرج. واصطف السود والبيض في جنوب إفريقيا على أرض الملعب، رغم أن المدرجات كانت منفصلة.

وفاز الفريق المضيف 5-0، بما في ذلك ثلاثية للاعب أسود غير معروف آنذاك يدعى جومو سونو. وعندما سجل ضد الأرجنتين، عانقه زملاؤه، البيض والسود، وصافحوه، لكن هذا الانتصار المريح طغى عليه بعد أسابيع قليلة فقط، عندما قُتل ما يقرب من 500 من السود من جنوب إفريقيا في انتفاضة سويتو، بما في ذلك أرييل كغونغوان، وهو لاعب بارز في فريق كايزر تشيفز.

استغل معارضو الفصل العنصري بسرعة إمكانية استخدام كرة القدم لحشد الدعم وجمع الأموال، وسرعان ما أدرك المؤتمر الوطني الإفريقي (ANC)، الذي كان آنذاك حركة سرية محظورة، أنه أينما كانت كرة القدم، كان هناك حشد من الناس.

عانت الاجتماعات السياسية حظرًا شاملًا منذ عام 1976 وما بعده، لكن كان من الصعب منع العديد من أعضاء حزب سياسي من الجلوس معًا في المدرجات وسط الآلاف.

زوما، على سبيل المثال، خرج من مخبئه لحضور مباريات الزولو رويالز والتشاور مع السياسيين الآخرين، وكان مقر إقامته الأول عندما عاد من المنفى في زامبيا عام 1993، في منزل مالك فريق أورلاندو بايرتس، أحد أكبر فرق كرة القدم في جنوب إفريقيا.

وبحلول الثمانينيات، نظم النشطاء أنفسهم بشكل عام في فرق كرة القدم لإرباك النظام، بحسب «فورين بوليسي»، التي قالت إن المباريات تمثل مصدرًا مهمًا للمال للمنظمات السرية المناهضة للفصل العنصري.

وقال بيتر أليجي، مؤرخ ومؤلف كتاب African Soccerscapes، إنه في وقت مبكر من عام 1944، تم تسليم عائدات مباريات كرة القدم إلى المؤتمر الوطني الإفريقي.

ويتذكر باتسون باندا، وهو لاعب سابق في فريق أورلاندو بايرتس، مباراة واحدة تم لعبها عبر الحدود في زيمبابوي، أمام أكثر من 100 ألف مشجع. مرة أخرى، تلقى حزب المؤتمر الوطني الإفريقي العائدات التي تم جمعها عند البوابة.

 

الفصل العنصري

استمرت كرة القدم في التصدي للفصل العنصري، عرفت الفرق البيضاء أنه يتعين عليها أن تلعب ضد الفرق السوداء لاختبار نفسها، وأصبحت المباريات غير الرسمية أكثر شيوعًا.

وتقول «فورين بوليسي»، إنه في ذلك الوقت، بات الدوري الأبيض من الدرجة الثانية، بينما فوجئ قليلون بانهياره عام 1977، فعندما عاد سونو من مهمته المربحة إلى جانب بيليه في نيويورك كوزموس، أدلى بتصريح سياسي للغاية عام 1982 بنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.

وبحلول أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، كانت مباريات كرة القدم في مركز الصدارة لسياسة البلاد سريعة التطور، بينما شوهدت أعلام حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، التي كانت محظورة، علانية في ملاعب كرة القدم، في إشارة إلى ضعف قبضة النظام على السلطة.

عام 1991، تأسس اتحاد كرة القدم الحالي في جنوب إفريقيا، وخلال اجتماعه الافتتاحي، أكد أن تشكيله كان «طبيعيًا فقط.. لأن رياضة كرة القدم قادت الطريق طويلاً لكسر القبضة المحكمة للقمع العنصري». لقد كان تصريحًا جريئًا، بل وخطيرًا، لأن سقوط الفصل العنصري كان على بعد أكثر من عامين.

ورغم التقدم الذي أحرزته جنوب إفريقيا، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به، قبل أن تصبح كرة القدم رياضة تجسر الانقسام العرقي الخبيث في البلاد.

ومع نهائيات كأس العالم 2010، كان هناك قدر كبير من التكهنات عما إذا كانت البطولة ستجعل جنوب إفريقيا غنية، إلا أنه من الناحية النقدية، فالجواب "لا".

وتقول «فورين بوليسي»، إن المضيفين يبنون البنية التحتية، لكن الفيفا (الهيئة الحاكمة الدولية لكرة القدم)، هي التي تجني الأرباح من التلفزيون وحقوق الرعاية، إلا أنه مع ذلك وفرت البطولة لمواطني جنوب إفريقيا فرصة للتفكير في المدى الذي قطعته بلادهم منذ أيام الفصل العنصري، والعمل الذي لا يزال يتعين القيام به، مشيرة إلى أنه حتى مع موت نظام الفصل العنصري وزواله، فإنه لا تزال قصة كرة القدم تكمن في قلب السياسة بجنوب إفريقيا.