الكونفدرالية الإسرائيلية الفلسطينية... أفضل طريق للسلام

هذه الخطة تساعد في تبديد مخاوف كل ألوان الطيف السياسي من خلال معالجة القضايا الشائكة بطرق جديدة

الكونفدرالية الإسرائيلية الفلسطينية... أفضل طريق للسلام

ترجمات-السياق

قالت المستشارة القانونية للوفود الفلسطينية في المفاوضات مع إسرائيل، هبة الحسيني، ووزير العدل الإسرائيلي السابق يوسي بيلين، إن اقتراحهما المتمثل في إنشاء كونفدرالية إسرائيلية فلسطينية، الحل المناسب للصراع بين الطرفين.

بيلين كان قد صاغ مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) ما أُطلق عليها "تفاهمات بيلين أبو مازن"..." كأساس محتمل لتسوية نهائية بين إسرائيل ودولة فلسطينية، وكذلك مبادرة جنيف".

وأضاف الحسيني وبيلين، في مقال مشترك بمجلة فورين بوليسي الأمريكية، أنه على مدى عقود، شارك الفلسطينيون والإسرائيليون في عملية سلام من جانبين متعارضين من الانقسام، إذ بذل الطرفان جهوداً، بعضها حقيقية وبعضها شكلية، لإيجاد حلول للقضايا الرئيسة للنزاع، التي تتمثل في ترسيم الحدود بين الدولتين، ومستقبل القدس، ومصير المستوطنات الإسرائيلية، وعودة اللاجئين الفلسطينيين، وشكل الترتيبات الأمنية التعاونية، وعلى مر السنين، قُدِّمت مقترحات بناءة لمعالجة هذه القضايا، من قِبل أطراف ثالثة، ومن الفلسطينيين والإسرائيليين، بصفتهم الرسمية وغير الرسمية.

 

أفكار جديدة

وفقاً للحسيني وبيلين فإنه جرى الاتفاق من قِبل كثيرين على المبادئ العامة لحل دائم، واعتمادها ضمنياً عام 2016 في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2334، الذي دعا إلى العودة إلى حدود ما قبل عام 1967 مع تبادل الأراضي على قدم المساواة، ووقف النشاط الاستيطاني، وتشجيع مفاوضات التوصل لوضع نهائي، وبات المزيد من الإسرائيليين والفلسطينيين يتبنون حزمة الحلول هذه، أكثر من أي حزمة أخرى.

وتابعا: "يعد ضعف القادة في الجانبين، أو تصلب مواقفهم، التفسير الشائع لسبب تنفيذ اتفاقيات أوسلو بشكل جزئي فقط، ولأنها لم تؤد -في غضون ست سنوات- إلى اتفاق دائم، حتى أننا أصبحنا عالقين منذ ما يقرب من 30 عاماً في اتفاق مؤقت، واستمر الاحتلال (وكذلك العنف)، لكن من غير المعقول إلقاء اللوم كله على القادة، ولذا فإننا نعتقد أن الأفكار الجديدة يمكن أن تهز -بشكل إيجابي- هذا الجمود الطويل، وتعيد المفاوضات إلى مسارها نحو اتفاق سلام دائم".

 

حل الدولتين

سيكون من الأسهل على الجانبين، الاتفاق على حل الدولتين، إذا طبقنا مفهوم المعاملة بالمثل، حتى تحرير القادة الإسرائيليين من الحاجة إلى إخراج المستوطنين من منازلهم في الضفة الغربية، وتمكين القادة الفلسطينيين من خلال إطار عمل يمكن عن طريقه لعدد مماثل من الفلسطينيين إنشاء منازل داخل إسرائيل، إضافة إلى عدد متفق عليه من اللاجئين الفلسطينيين، الذين سيستقرون في تل أبيب كمواطنين، حسب كاتبَي المقال.

وأضاف بيلين والحسيني: "من حيث المبدأ، يمكن تنفيذ هذه المقترحات، حتى من دون ترتيبات كونفدرالية، لكننا مقتنعون بأن الاتحاد الإسرائيلي الفلسطيني الذي نقترحه، والمستوحى من نموذج الاتحاد الأوروبي، سيسمح بتعزيز التعاون الاقتصادي والأمني، ​​لتطوير وتسهيل مجموعة من المبادرات، تؤدي إلى تعزيز التفاهم المتبادل وتقليل الرفض والعداء المتبادلين".

 

اتحاد الأراضي المقدسة

ويُطلق على إطار العمل الكونفدرالي هذا، الذي اقترحته مجموعة من الفلسطينيين والإسرائيليين "اتحاد الأراضي المقدسة"، يسمح لعشرات الآلاف من مواطني كل منهما بالعيش على الجانب الآخر من الحدود كمقيمين دائمين، ويُعرض على المستوطنين الإسرائيليين الذين ستبقى مستوطناتهم في أراضي الدولة الفلسطينية المستقبلية الاختيار بين الانتقال إلى إسرائيل وتلقي التعويض أو البقاء في دولة فلسطين واحترام قوانينها وقواعدها، وسيمنح عدد مماثل من الفلسطينيين خيار العيش في تل أبيب كمقيمين دائمين، حسب كاتبَي المقال.

وكما هو الحال في الاتحاد الأوروبي، فإن المجموعتين من المقيمين الدائمين، في إسرائيل وفلسطين، سيصوتون في الانتخابات الخاصة بكل منهما (دولة المواطنة)، بدلاً من بلد الإقامة، وستحق لهم المشاركة في الانتخابات البلدية في مكان إقامتهم، ويتمتعون بالحقوق المدنية نفسها والمزايا الاجتماعية التي يتمتع بها المواطنون.

وأشار الكاتبان إلى أنه يجب ألا تكون الترتيبات الكونفدرالية التي يقترحونها دائمة، بل إنه بمرور الوقت، قد يختار الإسرائيليون والفلسطينيون تعميق أو تقليل التعاون بين مؤسساتهم العامة، لكن ما لن يتغير هو الحدود بين الدولتين، إلا أن ما يتوقعان تغييره -بموافقة الطرفين- هو نظام الحدود ومدى حرية تنقل الأشخاص والبضائع.

 

التحرر من نظام الحدود

وفقاً للاقتراح، سيكون هناك اجتماع بين الحكومتين كل أربع سنوات (على الأقل) لاستكشاف المزيد من التحرر من نظام الحدود والأمور ذات الصلة، وإذا سمح الوضع بذلك، فإن الحدود ستصبح أكثر قابلية للاختراق في المستقبل، ويتمكن كلا الشعبين من الشعور بأن البلد الآخر ليس "أجنبياً" بالنسبة لهما، وأنهما يتمتعان بسهولة الوصول إلى الأماكن التي يشعران فيها بارتباط تاريخي أو ديني أو ثقافي أو عائلي، وتشمل الترتيبات الأمنية قوات متعددة الجنسيات، ومحطات إنذار مبكر، وغرفة فلسطينية إسرائيلية مشتركة لمتابعة الموقف.

وأضاف الحسيني وبيلين: "كما نتصور أيضاً سلسلة من الإجراءات التي تؤدي إلى تعزيز المصالحة بين الطرفين، بما في ذلك شرط دراسة العبرية والعربية في جميع مدارس الاتحاد، وضرورة وجود لافتات ثنائية اللغة في جميع الأماكن ذات القيمة التاريخية".

ووفقاً للكاتبَين، قد يتساءل النقاد كيف يمكن لهذا الاقتراح إعادة تنشيط عملية السلام في السياق السياسي الحالي، في الوقت الذي يعلن فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي -في كل مناسبة- أنه يعارض بشدة حل الدولتين، ويرفض مقابلة الرئيس الفلسطيني، بينما تسيطر حركة حماس على قطاع غزة، وتفتقر السلطة الفلسطينية إلى السلطة على الأغلبية العظمى من الضفة الغربية، والجواب أن البيانات التي يتم الإدلاء بها اليوم، لا تشير بالضرورة إلى أفعال الغد، فالقادة ذوو الرؤية يغيرون آراءهم دائماً.

كما يجب توقيع اتفاقية السلام من قِبل الحكومة الإسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية، كما أنها تشمل بالضرورة قطاع غزة، وستوفر رابطاً بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وتتحمل حركة حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية المسؤولية المشتركة، لجعل ذلك ممكناً، من خلال التوصل إلى اتفاق مصالحة، ونعتقد أنه من خلال تسهيل وصول الشعبين إلى المواقع المقدسة بالنسبة إليهما، فإن الإطار الكونفدرالي يمكن أن يسهل على الفصائل المعارضة لتقسيم الأرض، تبني حل الدولتين.

 

حل براجماتي

الاقتراح الذي قدمه الحسيني وبيلين، مقاربة جديدة لصانعي القرار الإسرائيليين والفلسطينيين، مع حوافز للتوصل إلى حل براجماتي (عملي) للدولتين، فهذا النهج لن تكون محصلته صفرًا لأي من الجانبين، لكنه يمكن أن يؤدي إلى تسهيل تحقيق النتائج المرجوة منذ فترة طويلة للانفصال، بلا انتقاص من الارتباط التاريخي لأي من الجانبين بالأرض.

وأشارا إلى أن خيار الوصول إلى الضفة الغربية، التي يواصل الآلاف من اليهود العيش فيها، مع حدود تسمح بسهولة الوصول والحركة، يضمن بقاء إسرائيل دولة ديمقراطية لليهود ولجميع مواطنيها، وقد يكون وجود حدود شرقية، متفق عليها لأول مرة في تاريخ تل أبيب، أمراً جذاباً للغاية للقادة الإسرائيليين البراجماتيين.

أما بالنسبة إلى القادة الفلسطينيين البراجماتيين، فإن اتحاد الأراضي المقدسة سيكون فرصة جادة لتحقيق الدولة، بحدود معينة، مع فرصة أكبر للاستمتاع بالتعاون الاقتصادي، وتحقيق المزيد من النمو الاقتصادي (باتباع أمثلة بعض الدول الأعضاء الأفقر في الاتحاد الأوروبي التي ازدهرت منذ الانضمام)، ولتعزيز التعاون المتبادل في المسائل الأمنية بطريقة فعالة، وستؤدي هذه الخطة إلى انسحاب الجيش الإسرائيلي من الضفة الغربية، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتسهيل تقرير المصير للفلسطينيين.

 

وضع حد للصراع

يزعم بعض النقاد أنه لم تعد هناك اتحادات في العالم اليوم، حسبما أفاد الحسيني وبيلين، مشيرين إلى أنه حتى الدول التي تطلق على نفسها كونفدراليات (مثل كندا وسويسرا) أصبحت في الواقع فيدراليات، لكن وفقاً لكاتبَي المقال، هناك ردان على هذا الادعاء، الأول أن واحدًا من أكبر التجمعات السياسية وأكثرها فاعلية في العالم اليوم، الاتحاد الأوروبي، اتحاد كونفدرالي بشكل فعلي، رغم أنه لا يطلق على نفسه ذلك.

أما الرد الثاني فأنه حتى لو لم تستمر كونفدرالية الأراضي المقدسة، أو تغيرت الترتيبات الأمنية والاقتصادية، فإن بعض سماتها مُصممة لتستمر، مثل الحدود بين الدولتين، والوضع القانوني لمواطني إحداهما المقيمين في الثانية، وتقسيم القدس إلى عاصمتين، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين.

وطالب كاتبا المقال الإسرائيليين والفلسطينيين، بضرورة بذل قصارى جهدهم، لوضع حد لهذا الصراع، الذي يدفع الجميع ثمن استمراره، مشيرين إلى أن العنف الذي وقع الربيع الماضي وفي مايو الماضي، بالقدس وتل أبيب وجنين وغزة وأماكن أخرى، أظهر أنه من دون أفق لحل سلمي، فإن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني سيستمر في تعريض الاستقرار الهش في الشرق الأوسط للخطر.

ونهاية المقال، قالا: "نعتقد أن الطريقة الوحيدة للتعامل مع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، معالجة السبب الجذري لهذا الصراع الذي طال أمده، من خلال التوصل إلى اتفاق سلام دائم، فلا يمكننا الاستمرار في وضع الضمادات على جرح متقيِّح، ونأمل أن يشفي نفسه بنفسه، لكن الاتحاد الكونفدرالي سيؤدي إلى معالجة الأسباب عميقة الجذور للصراع، والتوصل إلى حل عادل، كما أنه سيضعنا على طريق يضمن الأمن والازدهار المنشودين لكلا الشعبين".