هل تُسقط أفغانستان بايدن؟

لا شك أن السياسة لا تعرف الاستقرار على أمر ما، إذ يمكن للرؤساء ومعاونيهم ارتكاب أخطاء فادحة في الخارج، لكنهم نادراً ما يدفعون ثمناً باهظاً لذلك، ويمكنهم أيضًا أن يفعلوا شيئًا صحيحًا، مثل إنهاء الحروب، أو منع المجاعة في بلد ما، وما إلى ذلك، إلا أنهم لا يحصلون على الكثير من الفضل مقابل ذلك.

هل تُسقط أفغانستان بايدن؟

ترجمات – السياق

يبدو أن منتقدي الرئيس الأمريكي جو بايدن "يشمون رائحة الدم في الماء" بسبب الوضع الكارثي في أفغانستان، فبينما يطالبه الرئيس السابق دونالد ترامب بالاستقالة، اقترح السناتور الجمهوري عن فلوريدا ريك سكوت، إقالة بايدن من خلال التعديل الخامس والعشرين، الذي يسمح بنقل السلطة من الرئيس لنائبه، إما بشكل مؤقت أو دائم.

وقال سيث ماسكيت، أستاذ العلوم السياسية، مدير مركز السياسة الأمريكية بجامعة دنفر، في مقال بمجلة بوليتيكو: رغم أن الديمقراطيين يفركون أيديهم، ويشحذ الجمهوريون سكاكينهم، فإن التاريخ الحديث يقول إن الانسحاب من أفغانستان، لن يضر الجمهوريين على الأرجح، في الانتخابات المقبلة.

ويشير الكاتب، إلى أن مثل هذه المطالب، لا تتوقف عند الجمهوريين، وإنما هناك عدد لا بأس به من الديمقراطيين البارزين، أبدوا قلقهم من استيلاء طالبان على السُّلطة في أفغانستان، معتبرين أن ذلك نوع من الكوارث الخارجية، التي ستضر بحزبهم في الانتخابات المقبلة.

 

قلق بايدن

ونصح ماسكيت، بايدن، بعدم القلق من مثل هذه الدعوات، مشيرًا إلى أن الحالة على الأرض في أفغانستان، أزمة إنسانية، وفي بعض الزوايا، إحراج استراتيجي لا أكثر، لكن سياسيًا، لعدد من الأسباب، من غير المحتمل أن يلحق ضرر كبير ببايدن، ولا بغيره من الديمقراطيين في صندوق الاقتراع.

لسبب واحد -يقول الكاتب- من النادر أن يحاسب الناخبون رئيسًا على قرار يتعلَّق بالسياسة الخارجية، مشيرًا إلى أنه أكثر من مجرَّد حقيقة، أن الاقتصاد يقود الانتخابات الأمريكية دائمًا، مضيفًا: (دائمًا ما يكافئ الناخبون الحزب الحاكم عندما ينمو الاقتصاد، ويعاقبونه خلال فترات الركود".

لكن -والحديث لأستاذ العلوم السياسية- ذلك لا يعني أن السياسة الخارجية لا تهم على الإطلاق، إذ يُظهر نموذج "الخبز والسلام" للباحث السياسي دوج هيبس، أن الاشتباكات الخارجية الدموية بشكل غير عادي، يمكن أن تضر بحزب الرئيس، فربما كان من الممكن، أن يفوز هاري ترومان وليندون جونسون بإعادة الانتخاب، بدلاً من التقاعد عامي 1952 و1968، على التوالي، لولا عمليات نشر القوات في كوريا وفيتنام، بينما لم تمنع حرب العراق جورج دبليو بوش من الفوز بولاية ثانية، رغم أنها أضرت -بلا شك- بأرقام اقتراعه اللاحقة، ولكن بخلاف مثل هذه الحالات النادرة في الانتخابات الأمريكية، من الصعب العثور على تأثير كبير للسياسة الخارجية في الانتخابات.

وأوضح ماسكيت، أن حالة حرب فيتنام مفيدة بالمثل، إذ استفاد الرؤساء جون كينيدي، وجونسون، وريتشارد نيكسون، بشكل كبير من وجود القوات هناك، لتجنُّب أن يُنظر إليهم على أنهم الشخص الذي "خسر" جنوب شرق آسيا، ومع ذلك، عندما سقطت مدينة سايغون -العاصمة السابقة لجمهورية فيتنام الجنوبية- في النهاية، كان تأثير ذلك ضئيلًا في الرئيس فورد، وكان يُنظر إلى الحرب ولا تزال إلى حد كبير، على أنها فشل سياسي ينتمي إلى الحزبين (الجمهوري والديمقراطي).

وبالمثل -يضيف الكاتب- عندما قُتل 241 من مشاة البحرية الأمريكية، في تفجير ثكنة بيروت عام 1983، سحب الرئيس دونالد ريغان المهمة العسكرية هناك، ومع ذلك نجح في تحقيق فوز ساحق بإعادة انتخابه بعد عام.

 

الاقتصاد أولًا

ولإبراز حقيقة أن الاقتصاد أهم من الحروب الخارجية بالنسبة للأمريكيين، قال ماسكيت في مقاله: إذا كان بايدن تمسَّك بقرار الانسحاب من أفغانستان، فإن ذلك قد لا يضره كثيرًا، لأن هذا ما حدث تاريخيًا مع بعض الرؤساء السابقين، ومن ذلك، رغم حصول الرئيس بوش على (دفعة متواضعة) شعبيًا بعد القبض على الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وحصول الرئيس باراك أوباما على (دفعة أكبر) شعبيًا من مقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن، فإن هذا التأثير تبخر بعد فترة ليست طويلة، قبل انتخاباتهم اللاحقة، وبينما حظي الرئيس بوش الأول بشعبية كبيرة بعد حرب الخليج، لم يكن ذلك كافياً لإنقاذ رئاسته، عندما ساء الاقتصاد.

وأضاف: لا شك أن السياسة لا تعرف الاستقرار على أمر ما، إذ يمكن للرؤساء ومعاونيهم ارتكاب أخطاء فادحة في الخارج، لكنهم نادراً ما يدفعون ثمناً باهظاً لذلك، ويمكنهم أيضًا أن يفعلوا شيئًا صحيحًا، مثل إنهاء الحروب، أو منع المجاعة في بلد ما، وما إلى ذلك، إلا أنهم لا يحصلون على الكثير من الفضل مقابل ذلك.

ويشير الكاتب، إلى أن المجالات الداخلية، قد يكون لها تأثير أكبر من مثيلتها الخارجية، في الناخب الأمريكي.

 

التشويه

وعن مدى تأثير الهجوم الحزبي على الرئيس أو معاونيه، يقول الكاتب: إذا كان هناك أي شيء يميِّـز السياسة الحديثة، فهو الاستخدام الذكي حتى للقضايا البسيطة، لتشويه سُمعة شاغلي المناصب.

ويضيف: عندما يتعلَّق الأمر هذه المرة بأفغانستان، فمن غير المرجَّح أن يضر الأمر بايدن، لأن ذلك ببساطة ليس موضوعًا يناسب الإطار الحزبي، ويرجع ذلك في جزء كبير منه، إلى أن قرار الحرب كان قد اتُخذ من الحزبين منذ بدايتها، وذلك للرد على هجمات 11 سبتمبر، السبب الذي دفع الولايات المتحدة إلى القضاء على طالبان.

وأشار ماسكيت، إلى أن قرار الحرب ضد طالبان، بعد الهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، كان أكثر اللحظات الحزبية تماسكًا في السياسة الأمريكية، خلال العقود الثلاثة الماضية، إذ إن القرار الذي تم تمريره بعد أيام من الهجمات، لم يصادف سوى صوت واحد بالرفض، للنائبة الديمقراطية باربرا لي من كاليفورنيا.

في حين -يضيف الكاتب- أن تطبيق قرار الحرب على العراق عام 2003، لم يحظ بالقوة نفسها ولا القبول بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فبينما كان المسؤولون عن الحزبين، يدعمون غزو أفغانستان وظلوا كذلك إلى حد كبير، عارض كثيرون منهم الحرب على العراق.

 

إنهاء الحرب

لكن بعد مرور 20 عامًا، بدا أن بعض السياسيين يعارضون (الحرب الأبدية) في أفغانستان، لذلك شهد التزام الرئيس السابق دونالد ترامب بـ "الخروج من هذه الحروب اللامتناهية السخيفة" توافقًا مع رغبة السناتور بيرني ساندرز في إنهاء "الحرب الأبدية" في أفغانستان، ومع مطالب السناتور إليزابيث وارين بضرورة الانسحاب واتفاق سلام مع طالبان.

أما في ما يتعلَّق بالرأي العام -يضيف الكاتب- ففي حين أن الأغلبية العظمى من الحزبين، كانت تدعم الغزو على نطاق واسع في وقت مبكر، ازدادت الانقسامات بمرور الوقت، وأظهرت أحدث الاستطلاعات أن 56 في المئة من الديمقراطيين، و29 في المئة من الجمهوريين، ينظرون إلى الاحتلال على أنه خطأ، لكن ربما الأهم من ذلك، أن تقريرًا لمؤسسة جالوب -شركة تحليلات واستشارات أمريكية- وجد أن الأمريكيين كانوا في الغالب، غير مهتمين بالقضايا العسكرية، ولم يهتموا بأفغانستان، ومن ثم سيكونون على ما يرام مع الانسحاب العسكري.

من جانبه، يحاول الحزب الجمهوري، إرسال بعض الرسائل الحزبية السريعة عن هذه القضية، فقبل أشهر فقط، عندما بدا أن بايدن يتأرجح، بشأن الجدول الزمني للانسحاب العسكري، الذي وضعه سلفه ترامب، هاجمت الأصوات المحافظة بايدن، لرغبته على ما يبدو في استمرار الحرب، فرغم أن اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، كانت لديها صفحة على موقعها الإلكتروني، تشيد بخطط ترامب للانسحاب من أفغانستان، حتى الأسبوع الماضي، فإنهم تحولوا الآن إلى مهاجمة بايدن لاتباعه الخطة نفسها، وحتى وقت قريب، كان ترامب ينتقد بايدن لعدم انسحابه بالسرعة الكافية، وهو ما تحول الآن أيضًا مع إسراع بايدن في الانسحاب.

ويوضح الكاتب في ختام مقاله، أن إنهاء الحرب في أفغانستان، لم يعد قضية حزبية مهمة في الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن أحد الأسباب التي ساعدت الرئيس فورد، عندما سقطت مدينة سايغون، أن الولايات المتحدة لم تكن ذات طبيعة حزبية حينها، ولم تكن هناك رسائل واضحة من القادة الديمقراطيين تلومه، ومن ثم فإنه رغم الفظائع التي تحدث في أفغانستان، فإنها لن تبقى على الصفحات الأولى فترة طويلة، ومن غير المرجَّح أن تكون ذات مركزية وأهمية كبيرة، خلال انتخابات الكونجرس العام المقبل، ناهيك عن ثلاث سنوات من الآن، أي انتخابات الرئاسة المقبلة.