كيف تستخدم المعتقدات الدينية للحشد للحروب؟
الأغلبية العظمى من بيانات التطرف والتطرف العنيف، مستمدة من مصادر ثانوية، مع ندرة توفر المصادر الأولية، فمع أنه يمكن لوجهات النظر الثانوية أن تكشف اتجاهات مهمة في التطرف والراديكالية، إلا أن المصادر الأولية هي فقط التي يمكنها تعميق فهم كيفية حدوث عملية دفع الشخص إلى تبني العنف.

ترجمات - السياق
سلَّطت الباحثة في شؤون الشرق الأوسط، ليان فوسترمانز، الضوء على استخدام المعتقدات الدينية للحشد للحروب الأهلية والصراعات العنيفة، قائلة إنه طالما كان دور هذه المعتقدات في الحشد للعنف، أحد الأسئلة المهمة في مجال التطرف والراديكالية.
وتساءلت الباحثة، في تقرير للموقع الإلكتروني "درايف بروجت": كيف ترتبط المعتقدات الدينية بالعنف؟ وهل هي أكثر قدرة على إثارة العنف مقارنة بالأيديولوجيات الأخرى؟
وأضافت الباحثة أن العلماء يتفقون على أن المعتقدات الدينية يمكن أن تؤثر في الحشد بشكل عام، لكنها ليست العامل الوحيد الذي يتسبب في إثارة العنف.
المعتقدات الدينية والعنف
وأبرزت فوسترمانز ثلاث نقاط، قالت إنها يجب إيلاؤها الكثير من الاهتمام في هذه القضية، أولاها ضرورة التفكير بشكل أكبر في العلاقة ثنائية الاتجاه، بين المعتقدات الدينية والعنف، والثانية: أهمية التفكير بشكل جيد في كيفية استغلال الأفكار الدينية في الصراعات، والثالثة: أن هناك حاجة إلى مزيد من العمل الميداني لتقييم دور هذه المعتقدات في تجارب المشاركين في العنف.
وقالت فوسترمانز: "لمعرفة كيفية ارتباط الدين والعنف ببعضهما، أمضيت عامًا في لبنان، المكان الذي شهد أحد أكثر الصراعات الطائفية، التي طال أمدها وشراستها في القرن العشرين، ورغم أن تأثير المعتقدات الدينية في التطرف المؤدي إلى العنف غالبًا ما يكون محل خلاف، فإن تأثير العنف في تطرف الأفكار الدينية يحظى باهتمام أقل بكثير، ولا يزال الرابط ثنائي الاتجاه، بين المفاهيم الدينية والعنف، غير مدروس بشكل جيد حتى الآن".
وأشارت إلى خلل آخر في المفاهيم الخاصة باستغلال الدين في الصراعات، إذ يُصوَّر الدين عادةً على أنه أداة تُستخدم، وكذلك يُساء استخدامها، من قادة الميليشيات لخدمة مصالحهم، لكن يتم إيلاء اهتمام أقل لحقيقة أنه يمكن استخدام الدين من المتشددين أيضًا، وهم ليسوا مجرد أتباع، بل يتعاملون مع العالم بشروطهم.
تبني العنف
وفقًا لفوسترمانز، فإن الأغلبية العظمى من بيانات التطرف والتطرف العنيف، مستمدة من مصادر ثانوية، مع ندرة توفر المصادر الأولية، فمع أنه يمكن لوجهات النظر الثانوية أن تكشف اتجاهات مهمة في التطرف والراديكالية، إلا أن المصادر الأولية هي فقط التي يمكنها تعميق فهم كيفية حدوث عملية دفع الشخص إلى تبني العنف.
وقالت الباحثة إنها من خلال الاستماع إلى مختلف النشطاء في لبنان، وجدت أن قصص المسلحين لا تتماشى بالضرورة مع التفاهمات السائدة عن "العنف الديني"، بل يمكن للدين أن يغير انتماء الشخص ودوافعه، كما أنه يمكن أن يلعب دورًا مهمًا (وإن لم يكن حصريًا) في التعامل مع البيئات عالية المخاطر.
وأضافت: "خلال عملي الميداني لمدة عام، أدهشني حرص المسلحين على مشاركة قصص حياتهم، حيث شعر البعض بأنه أسيء فهمه على المستوى الشخصي، بينما شعر آخرون بأن الديناميكيات الدينية صُوِّرت بشكل خاطئ على المستوى المجتمعي".
الصراعات العنيفة
تقول فوسترمانز: "من دون تبرير أعمال العنف هذه، حاولت أن أفهم دوافع هؤلاء المسلحين، ووجدت أنه لكي نتمكن من الحصول على إجابات من المقاتلين تتجاوز الكليشيهات المعروفة، ولكي يكشفوا عن الأجزاء المخزية في أنفسهم، فإن الباحثين يحتاجون إلى قضاء وقت طويل في هذا المجال، فهم بحاجة إلى بناء علاقات قائمة على الثقة، كما أنهم بحاجة إلى التعاطف، ليس لتبرير أفعالهم بل لفهمها".
ورأت الباحثة أن هناك حاجة داخل الأوساط الأكاديمية، إلى تطوير طرق أكثر جاذبية، لبحث التطرف والراديكالية التي تمتد إلى ما وراء التعريفات المشهورة، التي تؤكد دور الدين كما تم توضيحه من الفاعلين المشتركين في أعمال العنف.
وأعربت الباحثة عن اعتقادها، بأن المعتقدات الدينية والعلمانية، يمكن أن يكون لها التأثير نفسه في الحشد نحو العنف، وأوصت بضرورة الامتناع عن التعامل مع الدين، كعامل ثابت أحادي الاتجاه يدفع إلى العنف، قائلة إنه بدلاً من ذلك يجب استثمار المزيد من الوقت والجهد، في مقارنة الديناميكيات الدينية بنظيراتها لدى غير المتدينين.
وتابعت: "كما أننا بحاجة إلى أن نكون أكثر تحديدًا بشأن تأثير المعتقدات الدينية، والتعمق في أسباب دفعها للناس إلى تبني العنف، ولكن يجب وضع هذه المعتقدات في سياقها، فرغم أنه ينبغي عدم تقديمها على أنها قشرة خارجية تخفي المظالم الأساسية ذات الطابع الاقتصادي أو السياسي أو الشخصي، فإنه ينبغي عدم فصلها عن بيئتها أيضاً، فمن خلال البحث النقدي والمقارن فقط، سنتمكن من تطوير آراء أكثر أهمية عن دور الأفكار الدينية في الصراعات العنيفة".