أغنى من الملك... هل ينقذ ريشي سوناك بريطانيا من أزمتها الاقتصادية؟

أصبح ريشي سوناك، رسمياً، رئيسًا للوزراء في بريطانيا، ليكون أول مواطن من أصل هندي يصل إلى هذا المنصب، لكن مهمة سوناك، الذي يُعد أغنى من أفراد العائلة المالكة والأصغر منذ 200 عام، لن تكون مفروشة بالورد.

أغنى من الملك... هل ينقذ ريشي سوناك بريطانيا من أزمتها الاقتصادية؟
ريشي سوناك

ترجمات – السياق

بعد تعيين ملك بريطانيا، تشارلز الثالث له، أصبح ريشي سوناك، رئيسًا للوزراء في بريطانيا، ليكون أول مواطن من أصل هندي يصل إلى هذا المنصب.

لكن مهمة سوناك، الذي يُعد أغنى من أفراد العائلة المالكة والأصغر منذ 200 عام، لن تكون مفروشة بالورد، وإنما ستواجهه العديد من التحديات، في مقدمتها أقسى أزمات اقتصادية تشهدها البلاد منذ سنوات.

كانت ليز تراس، أعلنت قبل أيام، استقالتها من منصب رئيس الوزراء، بعد ستة أسابيع فقط من توليها رئاسة الحكومة، ودعت لإجراء انتخابات داخل الحزب لاختيار خلف لها، بعد مواجهتها النكسة تلو الأخرى، وصولًا إلى استقالة وزيرة الداخلية سويلا برايفرمان، والجلسة الصاخبة الأخيرة في البرلمان.

 

عيد الأنوار

تزامن تنصيب سوناك رئيسًا للوزراء في بريطانيا، مع احتفالات عيد الأنوار أو مهرجان ديوالي.

ورأت "واشنطن بوست" أن صعود سوناك إلى المنصب الأعلى في بريطانيا، ذو أهمية خاصة في بلد كافح كثيرًا للتعامل مع إرث ماضيه الاستعماري، مشيرة إلى أن المملكة المتحدة حكمت الهند ما يقرب من قرن من الزمان ، وهو ما جعل البلاد مركزًا لإيواء الآلاف من أصول هندية، الذين حصلوا مع الوقت على الجنسية البريطانية، وصاروا أحد أهم أضلع النسيج الوطني.

ففي "ساوث هول" -وهي منطقة غربي لندن تسمى أحيانًا الهند الصغيرة بسبب جالياتها الكبيرة- احتفل الناس في الشوارع بفوز سوناك، رغم أن العديد من السكان يدعمون حزب العمال المعارض.

ونقلت الصحيفة عن دافينربال سينغ كونر، 67 عامًا، جراح أسنان، قوله: "إن انتخاب ريشي سوناك رئيسًا للوزراء في يوم ديوالي يعد فألًا حسنًا".

وأضاف الرجل الذي كان يتحدث خارج أحد المعابد، بينما أشعل الأطفال الشموع خلفه: "يا له من شيء رائع"، متابعًا: "إنها لحظة فريدة أن يكون لديك رئيس وزراء من أصل آسيوي"، مؤكدًا أنها لحظة محورية في سياسة هذا البلد.

بينما شبه هارديب مروة، 45 عامًا، عامل تقني في الخدمة الصحية الوطنية، فوز سوناك بلحظة إعلان فوز باراك أوباما (من أصل إفريقي) برئاسة الولايات المتحدة، مضيفًا: "هذا الأمر يفتح الباب أمام جنوب آسيا للتأثير في السياسة العالمية".

ورغم احتفالات الجالية الهندية، فإنه -حسب الصحيفة الأمريكية- لم يكن الآخرون في بريطانيا يحتفلون بهذا القدر، لأن سوناك لم يأتِ عبر انتخابات عامة، وإنما جاء اختياره داخليًا في حزب المحافظين.

وحصل سوناك على 194 صوتًا من أصل 357، بينما حصلت منافسته التي انسحبت بيني موردونت على 25 صوتًا فقط.

وفي الهند، اتخذ فوز سوناك معنى إضافيًا، لا سيما بين القوميين الهنود، الذين عدوا وصوله إلى منصب رئاسة الوزراء رد اعتبار، حيث سيحكم سوناك الامبراطورية الاستعمارية السابقة التي حكمت بلادهم.

بينما أرسل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي تهنئه إلى سوناك، مشيرًا إليه على أنه "الجسر الحي" للهنود البريطانيين "وأعرب عن أمله بأن "يحوِّلوا معًا روابطنا التاريخية إلى شراكة حديثة".

وفي هذا السياق، قال أفيناش باليوال، أستاذ العلوم السياسية في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية: إن تولي سوناك قيادة بريطانيا يعني أنه خالف العُرف السائد في بريطانيا خلال القرن الـ21 الذي لم يسبق أن سُمِح فيه لأبناء الأقليات بتولي الحكم، وبالنسبة إلى الهنود فإن ذلك يدل على تنامي قوة الهند وتراثها في العالم.

كما أشاد الكاتب الهندي أنوغ دهار بالإنجاز المذهل المتمثل في قيادة بريطانيا من قِبل هندي، في حين أشار راغديب سارديساي مذيع الأخبار الشهير في الهند، إلى أن فوز سوناك بزعامة بريطانيا يأتي بعد 75 عامًا من استقلال الهند، وقال: "هذه هي الروح القتالية للهنود"، وقالت بريتي غاندي إحدى زعماء الحزب الحاكم في الهند، إنها سعيدة جدًا وفخورة بإنجاز سوناك الذي يفتخر بثقافته وجذوره الهندية ويحترمها.

 

فمن هو سوناك؟

وُلِد سوناك في بريطانيا، بعد أن هاجر والداه من شرق إفريقيا في ستينيات القرن الماضي إلى ساوثهامبتون بإنجلترا، وكان والده طبيبًا في حين عملت والدته صيدلانية، وكثيرًا ما أشاد سوناك بتضحيات والديه ودورهما في ما وصل إليه.

ووفقًا لقائمة صحيفة صنداي تايمز للأغنياء، تُقدر ثروة سوناك، المصرفي السابق، وزوجته، وريثة امبراطورية التكنولوجيا الهندية، أكشاتا مورتي، بنحو 730 مليون جنيه استرليني أو نحو 827 مليون دولار، بينما وصلت ثروة الملك تشارلز في قائمة 2022، بنحو 370 مليون جنيه استرليني (419 مليون دولار).

كانت زوجة سوناك في قلب فضيحة ضريبية، بعد أن تبين أنها كانت تقدِّم في المملكة المتحدة مُقيمًا "غير مقيم"، ما سمح لها بتجنُّب دفع الضرائب البريطانية على الدخل الكبير الذي كسبته في الخارج .

 

شمس بريطانيا

وفي خطاب متلفز مقتضب، كان الأول له كزعيم لحزب المحافظين، أشاد سوناك بـ "كرامة ونعمة" رئيسة الوزراء المنتهية ولايتها ليز تراس -التي كانت ولايتها التي استمرت ستة أسابيع كارثة غير مسبوقة- وحذر من أن بريطانيا تواجه "تحديًا اقتصاديًا عميقًا".

بهذه الكلمات القليلة -حسب الصحيفة البريطانية- بدأت التوقعات بإمكانية عودة (شمس بريطانيا التي لا تغيب)، بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، التي ترتكز على حقائق جديدة.

وتعهد سوناك بالعمل "بنزاهة وتواضع" وهي الصفات التي أشار إلى أنها كانت مفقودة عندما استقال من حكومة بوريس جونسون.

وقال سوناك، في كلمة مقتضبة له من مقر حزب المحافظين في ويستمنستر عقب فوزه بزعامة الحزب ورئاسة الوزراء: "لاشك أننا نواجه تحديًا اقتصاديًا كبيرًا، والآن نحتاج إلى الاستقرار والوحدة، وسأجعل ذلك أولويتي القصوى، أن أوحد حزبنا وبلدنا، لأن هذا هو السبيل الوحيد للتغلب على التحديات التي نواجهها وبناء مستقبل أفضل وأكثر ازدهارًا لأطفالنا وأحفادنا".

ونوهت الصحيفة إلى أن سوناك كان يقصد الإشارة إلى فترة عدم الاستقرار التي عاشتها بريطانيا، خلال حكم تراس القصير.

وتعهد بأن يخدم في منصبه هذا بنزاهة وتواضع، مضيفًا: "من دواعي سروري أن أتمكن من خدمة المملكة المتحدة"، واصفًا المملكة بأنها "بلد عظيم".

وأشاد سوناك برئيسة الوزراء المستقيلة ليز تراس لإخلاصها وتفانيها في قيادة البلاد "في ظل ظروف صعبة بشكل استثنائي في الداخل والخارج"، على حد تعبيره، معربًا عن تشرفه بدعم زملائه من حزب المحافظين.

 

انتخابات عامة

وحسب واشنطن بوست، يبدو أن حزب العمال المعارض لن يترك سوناك يهنأ بشهر العسل الأول له في السلطة، وواصل دعواته لإجراء انتخابات عامة.

وقالت نائبة زعيم حزب العمال آنغيلا راينر، في بيان: "حزب المحافظين توَّج ريشي سوناك رئيسًا للوزراء من دون تحدثه بكلمة واحدة عن كيفية إدارته للبلاد، ومن دون أن يحظى أي شخص بالتصويت".

وأضافت: "هذا ريشي سوناك نفسه الذي أخفق وزيرًا للخزانة في تنمية الاقتصاد، وفشل في السيطرة على التضخم ومساعدة العائلات في أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة... هو ريشي سوناك نفسه الذي تهربت عائلته من دفع الضرائب في هذه البلاد، قبل أن يفرض الضرائب على الآخرين"، وتابعت: "بهذا السجل، وبعد أن هزمته ليز تراس خلال انتخابات الصيف، لا عجب أنه يتهرب من التدقيق".

ورأت أن سوناك ليست لديه أي فكرة أو تفويض عما تحتاجه العائلات العاملة، حيث إن هناك حاجة إلى انتخابات عامة حتى يتمكن الناس من تحديد مستقبل بريطانيا، على حد تعبيرها.

بينما رأى رئيس حزب العمال البريطاني المعارض كير ستارمر أن الشعب البريطاني لا يستحق الفوضى، مطالبًا بإجراء انتخابات عامة.

وأوضح ستارمر أن "الانتخابات العامة ضرورة ملحة من أجل مستقبل بريطانيا، ولا يمكن خروج المحافظين من أزماتهم بتغيير القيادة بينما الشعب يعاني".

 

تحديات سوناك

وعن التحديات التي تنتظر سوناك، رأت "واشنطن بوست" أن أبرز هذه التحديات، محاربة التضخم، وعودة العملة البريطانية (الجنيه الاسترليني) إلى بريقها المفقود أمام الدولار الأمريكي.

وقالت: "سوناك -السياسي المعتدل من يمين الوسط- يعد بصياغة مسار حكيم لتحقيق التوازن بين ثوابت بريطانيا ومعالجة ديونها المرتفعة للغاية، التي ترجع جزئيًا إلى اقتراضه الكبير، حيث حمل "سوناك"، كمستشار في عهد جونسون خلال وباء كورونا، الحكومة تغطية ما يصل إلى 80% من أجور ملايين العمال البريطانيين الذين حصلوا على إجازات، وهي واحدة من أكثر إعانات الوباء سخاءً في العالم".

كما روَّج "سوناك" لشهر من الوجبات المدعومة في أغسطس 2020، أطلق عليها "تناول الطعام في الخارج " أو "أطباق ريشي"، هدفت لإعادة البريطانيين إلى المطاعم دعمًا لاقتصاد بلادهم.

لكن ما زاد أزمات بريطانيا بخلاف الوباء -حسب الصحيفة- خطة تراس لخفض الضرائب على الأثرياء والشركات ومضاعفة الاقتراض، على أمل حدوث طفرة في نمو العرض، وهو ما لم يحدث، ما اضطرها إلى الاستقالة.

وحتى بعد استقالة تراس، فإن مؤشر البورصة في البلاد مازال يعاني، بينما تراجع الجنيه الاسترليني أمام الدولار ليتم تداوله بـ 1.13 دولار.

أمام ذلك، يتوقع بنك إنجلترا ركودًا في بريطانيا خلال الأشهر المقبلة.

وقد بلغ التضخم ذروته عند 10.1 في المئة، وهو أعلى مستوى في 40 عامًا، مع ارتفاع تكلفة المعيشة بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء، مدفوعة جزئيًا بالحرب الروسية في أوكرانيا.

كما خفضت وكالة التصنيف موديز التوقعات الاقتصادية لبريطانيا من "مستقرة" إلى "سلبية"، الجمعة الماضية، مستشهدة "بعدم القدرة على التنبؤ بصُنع السياسة وسط المشهد المحلي المتقلب" و"خطر استمرار التضخم".