تيار التغيير.. عباءة جديدة لتنظيم الإخوان أم تكريس للانقسام؟

بعد عودة تيار التغيير مجددًا... ما سر توقيت ظهور ذراع الإخوان العنيف؟

تيار التغيير.. عباءة جديدة لتنظيم الإخوان أم تكريس للانقسام؟

السياق

من لندن إلى إسطنبول باتت الانقسامات عنوان تنظيم جبهتي الإخوان الوحيد، والتي استخدمت فيها الأسلحة المشروعة وغير المشروعة في إطار الصراع على إرث مؤسِّس التنظيم حسن البنا.

فالتنظيم الإرهابي والذي أسس بنيانه قبل 94 عامًا على مبادئ السمع والطاعة، يعيش الآن حالة استثنائية من الانقسامات التي ضربت صفوفه وجعلت أتباعه في حيرة من أمرهم، بشأن أي من الفرعين سيَتَّبعون.

إلا أنه في خضم ذلك الانقسام، كان الفكر الإخواني على موعد مع نبتة شيطانية جديدة اتخذت من شعاراته سبيلًا للخروج إلى العلن، مرتكزة على إرث القطبيين منهاجًا لها، وحالمة بدخول حلبة الصراع على الإرث الملوث بالدم.

تلك الجبهة والتي أطلت برأسها مجددًا من مدينة إسطنبول التركية في مؤتمر صحفي، مساء السبت الماضي، تحت مسمى «الكماليون» (المكتب العام) أو «تيار التغيير»، تعدّ ذراع التنظيم العنيف والذي يرفع شعار الفوضى سبيلًا للوصول لأهدافه، مما أطلق جرس إنذار من احتمالية عودة العمليات الإرهابية.

بعد ساعات قليلة من بدء مؤتمر ما يسمى بـ"تيار التغيير" الممثل لجبهة "الكماليون" والمنعقد في إسطنبول، خرجت وثيقة على شبكة الإنترنت منسوبة لجماعة الإخوان، زعمت فيها أنها لا تسعى للسلطة أو الحكم.

هذه الوثيقة جاءت بالتزامن مع ما تضمنه مؤتمر "تيار التغيير" من ضرورة تدشين ما يسمى بـ"عقد اجتماعي جديد" في مصر، وبدء فترة انتقالية تشاركية وطنية تمهيدًا لبناء نظام يطبق مقاصد الشريعة الإسلامية.

وأعلنت هذه الوثيقة، التي نسبها مراقبون إلى جبهة لندن بقيادة إبراهيم منير، أنها تمد يدها للقوى السياسية المختلفة لمعالجة مع وصفته بتفكك الجبهة الداخلية وفق مبادئ ثورة 25 يناير.

 

محاولة بائسة

أحمد بان المحلل السياسي المختص في شؤون الجماعات الإرهابية يقول لـ"السياق"، إن الإخوان كتنظيم هم أبطال الفرص الضائعة ولديهم مشكلة عميقة في فروق التوقيت.

ولفت بان إلى أن الخيارات كافة التي يطرحها التنظيم فات أوانها، ولن تفلح في إعادة "تعويمه" مرة أخرى، مشددا على أنه لا يمكن الحديث عن عودتهم للعمل السياسي دون مراجعة جادة لاختياراتهم السياسية والفكرية، وكرر قائلًا: "أتصور أنها محاولة يائسة للعودة لن تغنى شيئًا ولن تنجح".

من جانبه، يرى سامح عيد الكاتب والباحث في الحركات الإسلامية والإخواني السابق في تصريحات لـ"السياق"، أن الوثيقة صادرة عن جبهة إبراهيم منير.

وأوضح عيد، أن القوى السياسية في مصر ليس لديها الرغبة أو الطمأنينة في التعامل مع القوي السياسية، وأن التعاون معهم كتنظيم هو مصدر خطورة كبيرة.

وفيما يتعلق بحدود نجاح وثيقة الإخوان، أكد الباحث في الحركات الإسلامية، أن التنظيم الإرهابي سبق أن أعطى إشارات كثيرة من قبل لبَثّ الطمأنينة لدى القوى السياسية في مصر، لكن تم التراجع عنها، وأن هذه القوى ليس لديها الثقة فيما تصدره "الإخوان"، واعتبارهم كيانًا غير قانوني يحرض على العنف.

 

مغازلة القوى السياسية

من جانبه أكد منير أديب الباحث في شؤون الحركات الإسلامية والإرهاب الدولي لـ"السياق"، أن الوثيقة تهدف بشكل أساسي إلى محاولة العودة للعمل العام مرة أخرى، سواء بالتقرب من القوى السياسية التي أخذت موقفًا- ومازالت- من جماعة الإخوان بسبب تبنيها سياسة العنف، أو تلك التي حرضت عليها الإخوان على مدار السنوات الماضية منذ عام ٢٠١١ وحتى هذه اللحظة.

واعتبر أديب أن هذه الوثيقة تغازل القوى السياسية في محاولة التقرب إليها، وفي نفس الوقت التنظيم يريد إعادة نفسه مرة أخرى إلى المشهد السياسي، ويقدم نفسه للسلطة، ولو عبر طرح له علاقة بعدم ممارسة السياسية على الأقل في الوقت الراهن أو في القريب العاجل.

وأوضح أن تنظيم الإخوان يعتقد أن السلطة في مصر قد تتقرب إليهم أو تستمتع إليهم أو تدخل معهم في حوار أو ربما تقبلهم في الفترة القادمة إذا اعتزلوا السياسية، خاصة أن ثمة انتخابات رئاسية ربما عام ٢٠٢٤، ولا تريد السلطة أو الدولة أو الرئيس أي محاولة لتأليب الرأي العام في الداخل خلالها.

ونبه أديب إلى أن الوثيقة تعبر عن النهج الراديكالي العنيف للجماعة في تأليب الشراع ضد النظام لإحداث فوضى، فضلًا عن إعلانها بشكل مباشر عن استمرار تبنّيها لنهج حسن البنا.

 

وثيقتان

على صعيد آخر، قال الدكتور عمرو عبد المنعم الباحث المتخصّص في الحركات الأصولية خلال تصريحات لـ"السياق"، أننا أمام وثيقتين وليست وثيقة واحدة، وثيقة أخرجها مكتب إبراهيم منير في لندن، ووثيقة أخرى أخرجها ما يسمي بـ"تيار التغيير"، والاثنتان تحملان تناقضًا شديدًا وكبيرًا في المعني والمضمون.

وأوضح عبد المنعم أنه بخصوص فهمهم للسياسة، كان إبراهيم منير واضحًا بأن اتخذ قرارا بأن يتجاوز الإخوان الصراع على السلطة، وأنه لن يسعى إلى التنافس على السلطة.

أما وثيقة تيار التغيير، بحسب الباحث، فقد تناقضت تمامًا مع هذا الأمر، واعتبرت السياسة جزءًا من عملها، بل واستخدمت مدلولات أكثر قوة وأكثر عنفًا، وقالت إن الأمر لو وصل إلى التغيير بالقوة لاستخدمنا كل الوسائل لهذا التغيير، الأمر يؤكد أنّ هناك صراعًا كبيرًا داخل جماعة الإخوان على السلطة ويتناقض فيما بينها في المفهوم والمضمون.

واعتبر عبد المنعم أن الوثيقة التي أصدرها منير، ليست بالون اختبار، لكنها محاولة للخروج من المأزق الذي تعاني منه جماعة الإخوان، فهناك صراع على الأجنحة والأضلع الرئيسة وصلت إلى خمسة أجنحة؛ وهم: جناح إسطنبول وجناح لندن وجناح التغيير "المكتب العام"، وجناح ينتظر من يفوز في هذه المعركة، وجناح بالداخل ينتظر ليحدد كيف ينضم إلى الركب الخاص بأي من الأضلع الأربعة الأخرى.

وشدد على ضرورة التفرقة بين الجماعة والتنظيم والعناصر الشبابية التي تريد أن تخرج من الإخوان وتندمج في المجتمع، وما بين الشباب الذين ينخرطون في عنف أو يؤكدون موقفهم دائمًا من التعامل مع العنف.

 

فصل الدعوة عن السياسة

عمرو عبد المنعم أكد أيضًا أن جماعة الإخوان تلعب منذ فترة بفكرة العمل الدعوي وانفصاله عن العمل السياسي، ولا يظن أن التعامل مع الإخوان حتى من منظور دعوي أمر مطروح في أجندة الدولة المصرية أو خيارات شباب الجماعة على السواء.

وأوضح أنه حتى الآن لم يتخذ شباب التنظيم موقفًا من وثيقة "منير"، خصوصًا أنها لا تدعم استخدام العنف في مواجهة الدولة، فضلًا عن أن هذا التيار الشبابي يضم عناصر مطلوبة أمنيًا مثل يحيى موسي ومحمد منتصر ومحمد إلهامي ويحيى حامد، بجانب مجموعة من القيادات المطلوبة في قضايا عنف وإرهاب في مصر.

ويرى عبد المنعم أن الجماعة لم تتخذ حتى الآن موقفًا واضحًا من عدة أمور، منها الموقف من النظام المصري والمجتمع، كما لم تقيم تجربة العمل العام الذي تولت فيه الحكم، ولم تقيم أيضًا تجربة السبعين عامًا التي قضتها قبل وصولها إلى الحكم، بل حتى لم تقيم مواقفها الفكرية بعد هزيمتها في المغرب وتونس، وانحسار دورها في الأردن وبعد تلاشي دورها في السودان.