هل تكون نهاية النظام الإيراني على يد النساء؟
وصفت فرزانه ميلاني ما يحدث بأنه لحظات تحول زلزالية في التاريخ الإيراني، قائلة: هذا فجر عهد جديد في إيران.

ترجمات - السياق
تساءلت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، عن الأسباب الحقيقية وراء كراهية النظام الإيراني للنساء منذ نشأته عام 1979، وكيف أعاقت هذه الكراهية توطيد حكمه الذي يستمر لنحو أربعة عقود، بالشكل المطلوب، ما يهدِّد استمراره ويتوعده بنهاية قريبة.
وأشارت في تحليل للأكاديمية فرزانه ميلاني، أستاذة الأدب الإيراني ودراسات النوع الاجتماعي في جامعة فيرجينيا، إلى أن ما سمته (أربعة عقود من القمع والفصل العنصري) أشعلت شرارة حركة احتجاجية بقيادة النساء تهدد الجمهورية الإيرانية وتُلهم العالم.
وقالت ميلاني: "يجب على المرء أن يتوقع ما هو غير متوقع في إيران ما بعد ثورة الخميني، ومع ذلك، قبل شهر واحد، لم يكن من الممكن أن يتخيل الخبراء والمراقبون أن إيران ستكون مهد حركة تقودها النساء تطالب بالمساواة بين الجنسين وتُلهم العالم".
وتابعت: "قليلون، داخل أو خارج البلاد، كان بإمكانهم تصور أن اعتقال وموت مهسا أميني، وهي فتاة تبلغ من العمر 22 عامًا، من قِبل ما يسمى بشرطة الآداب في إيران سيؤدي إلى حركة احتجاجية ضخمة، يعتبرها الكثيرون بوادر ثورة جديدة مبكرة، قد تكون نواة لنهاية حكم الملالي في إيران".
تحدي النساء
وأشارت ميلاني إلى أنه على الرغم من أن شرطة الأخلاق- المجهزة بالهراوات والمدفوعة بأعلى درجات العنف، للاعتداء على النساء وترهيبهن وتأديبهن وحتى قتلهن- لا تزال تمارس سلطتها المُفرطة ضد النساء، إلا أنهن يتحدين كل ذلك باستمرار حرق الحجاب الإلزامي، بل ويعلقن حجابهن على أغصان الأشجار والأعمدة، كإشارة إلى عهد جديد يتشكل".
واعتبرت أن النساء في إيران يلجأن إلى حرق أغطية الرأس الإلزامية باعتبارها من بقايا الماضي وكأنهم "ينفثون بها في النسيم كأعلام لنظام مستقبلي جديد".
وبينّت الكاتبة، أن الشابات الراقصات والهتافات النسائية حلّت محل الرجال الملتحين المتشددين -الذين كانوا يخرجون لتأييد أفكار نظام الملالي- مضيفة: "لقد حلت الشعارات- مثل المرأة، الحياة، الحرية- محل صرخات الموت لهذا وذاك".
وأمام هذا التطور، اعتبرت ميلاني، أنَّ شوارع إيران لم تعد حكرًا على الرجال، وأن "تظاهرات الشابات" باتت تظهر إيران فتية وغير عنصرية، لافتةً إلى أن أكثر من نصف سكان البلاد الحاليين وُلِدوا بعد ثورة 1979.
ورأت أن هذه المظاهرات أظهرت أن الإيرانيين "سئموا الديكتاتورية والعنف"، وتكشفت إيران أخرى "المثقفة رقميًا، والمتواصلة مع العالم بعيدًا عن التطرف والتشدد".
ونوهت الكاتبة إلى أنه بفضل هذا الجيل الشاب من النساء والرجال، أشعلت الدولة المعزولة والمنبوذة احتفالًا عالميًا بالديمقراطية والمساواة بين الجنسين، مشيرةً إلى أنَّ هذا الاحتفال الجريء بالتطلعات. الديمقراطية تقوده النساء الإيرانيات اللواتي غالبًا ما تم تصويرهن في الغرب على أنهن لا صوت لهن، وعاجزات، ومضطهدات.
محو النساء
وأشارت ميلاني إلى أن المبدأ الأساسي الذي أقيمت عليه الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 كان إعادة النساء إلى القبو (ربة منزل لا أكثر)، ومحو وجودهن من المجال العام.
ولفتت إلى أنَّ النخبة الحاكمة أرادت عزل النساء وإبقاءهن بعيدًا عن المجال العام، إذ سرعان ما ألغوا القوانين التي تحمي حقوق المرأة والكرامة الإنسانية، وسرعان ما أصبحت العمامة- التي حظرها الزعيم السابق رضا شاه بهلوي- شارة المرشد الأعلى، حيث تحول الحاكم من "الملك، الشاه المتوج"، إلى "المرشد الأعلى، والوصي على الأمة كلها".
وحسب الكاتبة، أرادت النخبة الحاكمة إعادة تأسيس الأنماط التقليدية للحكم، وإعادة الأسرة الأبوية، وإعادة تنظيم العلاقات بين الجنسين داخلها، لافتة إلى أنه مما لا يثير الدهشة أن المرسوم الأول للجمهورية الإسلامية- الذي صدر في 26 فبراير 1979، قبل قانون الحجاب الإلزامي وحتى قبل المصادقة على الدستور- كان إلغاء قانون حماية الأسرة لعام 1967، الذي منح حريات أكبر للمرأة في مجالات الطلاق وتعدد الزوجات وقوانين حضانة الأطفال.
وكشفت عن أنَّ نظام الملالي أصدر قوانين تقييدية جديدة بحق المرأة، حيث لجأ إلى التنمر والتشهير العلني وسجن أي امرأة تحاول إعادة تأكيد حقوقها وخياراتها وهويتها، مشيرة إلى أنَّ التوجيهات الموجهة للنساء بعد ثورة 1979 دارت حول حتمية اختفاء المرأة من الأماكن العامة تمامًا، وإن اضطرتها الظروف للخروج فعليها الالتزام بالحجاب، إذ كان الشعار الدائم الذي رفعه هذا النظام في وجه المرأة (غطي جسمك، وغطّي صوتك، وكأنك غير مرئية وليس لكِ أي وجود).
إسقاط النظام
ورغم ذلك -حسب ميلاني- رفضت النساء أن يصبحن غير مرئيات، وبلا صوت، وعاجزات، فتحدوا النظام في كل خطوة وظهروا كمحفزات نشطة للتغيير، ولم يتوقف دورهن عند ذلك فحسب، بل حاربن الإقصاء، وملأوا الشوارع وكافحن من أجل حرية التنقل بحرية، وأن يكنّ جزءًا من العالم العام، وأن يُسمع صوتهن، ويُنظر إليهن، ويُعترف بهن كمواطناتٍ متساويات في الحقوق مع الذكور، مضيفة: "وبعد أن نجحن في إظهار أنفسهن، بِتْنَ الآن في طريقهن لتحطيم أصعب وأعلى سقف وهو إسقاط القيادة الوطنية ذاتها".
وبيَّنت أن النساء الإيرانيات بِتْن في طليعة حركة تحويلية واسعة لعكس ردّ الفعل العكسي ضد مكاسبهن السابقة والحصول على حقوق متساوية، مشددة على أنهن بِتْن لا يخشين مواجهة شرطة الأخلاق الحكومية، بل ويتحدَّين عدم ارتداء الحجاب الإجباري، ورفعن أصواتهن للمطالبة بحقوقهن كاملة باعتبارهن قسائم الرجال، ولا ينقصن عنهم في شيء.
ورأت الكاتبة، أن الشابات اللواتي يقودن الانتفاضة الحالية هن بنات وحفيدات النساء اللواتي خاطرن بحياتهن سابقًا لتمهيد الطريق لإرساء الديمقراطية وإلغاء الفصل العنصري، مشيرة إلى أنه بعد مرور نحو 43 عامًا على محاولة النخبة الحاكمة المهووسة إعادة عزل المجتمع الإيراني، فإن النساء يصنعن الآن تاريخًا غير مسبوق داخل وخارج البلاد.
وشدَّدت على أن النساء الإيرانيات برزن كناجيات متمرسات وقوة مدنية هائلة لا يستهان بها، توفر بديلًا واعدًا لقيادة بلد في حالة انحدار عميق وسريع للخروج من أزمته الحالية.
وخلصت ميلاني تحليلها بالاستشهاد بإحدى عبارات الأديب الإيراني الشهير بهرام بيزي، في تحفته الفنية موت الملك يزدغيرد، حيث يضع التاج على رأس بطلته الرائعة، وهي تنطق بهذه الكلمات: "لقد كنت أنتظر التحرر لفترة طويلة ".
ووصفت ما يحدث بأنه لحظات تحول زلزالية في التاريخ الإيراني، قائلة: "هذا فجر عهد جديد في إيران".