في ولايته الثالثة.. هل يتجه شي جين بينغ نحو المواجهة مع الغرب؟
وجه شي انتقادات مبطنة للولايات المتحدة وحلفائها، متفاخرًا بأن الصين تحت قيادته اتخذت موقفًا واضحًا ضد الهيمنة ووقفت بثبات في مواجهة التنمر.

ترجمات - السياق
مع استعداده لبدء ولاية ثالثة، تساءلت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، عن إمكانية اتجاه الزعيم الصيني شي جين بينغ نحو المواجهة مع الغرب، مشيرة إلى أن توطيد سلطة ما وصفته بـ"زعيم باراماونت" قد يؤدّي إلى زيادة المخاطر مع تصاعد التوترات بشأن تايوان والحرب في أوكرانيا.
كان الرئيس الصيني كشف عن نِيّته في توجيه السياسة الخارجية لأكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان والقوة العسكرية العظمى الصاعدة، بعيدًا عن المصالحة مع الغرب، حيث حذر من "التطورات الدولية الخطيرة" التي لم نشهدها في المائة عام الماضية.
وفي خطاب استمر قرابة ساعتين في افتتاح المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني في بكين يوم الأحد، أشاد شي بنجاح إدارته في مواجهة ما سماه التدخل الأجنبي وحماية "كرامة" الصين و"مصالحها الأساسية".
وقال شي جين بينغ، خلال افتتاح المؤتمر الـ20 للحزب الشيوعي الحاكم: إنَّ بكين تمكنت من السيطرة الكاملة على هونغ كونغ، وستمضي قدمًا على النهج ذاته في تايوان، فيما وعد بتحقيق نمو اقتصادي كبير، مشددًا على أن بكين "لن تسعى إلى الهيمنة، ولن تنخرط في أنشطة توسعية".
وتعهد شي، في المؤتمر الذي يُعقد كل خمس سنوات، بخوض "كفاح كبير ضد النزعة الانفصالية والتدخل" في جزيرة تايوان التي تتمتع بحكم ذاتي، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن "الوضع في هونغ كونغ حقق تحولًا كبيرًا من الفوضى إلى الحكم".
وأشاد شي بحكم الحزب الشيوعي، الذي يتوقع أن يمنحه ولاية ثالثة على رأس السلطة، قائلًا: إن "المؤتمر الوطني الـ20 للحزب الشيوعي الصيني مهم جدًا، وينعقد في لحظة حساسة، عندما يبدأ الحزب بأكمله والشعب من جميع المجموعات الإثنية برحلة جديدة لبناء بلد اشتراكي حديث بشكل شامل".
مهاجمة واشنطن
وحسب فايننشال تايمز، وجه شي انتقادات مبطنة للولايات المتحدة وحلفائها، متفاخرًا بأن الصين تحت قيادته اتخذت "موقفًا واضحًا" ضد الهيمنة ووقفت بثبات في مواجهة "التنمر".
وكرر أقوى زعيم صيني منذ ماو تسي تونغ -مؤسس الجمهورية الصينية- التزامه بالسيطرة على تايوان، ولو بالقوة العسكرية، لكنَّه حذر قادة الحزب المجتمعين في قاعة الشعب الكبرى من وجود "بيئة دولية غير مستقرة"، قائلًا إن الصين "يجب أن تكون مستعدة للرياح القوية والأمواج العالية، وحتى العواصف الخطيرة".
وحسب الصحيفة البريطانية، جاءت تصريحات شي في الوقت الذي تدهورت فيه العلاقات بين الصين والغرب إلى أدنى مستوياتها التاريخية.
وأمام هذا التدهور، يرى الخبراء من كلا الجانبين احتمالًا ضئيلًا للتحسن في عهد شي، الذي سيعزّز قيادته إلى ما بعد فترتي أسلافه ومدتهما خمس سنوات في مؤتمر الحزب هذا الأسبوع.
ونقلت الصحيفة عن تشاو تونغ من جامعة تسينغهوا في بكين، قوله: "لقد أقنعت القيادة الصينية نفسها بأن الغرب لن يقبل طواعية صعود الصين ما لم تظهر بكين قوة هائلة".
وبالفعل، أكّد شي في خطابه أمام المؤتمر العشرين للحزب، الأحد، أن بلاده ستواصل إصلاح وتطوير الجيش الصيني، لتحقيق هدفها المتمثل في بناء جيش على مستوى عالمي عالٍ بحلول الذكرى المئوية للجيش الصيني في عام 2027، ووعد بأن تجديد شباب الأمة يمشي في مسار "لا رجوع فيه".
وتعليقًا على ذلك، قال جون ديلوري، الخبير في السياسة الصينية في جامعة يونسي في سيول: بدا خلال الخطاب أن شي مُصرّ على أن الأمن يأتي أولًا، وأن الحزب وحده هو الذي يمكنه الحفاظ على أمن الأمة والشعب الصيني.
فيما قال محللون إن شي، الذي تولى السلطة في عام 2012، تخلى بشكل حاسم عن عقود من الحذر في العلاقات الخارجية لبكين، بينما يسعى لتحقيق رؤيته الخاصة بـ "التجديد العظيم" للصين كقوة عظمى.
وأمام ذلك، يرى رايان هاس، المدير السابق لمجلس الأمن القومي في البيت الأبيض للصين وتايوان، أن بكين تبدو كأنها مصممة على إجبار الدول الأخرى على قبول سلوك الصين وطموحاتها، بدلًا من "تهدئة المخاوف الخارجية" بشأن قوتها المتراكمة.
وقال هاس، الذي يعمل الآن بمعهد بروكينغز، في مقال حديث: "في حين أن الزعيم الأعلى السابق دنغ شياو بينغ دعا إلى الصبر بشأن بسط الهيمنة عالميًا، يبدو أن شي نفد صبره"، مضيفًا: "يبدو أن قادة الصين يريدون إخطار العالم بأنهم مستعدون لمواجهة أي دولة تجرؤ على الوقوف في طريقهم نحو" التجديد الوطني".
ردود الغرب
وحول ردود الغرب تجاه تطلعات الصين، رأت فايننشال تايمز، أنه استجابةً للمخاوف من النفوذ العسكري والاقتصادي المتزايد للصين، تعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها على إضفاء الطابع الرسمي على مجموعات اقتصادية وأمنية متعددة الأطراف وتقيد وصول الصين إلى التقنيات الرائدة.
أيضًا -حسب الصحيفة- أصبحت العواصم الغربية صريحة على نحو متزايد بشأن حملات بكين القمعية في شينجيانغ وهونغ كونغ، مع رفض الوجود المتزايد لجيش التحرير الشعبي في بحر الصين الجنوبي وحول تايوان.
ووصف وانغ جيسي، أحد كبار خبراء السياسة الخارجية في بكين، العلاقات بين الولايات المتحدة والصين على مدى السنوات العشر الماضية بأنها "طريق متعرج" من الانخراط إلى المنافسة.
وأشار إلى أنه مع تعمق الخلافات، طوّر قادة الصين "إدراكًا أوضح" بأن الصعوبات كانت عميقة الجذور ليس فقط في مجالات المنافسة المباشرة ولكنَّها كانت أيضًا جزءًا لا يتجزأ من الهياكل السياسية لكل دولة.
وبالتالي -وفقًا لـ وانغ جيسي- طالما أن الصين تصرّ على" الاشتراكية ذات الخصائص الصينية "- أو ما يسميه بعض الأمريكيين" رأسمالية الدولة "- وترفض إجراء تغييرات سياسية جوهرية، فإن هذا يؤكد استعدادها التام للانخراط في منافسة إستراتيجية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة والغرب عمومًا.
ولكن بدلًا من محاولة معالجة العلاقات المتوترة مع الغرب، قال محللون إن دبلوماسيي شي والشركات الصينية من المرجح أن يتم توجيههم لتوسيع نفوذهم على الحكومات التي يُنظر إليها على أنها أقل ارتباطًا بالولايات المتحدة وأوروبا.
ومع ذلك، فإن رفض "شي"، إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا أو استخدام نفوذه الكبير للضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإنهاء الحرب، يهدد بتقويض مكانة بكين مع الدول غير الغربية.
وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أنه منذ الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في فبراير الماضي، كررت بكين مرارًا إصرار الكرملين على أن "زحف" الناتو بقيادة الولايات المتحدة في أوروبا كان السبب الحقيقي للصراع.
وحسب الصحيفة، تعرض شي خلال الأسابيع الأخيرة، لضغوط متجددة للتراجع عن شراكته التي استمرت لعِقد من الزمان مع بوتين، وسط مخاوف عالمية متزايدة من أن روسيا ربما تستعد لاستخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا.
فيما قال أحد خبراء العلاقات الدولية المقيم في شنغهاي، والذي طلب عدم ذكر اسمه، إن الصين شعرت "بمزيد من الأمن" لأنها وسعت نفوذها على الدول الأخرى، ومع ذلك، أوضح الخبير أن هناك مجالات يمكن تحسين موقف الصين فيها، بما في ذلك "روسيا والتعامل مع حرب أوكرانيا".
بينما يعتقد آخرون أن شي لن يتخلى عن صداقته الوثيقة و"شراكة بلا حدود" مع بوتين - التقى الثنائي شخصيًا 39 مرة في العِقد الماضي- على الرغم من التهديدات النووية للزعيم الروسي التي تتعارض مع المصلحة الذاتية للصين.
ويقول مدير برنامج الصين في مركز ستيمسون للأبحاث في واشنطن، يون صن: "إذا لم يتم إيقاف روسيا، فإن الصين ستلقي باللوم على الغرب وأوكرانيا لأنها تدفع روسيا إلى ذلك، ملمحًا برسالة مفادها أنه لا ينبغي لأحد أن يدفع الصين إلى تايوان على الإطلاق.
وبيّنت الصحيفة البريطانية، أنه في الوقت الذي يُشرع فيه شي في ولاية ثالثة غير مسبوقة كزعيم للصين، فإن توطيد سلطته يعني أيضًا أنه مُحاط بشكل متزايد بمستشارين يخشون معارضته، وهو ما يؤدي إلى خنق أي دعوات لتصحيح المسار مع تدهور علاقات بكين مع الغرب، كما حذر محللون.
وقال وانغ جيسي، الأكاديمي في بكين، إن "الخط الرسمي الصيني شجع المشاعر القومية، مع تثبيط الناس عن إبداء آرائهم بحرية"، مشيرًا إلى أن "الصينيين الذين ينتقدون علانية سياسة شي يتعرضون لخطر الاتهام باعتبارهم (خونة)".