اليهود في أمريكا.. من يخدم إسرائيل؟
في كتابها: اليهود السيئون.. تاريخ السياسة والهويات اليهودية الأمريكية، تتناول إميلي تمكين، القضايا من خلال النظر بشكل نقدي في الماضي، وتحطيم الأساطير حول الحياة اليهودية في الولايات المتحدة، وإلقاء الضوء على القضايا القديمة التي لا تزال تشكل الهوية اليهودية.

ترجمات - السياق
تروي إميلي تمكين، مؤلفة كتاب "اليهود السيئون.. تاريخ السياسة والهويات اليهودية الأمريكية"، لصحيفة هآرتس الإسرائيلية، كيف أن أمريكا اليهودية اليوم باتت متنوعة؛ إذ إنه بينما تضم جاريد كوشنر- رجل أعمال ومستثمر أمريكي يهودي أرثوذكسي المعروف بخدماته لدولة إسرائيل- يمثلها أيضًا على الجانب الآخر عضو مجلس الشيوخ بيرني ساندرز.
ورأت الصحيفة أنَّ السنوات القليلة الماضية كانت مشحونة بشكل خاص للأمريكيين اليهود، حيث عانوا من زيادة في الهجمات المعادية للسامية على نطاق واسع، وذلك بدءًا مما حدث في مدينة شارلوتسفيل بولاية فيرجينيا، حيث هتف نشطاء من اليمين المتطرف عام 2017: "اليهود لن يحلوا محلنا"، مرورًا بمجزرة كنيس شجرة الحياة، والاتفاق النووي الإيراني، فضلًا عن الجدل حول إسرائيل.
ففي السابع والعشرين من أكتوبر 2018، تسلل روبرت باورز إلى كنيس شجرة الحياة، في إحدى الضواحي الهادئة في مدينة بيتسبرغ في ولاية بنسلفانيا، ليصرخ "الموت لليهود"، ومن ثم يفتح النار بسلاحه الآلي على عشرات العُزل أمامه، والذين كانوا بمعظمهم من عجائز الحي المترددين على المعبد دوريًا، وقد أردى باورز أحد عشر منهم قتلى على الحال، متوسط أعمارهم 74 عامًا، قبل أن تتدخل الشرطة المحلية وتعتقله.
وفي كتابها الصادر الثلاثاء الماضي، "اليهود السيئون.. تاريخ السياسة والهويات اليهودية الأمريكية"، تتناول إميلي تمكين هذه القضايا من خلال النظر بشكل نقدي في الماضي، وتحطيم الأساطير حول الحياة اليهودية في الولايات المتحدة، وإلقاء الضوء على القضايا القديمة التي لا تزال تشكل الهوية اليهودية.
يذكر أن تمكين -الصحفية بمجلة نيوستيتسمان اللندنية- سبق وأصدرت كتابًا بعنوان "تأثير سوروس" عام (2020)، ودار حول الجدل الدائر حول الرجل المفضل لليسار، الملياردير المجري الأمريكي جورج سوروس.
معاداة السامية
وحول معاناة اليهود الأمريكيين في الفترة الأخيرة من تزايد الهجمات التي تستهدفهم، تقول تمكين في كتابها: "في السنوات الأخيرة، كان هناك تزايد مقلق في الهجمات المعادية للسامية، بشكل عام من اليمين"، مضيفة: "أعتقد أن هذا قد أدى إلى بعض التنافر مع المنظمات اليهودية الرئيسة، التي تستثمر كثيرًا في التعامل مع معاداة السامية ".
وتتابع: "بالطبع، هذا صحيح، لكن ليس بنفس الدرجة على الإطلاق، لأنه إذا نظرنا إلى كيفية حشد المجازات المعادية للسامية في الولايات المتحدة، فإنها تعمل دائمًا بالتنسيق مع عناصر الكراهية الأخرى المتمثلة في: (الإسلاموفوبيا وكراهية الأجانب والعنصرية العامة) ".
وترى تمكين أن أسباب معاداة السامية في الولايات المتحدة تختلف عن تلك الموجودة في أوروبا، مشيرة إلى أن الاختلاف يعود لتاريخ الاندماج اليهودي في الولايات المتحدة.
وقالت: "من المهم أن نلاحظ أن معظم اليهود الأمريكيين، خاصة أولئك المنحدرين من أصل أوروبي، يعيشون حياة الأمريكيين البيض"، مضيفة: "هذا لا يعني أنه على مدار التاريخ الأمريكي لم يكن هناك تمييز على مستوى غير رسمي بدرجة أكبر، فقد كانت هناك موجات من معاداة السامية تجتاح المجتمع الأمريكي كثيرًا، خصوصًا خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية".
لكنها تضيف: "بالنسبة للجزء الأكبر، كان لليهود الأمريكيين حقوق وامتيازات، إلا أنه تم وقفها"، مستشهدة بكيفية التعامل مع اليهود من الأمريكيين السود، معتبرة أن الولايات المتحدة بلد يمتاز بالفوارق العِرقية.
وتبين تمكين، أن القادة اليهود الأمريكيين الرئيسيين، يدركون أنه من المفيد اعتبار اليهود الأمريكيين "بيضًا"، حتى أثناء تنفيذ حصص الهجرة، قائلة: "هذا تعميم، ولكن بالنسبة للعديد من اليهود الأمريكيين، كان من الضروري فهم أنه يمكننا العيش مثل الأمريكيين البيض الآخرين، باستثناء أننا نذهب إلى كُنيس وليس إلى الكنيسة".
واستدركت: "أعتقد أن أحد التوترات في التاريخ اليهودي الأمريكي هو الإبحار إلى المدى الذي يريده اليهود الأمريكيون أن يكون متميزًا"، مشددة على أنه لكي يحصل اليهودي الأمريكي على كل هذه الحقوق والامتيازات، فعليه أولًا أن يفهم نفسه.
وترى تمكين أن هذا هو جوهر مصطلح "اليهودي السيئ"، مشيرة إلى أن الأمر لا يتعلق بإلقاء القوى الخارجية اللوم على اليهود في المشاكل المجتمعية، بل يتعلق الأمر بصدام فريد بين الطوائف: (الميول الدينية مقابل الميول العلمانية، والسياسة الرجعية مقابل السياسة التقدمية، والاشتباكات حول القيم اليومية).
النشاط والتضحية
وأشارت تمكين إلى أنه من منظمة ديلي فوروارد اليهودية إلى منظمة دائرة العمال، إلى النشطاء الذين يطالبون بحقوق العمال بعد حريق مصنع تراينغل شوير تويست عام 1911، يُنظر إلى اليهودية الأمريكية على أنها غارقة في الأنشطة السياسية المختلفة.
وبيَّنت أن الصور التي تتحدث عن "إرث اليهود الأمريكيين" قليلة للغاية، ومنها، صورة الحاخام أبراهام غوشوا هيشل مع مارتن لوثر كينغ -أحد أبرز المطالبين بإنهاء التمييز العنصري ضد السود في أمريكا- خلال مسيرة عام 1965 من مونتغمري إلى سيلما بولاية ألاباما.
وأرجعت السبب في ذلك، إلى أنَّ هناك العديد من اليهود الأمريكيين الذين كانوا ينغلقون على أنفسهم، ويرفضون العمل الجماعي، وذلك رغم تمثيل بعض اليهود الأمريكيين في عدد من حركات الحقوق المدنية.
وفي كتابها الجديد، خصصت تمكين فصلًا لرد الفعل اليهودي ضد اليهودية التقدمية، مشيرة إلى أن هذه الحركة تتجسد في اثنين من عمالقة اليهود، أحدهما هو الأب الروحي للمحافظين الجدد، إيرفينغ كريستول، الذي رأى النضال اليهودي من أجل المساواة كحرب جذرية على الطبقة الوسطى، والآخر هو رئيس تحرير التعليقات السابق نورمان بودوريتز، الذي استخدم مقالته عام 1967 "مشكلتي الزنجي- ومشكلتنا"، لإلقاء غطاء من التناقض على التزام اليهود بالحقوق المدنية، والذي وصف فيه الاضطهاد الذي شعر به من الأمريكيين الأفارقة عندما كان طفلًا.
وتعليقًا على ذلك، تقول تمكين: لا يمكننا التظاهر بأن البعض في المجتمع اليهودي غير متورط بطريقة أو بأخرى فيما يسمى بـ “التفوق الأبيض لأمريكا أو التسلسل الهرمي العرقي".
وأمام هذا التباين في الرؤى بين اليهود الأمريكيين، توضح تمكين، أن تأثير هؤلاء المفكرين (كريستول وبودوريتز) قد لا يدوم حتى مع أبنائهم، واستشهدت بـ بيل كريستول، رئيس الأركان السابق لجورج دبليو بوش، وجون بودوريتز، الذي يشغل الآن منصب والده القديم في كومنتاري.
هناك أيضًا -حسب الكاتبة- شيلدون أديلسون، قطب الكازينو الراحل والمتبرع للجمهوريين ولدولة إسرائيل، وستيفن ميلر، كبير المستشارين في البيت الأبيض في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.
وتعلق قائلة: إن الهوية اليهودية الأمريكية مثلما تتشكل من قِبل كوشنر، يشكلها أيضًا بذات المقدار بيرني ساندرز"، في إشارة إلى اختلاف التوجهات بين يمين ويسار رغم أن كليهما يهودي.
وخلال كتابها، تتبعت تمكين أيضًا، مواقف الجالية اليهودية الأمريكية من الحركة الصهيونية وإسرائيل، سواء كانت ازدواجية أو تملقًا أو رفضًا، مشيرة إلى أن هذه المشاعر -التي تباينت كثيرًا خلال القرن العشرين- بلغت مستويات جديدة من الخلاف في الآونة الأخيرة.
وأشارت إلى أنه في فترة ما قبل إنشاء إسرائيل، وخاصة قبل الحرب العالمية الثانية، كان هناك عدم ارتياح حقيقي لمفهوم الصهيونية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى مجاز الولاء المزدوج وعدم رغبة اليهود الأمريكيين في أن يُنظر إليهم على أنهم أي شيء آخر غير أنهم أمريكيون.
ولكن بعد الحرب العالمية الثانية والكشف عما حدث في أوروبا، ازداد الشعور بالذنب من جانب العديد من اليهود الأمريكيين، إذ أدرك اليهود الأمريكيون أنه من الممكن أن يكونوا هم أو إخوتهم وأخواتهم في نفس الوضع الذي عاشته أوروبا.
لذلك -تضيف تمكين- كان هناك دعم متزايد للحركة الصهيونية وقيام دولة إسرائيل بعد الحرب العالمية الثانية، مشيرة إلى أنه بعد حرب الأيام الستة عام 1967، حشدت غالبية الجالية اليهودية الأمريكية نفسها لدعم إسرائيل كقضية مهمة يجب استمرارها.
ولكن يختلف الوضع اليوم، إذ إنه خلافًا للاعتقاد السائد، فإن فكرة إدانة إسرائيل وليس دعمها، تزيد من وقت لآخر بين اليهود الأمريكيين، وفقًا للكاتبة.
وبناءً على عدد من الاستطلاع الأخيرة، بات العديد من اليهود الأمريكيين الأصغر سنًا يشعرون براحة أكبر في انتقاد إسرائيل.
وأرجعت تمكين، ذلك إلى أنه منذ حرب الأيام الستة، لم تتحرك الجالية اليهودية الأمريكية والسياسة الإسرائيلية لطلب الحشد والدعم الكاملين من اليهود في الولايات المتحدة.
وخلصت هآرتس نقل بعض مقتطفات من كتاب تمكين بالقول: "نعم، إسرائيل هي قضية يستخدمها الكثير من اليهود الأمريكيين، وهم يحددون نسختهم من الصهيونية الأمريكية أو اليهودية الأمريكية، ولكن هناك إجماع أقل على ما يعنيه هذا التعريف".