ضربة جديدة من قلب أوروبا للإخوان... هل تدفع التنظيم لهجر ملاذه الآمن؟
حزب البديل لأجل ألمانيا اليميني تقدم بطلب إحاطة بشأن مسألة تمويل الحكومة لمكافحة التطرف عام 2021، بالتزامن مع الكشف عن تمويل ولاية برلين لمؤسسة إخوانية، أسست عام 2021 مجلس أئمة برلين

السياق
من الشرق إلى الغرب، تتوالى الضربات «القاصمة» لـ«الإخوان»، ما أنهك جسد التنظيم الإرهابي الهزيل، وجعله طريح الفراش، في انتظار ساعة الرحيل.
فبينما تهاوت وانهارت أسس التنظيم، التي أسسها على شفا جُرف، في البلد الذي ولد فيه على يد المصريين، الذين انتفضوا عام 2013، ليقتلعوا جذور الإخوان، توالت الضربات في بلدان المغرب العربي وأخرى إفريقية، ومنها إلى القارة العجوز التي استيقظت على وقع تغلغل التنظيم الإرهابي في أروقة مؤسسات عدة.
إحدى تلك الدول، كانت ألمانيا، التي بدأ برلمانها خطوات وتحركات مكثفة، خلال العامين الأخيرين، لتقويض نفوذ جماعة الإخوان في البلد الأوروبي.
فما الجديد؟
حزب البديل لأجل ألمانيا (اليميني) تقدم بطلب إحاطة بشأن مسألة تمويل الحكومة لمكافحة التطرف عام 2021، بالتزامن مع الكشف عن تمويل ولاية برلين لمؤسسة إخوانية، أسست عام 2021 مجلس أئمة برلين.
تلك التطورات أثارت تساؤلات عما إذا كان البرلمان الألماني سيتخذ خطوات فعلية لمواجهة الإخوان؟ وما خطة التنظيم لمواجهة تلك التحركات؟ وماذا يفعل حال تزايد التضييق عليه؟ وهل يتجه إلى خارج أوروبا أم يتكيف مع الوضع؟
تلك التساؤلات أجاب عنها الباحث في جامعة فيينا حسام حسن، الذي قال في تصريحات لـ«السياق»، إن مسار مكافحة أنشطة الإسلام السياسي بصفة عامة، والإخوان على وجه الخصوص، يتطلب وقتًا وجهودًا، خاصة في إطار دولة قانون مثل ألمانيا.
وأوضح أن ما تفعله أحزاب المعارضة في البرلمان، عبر طلبات الإحاطة ومشروعات القرارات، حتى لو جرى رفضها، هو ما يعرف بـ«Agenda Setting»، أي وضع مسألة الإسلام السياسي ضمن الأجندة السياسية في البرلمان.
وأشار الباحث في العلوم السياسية بجامعة فيينا، إلى أنه من النادر في ألمانيا، أن توافق أحزاب السلطة على مقترحات المعارضة في البرلمان، لذلك لا تحدث تلك التحركات البرلمانية أثرًا مباشرًا ومرئيًا وقابلاً للقياس بمعايير «العناوين الرنانة»، لكنها تحدث ما أهو أكثر من ذلك.
وأكد أن وضع ملف الإسلام السياسي، وما يمثله من تهديد أمني ومجتمعي، على الأجندة السياسية في البرلمان، لم يحدث من قبل بتحركات كثيفة، كالتي شهدها مجلس النواب الألماني خلال العامين الماضيين، ما يشير إلى أن هناك تحركًا فعليًا لمواجهة هذا التيار.
وأشار إلى أن هذه التحركات تفرض ضغوطًا على الحكومة التي يقودها الاشتراكيون الديمقراطيون والخضر، في ملف الإسلام السياسي على وجه التحديد، مؤكدًا أن الاشتراكيين والخضر يسيرون ببطء في هذا الملف، تخوفًا من الربط «الخاطئ» بين منظمات الإسلام السياسي والإسلام والمسلمين بصفة عامة.
خطر الإخوان
إلا أنه قال إن من يقود الحملة الحالية ضد الإسلام السياسي في البرلمان، هو الاتحاد المسيحي (التكتل الأكثر شعبية في البلاد في الوقت الحالي)، ما يعني أن ألمانيا أمام مسار طويل سيتطور مع انتقال التكتل المسيحي من المعارضة للحكومة مستقبلًا، لكنه أكد أن الضغوط في البرلمان تؤتي أكلها بشكل حاسم، في ملفات لا يلاحظها من ينظر من بعيد للمشهد.
واستدل على رؤيته بقوله إن ألمانيا لم تعد مكانًا لحرية حركة الإسلام السياسي، إضافة إلى أن منظمات الإسلام السياسي والإخوان لم تعد تتلقى تمويلًا حكوميًا تحت شعارات مدنية، بالوتيرة نفسها، مشيرًا إلى أن أي كشف عن تلقي منظمة تمويلًا يتبعه تنديد وتحقيق، وهو ما حدث في ملف مجلس أئمة برلين.
وشدد على أن الانعكاس «المهم» لما يحدث في البرلمان الألماني، زيادة الوعي بخطر الإسلام السياسي، سواء شعبيًا أم سياسيًا، ما يرسخ مسار المكافحة الذي يتطلب وقتًا وجهودًا على المدى الطويل، كون ما تأسس على مدى عقود لن يتم تفكيكه في سنوات قليلة أو بقرار واحد.
حظر غير مستبعد
وعن اتخاذ البرلمان الألماني خطوة نحو حظر جماعة الإخوان، قال رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات بألمانيا، الدكتور جاسم محمد، إن ذلك مستبعد في الوقت الحاضر، مشيرًا إلى أن الوضع الحالي قد يتجمد عند تقديم طلب إحاطة في البرلمان.
وأوضح جاسم محمد، في تصريحات لـ«السياق»، أن الإجراءات التي يمكن أن يتخذها البرلمان خلال الفترة الحالية ضد جماعة الإخوان هو التشديد فقط، مشيرًا إلى أن الاستخبارات الألمانية والأوروبية لديها المزيد من تفاصيل عمل الجماعات المتطرفة، بينها الإخوان التي تصنف بالأقل تطرفًا، الأمر الذي يسمح باتخاذ خطوات وسياسات وتدابير ضد الإسلام السياسي بعكس السنوات السابقة.
وأشار رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات بألمانيا، إلى مجموعة خبراء الإسلام السياسي التي شكلتها وزارة الداخلية الألمانية عام 2020/2021، لرصد ومتابعة الجماعات المتطرفة، بينها الإخوان، في خطوة عدها محورية في جهود برلين لمكافحة التطرف.
تضييق الخناق
وعن مصالح جماعة الإخوان الاقتصادية والخيرية في دول أوروبا وتحديدًا ألمانيا منذ منتصف الأربعينات والخمسينات، قال جاسم، إنها أسست الكثير من المراكز والجمعيات الخيرية والدعوية والمساجد في مدينة ميونخ، إلى جانب استثمارات اقتصادية كبيرة، مشيرًا إلى أنها أصبح لديها وجود واسع، يسمح لها بالاستمرار في ألمانيا وباقي الدول الأوروبية، ويحول دون أن يصل تضييق الخناق عليها إلى حد المغادرة.
لكن رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات بألمانيا، لم يستبعد التضييق على أنشطة «الإخوان»، مؤكدًا أن الخطوات التي اتخذتها الاستخبارات والداخلية الألمانية ضد الجماعة جيدة جدًا، وحظرت الكثير من منظماتها وأنشطتها.
وشدد جاسم على أن جماعة الإخوان إذا قررت الالتفاف على القوانين، فإنها ستجد نفسها في مواجهة مباشرة مع الحكومة والاستخبارات الألمانية، ما يعني نهايتها، ليس في أوروبا.