انضمام إيران لمنظمة شنغهاي.. هل تتمكن طهران من الالتفاف على العقوبات الأمريكية؟
انضمام إيران لمنظمة شنغهاي... ما أهمية الخطوة وكيف تستفيد منها طهران في مفاوضاتها النووية؟

السياق
انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون، التي تقودها روسيا والصين، خطوة اعتبرتها طهران طوق النجاة من العقوبات الأمريكية، ومقدِّمة للتواصل مع أسواق تضم 65% من سكان العالم.
وتبنى زعماء دول منظمة شنغهاي للتعاون، خلال قمتهم المنعقدة الجمعة في عاصمة طاجيكستان دوشنبه، بمناسبة الذكرى الـ20 لتأسيس المنظمة، وثيقة تنص على إطلاق الإجراءات الخاصة بمنح إيران العضوية فيها.
وقال الرئيس الصيني شي جينبينغ، في كلمته عبر الاتصال المرئي خلال القمة: «سنطلق الإجراءات لإدخال إيران في عضوية منظمة شنغهاي للتعاون»، في خطوة لقيت ترحيب قادة دول أعضاء، مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، ونظيره الباكستاني عمران خان.
إرهاب اقتصادي
إبراهيم رئيسي، الذي جاء إلى دوشنبه لحضور القمة، في أول رحلة خارجية له، قال: «إن الحظر (العقوبات) الذي يشكل إرهابًا اقتصاديًا، الوسيلة الأكثر أهمية للدول المهيمِنة لفرض إرادتها على الآخرين»، في إشارة إلى العقوبات الأمريكية المفروضة على بلاده، بسبب برنامجها النووي.
وقال رئيسي: إن «العقوبات عقبة أساسية أمام تعزيز التكامل الإقليمي، وعلى منظمة شنغهاي للتعاون، أن تضع هيكليات وآليات لترد بشكل جماعي على العقوبات».
وبينما قال التلفزيون الرسمي الإيراني، إن إنجاز إجراءات العضوية، قد يتطلب ما بين عام وعام ونصف العام، إلا أن قرار دول «شنغهاي للتعاون»، رحبت به الخارجية الإيرانية، على لسان المتحدِّث باسمها سعيد خطيب زادة، الذي قال إن قرار المنظمة خطوة كبرى نحو علاقات متطورة مع الجيران، ومحركًا مهمًا لسياستنا الخارجية حول محور آسيا.
ترحيب حار
وقال زادة، في تغريدة عبر «تويتر»: نرحب بحرارة بقرار منظمة شنغهاي للتعاون بقبول عضوية إيران الدائمة(..) هذه خطوة كبرى نحو علاقات متطورة مع الجيران، ومحرك مهم لسياستنا الخارجية حول محور آسيا»، مؤكدًا أن بلاده ستواصل جهوده، للاستفادة من المبادرات المحلية، من أجل مصالح المنطقة.
الصحف المحلية، رحبت بدورها بالقرار، واعتبرته بابًا لحقبة ما بعد السيطرة الأمريكية، بينها صحيفة «جوان» المحسوبة على المحافظين المتشددين، التي قالت إن إيران تدخل أكبر سوق في الشرق، مشيرة إلى أن المنظمة «أحد رموز التعاون بين القوى غير الغربية».
أما صحيفة كيهان، المحسوبة على التيار ذاته، فقالت إن الخطوة ستسهم في «الالتفاف على العقوبات الغربية»، مضيفة أنه «يمكن لإيران الآن أن تضع موضع التطبيق، سياستها القائمة على التعددية، والتخلي بالتدريج عن رؤية مستندة حصرًا إلى الغرب، وخفض أثر العقوبات الغربية».
صحيفة اعتماد، اعتبرت أن قبول العضوية الدائمة في المنظمة المؤلفة حتى الآن من ثماني دول، يتيح لطهران «التواصل مع أسواق تضم 65 في المئة من سكان العالم».
ركن أساسي
الموافقة على عضوية إيران، تأتي بعد أسابيع من تولي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي منصبه، الذي أكد مرارًا أن العلاقات مع الجوار والدول الآسيوية، ستكون ركنًا في السياسة الخارجية لطهران خلال عهده.
وهو ما قال عنه الباحث الإيراني في العلاقات الدولية فياض زاهد، في تصريحات لـ«فرانس 24»: «من خلال الموافقة على عضوية إيران، فإن الحكومتين الصينية والروسية، تعلنان للغرب أنهما على توافُق مع التطورات الراهنة في إيران».
ورجَّح الباحث الإيراني، أن تكون موسكو وبكين، وافقتا على عضوية طهران، لاعتبارهما أن مسألة الاتفاق النووي سيتم حلها، مشيرًا إلى أن «العقوبات كانت حتى الآن، العائق الرئيس أمام العضوية الكاملة لها في المنظمة».
وبينما رفع الاتفاق بشأن الملف النووي الإيراني، الذي أبرم بين طهران والقوى الكبرى عام 2015، العديد من العقوبات التي كانت مفروضة على طهران، مقابل الحد من أنشطتها النووية، إلا أنه شِبه معلَّق منذ قررت الولايات المتحدة الانسحاب أحاديًا منه عام 2018 في عهد رئيسها السابق دونالد ترامب، الذي أعاد فرض عقوبات قاسية على طهران.
وفي محاولة لإحياء الاتفاق النووي، انطلقت مباحثات بعد تولي الرئيس الأمريكي جو بايدن مهامه مطلع عام 2021، من دون التوصل إلى تفاهم بهذا الشأن حتى الآن، في المباحثات التي لا تزال معلَّقة، منذ انتهاء جولتها السادسة في يونيو الماضي.
منظمة شنغهاي
انبثقت منظمة شنغهاي للتعاون من صيغة «Shanghai Five»، التي تضمنت سلسلة من الاجتماعات في 1996-1997 بشأن القضايا الحدودية بين الصين والدول السوفييتية المجاورة لها، روسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان.
وعام 2001، انضمت أوزبكستان إليها لتأسيس منظمة شنغهاي للتعاون رسميًا، ما وسَّع نطاق الكتلة ليشمل التعاون الاقتصادي والثقافي والأمني، الذي يهدف إلى مكافحة ما تصفه بكين بـ«الشرور الثلاثة»: الإرهاب والانفصالية والتطرف.
وتتمتع أفغانستان وبيلاروسيا وإيران ومنغوليا، بصفة الدول المراقبة فيها، بينما تحظى أذربيجان وأرمينيا وكمبوديا وتركيا وسريلانكا ونيبال، بصفة الدول الشركاء للمنظمة.
وعن أهداف تأسيس المنظمة، قالت الأمم المتحدة، إنها تأسست كرابطة متعددة الأطراف، لضمان الأمن والحفاظ على الاستقرار، عبر الأنحاء الشاسعة لأوروبا وآسيا، وتوحيد الجهود للتصدي للتحديات والتهديدات الناشئة، وتعزيز التجارة فضلاً عن التعاون الثقافي والإنساني.
كما تهدف إلى بناء نظام عالمي متعدد المراكز، يتسق مع قواعد القانون الدولي ومبادئ الاحترام المتبادل، التي تلبي مصالح كل دولة، مع وضع حاجاتها وطموحاتها المتبادلة في الاعتبار، ساعية إلى إخماد صراع الحضارات في جميع مناطقها، بحسب الموقع الرسمي للأمم المتحدة.
وتمثل دول المنظمة نحو 60% من مساحة أوراسيا، ويقطنها نحو 50% من سكان العالم، وتشكل أكثر من 20% من إنتاجه الاقتصادي.
وبلغ حجم التبادل الاقتصادي، بين إيران ودول المنظمة، نحو 28 مليار دولار خلال السنة الفارسية المنصرمة (مارس 2020-2021)، وفق ما نقلت وسائل إعلام إيرانية، عن المتحدِّث باسم الجمارك روح الله لطيفي.
طريق إيران الطويل
سعت إيران إلى نيل العضوية الدائمة في المنظمة منذ أعوام، في خطوات لقيت ممانعة من أعضاء المنظمة، على خلفية عدم الرغبة في ضم طرف يخضع لعقوبات أمريكية وغربية.
وتقدَّمت إيران لأول مرة، بطلب للحصول على عضوية منظمة شنغهاي للتعاون عام 2005 مع الهند وباكستان، تم قبول الدول الثلاث في ذلك الوقت كمراقبين، واستغرق الأمر نحو 12 عامًا حتى تصبح الهند وباكستان عضوين كاملين عام 2017، ما يعني أن عضوية طهران لن تكون فعالة على الفور.
وفي قمة طشقند 2010، تبنَّت منظمة شنغهاي للتعاون معايير جديدة، تنص على أن الدولة العضو الطموحة «ينبغي ألا تفرض عليها عقوبات من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة».
وقال معهد واشنطن: بمجرد رفع عقوبات الأمم المتحدة، في أعقاب خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، أجريت مناقشات كبيرة لقبول إيران، إلا أنه مع ذلك، استمر التأخير سنوات لعوامل عدة، منها انضمام أعضاء آخرين (الهند وباكستان)، وتراجع العلاقات مع طاجيكستان، بسبب تواصل طهران مع معارضة ذلك البلد، وتردد بكين المستمر في استغلال إيران لمنظمة شنغهاي للتعاون، للترويج ضد السياسات الأمريكية.
وأشار إلى أنه مع ذلك، فإن عدم إحراز تقدُّم في الانضمام، لم يعرقل التفاعلات الجوهرية، فقد شارك الموظفون الإيرانيون بشكل متكرر، في مؤتمرات قمة منظمة شنغهاي للتعاون، والاجتماعات الوزارية والمؤتمرات، وتمارين مكافحة الإرهاب.
مع ذلك، فإن التطورات الأخيرة تشير إلى أن الاعتراضات السابقة لم تعد عقبة أمام العضوية الكاملة، بحسب أمين سِر المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، الذي أعلن حل «العقبات السياسية» أمام الانضمام، بعد محادثة مع نظيره الروسي نيكولاي باتروشيف، إضافة إلى تسوية خلافاتها مع طاجيكستان.
ويقول معهد واشنطن: غالبًا ما يتم تصوير منظمة شنغهاي للتعاون، على أنها كتلة معادية للغرب بطبيعتها، حتى إن البعض يصفها بأنها «مناهضة لحلف شمال الأطلسي»، إلا أنه مع ذلك، فإن الاختلافات الفردية بين الدول الأعضاء، أدت إلى تقييد تنسيق سياسة الكتلة والتكامل الإقليمي منذ إنشائها.
وتفتقر هيئتا منظمة شنغهاي الدائمتان (الأمانة العامة في بكين والهيكل الإقليمي لمكافحة الإرهاب في طشقند) إلى القدرة القانونية على إنفاذ القرارات، ما يعني أنها تعمل كمنتدى للنقاش والمشاركة، أكثر من كونها تحالفًا إقليميًا رسميًا شبيهًا بالاتحاد الأوروبي أو "الناتو".