الانتخابات التشريعية الصومالية... محاولات متخبِّـطة للنجاة من الغرق السياسي
وترى أسماء الحسيني، أنه كان من الممكن اعتبار الانتخابات التشريعية طوق نجاة للوضع السياسي في الصومال، لولا هذه التعقيدات التي تخنق هذا البلد المأزوم منذ عقود، وأهمها التحديات الأمنية.

السياق
الانتخابات النيابية الصومالية، التي كان من المقرَّر عقدها، 25 يوليو، تعرَّضت لتأخير جديد، إذ كان على الولايات الصومالية، أن تقدِّم القائمة النهائية لمرشَّحي مجلس الشيوخ، على أن تجرى الانتخابات بعدها، لكن حالت دون ذلك، عقبات عدة، أعاقت إجراء الاستحقاقات المرتقبة في المناطق الفدرالية.
تقول الدكتورة أسماء الحسيني، الباحثة في الشؤون الإفريقية، مديرة تحرير صحيفة الأهرام المصرية، إن أسباب التأجيل تبدأ من الخلافات السياسية، التي حدثت في الأشهر الماضية، بين الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو وقوى المعارضة، التي نزلت إلى الشوارع، وأفضت إلى اشتباكات مسلَّحة دموية، إذ مازالت تلقي بظلالها على الشارع الصومالي.
تنظيم الشباب الإرهابي
وترى أسماء الحسيني، أنه كان من الممكن اعتبار الانتخابات التشريعية طوق نجاة للوضع السياسي في الصومال، لولا هذه التعقيدات التي تخنق هذا البلد المأزوم منذ عقود، وأهمها التحديات الأمنية.
فتهديدات حركة الشباب تقوِّض أي مساع، لتسويات سياسية في الصومال، فقبل أيام هدَّدت الحركة الإرهابية، بمهاجمة مندوبي الانتخابات، الذين سيختارون النواب في الانتخابات التشريعية المزمعة، كما توضح أسماء.
إذ اتهمت-الشباب- قيادة الصومال والمرشَّحين بأنهم يخدمون الأجانب، وقال أمير الحركة المرتبطة بتنظيم القاعدة "أبو عبيدة" في تسجيل صوتي: "نحذِّر الشعب من المشاركة في الانتخابات التي تجرى في البلاد، ونحذِّرهم من أن يكونوا جزءًا من الاستعمار، ومنح الدعم والشرعية لأجندة الكفار القائمة على محاربة الشريعة الإسلامية"، مضيفاً: الحكومة الصومالية ليس بوسعها ضمان أمنكم.
أمريكا تعود إلى القصف
ووسط مخاوف شديدة من تهديداتها، نفَّذ الجيش الأمريكي، ضربة جوية، 23 يوليو، استهدفت مسلَّحي الحركة الإرهابية في الصومال، في ثاني ضربة من نوعها في أسبوع، بعد توقُّـفها منذ وصول بايدن إلى الحكم، وهو إدراك للموقف الخطير، الذي تعيشه الصومال، كما تشير أسماء الحسيني.
لكن مليشيات الشباب الإرهابية، هاجمت مديرية أوطيغلي -التي كانت تحتلها مؤخرًا- بقذائف الهاون، وفق وكالة الأنباء الصومالية.
الاقتتال بين القوات الحكومية... ونفسها
فمن حين إلى آخر، تحدث مناوشات بين قوات الأمن الصومالية، تتطوَّر إلى مواجهات عنيفة، خاصة في تلك الفترات الانتقالية، آخرها قبل أيام، إذ لقى 6 أشخاص مصرعهم، في تبادل إطلاق نار بين جنود صوماليين، على خلفية نزاع على نقطة تفتيش في العاصمة مقديشو.
وأشار شهود عيان، تحدَّثوا إلى مواقع إخبارية محلية، إلى أن الاشتباكات بين القوات الحكومية، بسبب الخلاف على الضرائب، التي تؤخذ من حافلات الركاب والشاحنات.
وترى الباحثة في الشؤون الأفريقية، أن أوضاع الصومال مرتبطة بالتخبُّط الدولي تجاهها، وأيضًا "الغفلة العربية" عن هذه الدولة الحيوية في موقعها بالنسبة للبحر الأحمر، وباب المندب، والقرن الإفريقي.
وتضيف أن كل الدول التي تذهب لمساعدة الصومال، لا توصلها لمرحلة أن تكون آمنة ومستقرة، فهي تحتاج إلى جيش ودولة مركزية قويين، وهو ما لا يساهم المجتمع الدولي في إنجازه، لذا ستظل في هذا الموقف المتأرجح مهما تغيَّرت الحكومات.
أقاليم غير مستقرة
حسب مواقع إخبارية محلية، فإن إدارة انتخابات أرض الصومال، ما زالت منقسمة بين طرفين، أحدهما يؤازر المعارضة، والآخر يناصر الرئيس المنتهية ولايته.
وأرجعت مصادر في إقليم "بونتلاند" تحدَّثت لوكالة فرانس برس، تأجيل الاقتراع فيها إلى مشكلات فنية، وأن البرلمان المحلي في إجازة، ولن يعود للانعقاد قبل مطلع أغسطس، ورئيس المنطقة "بونتلاند" موجود حالياً في الخارج، ما يعرقل سير العملية الانتخابية، وأن برلمان غلمدغ المحلي، دخل في إجازة تنتهي في أول أغسطس، وفق "فرانس برس".
وبعدما كانت ولاية جوبلاند، الأقرب لبدء الاقتراع، تأجل تقديم قوائم المرشحين لمجلس الشيوخ، إلى لجان الانتخابات الفيدرالية والمحلية، مع احتمال انطلاق التصويت في هذه الولاية، الأربعاء المقبل، حسب موقع الصومال اليوم.
خلافات مع المخابرات
في وقت تستمر الخلافات داخل لجنة الانتخابات الإقليمية، في ولاية هيرشبيلي الصومالية، على انتخاب سكرتير اللجنة، قالت مصادر مطلعة لموقع "الصومال اليوم" إن مدير وكالة المخابرات والأمن القومي، فهد ياسين، المرشَّح أيضًا لعضوية مجلس الشعب بالبرلمان الفيدرالي الصومالي، هو الذي يريد منح الصلاحيات للسكرتير الذي يحظى بدعمه. جدير بالذكر أن رئيس المخابرات الصومالية، مراسل سابق لقناة الجزيرة القطرية في الصومال.
ويبدوا أن صراعًا قويًا، بين المخابرات ورئيس الوزراء الصومالي محمد حسن روبلي -المخوَّل بالإشراف على الانتخابات- طفى على السطح، إذ أقال روبلي قيادات نافذة في المخابرات، ردًا على تعرُّض بعض المرشَّحين لقيود من سلطات الهجرة وأجهزة الأمن، أثناء سفرهم في المطارات، ومنعهم من التنقل، بسبب مواقفهم السياسية المعارضة لنظام الحكم الحالي المنتهي ولايته.
ضمانات مقابل التمويل
لم تقدِّم الحكومة المركزية ولا الولايات، أية معلومات عن حصول تمويل للاقتراع، من المجتمع الدولي، في وقت تشير تقارير إلى أن المموِّلين اشترطوا إجراء انتخابات مجلس الشيوخ، لتحقيق جدية قادة الصومال في تنفيذ الاستحقاقات، ومن ثم تقديم الأموال لبقية المسار الانتخابي، نقلًا عن موقع الصومال اليوم.
وتقول الباحثة في الشؤون الإفريقية لـ"لسياق" إن هذا التأخير سيؤدي إلى تراجع الجدول الزمني للانتخابات، التي كان من المقرَّر أن تنتهي 10 أكتوبر بإتمام الانتخابات الرئاسية، وفقاً للجدول الزمني الرسمي، الذي اجتمعت عليه القوى الصومالية الفاعلة، وهو ما سيفاقم تدهور الأوضاع السياسية والأمنية.
وتوضح أنه وفقًا للنظام الانتخابي الصومالي المعقَّد، تقوم بآلية تشكيل العشائر في الولايات الفدرالية الخمس، لجنة من المندوبين، تختار البرلمانيين، الذين بدورهم يعيِّنون الرئيس.
وهو النظام الذي فشل محمد عبدالله فرماجو، الرئيس الصومالي في إحلاله وتبديله بنظام الانتخاب المباشر " صوت واحد لشخص واحد"، رغم كونه وعدًا انتخابيًا، مكَّنه من الحصول على دعم سياسي ومالي غير مسبوق من المجتمع الدولي.
ويصوِّت في هذه الانتخابات، أعضاء البرلمانات المحلية، وعددهم نحو 413 نائبًا.
ويتكوَّن أعضاء مجلس الشيوخ من 54 عضوًا يتوزَّعون على ولايات: بونتلاند 11، أرض الصومال11، جوبلاند 8، غلمدغ 8، جنوب غرب الصومال 8، وهيرشبيلى 8.