بعد احتجاجات امتدت نحو عام.. الرئيس الهندي يلغي 3 قوانين زراعية

قال مودي في خطاب على شاشات التلفاز الحكومي الهندي، إنه سيدعو البرلمان للانعقاد هذا الشهر، لإلغاء القوانين الزراعية التي تسببت في احتجاجات واسعة للمزارعين، ودعا المحتجين للعودة إلى منازلهم.

بعد احتجاجات امتدت نحو عام.. الرئيس الهندي يلغي 3 قوانين زراعية

ترجمات - السياق

قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، إن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، "انحنى أمام المزارعين"، وأشارت إلى  إن الحكومة الهندية ستلغي 3 قوانين زراعية، كانت تستهدف إصلاح القطاع الزراعي الهندي المتعثر، في تنازل مفاجئ أمام الاحتجاجات المستمرة منذ عام.

وقالت "نيويورك تايمز" في تقرير: إن ناريندرا مودي سيطر على السياسة في الهند سبع سنوات، مع دعم شعبي واسع وأغلبية كبيرة في البرلمان، مشيرة إلى أن حكومته دعت إلى أجندة قومية تركز على الهندوس، واستخدمت تكتيكات شديدة القسوة لإسكات المنتقدين، مع القليل من المعارضة الفعالة.

وأضافت: "لكن يوم الجمعة، ومع تراجع نادر، لم يظهر مودي بالقدر نفسه من الهيمنة، بصورة مفاجئة، وقال في خطاب على شاشات التلفاز الحكومي الهندي، إنه سيدعو البرلمان للانعقاد هذا الشهر، لإلغاء القوانين الزراعية التي تسببت في احتجاجات واسعة للمزارعين، ودعا المحتجين للعودة إلى منازلهم.

وأوضحت "نيويورك تايمز" أن مودي حدد موعد إلغاء هذه القوانين، تماشيًا مع موعد احتفال السيخ بمهرجان (جورو ناناك جايانتي)، في إشارة إلى ترضية أقلية السيخ في الهند.

 

ذهول الشعب

ورأت الصحيفة الأمريكية، أن خطاب مودي أذهل المواطنين، الذين اعتادوا موقفه كقائد قوي مستعصٍ على النقد، لكن الخطاب أشار إلى ضعف موقفه وسط مجموعة من الأزمات، بينها الاستجابة الكارثية لموجة جديدة من كورونا، والأوضاع الاقتصادية المتعثرة في البلاد.

وتعليقًا على ذلك، قال ياشوانت سينها ، وزير المالية السابق الذي استقال من حزب مودي (بهاراتيا جاناتا) عام 2018: "صورة مودي كرئيس وزراء صارم تعرَّضت لضعف كبير في الآونة الأخيرة نتيجة الأزمات المتلاحقة من تفشي كورونا إلى تراجع الاقتصاد".

وأكدت "نيويورك تايمز" أن مودي لا يزال متمتعًا بشعبية، وفقًا لبعض استطلاعات الرأي، كما أن المعارضة غير المنظمة تجعل من المستبعد أن يفقد السلطة في القريب العاجل.

لكن -تضيف الصحيفة- في مايو الماضي، عانى حزبه بهاراتيا جاناتا خسارة فادحة في الانتخابات التي عدها قابلة للفوز في ولاية البنغال الغربية، بينما تظهر استطلاعات الرأي أن ضعف تقدُّم حزب بهاراتيا جاناتا في أوتار براديش -الولاية التي يُنظر إليها على أنها رائدة في التصويت الوطني، في الانتخابات التي ستجرى أوائل العام المقبل.

وأشارت إلى أنه قد يكون هذا الضعف نتيجة احتجاجات المزارعين، وأوضحت الصحيفة أنه بعد أكثر من اثنتي عشرة جولة من المفاوضات الفاشلة، غيَّـر المزارعون تكتيكاتهم هذا الخريف، حيث بدأوا مهاجمة مسؤولين كبار في حكومة مودي، أثناء قيامهم بحملة في أوتار براديش وفي جميع أنحاء شمالي الهند.

وذكرت "نيويورك تايمز" أنه خلال إحدى هذه المواجهات في أكتوبر الماضي، صدم عضو بالحزب الحاكم بسيارته قافلة تضم مجموعة من المزارعين المتظاهرين، ما أسفر عن مقتل أربعة متظاهرين، بينهم صحفي محلي، مشيرة إلى أن التحقيقات كشفت عن تورط نجل أحد الوزراء في حكومة مودي.

 

انسحاب مودي

ونقلت الصحيفة عن جيل فيرنيرز ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أشوكا قوله، إن انسحاب مودي قد يمنح الديمقراطية الهندية فرصة للعودة، مشيرًا إلى أنه مع انقسام المعارضة وحصول مودي الشعبوي على دعم واسع، مارست حكومته ضغوطًا على المعارضين السياسيين، وتحركت لإخماد الانتقادات عبر الإنترنت وفي وسائل الإعلام، ما تسبب في تراجع شعبية الحكومة.

وأضاف فيرنيرز: "ما حدث يكشف أنه حتى لو ألغت الحكومة هذه القوانين لأسباب انتخابية، فإن الانتخابات لا تزال تعمل كآلية رسمية لإبقاء الحكومات تحت السيطرة،كما يظهر أيضًا أن الجوانب الأكثر جوهرية للمشاركة الديمقراطية مثل الاحتجاجات المدنية يمكن أن تكون ناجحة"، وأضاف: "إنها أخبار جيدة للديمقراطية المهزومة في الهند".

وأوضحت "نيويورك تايمز" أن مودي وحزبه الحاكم واجهوا ضغوطًا، لكنهم في أغلب الأحيان كانوا قادرين على مقاومتها، مشيرة إلى أنه عام 2015، تخلت الحكومة عن خطط لإصلاح مبيعات الأراضي الزراعية في مواجهة الاحتجاجات.

بعد عام -تضيف الصحيفة- تمسكت الحكومة بأسلحتها ضد المحتجين، بعد أن تعرَّضت الشركات الصغيرة لانتقادات، بسبب تحرك مودي المفاجئ لإلغاء العملة الورقية القديمة، وعام 2019، صمدت الحكومة أمام المسيرات الضخمة التي جرت على مستوى البلاد ضد قانون يوفر مسارًا سريعًا للحصول على الجنسية للأجانب من جميع المعتقدات الدينية الرئيسية جنوبي آسيا باستثناء الإسلام.

 

تعثر الاقتصاد

أمام كل هذه الاضطرابات، تعثر الحزب بطرق مؤلمة، في بلد يطمح سكانه إلى التنافس اقتصاديًا على المسرح العالمي.

وحسب "نيويورك تايمز" تعرَّض الاقتصاد الهندي لضربة كبيرة، بعد أن اضطر مودي لإغلاق البلاد في مارس 2020 ضمن خططه لمحاربة كورونا، لكن البلاد لم تلبث أن تتعافى من الموجة الأولى، حتى ضربتها موجة ثانية مدمرة ملأت المستشفيات ومحارق الجثث.

وأشارت الصحيفة، إلى أن حكومة مودي تعافت منذ ذلك الحين من خلال برنامج تطعيم معزز، لكن تفشي المرض ترك أعدادًا لا تُحصى من القتلى وملايين الأسر في خطر الانزلاق من الطبقة الوسطى، موضحة أنه في ظل هذه الخلفية، أصبح مودي معرضًا لانتقادات المزارعين المحتجين، الذين أثبتتوا قدرتهم على الصمود والتنظيم.

 

القطاع الزراعي

يتفق الاقتصاديون -حسب "نيويورك تايمز"- على أن القطاع الزراعي في الهند بحاجة إلى إصلاح شامل، إذ تتم زراعة بعض المحاصيل التي تفشل البلاد في تصديرها، فتتعفن في صوامعها، بينما يعاني الناس سوء التغذية في أماكن أخرى من الهند.

وأشارت حكومة مودي، إلى أن القوانين الجديدة ستجلب الاستثمار الخاص إلى قطاع لا يزال أكثر من 60 في المئة من السكان يعتمدون عليه في معيشتهم، لكن المزارعين، الذين يكافحون في ظل أعباء الديون الثقيلة وحالات الإفلاس، يخشون أن تجعلهم اللوائح الحكومية المخففة تحت رحمة الشركات العملاقة، وتشير "نيويورك تايمز" إلى أن شكوكهم هذه زادت، بعد أن أقر الحزب الحاكم قوانين الإصلاح الزراعي العام الماضي.

وأمام ذلك، ظل المزارعون المحتجون في خيام خارج نيودلهي، أكثر من عام، ما تسبب في ازدحام حركة المرور، وفي يناير الماضي، بينما كان مودي يشاهد عرضًا عسكريًا في المدينة للاحتفال بعيد وطني، قاد المزارعون الجرارات عبر حواجز الشرطة للتعبير عن احتجاجهم، ما أسفر عن مقتل مزارع وإصابة آخرين.

وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أن المزارعين رفضوا أي حل وسط من دون أن يُلغى القانون، وظلوا في خيامهم خلال الشتاء الماضي القاسي، وأيضًا خلال الصيف الماضي الحار جدًا، مع استمرار تفشي كورونا، الذي تسبب بفوضى في نيودلهي.

وأوضحت "نيويورك تايمز" أن مواقع معسكرات المزارعين كانت تشبه البلدات الصغيرة، مع مطابخ جماعية، ومرافق غسل الملابس، وصالات رياضية ومدلكين متطوعين.

وأضافت، أنه حتى يوم الجمعة 19 نوفمبر الجاري، وقف مودي وأنصاره بحزم، واصفين المزارعين بالانفصاليين والبيادق في خدمة أحزاب المعارضة، ويجهلون كيف ستفيدهم الإصلاحات الزراعية.

بل إن ناريندرا سينغ تومار، وزير الزراعة الهندي، خرج يوم الجمعة ليدافع عن القوانين، قائلاً إن مودي لديه "نية حسنة" لإحداث ثورة في الزراعة، وأضاف: "إنني حزين لأننا لم نتمكن من إقناع بعض المزارعين في البلاد بفوائد هذه القوانين".

 وأمام ذلك، فاجأ مودي الجميع، وخرج ليعلن إلغاء القوانين، بينما استقبل قادة الاحتجاجات هذا التحول بتفاؤل حذر، مع خطط للقاء في موقع الاحتجاج الرئيسي في نيودلهي لمناقشة الخطوات التالية.

 

احتفال المزارعين

وعقب إلغاء قوانين الزراعة، احتفل المزارعون بالقرارات، وقال رامانديب سينغ مان، وهو مزارع وناشط، إنه كان "منتشيًا" بعد سماعه النبأ، كما لو كان قد صعد قمة جبل إيفرست...!

وأضاف مان لـ "نيويورك تايمز" أن ما يبقى غير واضح، هو ما إذا كانت الحكومة ستوافق على مطلب المزارعين الآخر، وهو إعلان قانون منفصل، يضمن حدًا أدنى لسعر المحاصيل، مشيرًا إلى أن المزارعين سيستمرون في حصارهم خارج حدود نيودلهي، حتى يلغي البرلمان القوانين الثلاثة رسميًا.

أما في منطقة غازيبور -وهي موقع احتجاج آخر على مشارف العاصمة- فكانت الاحتفالات هادئة، إذ أطلق بعض المزارعين المفرقعات النارية بينما وزع آخرون الحلويات.

وقال أوم بال سينغ مالك، زعيم الاحتجاج في الموقع في غازيبور: "لا نثق بهذه الحكومة، فإذا كان مودي صادقًا، لماذا لا يعتبر اجتماع البرلمان الآن حالة طارئة؟".

من جانبه، قال جاجديب سينغ، الذي كان والده ناكشاترا سينغ، 54 عامًا، بين المتظاهرين الذين قُتلوا في ولاية أوتار براديش الشهر الماضي، للصحيفة الأمريكية: إن الإلغاء شهادة على مَنْ لقوا حتفهم في الظروف الصعبة طوال عام من الاحتجاجات، سواء بسبب التعرُّض لدرجات حرارة شديدة، أو النوبات القلبية، أو بسبب كورونا، أو أي شيء آخر.

وبحسب أحد قادة المزارعين المحتجين، لقي 750 متظاهرًا حتفهم، بينما تقول حكومة مودي إنها ليست لديها بيانات عن هذا الأمر.

ويقول سينغ: "هذا انتصار لكل هؤلاء المزارعين، الذين ضحوا بحياتهم لإنقاذ مئات الآلاف من المزارعين الفقراء في هذا البلد، من جشع الشركات... لابد أنهم الآن يبتسمون أينما كانوا".