صحرا كاريمي... صرخة الأفغانيات للعالم

مقطع الفيديو الذي لقي تفاعلًا كبيرًا، وجاب منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية والقنوات التلفزيونية، سلَّط الضوء -الذي لم ينقطع- عن مخاوف المجتمع الأفغاني عامة، والنساء وأصحاب المهن الفنية كالسينمائيين والمطربين خاصة، من حُكم طالبان المتطرفة.

صحرا كاريمي... صرخة الأفغانيات للعالم

السياق

تجري ولا تعرف إلى أين، تصرخ ولا تعلم مَنْ يسمعها، تستجدي ولا أحد ينجدها، يعلو صوتها الجاهش بالبكاء، المنهك بالألم، المهزوز من الفاجعة، المكتوم من الحسرة، وقِلة الحيلة أو زوالها، وتقول: اليوم هو الأخير الذي تخرج فيه المرأة الافغانية بوجهها.

في مشهد، ضمن سلسلة من المشاهد، أدمت قلب العالم، وأوجعت ضميره، تظهر المخرجة الأفغانية صحرا كاريمي، لتعبِّر عن معاناة ملايين الأفغانيات ومخاوفهن من مصير لا يرجوه أحد.

مقطع الفيديو الذي لقي تفاعلًا كبيرًا، وجاب منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية والقنوات التلفزيونية، سلَّط الضوء -الذي لم ينقطع- عن مخاوف المجتمع الأفغاني عامة، والنساء وأصحاب المهن الفنية كالسينمائيين والمطربين خاصة، من حُكم طالبان المتطرفة.

المخرجة الأفغانية، صاحبة الـ38 عامًا، بثت الروح في الجسد الفني الأفغاني الميت، فمن واقع معاناة مجتمعها، أنتجت أفلامًا وثائقية بالغة الأهمية، تناولت فيها حق المرأة في التعليم، واستخراج رخص القيادة، وتقلدها الوظائف العامة، وحرية ملبسها ومسكنها، وعددًا من البدهيات الأخرى، المستحيلة حاليًا في أفغانستان.

حوا وعايشة ومريم
تولَّت، كأول سيدة، رئاسة المجلس المعني بصناعة السينما في بلادها، ونجاحها لم تغفله عين.
إذ قدمت واحدًا من أهم الأفلام "النسائية" في تاريخ الفن الحديث، وعرض في عدد من المهرجانات الدولية، فينيسيا والقاهرة والبندقية، عام 2019 وحاز إعجاب الجمهور والنقاد، ولقى دعمًا مهمًا، لحرفية صانعيه، والرسائل المؤثِّرة التي حملها بين طياته.

يرصد فيلم "حوا وعايشة ومريم" ثلاث قصص، لثلاث سيدات مختلفات ثقافيًا واجتماعيًا، يعشن في العاصمة الأفغانية كابل، وفجأة تظهر لكل منهن عقبة لا مناص إلا بحلها، فتكون حياتهن على المحك، والمحك هنا "عيادة لأمراض النساء" فثلاثتهن يجمعهن القدر، أو جمعتهن "صحرا" فيها، ينتظرن المصير المجهول.

والمجهول هنا هو الجنين الذي تحمله كل منهن، فثلاثتهن حوامل، واحدة تعاني عنف زوجها، ووالده لا يعبأ بها، يسخرها فقط لخدمته وأهله، ولا تعرف طريقًا للخلاص، ولا تجد سوى الحديث مع هذا الجنين القريب البعيد عنها.

مآسي بطعم أفغاني
الثانية، مذيعة إخبارية تحظى بقدر وفير من الثقافة والاطلاع، وإن كانت لا تُعنف، فهي تُخان، عاشت أيام تعسة مع زوجها، الذي أرغمت على الزواج به، لتأتي لحظة وتتمالك شجاعتها، وتقرِّر الانفصال عنه، وبعد طلاقهما تكتشف أنها حبلى وتكون الصدمة.
القصة الأكثر ألمًا، هي للمراهقة ذات الثمانية عشر عامًا، التي تكتشف الجنين في بطنها، بعد خطبتها لقريبها، طفل يحمل جينات حبيبها السابق، الذي تخلى عنها وهرب منها، حينما عرف بذلك، وأدار ظهره لها.

ثلاثتهن يحملن الشيء نفسه، وإن اختلفت مآسيهن وتفاوتت مخاوفهن. مخاوف لم تنهها صحرا في فيلمها أو تضع حدًا لها، بل تركت نهاية الفيلم مفتوحة، ففي الوقت الذي ستتخيل فيه أنت خاتمة للعمل، ستكون إحدى هؤلاء السيدات وغيرهن الكثير في الواقع، لا في الخيال السينمائي، يبحثن عن حل حقيقي ونهاية فِعلية لمأساتهن.