قيادات الصف الأول في طالبان... مَنْ هم حُكام أفغانستان الجدد؟

مرَّت الحركة كأفغانستان، بتطورات وتحولات في ديناميكيتها، وتعاملها مع الأطراف الدولية، إذ انتقلت من سُلطتها العلنية الرسمية، بقيادة الآباء المؤسسين أو الرعيل الأول، الملا عمر ورفاقه، إلى السِّرية والغموض والترتيبات الخفية، بعد إسقاط حكومتهم على يد قوات التحالف، واغتيال العديد من قياداتهم.  

قيادات الصف الأول في طالبان... مَنْ هم حُكام أفغانستان الجدد؟

السياق

قبل 20 عامًا، خرج الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، معلنًا لوسائل الإعلام خبرًا ضربت به الأيام الماضية، عرض حائط المصداقية الأمريكية، وهو انتهاء حُكم طالبان، وقال حينها: "بجهود جيشنا وحلفائنا والمقاتلين الأفغان الشجعان، وصل حُكم طالبان إلى نهايته، لكن مسؤولياتنا تجاه الشعب الأفغاني لم تنته، نحن نعمل على عهد جديد من حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية في ذلك البلد".ما استطاعت الحكومة الأمريكية وقتها فِعله، هو إسقاط حكومة طالبان، وليس إنهاء وجودها وتأثيرها العسكري، ومؤخرًا السياسي.
مرَّت الحركة كأفغانستان، بتطورات وتحولات في ديناميكيتها، وتعاملها مع الأطراف الدولية، إذ انتقلت من سُلطتها العلنية الرسمية، بقيادة الآباء المؤسسين أو الرعيل الأول، الملا عمر ورفاقه، إلى السِّرية والغموض والترتيبات الخفية، بعد إسقاط حكومتهم على يد قوات التحالف، واغتيال العديد من قياداتهم.  

بزوغ البراغماتية
بداية عام 2015، أي بعد عقد ونصف العقد من عودة تحصُّن طالبان بالجبال، والقتال ضد القوات الأجنبية، وتنفيذ العمليات الهجومية والانتحارية، قبلت الإدارة الأمريكية "الحركة الإرهابية" كفاعِل رئيس، لا غنى عنه في أفغانستان، وبدأت محاولات التفاوض المباشر معها، وهذا أيضاً ما أدركته طالبان وقبلت به، إذ كانت ترفض التعامل المباشر مع واشنطن، وتطلب التعامل مع الأمم المتحدة، ومن هذه الآونة بدأت المفاوضات، لتتكوَّن ملامح طالبان السياسية البراغماتية، ويظهر قادة جدد، وقادة قدامى بفِكر جديد، تبدو في ظاهره، الرغبة في التخلُّص من الفكر القديم، ونهج طرق أكثر سِلمية، واستخدام أدوات أكثر مرونة، في التعامل مع الشعب الأفغاني، والمجتمع الدولي، حسبما يُستشَف من خطابهم الإعلامي.
ورغم المحاولات الحثيثة للحركة، لإظهار نفسها راغبة في الُحكم التعدُّدي التشاركي، فإن عددًا من المحللين السياسيين، ومتخصَّصين في شؤون الجماعات المسلحة، يرون أن الاستحواذ مصير السُّلطة في عهد طالبان، ويرجحون إلغاء العمل بالدستور الحالي، الذي وضع عام 2004، في ظِل جهل عميق بطبيعة الحُكم، وماهية النظام الذي ستبنيه طالبان، والدستور الذي ستقرِّره.
لكن المعلوم، بالنسبة للمحللين وقراء المشهد الأفغاني، هو حصر السُّلطة في أيدي أشخاص محدَّدين من الحركة، الذين قادوا الانتصار السياسي والدبلوماسي والعسكري، الذي أخرج القوات الأمريكية وقوات التحالف، وأسقط كابل والولايات الأخرى، بسهولة لم تُعهد.

صانع التحولات الجذرية في الحركة
يأتي في مقدِّمة هؤلاء الأشخاص، الملا هبة الله أخوند زاده، الذي تشير التقديرات، إلى قُرب رئاسته السُّلطة الأعلى في البلاد، أيًا كان المسمى "أمير المؤمنين" أو "رئيس الجمهورية".
 إذ تولى زاده، زعامة طالبان في مايو 2016، بقرار من مجلس شورى الحركة، خلفًا لأميرها أختر محمد منصور، الذي قُتل في غارة أمريكية بباكستان عام 2015.

وشهدت الحركة -تحت ولاية هبة الله زاده- تحولا جذريًا، وانتصارات، أبرزها توقيع اتفاق سلام تاريخي، مع الولايات المتحدة في قطر 29 فبراير2020، وسيطرتها على مفاصل البلاد.
ويُعَدُّ الرجل البالغ من العمر 60 عامًا، من مؤسسي الحركة، وهو عالم شريعة تقدِّره قيادات الحركة، وشبابها، وكان المستشار الشرعي لمؤسس الحركة وقائدها الأول الملا محمد عمر.

يتحدر زعيم طالبان من العِرقية البشتونية، التي تمثِّل الأغلبية بين العِرقيات المكوِّنة لأفغانستان، وكذلك طالبان، انضم في الثمانينيات إلى مجموعات من المسلَّحين، لمحاربة القوات السوفييتية، وكانت تلك المجموعات ضلعًا أساسيًا في تكوين الحركة الراديكالية.

رجل المفاوضات
وحسب محللين، فإن أقرب منافسيه على هذه السُّلطة، هو الملا عبدالغني برادر، وهو أيضًا من المؤسسين الأوائل لطالبان، ويتولى برادر حاليًا رئاسة المكتب السياسي للحركة.
برادر، ذو العقود الستة، يمثِّل الصورة الرسمية لطالبان، ولفت أنظار العالم، إذ كان متعهد المفاوضات مع واشنطن، وظهر كثيرًا في جولاته المكوكية، بين قطر وباكستان والصين وروسيا، وهو المسؤول الطالباني، الذي تحدَّث هاتفيًا مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
وكان وزيرًا للدفاع في حكومة طالبان، عندما غزا الأمريكيون أفغانستان، ويعتقد أنه صاحب التخطيط والتوجيه، لعدد من العمليات والهجمات، التي نُفِّذت ضد قوات التحالف.
اعتُقل في كراتشي بباكستان عام 2010 وأفرج عنه عام 2018، بطلب من إدارة ترامب، ووساطة قطرية، وينسب له الفضل الأكبر في إنجاح المفاوضات.

ابن المؤسس
ومن القيادات الأخرى في الحركة، التي قد تشغل مناصب مهمة في نظام الحكم المرتقب، لكنها غير منافسة على السلطة الأعلى، الملا محمد يعقوب، وهو نجل الملا محمد عمر، الأب المؤسس لطالبان، ويتولى حالياً رئاسة اللجنة العسكرية للحركة، وينسب إليه الفضل، في تخطيط وتنفيذ الهجوم الكاسح، الذي اجتاحت من خلاله الحركة البلاد، في الأسابيع الأخيرة، قبل استيلائها على العاصمة كابل.

مطلوب للعدالة
ومن القيادات المهمة والخطيرة في الحركة "سراج الدين حقاني" الذي وضعته أمريكا على قائمة الإرهاب والمطلوبين للعدالة، ورصدت 10 ملايين دولار، مكافأة للإبلاغ أو الإدلاء بمعلومات عنه، حسبما أعلن برنامج "مكافآت من أجل العدالة" التابع للخارجية الأمريكية.

وقال البرنامج عبر موقعه: يقود سراج الدين حقاني حاليًا، الأنشطة اليومية لشبكة حقاني.

خلال مقابلة مع منظمة إعلام أمريكية، اعترف سراج الدين بتخطيط هجوم 14 يناير 2008 ضد فندق سيرينا في كابل، الذي أسفر عن مقتل ستة أشخاص، بينهم الأمريكي ثور ديفيد هيسلا.

وأضاف: اعترف أيضًا سراج الدين بالتخطيط لاغتيال الرئيس الأفغاني حامد كرزاي في أبريل 2008، ونسَّق وشارك في هجمات عبر الحدود، ضد القوات الأمريكية وقوات التحالف في أفغانستان، ويعتقد أنه في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية في باكستان.

وصنَّفت وزارة الخارجية الأمريكية، سراج الدين حقاني إرهابيًا عالميًا، بموجب الأمر التنفيذي 13224 في مارس 2008.
كما أنه زعيم شبكة حقاني، التي نُسبت إليها الهجمات في أفغانستان، خلال السنوات الأخيرة، وهي أيضًا إرهابية في تصنيف الولايات المتحدة.