دق مسمار في نعش اتفاقية الدبيبة وتركيا.. ما تبعات قرار القضاء على ليبيا؟
قال المحلل السياسي الليبي حسين مفتاح، في تصريحات لـ-السياق-، إن حكم محكمة استئناف طرابلس، جاء بعد رفع قضية من 5 محامين ليبيين ضد مذكرة التفاهم.

السياق
بعد قرابة 4 أشهر من اتفاقية التنقيب عن الطاقة بين ليبيا وتركيا، التي أثارت غضبًا محليًا ودوليًا، كانت حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية، على موعد مع ضربة قضائية.
تلك الضربة المزدوجة، التي طعنت حكومة عبدالحميد الدبيبة منتهية الولاية، في شرعيتها وشرعية الاتفاقيات التي تبرمها، ستكون لها تبعات اقتصادية وسياسية على البلد الإفريقي، خاصة أنها تتزامن مع تطورات المشهد الليبي.
فماذا حدث؟
محكمة استئناف طرابلس، التي تتخذ من العاصمة مقرًا، حيث المليشيات المسلحة المتمركزة هناك، علقت –الثلاثاء- اتفاقية للتنقيب عن الطاقة، وقَّعتها حكومة الدبيبة في أكتوبر الماضي مع تركيا، بعد أن أثارت غضب قوى أخرى تطل على البحر المتوسط بينها مصر واليونان، وأججت الأزمة الداخلية الليبية، برفضها من مجلسي النواب والأعلى للدولة.
تضمنت الاتفاقية إمكانية استكشاف النفط والغاز، في مياه قالت أنقرة وطرابلس إنها تابعة لهما، بينما تقول مصر واليونان إن مساحات منها تابعة لهما.
تلك الاتفاقية فاقمت الخصومة شرقي المتوسط، وزادت حدة المواجهة السياسية في ليبيا، بين حكومة الدبيبة في طرابلس غربي البلاد والبرلمان الذي يتخذ من الشرق مقرًا، وكلف في مارس الماضي حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا، لم تتمكن -حتى اليوم- من ممارسة مهامها، بسبب رفض حكومة الوحدة تسليم السلطة.
وبينما ترك قرار محكمة الاستئناف في طرابلس، الباب مفتوحًا أمام حكومة الوحدة الوطنية للطعن، إلا أن الحكم سيظل مرجعًا قانونيًا، عبَّـر -بشكل لا يدع مجالًا للشك- عن بطلان أي اتفاقيات توقِّعها الحكومة منتهية الولاية قانونًا.
ورغم ذلك فإن تطبيق الحكم سيظل مجالا للشك، خاصة أن حكومة الدبيبة ترفض الامتثال -حتى اللحظة- لقرارات البرلمان القاضية بإقصائه من السلطة، إضافة إلى أن تركيا لن تتنازل عن أي مكاسب حصلت عليها في ليبيا، خاصة أن لديها قوات على أراضي البلد الإفريقي، تمكنها من تنفيذ ما تصبو إليه.
إلى ذلك، قال المحلل السياسي الليبي حسين مفتاح، في تصريحات لـ«السياق»، إن حكم محكمة استئناف طرابلس، جاء بعد رفع قضية من 5 محامين ليبيين ضد مذكرة التفاهم، مشيرًا إلى أن أمرًا صدر من المحكمة بوقف تنفيذ الاتفاقية، ويعد نافذًا.
اتفاقية غير قانونية لأسباب عدة
وأوضح أن الحكم مرحلة أولى، بينما المرحلة الثانية تتضمن مناقشة الدعوى من حيث الموضوع، مشيرًا إلى أن الحكم الذي سيصدر سيكون في ذلك الاتجاه، بل قد يتجاوز وقف تنفيذ الاتفاقية إلى إلغائها، لأن هذه الاتفاقية غير قانونية لأسباب عدة، لأن الحكومة التي وقَّعت هذه الاتفاقية مع تركيا، غير مخولة بتوقيع اتفاقيات كهذه.
وأشار المحلل الليبي إلى أن مذكرة التفاهم، وصف غير دقيق، يهدف إلى التلاعب، ومحاولة تجاوز عقبة اعتماد أي اتفاقية من البرلمان، لذا سمتها مذكرة تفاهم.
تبعات الحكم
وأكد أن ما يترتب على مذكرة التفاهم، من آثار حالية ولاحقة على الاقتصاد الليبي وإنتاج النفط، غير قانونية، لأن الحكومة -وفقًا لاتفاق جنيف- لا يحق لها أن توقِّع أي اتفاقيات جديدة ولا التعامل مع الاتفاقيات السابقة الموقعة بين ليبيا وأي دولة.
وأشار إلى أن هذه الاتفاقية تجاوزت القوانين الليبية، لا سيما قانون النفط الليبي، وانتهكت سلطات المؤسسة الوطنية للنفط، لأنها الجهة الفنية المخولة بتوقيع هذه الاتفاقية وتسويق النفط الليبي، إضافة إلى أنها تخالف قوانين البحار.
وشدد المحلل السياسي الليبي، على أن مذكرة التفاهم تعد باطلة، بينما الحكم جاء متماهيًا مع هذه الاتفاقية، مشيرًا إلى أن وقفها يترتب عليه إيقاف أية محاولة من تركيا، للربط أو الحفر أو أي إجراء له علاقة بتنفيذ بنود هذه المذكرة.
كانت تركيا وقَّعت مذكرة تفاهم عام 2019 مع حكومة طرابلس -آنذاك- بقيادة فايز السراج، لترسيم حدودهما شرقي المتوسط، في مياه محل نزاع مع مصر واليونان اللتين رفضتا الاتفاق.
مرجع قانوني
في السياق نفسه، قال المحلل الليبي كامل المرعاش، في تصريحات لـ«السياق»: رغم صعوبة تنفيذ الحكم، فإنه يظل مرجعًا قانونيًا أكد -بشكل لا يدع مجالًا للشك- بطلان هذه الاتفاقيات قانونًا، مشيرًا إلى أن الحكم يزيل الصفة القانونية حتى على ما جرى تطبيقه منها إعمالًا للمبدأ القانوني «ما بُني على باطل فهو باطل».
وأكد المحلل الليبي، أن أي سلطة جديدة في ليبيا يمكنها تنفيذ هذا الحكم إن لم يصدر ما ينقضه، على الاتفاقية وتبعاتها القانونية، مشيرًا إلى أن مذكرة التفاهم أصبحت بلا قيمة قانونية تذكر، ما يجعل الأمم المتحدة تأخذ في الاعتبار البطلان القانوني لهذه الاتفاقية.
ورغم أن الحكم يعبر عن الرأي القانوني الصحيح في هذه الاتفاقية، فإن المرعاش قال إنه يظل رمزيًا، بينما إمكانية دخوله حيز التنفيذ تبقى ضئيلة لأسباب عدة، منها أنه وقِّع بعد بدء تنفيذ هذه الاتفاقيات وتوقيع بروتوكولات تنفيذية لها، أي أن الأمر أصبح أمرًا واقعًا، بينما القوات التركية موجودة في الغرب الليبي، ولن تقف مكتوفة الأيدي لإيقاف أي اتفاقات نفطية، حفاظا على مصالح تركيا.
أساليب ملتوية
وأشار إلى أن حكومة الدبيبة ماضية في تطبيق الاتفاقيات، ولن تعبأ باحترام قرارات القضاء الليبي، وستلجأ إلى أساليب التعطيل والضغط والترهيب، لاستئناف الحكم والحصول على آخر يبطله، مؤكدًا أن تعليق الاتفاقيات يظل بعيد الاحتمال، ولن يطبقها الدبيبة الذي هو في أمس الحاجة للدعم التركي، في وقت تتزايد عليه الضغوط للرحيل.
وحذر المحلل الليبي من تعرض القضاة الذين أصدروا الحكم للتنكيل، قائلًا: التنكيل من الأدوات التي اعتدنا أن نراها من عائلة الدبيبة للتشبت بالحكم، إذ تبدأ بعرض الرشى والأموال، ثم تنتقل إلى التهديد الجسدي للقضاة وعائلاتهم، عبر إسناد المهمة لزعماء الميليشيات الموالية له، للقيام بالأعمال القذرة مقابل الأموال.
وأشار إلى أن الدبيبة يعد نفسه ومليشياته السلطة الأعلى في ليبيا، كونه المسيطر على العاصمة ومؤسسات الدولة فيها، بينما لا توجد سلطات أخرى يمكن أن تحد من تفرده بالحكم.
وعن إمكانية أن يحد لقاء رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي والقائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر من سلطات الدبيبة، قال المحلل الليبي إن هذا اللقاء يعد الاختبار الحقيقي للمنفي وقدرته على إدارة المرحلة الجديدة التي ستدخلها ليبيا.
التحدي الأكبر
إلا أنه قال إن أكبر تحدٍ له يأتي من أحد الرؤوس المشاركة له في المجلس، عضو الرئاسي محمد اللافي الموالي لأمراء الميليشيات وتركيا، الذي لن يتسامح في التقارب مع قيادة الجيش الوطني الليبي، التي يعدها تهديدًا حقيقيًا لنفوذ الميليشيات التي يعيش تحت حمايتها، على حد قول المرعاش.
من جانبه، قال المحلل السياسي الليبي أيوب الأوجلي، في تصريحات لـ«السياق»، إن الحكم والعدم سواء، رغم كونه يؤطر لمسألة مهمة، تتعلق بعدم قانونية هذه المذكرة.
وأوضح المحلل الليبي، أن قرار المحكمة لن يكون له تأثير على أرض الواقع، خاصة بعد تصريحات الدبيبة، التي أكد فيها أهمية توقيع تلك الاتفاقيات، مشيرًا إلى أن الأخير لن يحتاج للطعن على الحكم، خاصة أن أحكام القضاء لا تجد يومًا طريقها للتنفيذ غربي ليبيا، بسبب سطوة المليشيات وسيطرتها على مفاصل الدولة.