الجدل بشأن سيرة الشعراوي يصل إلى القضاء... دعاوى قانونية وانتقادات لم تنقطع
الانتقادات أثارت حفيظة أسرة الشعرواي، التي أعلنت في الساعات الماضية، تقدمها ببلاغ ضد الناقدة خير الله.

السياق
من جدل كلامي مرورًا بـ«إساءات لفظية» أثارت حفيظة كثيرين إلى معركة قضائية، تطورات مثيرة في أزمة مسرح السيرة، التي أثيرت على الساحة المصرية قبل أيام، بشأن سيرة الداعية المصري الراحل محمد متولي الشعراوي.
كان مدير المسرح القومي المصري، الفنان إيهاب فهمي، أعلن تقديم «مسرح السيرة»، الذي يتناول شخصية الشيخ محمد متولي الشعراوي خلال رمضان المقبل، في تصريحات أثارت كثيرًا من الجدل بشأن دور الداعية المصري الراحل، ومواقفه.
ووجَّهت الناقدة الفنية ماجدة خير الله، انتقادات لاذعة للداعية الراحل وللمسرح القومي، قائلة: هناك أناس أكثر أهمية بكثير منه، وقدَّموا للمجتمع أشياء مفيدة، مثل يوسف إدريس ويحيى حقي، لم نقدس هؤلاء الناس، مع أن هناك علماء ومفكرين وأدباء وأصحاب فكر ورجال وطنيين، قدَّموا أرواحهم فداءً للوطن "مصر مليانة على مدار تاريخها".
وأضافت: الشعراوي لم يفد المجتمع وليس رجلًا تنويريًا، كان رافضًا للعِلم، وعمل فتنة بين المسلم والمسيحي، وحقق ثروات مرعبة، فاللي عمله الشعراوي وغيره من بعض رجال الدين تجارة بالدين، مش ناس ضحوا لكنهم أخدوا مكانة أكثر من الأنبياء.
تلك الانتقادات أثارت حفيظة أسرة الشعرواي، التي أعلنت في الساعات الماضية، تقدمها ببلاغ ضد الناقدة خير الله، قائلة: «كل واحد عايز يعمل تريند يتكلم عن الشعراوي، وأي حد الأضواء راحت من عليه يجيب سيرته لأن الناس كلها بتحبه وبيدفعوا عنه».
وأضافت زوجة محمد الشعراوي حفيد الشعراوي، أن أسرة الراحل قررت تكليف محامٍ برفع دعوى قضائية ضد الناقدة ماجدة خير الله، والناقد طارق الشناوي لـ«إساءتهما للداعية الراحل».
وعن ادعاءات ماجدة خير الله بأن الشعرواي كان يمتلك ثروة كبيرة: الراحل معروف مصدر فلوسه وكان بيتقي الله، مشيرة إلى أن الراحل تنازل عن حقوقه في الإذاعة والتلفزيون لمصر، وبنى معهدًا دينيًّا ومسجدًا، وأنشأ جمعية خيرية في السيدة نفسية وبنى مستشفى، ومجمعًا خيريًّا.
ودخلت مؤسسة الأزهر على خط ذلك الجدل، محاولة الدفاع عن الداعية الراحل، بعد اتهامه بألفاظ «مسيئة» وتأكيد وزيرة الثقافة المصرية بأن الشعروي «عليه تحفظات كثيرة»، فقال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية: «إمام الدعاة الشيخ الشعراوي مثال للعالِم الوسطي المستنير»، ونشر عبر «فيسبوك»، السيرة الذاتية للداعية الراحل.
ذلك الجدل، الذي اشتعل بين مثقفين مصريين مدافعين عن الراحل وآخرين منتقدين، تردد صداه في أروقة البرلمان المصري، بعد تقدم البرلمانية فريدة الشوباشي عضو مجلس النواب المصري، المعروفة بـ«ناصريتها»، نسبة إلى انتمائها للحزب الناصري، المؤيد لأفكار الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، بطلب إحاطة إلى الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، والدكتورة نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة، في ما وصفته بـ«ضعف» أداء وزارة الثقافة في نشر الوعي.
دور دعوي
وعن ذلك الجدل، قالت الصحفية المصرية، المتحدثة الرسمية السابقة لوزارة الثقافة المصرية سحر المليجي، في تصريحات لـ«السياق»: إن احتكار رأي واحد وإقصاء بقية الآراء تطرف وإرهاب، مشيرة إلى أنه يجب «ألا نسقط في فخ التطرف وارهاب من يخالفنا في الرأي».
وأوضحت متحدثة الثقافة المصرية السابقة، أنه ليس هناك ما يمنع من تناول شخصية الشيخ الشعراوي، من خلال أعمال فنية، فلا أحد ينكر دوره الدعوي «حتى وإن أخطا سياسيًا»، مشيرة إلى أن سيرة حياته تناولتها أعمال فنية حازت متابعة الملايين.
وأكدت ضرورة «عدم إغفال دور شيوخنا وعلمائنا، بل علينا عرض سير ذاتية لكل إنسان قدَّم عِلمًا وأصبح نموذجًا وحقق نجاحًا، مع عرض كل جوانب حياته الإيجابية والسلبية».
شخصية نادرة
بدوره، قال الدكتور محمد ورداني أستاذ الإعلام بجامعة الأزهر في تصريحات لـ«السياق»، إن الإمام الشعراوي شخصية عِلمية نادرة في عصرنا الحاضر، فقد استطاع أن يدلي بدلوه في كثير من العلوم ليقدِّم أنموذجًا دعويًا عبقريًا، مشيرًا إلى أنه امتلك الكثير من المهارات الشخصية والعِلمية، التي مكّنته من أن يجذب قلوب الجماهير إليه.
وأضاف أستاذ الإعلام بجامعة الأزهر، أن تلك الحملات الإعلامية الممنهجة بين الحين والآخر لـ«تشويه صورة إمام الدعاة، ما هي إلا نتاج حقد»، بحسب وصفه، «على الرصيد الذي حظي به لدى الناس من حب واتباع واقتناع بآرائه، التي لم تتعارض مع صحيح الدين الذي أراده الله لعباده».
وثمّن ورداني جهود مؤسسة الأزهر وقطاعاتها المختلفة «في بيان مكانة هذا العالم الجليل كأبلغ رد على تلك الاتهامات الباطلة ودعوة الناس للتخلي عن آرائه المنضبطة بصحيح تلك الشريعة».
وأكد أن «هذه الدعوات الهابطة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فالقائمون عليها سبق أن دعوا للتفكر في القرآن وتجميد بعض آياته مؤقتًا فأنى يُستجاب لهم»، على حد قوله.
وأشار إلى أنه «لم يستطع أحد منهم أن ينتقد الإمام في حياته، بعدما ملأ الدنيا عِلمًا وعرف قدره الجميع، كما أنه لديه الكثير من المواقف الوطنية المشرفة».
وتساءل ورداني: ماذا يريد هؤلاء من عالِم كان الجميع ينصتون لحديثه متعلمًا أو غير متعلم؟، فهو صاحب خطاب دعوي ناسب كل الفئات مثقفيها وغير مثقفيها، مضيفًا: كان يستمتع بالاستماع إليه عامة الناس ومتخصصوهم، والجميع لا يملكون إلا أن يقولوا سبحان مَنْ منَّ عليه بعقل راجع وقلب حكيم وعِلم نافع.
كان الدكتور أسامة الأزهري المستشار الديني للرئيس المصري، وصف الشعراوي عبر "فيسبوك" بـ«الإمام الكبير»، مؤكدًا أنه في نظره ونظر أبناء الأزهر وأبناء المدارس العِلمية المختلفة، يمثل نموذجًا مشرفًا من أئمة العِلم والهدى والدين، على طراز أئمة الإسلام الكبار، ومن أعظم ثمرات الأزهر الشريف خلال القرن الماضي.
وذهب الأزهري، في الدفاع عن الشيخ الشعراوي، ليصفه بأنه باب من أبواب تجديد الخطاب الديني، لافتًا إلى أن مشروعه في تفسير القرآن الكريم وجد أذانًا واعية، وصدى في قلوب ووجدان المصريين، وتعلقت قلوب المواطنين به.
وأشار مستشار رئيس الجمهورية، إلى أن الشيخ الشعراوي، دخل بيوت المصريين، من خلال شاشة التلفزيون، وأدخل معه النور والفهم والحِكمة والأمان والرحمة، والاعتزاز بالبلد و الغيرة على مصر ممن يكفرها ويتهجم عليها، بما أتاه الله من مفاتيح اللغة وكان بارعًا فيها.