سوليدار ساحة حرب شرسة بين روسيا وأوكرانيا... ماذا يعني سقوط المدينة؟
رغم أن كييف أكدت أن معركة سوليدار لم تُحسم، وأن القوات الأوكرانية لا تزال تقاتل الروس، فإن تطورًا كهذا قد يدفع حلفاء أوكرانيا إلى التفكير في الدعم المقدم للبلد الأوراسي

السياق
مع دخول الأزمة الأوكرانية شهرها الحادي عشر، من دون أن تضع أوزارها، ووسط تصعيد روسي وأوكراني متبادل، بات الطرفان ومؤيدوهم من الدول المشتركة في الحرب، يراهنون على الوقت.
ذلك العامل، الذي قد تكون أوكرانيا أكثر دافعي ضرائبه، خاصة أن هناك حالة من الملل تتسرب إلى حلفاء البلد الأوراسي، حاولت أوروبا وأمريكا نفيها، بحشد دعم جديد على الصعيد العسكري، بالموافقة على إدخال أسلحة إلى ساحة الحرب، ومعنويًا بزيارة أجرتها وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك -الثلاثاء- إلى خط النار في مدينة خاركيف، بالقرب من الحدود الروسية.
إلا أن تطورات شهدتها أوكرانيا خلال الساعات الماضية، قد تقلب معادلة الحرب، خاصة بعد إعلان مجموعة فاغنر الروسية السيطرة على سوليدار، صباح الأربعاء، بعد مقاومة أوكرانية، وصفها الموالون لروسيا، بأنها «شرسة للغاية».
ورغم أن كييف أكدت أن معركة سوليدار لم تُحسم، وأن القوات الأوكرانية لا تزال تقاتل الروس، فإن تطورًا كهذا قد يدفع حلفاء أوكرانيا إلى التفكير في الدعم المقدم للبلد الأوراسي.
سيطرة روسية
وقال يفغيني بريغوزين رئيس "فاغنر" في بيان نشرته وكالات أنباء روسية: «سيطرت وحدات فاغنر على سوليدار... لا يزال القتال يدور وسط المدينة»، مشيرًا إلى أن عدد الأسرى سيعلن غدًا.
بينما قال مسؤولون من كييف إن القوات الأوكرانية تواجه موجات من هجمات القوات الروسية، على بلدة سوليدار الصغيرة المنتجة للملح، في ظل سعي موسكو إلى تحقيق أول انتصار كبير لها في الشرق منذ أشهر.
وقالت وزارة الدفاع البريطانية إن القوات الروسية ومجموعة فاغنر العسكرية الخاصة، مسيطرة على أغلبية البلدة، بعد التقدم الذي أحرزته في الأيام الأربعة الماضية.
ما أهمية سوليدار؟
يمنح الاستيلاء على سوليدار الأفضلية للقوات الروسية، في ظل قتالها للاستيلاء على مدينة باخموت، على بعد كيلومترات إلى الجنوب الغربي.
وتتكبد قوات الطرفين خسائر فادحة هناك، في واحدة من أشرس المعارك، منذ بدء روسيا عمليتها العسكرية في أوكرانيا، قبل نحو 11 شهرًا.
وتقع باخموت على خط إمداد استراتيجي، بين منطقتي دونيتسك ولوجانسك، اللتين تتألف منهما دونباس، أهم منطقة صناعية في أوكرانيا. ومن شأن السيطرة على باخموت، منح روسيا منطلقًا للتقدم نحو مدينتين أكبر، كراماتورسك وسلوفيانسك.
وقالت المخابرات البريطانية في إفادة: «تسعى روسيا على الأرجح، من خلال محورها في سوليدار، إلى تطويق باخموت من الشمال، وتعطيل خطوط التواصل الأوكرانية».
وقال سيرهي تشيريفاتي، المتحدث العسكري الأوكراني للمنطقة الشرقية، إن الروس ينشرون أفضل مقاتلي "فاغنر" في سوليدار التي ضُربت 86 مرة بالمدفعية، خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية.
وأضاف المسؤول الأوكراني للتلفزيون المحلي، أن روسيا تستخدم أساليب قتالية من الحرب العالمية الأولى، إذ تدفع بأعداد ضخمة من الرجال في القتال، وتُمنى بخسائر ضخمة، متابعًا: «هذه، بشكل مبدئي، ليست حربًا من القرن الحادي والعشرين».
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في خطابه المسائي المصور الاثنين، إن باخموت وسوليدار صامدتان، رغم الدمار الواسع النطاق، مشيرًا إلى تجدد القتال واحتدامه في سوليدار، حيث قال إنه لا حوائط قائمة وإن الأرض مغطاة بجثث الروس.
وأنشأ يفغيني بريغوزين، الحليف الرئيس لفلاديمير بوتين مجموعة فاغنر، التي استقطبت متطوعين من سجون روسيا، وتنشط في صراعات إفريقيا، وتضطلع بدور بارز في جهود حرب روسيا بأوكرانيا.
أنفاق التعدين
وقال بريغوزين، إن أهمية المنطقة تكمن في أنفاق التعدين الغائرة تحت الأرض، التي يمكنها أن تتسع للقوات أو الدبابات، بينما قال المحلل العسكري الأوكراني أوليه زدانوف، إن القتال في باخموت وسوليدار هو «الأكثر احتدامًا في خط المواجهة».
وأضاف: «يبقى كثيرون في ساحة المعركة… إما قتلى أو مصابون. يهاجمون مواقعنا في موجات، لكن المصابين يموتون حيث يوجدون، إما من تعرض الجروح للهواء، إذ إن الطقس بارد جدًا، وإما من نزف الدماء».
وقد يُنظر إلى سوليدار -التي كان عدد سكانها قرابة 100 ألف قبل الحرب- على أنها نقطة انطلاق للاستيلاء على باخموت، لكن قيمتها الاستراتيجية موضع شك.
مسؤول أمريكي قال -الأسبوع الماضي- إن يفغيني بريغوزين، مؤسس مجموعة فاغنر، يريد السيطرة على مناجم الملح والجبس الكبيرة في المنطقة.
وقالت بريطانيا إن جزءًا من القتال، ركز على مداخل الأنفاق غير المستخدمة، التي يبلغ طولها 200 كيلومتر، وإن روسيا وأوكرانيا «تشعران بالقلق من إمكانية استخدامهما للتسلل خلف خطوطهما».
شبكة مدن تحت الأرض
وأكد بريغوزين اهتمامه بالمناجم، واصفًا إياها بـ«قلة المكانة» بالنسبة إلى الأهمية الاستراتيجية لمنطقة باخموت، وأنها «شبكة مدن تحت الأرض» يمكنها استيعاب «مجموعة كبيرة من الناس على عمق 80-100 متر»، كما يمكنها السماح للدبابات والمركبات العسكرية بالتحرك بحرية.
لكن بريطانيا تعتقد أن روسيا «من غير المرجح» أن تستولي على باخموت نفسها بسبب "خطوط الدفاع المستقرة" في أوكرانيا.
وقال مسؤول عسكري كبير من وزارة الدفاع الأمريكية -الاثنين- إن هناك «حصة كبيرة» من سوليدار في يدي روسيا.
وأعرب الزعيم الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في خطابه المسائي، عن شكره للجنود الذين يدافعون عن سوليدار، قائلًا إن صمودهم «كسب وقتًا وقوة إضافية لأوكرانيا».
وقال معهد دراسة الحرب، مؤسسة فكرية مقرها الولايات المتحدة، إن بريغوزين «سيواصل استخدام نجاح مجموعة فاغنر المؤكد والمصطنع في سوليدار وباخموت للترويج لمجموعة فاغنر، كقوة روسية وحيدة في أوكرانيا، قادرة على تأمين مكاسب ملموسة».
مناشدة لتقديم أسلحة
وحذر مسؤولون أوكرانيون، بقيادة القائد الأعلى للجيش الأوكراني الجنرال فاليري زالوجني، من أن روسيا تحضر قوات جديدة لشن هجوم جديد على أوكرانيا، مشيرًا إلى أنه من المحتمل أن يكون على العاصمة كييف.
ووجدت المناشدة الأوكرانية استجابة من ألمانيا، التي أعربت وزيرة خارجيتها بربوك عن تضامن بلادها مع الأوكرانيين، الذين عانوا خلال العملية العسكرية الروسية وظروف الشتاء القاسية.
وبعد أن وعدت ألمانيا -الأسبوع الماضي- بإرسال مركبات قتالية من طراز Marder إلى أوكرانيا، كجزء من الدعم العسكري المتزايد، وعدت بربوك بمزيد من الأسلحة، بلا تحديد أي منها.
وشددت على أن ألمانيا ستواصل إمدادها بالأسلحة «التي تحتاجها أوكرانيا لتحرير مواطنيها، الذين ما زالوا يعانون رعب الاحتلال الروسي».
وبينما تعهدت أنالينا بربوك بمزيد من الدعم الألماني لكييف في رحلتها غير المعلنة، قال كبير الدبلوماسيين الأوكرانيين دميترو كوليبا إن رفض برلين إرسال دبابات قتالية لبلاده يودي بحياة الناس.
بينما قال متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني، إن لندن لم تتخذ قرارًا نهائيًا بإرسال دبابات إلى أوكرانيا، مضيفًا أن بريطانيا ستواصل تنسيق دعمها مع الحلفاء، بعدما أشارت ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة -الأسبوع الماضي- إلى أنها ستقدم مركبات مدرعة.
وبعد ساعات من زيارة مفاجئة لوزيرة الخارجية الألمانية، أفادت وكالة الأنباء الفرنسية بأن القوات الروسية ضربت مدينة خاركيف شرقي أوكرانيا، في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء.
«ابق في الملاجئ. المحتلون يقصفون مرة أخرى!» حذر حاكم المنطقة أوليغ سينيجوبوف عبر "تليغرام" بينما سمع مراسل وكالة فرانس برس انفجارات عدة في المدينة.
ذلك الحشد من الدعم، دفع نيكولاي باتروشيف، أمين مجلس الأمن الروسي إلى تأكيد أن «الأحداث في أوكرانيا ليست اشتباكـًا بين موسكو وكييف، هذه مواجهة عسكرية بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، وبين روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا بالأساس».
وأضاف باتروشيف، في مقابلة مع صحيفة أرجومينتي إي فاكتي: «تنصب خطط الغرب، على مواصلة تمزيق روسيا ومحوها -نهاية المطاف- من الخريطة السياسية للعالم».