غضب وانعدام أمل... أزمة إيران الاقتصادية وتشديد عقوبة الحجاب يزيدان حدة الاحتجاجات
أصدر الادعاء العام في إيران مرسومًا إلى الشرطة وأمر بمواجهة حازمة مع خلع الحجاب

السياق
على وقع استمرار الاحتجاجات في إيران، للشهر الرابع على التوالي، من دون أن تهدأ، ومع استخدام النظام كل وسائل القمع لـ«ترهيب» المحتجين بلا جدوى، عاد إلى سيرته الأولى، نازعًا شعار التهدئة، الذي حاول خداع المحتجين به، الفترة الماضية.
ورغم أن التهدئة لم تكن على كل الأصعدة، إذ استمر إصدار أحكام الإعدام وتنفيذها بحق المتظاهرين، فإن التشديد على خلع الحجاب، لم يكن بالصورة التي عهدها الإيرانيون، قبل الاحتجاجات.
وما إن فشلت خطة المهادنة، حتى عاد النظام إلى سيرته الأولى، بتعليمات صارمة بتأكيد فرض الحجاب، وسن قوانين تشدد على ارتدائه، وتفرض عقوبات على المتظاهرين.
فما الجديد؟
أصدر الادعاء العام في إيران مرسومًا إلى الشرطة وأمر بمواجهة حازمة مع «خلع الحجاب»، بعد أسبوع من تأكيد المرشد الإيراني، علي خامنئي، خلال لقائه بمواليات للنظام «ضرورة الحجاب»، قائلًا «هذه القضية لا تشوبها شائبة ولا شك فيها».
ووصف نائب المدعي العام الإيراني، عبدالصمد خرم آبادي –الثلاثاء- «خلع الحجاب» بأنه «جرم صريح»، مطالبًا ضباط الشرطة باعتقال اللاتي لا يرتدين الحجاب، وإحالتهن إلى «السلطات القضائية المعنية».
كما حدد الادعاء العام عقوبات أشد على الذين يعدهم النظام مشجعين على خلع الحجاب، ووصفهم المرسوم بأنهم مشجعون على الفساد، لتكون العقوبات السجن من سنة إلى 10 سنوات، وإلزام المحاكم بمعاقبة كل من «يشجع الآخرين على خلع الحجاب بأي شكل من الأشكال».
وقال خرم آبادي إنه طُلب من رؤساء المحاكم تنفيذ هذه الأوامر بشكل فوري، وفرض غرامات مالية على مرتكبات جرم خلع الحجاب، إضافة إلى عقوبة تكميلية وثانوية، كما يجب على رؤساء المحاكم العامة -في جميع أنحاء البلاد- التخطيط بشكل فوري لمواجهة جدية ورادعة مع جرم خلع الحجاب.
ومع اندلاع الاحتجاجات في إيران ضد النظام، عقب قتل الفتاة مهسا أميني، على يد ما تعرف بـ«شرطة الأخلاق»، خلع كثيرات من المتظاهرات حجابهن في الاحتجاجات الشعبية وأحرقنه، كما شوهد عديد الإيرانيات في الشوارع والأماكن العامة بلا حجاب.
تكثيف العقوبة
في الأسابيع الأخيرة، طالب عدد من المسؤولين السطات الإيرانية بتكثيف عقوبة «سوء الحجاب»، معلنين تنفيذ بعض المشاريع لتعزيز «الحجاب والعفة»، بينما كان بين المطالبين عضو اللجنة الثقافية في البرلمان الإيراني، حسين جلالي، الذي طالب بالحجاب، قائلًا: «تكلفة عدم ارتداء الحجاب سترتفع».
وقال عضو اللجنة الاجتماعية بالبرلمان الإيراني، علي أصغر عنابستاني، في مقابلة مع موقع رویداد 24 الإيراني: «يجب حرمان اللاتي يرتدين حجابًا سيئًا من الخدمات الاجتماعية».
وبحسب التوجيهات التي نشرها الادعاء العام الإيراني، الثلاثاء، فإن عقوبة «جرم خلع الحجاب» السجن من 10 أيام إلى شهرين.
وتشمل هذه العقوبات النفي، وحظر الالتحاق بمهنة أو عمل معين، والفصل من الخدمات الحكومية والعامة، والحظر من مغادرة البلاد، والالتزام بتنفيذ خدمات عامة مجانية، وحظر العضوية في الأحزاب السياسية أو الاجتماعية، ومصادرة الأدوات المتورطة في ارتكاب الجريمة (مثل إغلاق المحل التجاري ومصادرة السيارة، وحجب وسيلة الإعلام، وما إلى ذلك)، وإلزام المتهمة بتعلم مهنة معينة، أو وظيفة، أو عمل ستة أشهر.
تغطية النفقات
تطورات على طريق احتجاجات إيران، تتزامن مع استمرار الأزمات في البلد الآسيوي، ما أثقل كاهل المواطنين، الذين عبَّروا عن امتعاضهم من الآثار السلبية لهذه التطورات.
ففي ظل تعمق القمع للاحتجاجات، يكافح الإيرانيون لتغطية نفقاتهم الأساسية، التي شهدت ارتفاعات قياسية في تكلفة الإيجارات وأسعار الخدمات والأغذية.
مبرمج في طهران وزوجته، كانا بين الذين اكتووا بشظايا الأسعار، فحاولا التغلب على تلك الأوضاع بمغادرة مسكنهما مثل عديد الأزواج الشباب، فحزم أمتعته أواخر عام 2020 وانتقل إلى بلدة خارج العاصمة.
كان الإيجار أرخص هناك، لكن المساكن كانت سيئة، بسبب النمو السريع، ولم تكن هناك مدارس ولا ملاعب قريبة، حتى إن أبسط الخدمات كانت تحتاج إلى رحلة.
بعد ذلك بعامين، ازداد وضعهما الاقتصادي سوءًا، بحسب المبرمج البالغ من العمر 38 عامًا، الذي قال لـ«واشنطن بوست»، إن امتلاك منزل حلم بعيد المنال.
كان يأمل شراء سيارة مستعملة، لكن حتى سيارة كيا هاتشباك باتت بعيد المنال، بحسب المبرمج، الذي قال إنه بالمال الذي يدفعه وزوجته، وهي ممرضة تبلغ من العمر 38 عامًا، كل شهر، فإن شراء السيارة يستغرق أكثر من عامين.
«أشعر بالغضب وانعدام الأمل»، قال المبرمج في مقابلة عبر الهاتف، مضيفًا: «إذا خرجنا للاحتجاج، فإنهم يتخذون إجراءات صارمة بأسوأ الطرق وأكثرها شجبًا. لا نعرف ماذا نفعل. لا يمكننا الاحتجاج، ولا يمكننا تحسين وضعنا».
ويقول مراقبون ومحتجون إن المظالم الاقتصادية تؤجج الاضطرابات، مشيرين إلى أن الاستياء ارتفع بشكل حاد منذ الربيع الماضي، عندما بدأت التكاليف الارتفاع وانهارت قيمة العملة مقابل الدولار، مسجلة أدنى مستوياتها القياسية في ديسمبر، بينما تجاوز معدل التضخم 48% الشهر الماضي، وفقًا للأرقام الحكومية، ما جعل المواد الغذائية الأساسية، مثل اللحوم والبيض، من الكماليات بالنسبة لأسر عدة.
الحكومة عاجزة
قال الخبير الاقتصادي، المحلل السياسي المقيم في طهران سعيد ليلاز، في مقابلة عبر الهاتف: «التأثير الأول لهذا التضخم في معيشة الناس. الحكومة ليست قادرة على فعل أي شيء، لخفض التضخم حتى الآن، بسبب الفساد».
كان كثيرون من الإيرانيين يأملون أن تعيد الإدارة الأمريكية الجديدة الاتفاق النووي وتخفيف العقوبات، لكن الاحتجاجات الحالية ورد فعل الدولة القاسي زادا تعقيد المفاوضات.
يقول جواد صالحي أصفهاني، أستاذ الاقتصاد في جامعة فرجينيا تك: «الأمر لم يمت. إذا أراد الجانبان ذلك، لن يتغير شيء أساسي. ما تغير هو المشهد، وهذا المشهد قابل للإصلاح»، في إشارة إلى الاحتجاجات.
لكن حكام إيران من رجال الدين لم يبدوا أي مؤشر على استعدادهم للنظر في إصلاحات قد تهدئ الاضطرابات، ورغم الضغوط الدولية، فإن القوات الأمنية قتلت أكثر من 500 شخص واعتقلت قرابة 19 ألفًا.
ومع زيادة القمع، يكافح الإيرانيون لتغطية نفقاتهم، فشاب في طهران يعمل سائقًا لـSnapp ، يتبع تطبيق أوبر، يقول إن الأعمال التجارية تراجعت بشكل حاد منذ بدء الاحتجاجات، لأن الحكومة فرضت قيودًا على الوصول إلى الإنترنت، لمنع المتظاهرين من الاتصال وتحميل مقاطع الفيديو وصور الحملة.
ويقول الشاب: «عندما انقطع الإنترنت ولم تكن هناك إمكانية للوصول إلى التطبيقات، انخفض الدخل بشكل كبير. الوضع لم يتحسن، على الأقل بالنسبة لي»، مشيرًا إلى أن شركته تعرضت لضربة إضافية، لأن بعض المتظاهرين توقفوا عن استخدام سيارات الأجرة، للاشتباه في أن السائقين كانوا يبلغون الأجهزة الأمنية عنهم.
وقال علي واعظ، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية: «القمع مكلف. وكذلك الجرح الذاتي لإغلاق الإنترنت، الذي دفع مئات الآلاف إلى الخروج من سوق العمل».
وتعرضت مناطق الأقليات العرقية في إيران، مثل المنطقة الكردية في الغرب ومنطقة البلوش في الجنوب الشرقي، للقمع بشكل أكبر.
كانت شيمان، البالغة من العمر 37 عامًا من مهاباد في المنطقة الكردية، تعمل في المبيعات، ما سمح لها بدفع تكاليف الرعاية الصحية والملابس الخاصة، حتى أنها تنفق على دروس الموسيقى والعضوية في المسبح.