إفريقيا 2022... وِجهة للإرهاب وساحة للصراع بين داعش والقاعدة

يحاول تنظيم القاعدة استثمار موقع القارة السمراء الفريد في تجارة الأسلحة من إفريقيا وإليها، يسعى -كذلك- إلى استغلال تلك البيئة الخصبة لنشر التوتر والفوضى.

إفريقيا 2022... وِجهة للإرهاب وساحة للصراع بين داعش والقاعدة

السياق 

ضربات دامية وأنشطة إرهابية آخذة في الارتفاع، اتخذت من القارة الإفريقية هدفًا، ومن أزماتها الاقتصادية نقطة ضعف للولوج من الأبواب الضيقة.

تلك الأنشطة الإرهابية التي ألقت بثقلها على قارة إفريقيا، كانت ممهورة بتوقيع تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، اللذين يتناحران على القارة السمراء، كموطن بديل للتمركز وإعادة التموضع.

ذلك الموطن الذي بينما كان موقعه الجغرافي سبب تفرده وتميزه، كان كذلك سبب ابتلائه بالتنظيمات الإرهابية التي تكالبت عليه، كمنفذ بحري قريب من بؤر التوترات والصراعات الإقليمية.

فبينما يحاول تنظيم القاعدة استثمار موقع القارة السمراء الفريد في تجارة الأسلحة من إفريقيا وإليها، يسعى -كذلك- إلى استغلال تلك البيئة الخصبة لنشر التوتر والفوضى.

لذلك يسارع «داعش» الخطى، للدخول في علاقات تحالف مع تنظيمات داخل القارة السمراء، لمساعدته في بناء مناطق نفوذ على الأرض، أملًا في التحول من «الخلافة الإلكترونية» إلى «المكانية».

أهداف عدة حملها التنظيمان في جعبتهما، خلال نظرتهما لإفريقيا التي تعاني اضطرابات سياسية وأمنية، وأزمات اقتصادية متلاحقة، ما جعل 2022 عامًا لإعادة إحياء أنشطة «داعش» و«القاعدة» في القارة السمراء.

ورغم أن عام 2022 شهد تراجع العمليات الإرهابية في إفريقيا «رقميًا» عن 2021، فإن عدد ضحايا تلك الهجمات كان الأكبر.

فمؤشر العمليات الإرهابية في إفريقيا الصادر عن مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، قال إنه خلال الـ6 أشهر الأولى من عام 2022، شهدت القارة السمراء 281 عملية إرهابية تسببت في قتل 2768 شخصًا وإصابة 981 واختطاف 441، مقابل قتل 2409 شخصًا خلال الفترة نفس من العام الماضي.

وبينما يلملم عام 2022 أوراقه، شهدت إفريقيا، خلال نوفمبر الماضي، 50 عملية إرهابية، بين انتحارية وتفجيرات واغتيالات، أسفرت عن قتل 208، وإصابة 58، واختطاف 100، بينما شهدت في أكتوبر الماضي 51 عملية إرهابية، أسفرت عن قتل 351 وإصابة 556، واختطاف 27.

إلا أن ارتفاع العمليات الإرهابية قوبل بمواجهة أمنية، أسفرت خلال النصف الأول من 2022 عن تصفية 1685 «إرهابيًّا» واعتقال 150 وتراجع الجانب الكمي للعمليات بنسبة 28.5%.

وبحسب مرصد الأزهر، فإن إفريقيا شهدت خلال عام 2022، تطورات ملحوظة على المستوى الأمني، تمثلت في اتساع أنشطة مكافخة التنظيميات الجهادية.

عوامل جذب

إلى ذلك، قال قال مدير وحدة الشأن الإفريقي بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، الدكتور إيهاب شوقي، في تصريحات لـ«السياق»، إن الاضطرابات والتوترات السياسية التي شهدتها القارة، وتحديدًا في منطقة الساحل وغرب إفريقيا خلال عام 2022، أدت إلى جذب التنظيمات الإرهابية.

وعن أسباب تركيز «داعش» على هذه المنطقة، قال شوقي، إن أغلبية دول منطقة الساحل الإفريقي وغرب إفريقيا، تفتقر إلى قيود انتقال الأفراد، بخلاف هشاشة قبضتها الأمنية على الحدود، وعدم وجود ضوابط وصعوبات في التنقل من مكان إلى آخر.

عوامل أضيفت إلى تيسير عملية الحصول على إذن سفر وعلى جنسية، في أكثر من 15 دول بغرب إفريقيا، ما ساعد في توفير بيئة آمنة للتنظيمات الإرهابية لعمليات التجنيد الجديدة، وبناء قواعد للتمركز سعيًا للانتشار والتوسع في القارة الإفريقية.

وعن حدود الصراع والتوافق بين «داعش» و«القاعدة» في إفريقيا، قال شوقي إنه في الوقت الذي يسعى فيه الأول للانتشار والتوسع، يأبى الثاني ذلك، إذ يركز على شرق القارة.

صراع أيديولوجي

ورغم أن هذا التضاد في الاستراتيجية، يساعد ظاهريًا في تجنَّب الصدام بينهما، فإنه يشغل حيزًا مهمًا في الصراع بين التنظيمين، مع اعتماد «داعش» على سياسة التمدد شرقي إفريقيا، بحسب مدير وحدة الشأن الإفريقي بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، الذي قال إن الصراع الأيديولوجي تحول إلى صراع هيمنة ونفوذ واستحواذ على مصادر التمويل.

وأشار إلى أن هذا الصراع تجدد عام 2022 في إفريقيا بين جماعة بوكو حرام (القاعدة) وتنظيم داعش غربي إفريقيا، فرعا القاعدة وداعش على التوالي، من أجل الزعامة.

ولم يغفل، بحسب مدير وحدة الشأن الإفريقي بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، دور النزاعات العرقية والدينية في القارة الإفريقية -بشكل غير مباشر- في انتشار الإرهاب، إذ انتهجت طريق التطرف والعنف لتحقيق أجنداتها، خاصة مع فشل بعض الحكومات في ترسيخ المواءمة الاجتماعية.

إفريقيا... وِجهة الإرهابيين

بدروه، قال الباحث السوداني بمركز الأهرام للدراسات صلاح خليل، في تصريحات لـ«السياق»، إن ثمة عوامل تسببت في تحويل إفريقيا إلى مركز لنشاط التنظيمات الإرهابية، العام الماضي، أبرزها تراجع دور الدولة بإفريقيا ومؤسساتها، في إدارة الحياة الاجتماعية والاقتصادية، إلى جانب فشل النخبة السياسية في بناء مشروع وطني، بخلاف تصاعد الصراعات ذات الطابع القبلي والإثني، ما تسبب في تشكيل بيئة خصبة للتوتر والفوضى.

وأوضح الباحث في مركز الأهرام للدراسات، أن شرقي إفريقيا يُعد نقطة تحرك للتنظيمات الإرهابية في القارة، كمنفذ بحري قريب من بؤر التوترات والصراعات الإقليمية، لإدخال مسلحي تنظيمي داعش والقاعدة لإفريقيا.

وأشار إلى أن «داعش» دخل في علاقات تحالف مع تنظيمات محلية، وتحديدًا في الكونغو الديمقراطية وتنزانيا، ما ساعده في بناء مناطق نفوذ على الأرض.

فشل التنمية

الأمر نفسه، أشار إليه الباحث الموريتاني في العلوم السياسية بون ولد باهي، في تصريحات لـ«السياق»، قائلًا إن منطقة إفريقيا جنوب الصحراء لديها قابلية لتمركز وتمدد الجماعات والتنظيمات المتطرفة، بسبب فشل هذه الدول في وضع خطط التنمية وتحقيق الحد الأدنى من الاندماج المجتمعي، والصراعات الإثنية والقبلية.

ذلك الفشل كان مقترنًا بعودة ظاهرة الانقلابات العسكرية التي شهدتها القارة وتحديدًا في الغرب، ما ساعد في تعزيز الفوضى، وتشكيل بيئة مناسبة لاستقطاب الجماعات الإرهابية، بحسب الباحث الموريتاني، الذي قال إن هذه التناقضات مثلت بيئة حاضنة ومستقطبة لهذه الجماعات المتطرفة، بعد طردها من تمركزاتها في الشرق الأوسط.