لبنان في 2023 بين لعبة الانتظار وحافة النار... هل تفجر الجيوب الفارغة الأوضاع؟
العام الذي لملم أوراقه، خلف الكثير من الكوارث على لبنان وطناً وشعباً ومؤسسات.

السياق
فراغ رئاسي، برلمان منقسم، حكومة مؤقتة، أزمات اقتصادية طاحنة، ملامح عام جديد من «المعاناة»، ينتظر لبنان، بعد طي 2022 صفحاته، مخلفًا الكثير من العقبات الكأداء التي تنتظر البلد المأزوم.
فالعام الذي لملم أوراقه، خلف الكثير من «الكوارث» على لبنان وطناً وشعباً ومؤسسات، ففيه تفاقمت الأزمات على البلد الآسيوي، حتى باتت عصية على الحل، وبحاجة إلى ما يشبه «المعجزة» لحلحلتها والمضي قدمًا في أفق الحلول السياسية.
فمن استحقاقات اقتصادية مرورًا بأزمات حياتية يومية، إلى الفراغ الرئاسي والمشاحنات السياسية، خطوات على طريق لبنان الذي يقف على حافة النار، في انتظار من ينتشله أو يودي به في «غياهب الجحيم» بلا عودة.
فماذا عن الأزمات المنتظرة للبنان عام 2023؟
فراغ رئاسي
بينما حالت الانقسامات السياسية دون تشكيل حكومة، منذ الانتخابات العامة في مايو 2022، كانت –كذلك- الانقسامات والمحاصصة وراء فشل البرلمان اللبناني «المستقطب» للمرة العاشرة في انتخاب رئيس جديد، تاركاً البلاد في فراغ سياسي، وسط انهيار اقتصادي غير مسبوق.
ويعيش لبنان بلا رئيس، منذ انتهاء ولاية ميشال عون، التي استمرت ست سنوات، أواخر أكتوبر 2022، بينما يرأس رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي حكومة انتقالية، لا تمتلك الكثير من الصلاحيات.
أين الأزمة؟
البرلمان منقسم بشدة بين حزب الله وحلفائه وخصومهم، ما حال دون الاتفاق على مرشح رئاسي توافقي، وجعل الورقة البيضاء متصدرة الجلسات العشر -إلا واحدة- لمجلس النواب، التي خصصها لانتخاب رئيس جديد.
ففي آخر محاولة لانتخاب رئيس للبنان داخل البرلمان، أوائل ديسمبر 2022، حصل ميشال معوض، النائب الذي يعارض ترشيحه زعيم حزب الله حسن نصر الله، على 38 صوتًا، بينما أدلى 37 نائباً بأوراق اقتراع فارغة، وكتب ستة آخرون عبارة «لبنان الجديد» على أصواتهم، بينما أُلغيت ثلاث أوراق اقتراع، وصوَّت نائب واحد لزعيم الحقوق المدنية الأمريكي، الراحل مارتن لوثر كينغ.
الوضع لم يختلف كثيرًا في الجلسات السابقة، فكان الإدلاء بأصوات لشخصيات تاريخية مثل نيلسون مانديلا والرئيس الاشتراكي التشيلي سلفادور أليندي، وكذلك للولا دا سيلفا الرئيس البرازيلي المنتخب.
ويجب أن يفوز المرشحون لمنصب الرئيس بأغلبية الثلثين من البرلمان المؤلف من 128 مقعدًا في الجولة الأولى من التصويت، وإن لم يتحقق ذلك، يتطلب الأمر أغلبية مطلقة في الجولات التالية.
ما أسباب الفشل؟
كان الفشل في انتخاب رئيس، متوقعًا إلى حد كبير، رغم أن بعض المراقبين كانوا يأملون نتيجة مختلفة، بعد مقترحات بتحويل الجلسة الانتخابية الأخيرة إلى حوار برلماني، لكن القوات اللبنانية "حزب مسيحي مناهض لحزب الله وأكبر حزب في البرلمان" رفض الاقتراح، مؤكدًا أنه «انتهاك واضح لمقتضيات دستورية».
وفي حين أن هذه ليست المرة الأولى، التي تشهد فيها البلاد فراغًا رئاسيًا منذ الحرب الأهلية 1975-1990 كان انتخاب الرئيس السابق عون عام 2016 بعد عامين ونصف العام من الجمود السياسي، يأتي منصب القيادة الشاغر في الوقت الذي يواجه فيه لبنان أزمة اقتصادية، أغرقت معظم السكان في براثن الفقر.
ويقول كريم إميل بيطار، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جوزيف: «من أجل انتخاب رئيس في لبنان، عليك أولاً العثور على شخصية توافقية لا تُرفض من اللاعبين اللبنانيين الرئيسين، يجرى فحصها والموافقة عليها من القوى الإقليمية».
وأضاف أستاذ العلاقات الدولية: «حتى الآن هناك لعبة شد الحبل بين المحور الإيراني السوري الذي يدعم حزب الله ومن ناحية أخرى التحالف الأقرب للولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية».
ويقول إبراهيم منيمنة، وهو مشرع إصلاحي مستقل، إن الوضع الراهن أصبح مأزقًا، مشيرًا إلى أن الأحزاب التقليدية تنتظر التدخل الأجنبي للتوصل إلى تسوية.
من المرشحون؟
بموجب نظام تقاسم السلطة في لبنان، منذ استقلاله عن فرنسا عام 1943، يجب أن يأتي الرئيس من الطائفة الكاثوليكية المارونية، بينما رئيس الوزراء سُني ورئيس البرلمان شيعي.
في حين أن حزب الله لم يسمِّ مرشحًا، فإن التصور العام أن الحزب يدعم سليمان فرنجية، الحليف المقرب للحزب والرئيس السوري بشار الأسد، بينما المرشح الاسمي للمعسكر المعارض لحزب الله، الذي غالبًا ما يصف الجماعة بأنها دولة داخل دولة، هو النائب ميشال معوض.
حصل معوض على أصوات أكثر من أي مرشح آخر، لكنه فشل في الحصول على أغلبية، وينظر إليه -على نطاق واسع- بأنه شخصية مثيرة للانقسام بدرجة لا تسمح له بالوصول إلى الرئاسة.
في غضون ذلك، قالت تقارير محلية، إن قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون، أشير إليه كمرشح توافقي محتمل، رغم أن اسمه لم يظهر على بطاقة الاقتراع.
ويُنظر إلى البرلماني جبران باسيل، صهر الرئيس عون، رئيس حزب التيار الوطني الحر، حليف حزب الله، منذ فترة طويلة على أنه الخليفة المفضل لعون.
ورغم ظهوره خارج المنافسة، بسبب الدعم الشعبي المحدود واستهدافه بالعقوبات الأمريكية، فإنه وحزبه لم يؤيدا مرشحًا آخر.
ما التداعيات؟
مع عدم وجود تطورات لكسر الجمود، يقول معظم الخبراء إن الكتل السياسية ستركز على محاولة انتزاع أقصى قدر من التنازلات السياسية، بما في ذلك تقسيم التعيينات الوزارية والمناصب الحكومية العليا، بينما قال دبلوماسي غربي التقى معظم الكتل السياسية اللبنانية لوكالة أسوشيتيد برس، إنهم يلعبون «لعبة الانتظار».
يشبه الزميل الأول في كارنيغي الشرق الأوسط مهند حاج علي، المأزق الحالي بـ«لعبة البوكر»، قائلاً: «تحتفظ ببطاقاتك مخفية، وتنتظر حتى ينهار الجانب. الجميع يناورون في هذه المرحلة، إما الظهور بورقة اقتراع فارغة، وإما اختيار مرشح غير قادر على البقاء».
في غضون ذلك، تستمر التوترات بين الجماعات السياسية المعادية بلبنان في التفاقم، وهو ما عبَّـر عنه نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، قائلًا إن حزب الله لن يقبل مرشحًا يعارض مخزونه من الأسلحة، ويدعم ما زعم أنه «المشروع الأمريكي الإسرائيلي» في لبنان.
وفي المعسكر المعارض، انتقد معوض، حزب الله وحلفاءه لتخريبهم العلاقات مع الخليج والمجتمع الدولي الأوسع، قائلًا في حلقة نقاش، إنه يفضل الشلل على رئيس جديد تابع لهم.
ويقول تشارلز جبور المتحدث باسم حزب القوات اللبنانية وهو حليف معوض: «نشهد تكرارًا للماضي حيث يعطي حزب الله وحلفاؤه للبنان خيارين: إما قبول مرشحهم وإما فراغ رئاسي».
تداعيات الفشل
هناك مخاوف من أن الشلل المطول، سيؤدي إلى مزيد من التأخير في إبرام صفقة محتملة مع صندوق النقد الدولي، لاستعادة اقتصادها وتجديد ثقة المستثمرين في البلاد.
ووضع صندوق النقد الدولي شروطًا بعد اتفاق مبدئي في أبريل الماضي، بما في ذلك تعديل قانون السرية المصرفية، وإعادة هيكلة البنوك، وإضفاء الطابع الرسمي على ضوابط رأس المال، بينما يحتاج لبنان إلى رئيس للتصديق على أي قوانين يقرها البرلمان.
ويقول بيطار: «نحن بالفعل على وشك انهيار الدولة. إذا استمر الشلل أكثر من بضعة أسابيع أو أشهر، فقد يؤدي ذلك إلى انهيار».
وعن ذلك الوضع، قال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، إن لبنان على حافة النار، مؤكدًا أنه يجب أن يكون هناك حراك جدي بداية السنة الجديدة، لحسم الملف الرئاسي سريعاً.
رئيس البرلمان اللبناني أضاف: «أعود وأكرر من جديد أنّ الفراغ في رئاسة الجمهورية يتحمل بضعة أسابيع، وليس أشهراً، فحالة البلد بالويل، بل أقول إنه على النار، وهذا ما يفرض التوافق على انتخاب الرئيس وإعادة إطلاق عجلة البلد».
ورغم ذلك فإنه قال إنه لا مجال لانتخاب رئيس جديد للبلاد من دون التوافق بين القوى السياسية، فـ«الحوار هو الأساس لحل الأزمة الحالية»، مضيفًا أن «المطلوب -بلا أي إبطاء- أن تبادر الأطراف إلى الجلوس مع بعضها، والعين على العين، وبنيات صافية ومسؤولية صادقة حتى بلوغ التوافق».
المناشدة لحل أزمة الفراغ الرئاسي عام 2023 لم تكن من الداخل اللبناني فقط، بل إن تقارير كشفت أن الوزير الفرنسي سيباستيان لوكورنر الذي سبق أن زار لبنان، حث المسؤولين اللبنانيين على ضرورة الإسراع في انتخاب رئيس ومنع استيطان الفراغ في قصر بعبدا، وكذلك الإسراع في عملية الإصلاحات.
ماذا يحمل 2023 اقتصاديًا للبلد المأزوم؟
بينما طرق عام 2023 أبوابه مثقلًا بالتحديات، ما زال لبنان يقف عند عام 2019، الذي شهد بداية الأزمة الاقتصادية، دفعت بالليرة اللبنانية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، ورفعت نسبة التضخم في البلاد أكثر من 1400%.
تلك الأزمة صنفها البنك الدولي من بين أشد 3 أزمات عرفها العالم، بعد أن أدت إلى تدهور معيشي ومالي غير مسبوق، وجعلت نحو 80% من سكان ذلك البلد تحت خط الفقر، بحسب تقارير رسمية.
مقابل ذلك الوضع الذي وُصف بـ«المأساوي»، تسعى الحكومة الى إطلاق خطة «التعافي الاقتصادي»، من خلال إجراءات وتشريعات مالية تهدف إلى تعزيز النمو وتخفيض العجز.
إلا أن الاستحقاقات الاقتصادية التي تنتظر لبنان المرهق مالياً عام 2023، دفعت بالمزيد من الشكوك في قدرة مسؤوليه على صياغة خطة تعافٍ وبرنامج مع صندوق النقد الدولي، يخرجان البلاد من الأزمة.
استنزاف الاحتياطي النقدي
بعد أن بلغ انهيار الليرة نهاية 2022 مستوى صادمًا، بتجاوز سعر صرف الدولار 46 ألفًا، ما زال مصير المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على برنامج مساعدات تتراوح قيمته بين 3 و4 مليارات دولار، معلقًا، بعد عدم تمكن لبنان من تنفيذ شروط صندوق النقد، بسبب الشغور الرئاسي، وعدم قدرة البرلمان على التشريع والحدود الضيقة لصلاحيات حكومة تصريف الأعمال.
وضع يبدو قاتمًا، إلا أن ما زاد «سوداويته»، ما سيشهده العام 2023 من انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في مايو المقبل، بينما يلاحَق سلامة الذي استمر في منصبه بالتمديد المتواصل 33 عامًا، بدعاوى قضائية داخليًا وخارجيًا.
وبحسب مراقبين، فإنه خلال 2023 ستتكالب الصراعات والأزمات على لبنان، وستزداد سوءًا بغياب رؤية وطنية، ما يجعل احتياطي المركزي الذي انخفض خلال 3 سنوات من 33 مليار دولار لأقل من 10 مليارات في الوقت الراهن، على وشك النفاد.
أخطر أزمة تواجه لبنان في 2023
يقول مراقبون إن أخطر ما يواجه لبنان عام 2023 حالة التضخم التي وصلت إلى نسبة 1400%، والتي يرشح اقتصاديون أن تتصاعد في العام الجاري، بعد فرض رسوم ضرائب ضخمة بموازنة العام المنصرم 2022، واعتماد سعر جديد للدولار الجمركي بـ 15 ألفًا بعد أن ظل لعقود 1507 ليرات.
وبحسب مراقبين، فإن اللبنانيين الذين باتت ميزانياتهم بالدولار، بينما رواتبهم بالليرة، أصبحوا يعانون كثيرًا، خاصة أن تآكل قيمة العملية المحلية، يعني المزيد من الفقر.
إلا أن الأزمة لم تقتصر على ذوي الرواتب بالليرة، بل إن أصحاب الرواتب بالدولار من موظفي القطاع الخاص، سيواجهون معاناة في 2023، إذا استمر العمل بفرض ضرائب ضخمة على رواتبهم تصل إلى 25%، ما يحرمهم من ربع دخلهم الشهري، بينما الأزمة الاقتصادية تتضخم يومًا بعد الآخر.
يأتي ذلك، بينما تواجه الليرة اللبنانية عام 2023، أزمة وجود، إذا لم تنفذ الدولة الإصلاحات الجذرية، التي توافقت مع صندوق النقد الدولي عليها، بحسب مراقبين أكدوا أن زيادة الاستيراد، تضغط على العملة المحلية التي يتخلى عنها أصحاب الشركات، مقابل الطلب على الدولار، ما جعل ميزان المدفوعات عاجزًا.
ويقول مراقبون، إن انهيار الليرة وارتفاع نسبة التضخم سيؤديان لارتفاع هائل بأسعار السلع الأساسية والخدمات، ما يؤدي إلى تآكل الرواتب وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين.
ومع استمرار الوضع، فإن المصارف اللبنانية التي كانت يومًا قاطرة الاقتصاد، تشكو من عملية ضرب ممنهج لوجودها، وترفض إعادة هيكلة المصارف بالصيغة المطروحة لأنها ستؤدي لشطب الودائع.
تلك الأزمات أدت إلى اقتحام اللبنانين المصارف، بينما يتوقع مراقبون أن يشهد لبنان في 2023 مزيدًا من عمليات اقتحام المصارف، وأن تتفاقم الدعاوى القضائية بحق حاكم المركزي والمصارف.
ما الذي على لبنان للهروب من الأزمة في 2023؟
أولًا: على لبنان إنجاز استحقاق الشغور الرئاسي، لأن حكومة تصريف الأعمال غير قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية، ممثلة في إعادة هيكلة الدين العام، بينما القوانين المطلوبة من صندوق النقد، بحاجة إلى توقيع الرئيس الجديد.
ثانيًا: على لبنان سرعة التوافق على بديل محافظ المصرف المركزي رياض سلامة، لأن لشغور هذا المنصب تداعيات نقدية خطيرة، قد تولد اشتباكـًا سياسيًا، وإعادة الأزمة إلى المربع صفر.
ثالثًا: على لبنان إنجاز قانونين برلمانيين: القانون الطارئ لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وقانون إعادة الانتظام للقطاع المالي، الذي يجب أن يحدد كيفية تصنيف الودائع المحتجزة والتعامل معها.