لبنان في أزمة سياسية... الانتخابات لن تغير الوضع
عام 2019 هتف المتظاهرون للثورة لكنهم تعرضوا للفساد والإهمال

ترجمات-السياق
قال موقع "Vox" الأمريكي إن الانتخابات البرلمانية اللبنانية، التي أعلنت نتائجها النهائية الثلاثاء، تحمل إمكانية التغيير، حتى لو كان طفيفاً، والمساعدة في التخلص من الفساد والإهمال والركود الذي أضر باقتصاد البلاد، كما أنها توفر حصانة نسبية لما حدث في انفجار مرفأ بيروت المدمر عام 2020، وقد تسمح لحزب الله المتطرف بالحصول على نسبة أكبر من المقاعد في الهيئة التشريعية.
وأضاف الموقع -في تقرير- أن نسبة المشاركة في الانتخابات اللبنانية، تجاوزت 60% بزيادة 10% عن أرقام الانتخابات البرلمانية لعام 2018، وفقاً لما نقله الموقع عن كبير مستشاري برامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المعهد الأمريكي للسلام، أسامة غريزي.
أزمات لبنان
وقال الموقع الأمريكي، إن الأزمات التي يعانيها اللبنانيون تشمل تفشي التضخم وزيادة معدلات الفقر، إذ يعيش أكثر من 80% من سكان البلاد البالغ عددهم 6.8 مليون نسمة في أحد أشكال الفقر وفقاً لعشرين مؤشراً، مثل إمكانية الوصول إلى الصرف الصحي والتأمين الصحي والالتحاق بالمدارس، وكذلك المؤشرات المالية مثل الدخل والثروة، فقد تراكمت الديون في البلاد بسبب سوء الإدارة المالية في عهد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وكذلك سحب الدعم السعودي بسبب النفوذ المتزايد لحزب الله وإيران، وعدم الرغبة السياسية في إجراء إصلاحات مقابل المساعدات الخارجية، وكل ذلك أسهم في انهيار الاقتصاد".
ووفقاً للموقع، فإنه بعد أن ضاقوا ذرعاً بتعامل الحكومة مع الأزمة الاقتصادية التي أوجدتها، بدأ اللبنانيون التظاهر في 17 أكتوبر 2019، وكانت الضريبة المقترحة على استخدام تطبيق "واتس آب" القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ طالبوا الحكومة بالاستقالة.
ومع ذلك، فإن ظهور فيروس كورونا أعاق الاحتجاجات حتى انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020، الذي أسفر عن قتل ما لا يقل عن 218 شخصاً وإصابة أكثر من 7 آلاف وتشريد مئات الآلاف، وهو الانفجار الذي تؤكد التحقيقات المستقلة، والعديد من اللبنانيين، أن الإهمال السياسي هو المسؤول عنه، حسب الموقع.
تقسيم المناصب
ورأى موقع "Vox" الأمريكي أنه كان المقصود من تقسيم المناصب السياسية في لبنان على أسس طائفية، ظاهرياً، الحفاظ على السلام بين الجماعات الدينية بعد الحرب الأهلية الوحشية، لكنه أدى إلى استمرار فساد الفصائل السياسية، ومكّن اللاعبين الكليبتوقراطيين من الإفلات من العقاب، الذين يُزعم أنهم استخدموا أصول الدولة الهشة كأصولهم الشخصية، كما أن اتفاقية الطائف 1989 تمنح الرئيس سلطة واسعة، تسمح له بإقالة رئيس الوزراء والحكومة، وحل البرلمان، وتهيئة الظروف لإساءة استخدام السلطة والمحسوبية التي كثيرًا ما ابتليت بها السياسة اللبنانية".
ولأن القضايا الاقتصادية في لبنان متشابكة مع الفساد المعترف به على نطاق واسع للنخب السياسية، لا يمكن للوضع الراهن أن يتغير حتى تتغير المؤسسات السياسية نفسها، وهو نوع التغيير الذي أثير عندما أعلن سعد الحريري، السياسي السُني ورئيس الوزراء السابق، استقالته من السياسة في يناير الماضي، وحث أنصاره على مقاطعة الانتخابات.
وتولى الحريري الأصغر منصبه بعد اغتيال والده رفيق الحريري عام 2005 عندما كان رئيساً للوزراء، لكنه استقال من رئاسة الوزراء خلال احتجاجات 2019، ثم عُيِّن مرة أخرى في أكتوبر 2020 كمرحلة انتقالية، لكنه استقال بعد تسعة أشهر، بعدما بات غير قادر على تشكيل حكومة.
وفي حين أن تقاعد الحريري من المجال السياسي، يحمل معه خطر المزيد من الركود والفوضى، إلا أنه كان أيضاً اعترافاً بأن المجتمع اللبناني عانى تحت قيادته وطبقته السياسية، وأن الحريري وأمثاله لم يفعلوا شيئاً لمنع ذلك.
تحقيق تغيير
وتساءل موقع "Vox" الأمريكي: "هل يمكن لانتخابات لبنان أن تحقق أي نجاحات؟"، ورأى أنه لا يمكن لانتخابات واحدة أن تحقق التغيير الكاسح، الذي يحتاجه لبنان، والذي يطالب به الشعب اللبناني منذ سنوات.
فبينما أقر غريزي بالغضب والإحباط الذي يشعر به معظم اللبنانيين، إلا أنه قال أيضاً لـ"Vox" إن "المحسوبية الموجودة لدى الأحزاب الحاكمة التقليدية عميقة، ما يعني أن الكثيرين لا يزالون في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية يعتمدون، وأصبحوا أكثر اعتماداً، على السلطة التي تتمتع بها الأحزاب لتوفير الحاجات الأساسية".
وتابع: "يضمن هذا الاعتماد للأحزاب الحاكمة التقليدية، القدرة على حشد مؤيديها بسهولة أكبر من المعارضين، وبذلك ضمان مستوى معين من السيطرة والتأثير في البرلمان والحكومة المقبلة، وذلك يعني أنه رغم أن حزب تيار المستقبل، الذي يتزعمه الحريري لم يقدم أي مرشح، فإن أصحاب المصلحة السياسيين التقليديين فعلوا ذلك، بما في ذلك حزب الله الشيعي، الذي ورد أن أنصاره هددوا مراقبي الانتخابات، كما لجأت أحزاب تقليدية إلى أساليب بغيضة أيضاً لضمان الفوز".
ورأى الموقع أن أي تغيير بالنسبة للبنان سيأتي من القادة المستقلين، الذين ينفصلون عن القيادة التي كانت تسيطر على البلاد منذ عقود، لكن غريزي قال: رغم أن حركة المعارضة الحالية تعد جديدة وغير معتادة على عملية التنظيم السياسي وتطوير الأجندات والاستراتيجيات، فإن الأحزاب التقليدية اعتمدت على رسائلها الطائفية الانقسامية، لكن حقيقة أن هؤلاء المرشحين المستقلين شاركوا في هذه الانتخابات بأعداد مهمة إلى حد ما، هي بحد ذاتها علامة بارزة على التطور السياسي في لبنان، وعلى مواصلة العملية التدريجية طويلة المدى، لإصلاح النظام السياسي اللبناني الذي عفا عليه الزمن، والذي بدأ مع أحداث أكتوبر 2019.
ووفقاً لتقرير حديث لمنظمة "أوكسفام" فرغم إتاحة الفرصة للفاعلين السياسيين الناشئين لإدارة الحملات الانتخابية، فإن عدم القدرة على تقديم خطاب سياسي موحد وقوي، يجعلهم بديلاً جاداً للنخب الحاكمة الحالية، يعد نكسة كبيرة لهؤلاء الفاعلين.
ويحذر التقرير من أنه في غياب برامج سياسية قوية وتحالفات ذات مغزى، ناهيك عن التمويل لدعم الحملات، فإن عدم الرضا عن الطبقة الحاكمة لن يكون كافياً لانتخاب مرشحين مستقلين، وتفكيك النظام الفاسد المثير للانقسام.