فورين بوليسي: لحظة الانسجام والوحدة في الشرق الأوسط لن تدوم

يبدو منطقيًا للغاية أن تدفع أنقرة -بشكل كبير- نحو سياسة إعادة التموضع في المنطقة، حيث أسهم سوء الإدارة الاقتصادية لأردوغان في أزمة الليرة التي استمرت سنوات

فورين بوليسي: لحظة الانسجام والوحدة في الشرق الأوسط لن تدوم

ترجمات – السياق

الأسبوع الماضي، زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المملكة العربية السعودية، حيث التقى الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان. 

وأواخر أبريل، أكدت وسائل إعلام إيرانية أن مسؤولين أمنيين كبارًا من السعودية وإيران اجتمعوا في جولة خامسة من محادثات التطبيع برعاية الحكومتين العراقية والعمانية. 

أما في مارس، فقد زار رئيس إسرائيل، إسحاق هرتسوغ، تركيا، وهي الزيارة الأولى لمسؤول إسرائيلي رفيع إلى تلك الدولة منذ 14 عامًا.  في الشهر نفسه، شارك الرئيس السوري بشار الأسد في معرض إكسبو 2020 في دبي والتقى قادة إماراتيين. 

كما زار أردوغان الإمارات العربية المتحدة في فبراير، بعد أن سافر ولي عهد أبوظبي إلى تركيا في نوفمبر الماضي، وخلال الشتاء تبادل الإماراتيون والإيرانيون، وفوداً تجارية واستثمارية.

كل هذا النشاط الدبلوماسي له ارتباطات بما تصفه واشنطن بأنه "خفض التصعيد" الإقليمي و "إعادة الاصطفاف"... إنها نقطة ارتكاز أخرى لمناصري انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، والمنطق أنه إذا تصرفت الجهات الفاعلة الإقليمية بمسؤولية ودفعت إلى تسوية خلافاتها، يمكن للولايات المتحدة الانسحاب والعودة فقط في حال حدوث أزمة.

هذا يبدو رائعًا، لكنني لا أصدقه، الحجج المؤيدة لتقليص النفقات والتوازن في الخارج غير منطقية (رغم أن صورتها المبهجة تظهر في الغالب فقط بالمقالات الصحفية، عندما حاولت الولايات المتحدة ذلك في السبعينيات، لم تنجح، ما أدى إلى التزام أمريكي طويل الأمد بأمن الخليج). 

ما لا أصدقه أن هذه الموجة الدبلوماسية الأخيرة تنذر بعهد جديد من السلام والحب والتفاهم في الشرق الأوسط. بدلاً من ذلك، فإن عمليات إعادة التموضع الجارية في المنطقة مجرد وسيلة أخرى، تمكن القادة من متابعة المنافسة والصراعات نفسها، التي حدثت في العقد الماضي.

 حتى بالنسبة لشخص شديد السخرية مثلي، من الجيد أن تتحدث القوى الإقليمية مع بعضها. الحكمة التقليدية تقول إن المال يقود مناخًا إقليميًا جديدًا يمنح الأفضلية للاستثمارات والتعاون الاقتصادي، بدلاً من الحروب بالوكالة والجيوش الإلكترونية.

يبدو منطقيًا للغاية أن تدفع أنقرة -بشكل كبير- نحو سياسة إعادة التموضع في المنطقة، حيث أسهم سوء الإدارة الاقتصادية لأردوغان في أزمة الليرة التي استمرت سنوات، ومع بلوغ التضخم نحو 70 في المئة، تعهد الزعيم التركي بتنمية الاقتصاد للخروج من كارثة صنعها بنفسه، وهكذا، فقد تخلى عن الخطاب العدائي نحو الإمارات.

كما نقل أردوغان المحاكمة (غيابيًا) للمتهمين بقتل جمال خاشقجي إلى السعودية، هذه هي النسخة الجيوسياسية الجديدة للعمل على أمل الحصول على بعض الاستثمارات من صناديق الثروة السيادية الخليجية، والصفقات التجارية، ومقايضات العملات، وربما مبيعات الطائرات من دون طيار.

وللإنصاف هنا، فإن تقارب الحكومة التركية مع إسرائيل لا يتعلق بالمال، ولا حتى بإسرائيل، حيث يرى المسؤولون في أنقرة أنهم إذا توصلوا مع الحكومة الإسرائيلية، سيخفف ذلك الضغط عليهم في واشنطن. 

هناك نقطة ارتكاز لذلك بالطبع، فبعد كل شيء، هناك منطق ثلاثي يدعم علاقات مصر مع الولايات المتحدة، التي تلعب فيها إسرائيل دوراً.

ويبدو أن الأتراك يعتقدون أن المنظمات الموالية لإسرائيل واليهودية في الولايات المتحدة، ستدافع نيابة عنهم إذا رحب أردوغان بنظيره الإسرائيلي، وتبادل معه المكالمات الهاتفية.

وبصرف النظر عن وجهة النظر في ما يتعلق بتأثير هذه الجماعات، هناك القليل من الأدلة على أن الجماعات المدافعة عن اليهود الأمريكيين أو أنصار إسرائيل، تريد مساعدة أردوغان، سواء كان ذلك لإخراج تركيا من دائرة العقوبات الأمريكية بسبب شراء أنقرة لصاروايخ  S-400 الروسية الصنع  أم لإلغاء تحقيق وزارة العدل الأمريكية في مزاعم انتهاك العقوبات وغيرها من الاحتيال من قِبل بنك خلق، الخاضع لسيطرة الحكومة التركية.

 أما في ما يتعلق بخفض التصعيد مع إيران، فأفادت التقارير بأن الإماراتيين عبَّـروا عن اهتمامهم بفرص الاستثمار هناك، لاسيما مشروع الطاقة المتجددة.

لم يصل السعوديون والإيرانيون إلى هذا المستوى، أفضل ما يمكن للمرء أن يقوله عن تلك الاجتماعات، أنها مستمرة.

ومع ذلك، حتى مع كل الابتسامات والحديث عن التعاون، من الصعب عدم تصديق حدوث شيء آخر. 

بعد عقد من توصيف بعضهم بالإرهاب، واتهام بعضهم بأنهم مصادر عدم استقرار إقليمي، وتسليح معارضي الآخر، فإن التصريحات الحالية عن حقبة جديدة في العلاقات الأخوية بدت أنيقة للغاية ومربكة.

يحاول القادة الإقليميون الآن اتباع نهج مختلف، الإماراتيون -على سبيل المثال- بالكاد وقعوا في حب أردوغان، والابتسامة المتعجرفة على وجه ولي العهد السعودي في إحدى الصور التي التقطت خلال زيارة الرئيس التركي الأخيرة تشير إلى أن السعوديين -مثل الإماراتيين- على دراية جيدة بأردوغان وحال اليأس بسبب الاقتصاد الفاشل وأرقام استطلاعات الرأي الضعيفة.

وهذا ما يجعلها لحظة مواتية لهذه الدول الخليجية، لاكتساب بعض النفوذ مع أنقرة، من خلال قوتهم المالية.

من جانبهم، مازال الإسرائيليون حذرين من الأتراك، إنهم لا يثقون بأردوغان، لكن يبدو أنهم يلعبون معه، خاصة إذا كان بإمكانهم الحصول على شيء من حاجة الزعيم التركي لتحسين وضعه في واشنطن. 

إن حمل أردوغان على تضييق الخناق على إرهابيي حماس الذين ينطلقون من تركيا -على سبيل المثال- سيكون فوزًا لرئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت.

في الوقت نفسه، فإن الإسرائيليين ليسوا على استعداد للتخلي عن علاقاتهم الاقتصادية والأمنية القوية مع اليونان وجمهورية قبرص -وهما خصمان لتركيا منذ فترة طويلة- لتحسين العلاقات مع أنقرة.  هذا مشابه لنهج مصر تجاه جهود تركيا المنسقة وغير الناجحة -حتى الآن- لمغازلة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.

فكر في ذلك للحظة: الحكومة التركية تريد إعادة علاقاتها مع إسرائيل ومصر... لماذا تغير هواها؟

الإجابة في كلمتين: اليونان وقبرص. 

شدد الإسرائيليون والمصريون واليونانيون والقبارصة علاقاتهم ببعضهم، ردًا على الموقف العدواني الذي لا داعي له لتركيا شرقي البحر المتوسط. 

في خضم الحديث السعيد عن خفض التصعيد وإعادة الاصطفاف، يبدو من الواضح أن تركيا تحاول إبعاد صديقين قويين عن أثينا ونيقوسيا. 

في الواقع، مع سيطرة روسيا على أوكرانيا الخاطفة لاهتمام الجميع، لاحظ القليل الزيادة المتسارعة الأخيرة بالتوغلات التركية في المجال الجوي اليوناني فوق بحر إيجه. 

وهنا يبدو أن تركيا تريد وقف التصعيد في بعض الأماكن، حتى تتمكن من التصعيد في أماكن أخرى.

ثم هناك حوار إيران مع الإمارات والسعودية، فعندما يجلس الإماراتيون والسعوديون للتحدث مع الإيرانيين، يكون نصب أعينهم صواريخها أو وكلاؤها، لذلك فإن لديهم سببًا وجيهًا لتقليل التوترات، خاصةً أنهم يعتقدون أنهم لم يعد بإمكانهم الاعتماد على الولايات المتحدة، كمصدر للأمن والاستقرار الإقليميين.

 لنكن واضحين، خفض التصعيد يهدف إلى شراء المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الوقت، لمعرفة أفضل السبل لمواجهة التهديد الإيراني، سواء كان ذلك عن طريق الاقتراب من إسرائيل، أم العمل مع الحكومتين الصينية والروسية، أم تطوير تقنية الطاقة النووية. 

إن مشاركة المنطقة مع إيران، لا يميل جيرانها على الجانب الغربي من الخليج -باستثناء قطر- إلى القيام به.

في كثير من الأحيان خلال العقدين الماضيين، اتبعت الولايات المتحدة سياسات تستند إلى افتراضات خاطئة عن الشرق الأوسط.  لذلك فإن الاستنتاج بأن اللحظة الحالية للتقارب الظاهري، هي أي شيء آخر غير المنافسة بين هذه القوى، يمثل افتراضًا سيئًا آخر لتبرير الابتعاد عن المنطقة، لأن لحظة الانسجام هذه في الشرق الأوسط لن تدوم.

_________ 

ترجمة عن: "فورين بوليسي"