نيويورك تايمز: حرية التعبير مهددة في الولايات المتحدة

يذكر أن ثقافة الإلغاء، شكل حديث من أشكال النبذ، يُخرج فيه شخص ما من الدوائر الاجتماعية أو المهنية، سواء كان ذلك عبر الإنترنت أم وسائل التواصل الاجتماعي، أم وجهًا لوجه، ويقال إن أولئك الذين تعرضوا لهذا النبذ تم إلغاؤهم.

نيويورك تايمز: حرية التعبير مهددة في الولايات المتحدة

ترجمات – السياق

انتقدت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، تراجع حرية التعبير عن الرأي في الولايات المتحدة، مشيرة إلى أنه رغم التسامح والتنوير اللذين يدعيهما المجتمع الحديث، فإن الأمريكيين يفتقدون حقًا أساسيًا كمواطنين في بلد حر، وهو "الحق في التعبير عن آرائهم في الأماكن العامة بلا خوف من التعرض للعار أو النبذ".

وكتبت هيئة التحرير في افتتاحية الصحيفة: حرية التعبير مبنية على الاحترام المتبادل، وبذلك عند تضييق الخطاب العام في أمريكا، تصبح من الصعب الإجابة عن الأسئلة العاجلة التي نواجهها كمجتمع.

ورأت أن ما سمته "الإسكات الاجتماعي المنتشر منذ سنوات في البلاد" استهزاء بأمريكا، مشيرة إلى أنه بالنسبة لأمة قوية ومجتمع منفتح، فإن هذا أمر خطير للغاية.

كيف حدث هذا؟

وأرجعت "نيويورك تايمز" انتشار "الإسكات الاجتماعي" وتراجع حرية التعبير في الولايات المتحدة، إلى أن السياسيين من اليسار واليمين، عالقون في حلقة مدمرة من الإدانة والاتهامات بشأن ثقافة الإلغاء.

يذكر أن ثقافة الإلغاء، شكل حديث من أشكال النبذ، يُخرج فيه شخص ما من الدوائر الاجتماعية أو المهنية، سواء كان ذلك عبر الإنترنت أم وسائل التواصل الاجتماعي، أم وجهًا لوجه، ويقال إن أولئك الذين تعرضوا لهذا النبذ تم "إلغاؤهم".

وذكرت  الصحيفة، أن الكثيرين من اليساريين يرفضون الاعتراف بثقافة الإلغاء على الإطلاق، معتقدين أن أولئك الذين يشتكون منها يقدِّمون غطاءً للمتطرفين، لنشر خطاب الكراهية.

في المقابل فإن العديد من اليمينيين -حسب الافتتاحية- رغم سخطهم على ثقافة الإلغاء، تبنوا نسخة أكثر تطرفًا من الرقابة كحصن ضد مجتمع سريع التغير، مع قوانين من شأنها حظر الكتب وخنق المعلمين، وتثبيط النقاش المفتوح في الفصول الدراسية.

وترى الصحيفة أن كثيرين من الأمريكيين يعيشون في حالة من الارتباك بشأن ما يمكنهم قوله وأين، مضيفة: "يجب أن يكون الناس قادرين على عرض وجهات النظر المختلفة، والأسئلة، وارتكاب الأخطاء، واتخاذ مواقف غير شعبية، ولكن بُحسن نية، كل ذلك بلا خوف من الإلغاء".

 

ثقافة الإلغاء

وشددت "نيويورك تايمز" على أن "ثقافة الإلغاء" موجودة، رغم محاولات البعض لإخفائها، مشيرة إلى أنه مهما اختلف تعريف الأمريكيين لها، إلا أنهم يعرفون جيدًا أنها موجودة ويشعرون بعبئها.

وأوضحت أنها أجرت -بالتعاون مع جامعة سيينا ومقرها نيويورك- استطلاعًا للرأي بشأن حرية التعبير في الولايات المتحدة، وجاءت النتيجة أن 34 بالمئة فقط من الأمريكيين يعتقدون أن الأمريكيين يتمتعون بحرية التعبير.

وحسب الصحيفة، وجد الاستطلاع أن 84 في المئة من البالغين قالوا إنها مشكلة "خطيرة للغاية" أو "خطيرة إلى حد ما" حيث لا يتحدث بعض الأمريكيين بحرية في مواقف الحياة اليومية، بسبب الخوف من الانتقام أو النقد القاسي.

وكشفت أن 46 في المئة من المستطلعين، قالوا إنهم يشعرون بحرية أقل في التحدث عن السياسة مقارنة بعقد مضى، بينما أفاد 21 في المئة فقط من الناس، بأنهم يشعرون بحرية أكبر.

وترى "نيويورك تايمز" أن هذا الاستطلاع وغيره من الاستطلاعات الأخيرة من مركز بيو للأبحاث ومؤسسة نايت، يكشف أزمة ثقة بواحدة من أهم القيم الأساسية في أمريكا، مشددة على أن حرية الكلام والتعبير تُعد أمرًا حيويًا لبحث البشر عن الحقيقة والمعرفة.

ورأت أن حرية التعبير حجر الأساس للحكم الذاتي الديمقراطي، مشددة على أنه إذا شعر الناس بالحرية في التعبير عن آرائهم، يمكن للعملية الديمقراطية الاستجابة للأفكار المتنافسة وحلها، بينما الأفكار التي لا تعترض عليها وجهات نظر، تخاطر بأن تصبح ضعيفة وهشة.

وأضافت: "عند خنق الكلام أو إقصاء المعارضين من الخطاب العام، يفقد المجتمع قدرته على حل النزاع، ويواجه خطر العنف السياسي".

 

أزمة حرية

ونقلت "نيويورك تايمز" عن سوزان نوسيل، المديرة التنفيذية لفرع منظمة العفو الدولية في الولايات المتحدة الأمريكية، قولها: هناك أزمة بشأن حرية التعبير، لأن كثيرين لا يفهمونها، ولم يتعلموا ما تعنيه ولماذا هي مهمة.

وأضافت: "كانت الضمانات الخاصة بحرية التعبير ضرورية للتقدم الاجتماعي، من حركة الحقوق المدنية إلى حق المرأة في التصويت، إلى المعارك الحالية عن العدالة العِرقية والشرطة".

وشددت "نيويورك تايمز" على أن حرية الكلام لا تتطلب الالتزام بالانفتاح والتسامح بشكل مجرد، مضيفة: "نعتقد أنه لا يكفي أن يؤمن الأمريكيون بحقوق الآخرين في التحدث بحرية؛ بل يجب عليهم أيضًا إيجاد طرق لدعم هذه الحقوق وحمايتها".

ودعت الصحيفة، الأمريكيين، إلى عدم الاعتماد على الإنترنت في الوصول إلى المعلومة، مشيرة إلى أن هناك سيلًا من المعلومات المضللة عبر الإنترنت، أدت إلى زيادة التوتر بشأن حرية التعبير.

وأشارت إلى أنه لا يمكن لأي أمريكي أن يعد نفسه مؤيدًا لحرية التعبير وهو في الوقت ذات يراقب الكلام ويعاقب صاحبه بدلًا من حمايته، مبينة أن حرية التعبير تتطلب قدرًا أكبر من الاستعداد للاشتراك في الأفكار التي لا نحبها، وقدرًا أكبر من ضبط النفس في مواجهة الكلمات التي تزعجنا.

وفرقت "نيويورك تايمز" بين مفاهيم الحريات، بين القيود الحكومية، والحق في التعبير عن الرأي في الأماكن العامة، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة ليست كروسيا تحت حكم فلاديمير بوتين، حيث خنق حرية التعبير من خلال الرقابة الحكومية والسجن، إذ إن هذا ليس نوع التهديد لحرية التعبير الذي يواجهه الأمريكيون، وإنما هناك عدم رضا عن حرية التعبير وإبداء الرأي من دون التعرض لأي انتقام أو نقد قاسٍ في الأماكن العامة.

وختمت "نيويورك تايمز" افتتاحيتها: "تستند حرية التعبير إلى الاحترام المتبادل، ومن ثمّ يجب على الأمريكيين التحدث مع بعضهم بحرية، لتحسين عناصر العقد الاجتماعي والترابط بينهم".