بعد الانسحاب من أفغانستان.. سيناريوهات العلاقات المستقبلية بين أمريكا وحلفائها الخليجيين

تتمتع الإمارات العربية المتحدة، بقدرة أكبر على الصمود في واشنطن مقارنة بقطر، بسبب العلاقات التي شكلها سفير خدم طويلاً، وسياسات مثل المساهمة بقوات قتالية في أفغانستان وتوقيع اتفاقيات إبراهام مع إسرائيل

بعد الانسحاب من أفغانستان.. سيناريوهات العلاقات المستقبلية بين أمريكا وحلفائها الخليجيين

ترجمات – السياق

كشف المجلس الأطلسي، سيناريوهات العلاقات المستقبلية بين الولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين، في أعقاب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وسيطرة حركة طالبان المسلحة على الحُكم، وكيف يمكن أن يغيِّـر هذا التطور من تصوراتهم للأمن.

وأوضح المجلس الأطلسي، أنه بعد الانسحاب الأمريكي، فإن ثلاثة من أصحاب الثقل في الخليج يبحرون بحذر، بينما يحاول كل منهم جرد حساباته بما سيكسبه أو يخسره، في علاقته بالولايات المتحدة.

 كيرستن فونتينروز، مديرة مبادرة سكوكروفت الأمنية للشرق الأوسط، في برامج الشرق الأوسط التابعة للمجلس الأطلسي، كاتبة المقال التحليلي، سلَّطت الضوء على الوساطة القطرية، التي أدت إلى الاتفاق مع طالبان، والدور الذي لعبته السعودية والإمارات وقطر في تأمين الخروج الأمريكي من أفغانستان، إضافة إلى ردود الفِعل الخليجية، وتحضيرات هذه الدول في مواجهة الجماعات المتطرفة، التي تتنبأ بصعودها خلال الفترة المقبلة.

 

قطر تخطو على قشر البيض

وقالت فونتينروز: بفضل مساعدة الدوحة، التي لا تقدَّر بثمن أثناء الانسحاب، تمت معالجة ملف نحو 57000 من 124000 أفغاني تم إجلاؤهم عبر الدوحة، مشيرة إلى أن مخزون قطر ارتفع لدى واشنطن.

وأوضحت أن القيادة الأمريكية، تدرك أن قطر لديها أكبر معرفة مؤسسية من أي شريك أمريكين بطريقة تفكير قادة طالبان، فعلى مدى عشر سنوات، توسطت الدوحة بين واشنطن وطالبان، التي افتتحت مكتبها في الدوحة عام 2013، بموافقة الولايات المتحدة ودعمها، التي قررت أنه سيكون من الأسهل، مراقبة شخصيات الحركة المسلحة هناك، بدلاً من تعقبهم في مختلف المواقع عبر العالم، التي يلجأون إلى تغييرها باستمرار.

وأشارت إلى أن قطر وتركيا وروسيا والصين وباكستان، من الدول التي لديها علاقات وظيفية بطالبان، إلا أن الدوحة يجب أن تكون حذرة، فدورها الناصح لطالبان، يعني أنها ستكون مرتبطة ارتباطًا جوهريًا بأفعال الحركة المسلحة، بحسب فونتينروز، التي قالت إنه سواء أوفى الحكام الجدد أو لم يوفوا بوعودهم للمجتمع الدولي، فإن تطور الفصائل داخل طالبان، يجعل هذا الاقتراح صعبًا بشكل متزايد.

وتابعت: حتى الآن، لم تفِ طالبان بوعودها، محذِّرة من أنه إذا استمر هذا الاتجاه، فقد تتعرَّض سُمعة الدوحة لضربة خطيرة.

 

خطر أكبر

تتمتع الإمارات العربية المتحدة، بقدرة أكبر على الصمود في واشنطن مقارنة بقطر، بسبب العلاقات التي شكلها سفير خدم طويلاً، وسياسات مثل المساهمة بقوات قتالية في أفغانستان وتوقيع اتفاقيات إبراهام مع إسرائيل، وجماعات الضغط ذات الفهم العميق لمبنى الكابيتول، بحسب  مديرة مبادرة سكوكروفت الأمنية للشرق الأوسط، مشيرة إلى أن الخطر في حالة قطر أكبر، فقد تكون مقرَّبة من واشنطن الآن، لكنها في موقف صعب.

ولا تضغط الدوحة، للاعتراف بحكومة طالبان في هذه المرحلة، إلا أنها تدعو للانخراط مع الحركة المسلحة، على أساس فرضية مكافحة الإرهاب، وهو ما أكده وزير خارجيتها محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، قائلًا: إذا فشلت طالبان في تحقيق الاستقرار في البلاد، فقد توفِّـر فرصًا للجماعات الإرهابية الأخرى للاستيلاء على السُّلطة.

 

السعودية... الابتعاد ببطء عن أمريكا

مديرة مبادرة سكوكروفت الأمنية للشرق الأوسط التابعة للمجلس الأطلسي تقول: السعودية تحاول الابتعاد ببطء عن أمريكا، متخذة من بعض الأحداث دلالات على فرضيتها، مثل إلغاء اجتماع كان مقررًا بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ووزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن قبل أسبوعين، مشيرة إلى أنه رغم تداول أنباء أنه قد تتم إعادة جدولته الشهر المقبل، فإن نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، التقى قبل شهر وزير الدفاع في روسيا سيرغي شويغو، في إشارة من الرياض وموسكو إلى الولايات المتحدة.

فالرياض تريد أن تخبر واشنطن، بأنها لا تختار أي طرف في العلاقات الأمريكية الروسية المتوترة، لأن هناك أشياء تحتاجها الولايات المتحدة، لا تستطيع أو لن تقدر على توفيرها، بحسب فونتينروز، التي أشارت إلى أن موسكو لديها معلومات استخباراتية على الأرض عن خطط طالبان، وكذلك تحركات الجماعات المتطرفة الأخرى، التي توفِّرها روسيا من خلال وجودها في أفغانستان.

وتقول فونتينروز: هذا التحرك ليس من فراغ، فالسعودية كانت تتراجع عن اعتمادها بشكل حصري على الولايات المتحدة، خلال السنوات القليلة الماضية، فضلًا عن خطوات سعودية، لتطوير برنامج نووي مدني بمساعدة صينية، مؤكدة أن مسؤولين سعوديين شاركوا في الآونة الأخيرة، في محادثات مع إيران عن الانفراج، وهو مؤشر آخر على أنهم لا يتركون أمنهم في أيدي الولايات المتحدة.

 

خدمات صغيرة

وأوضحت مديرة مبادرة سكوكروفت الأمنية للشرق الأوسط، أن الإدارة الأمريكية الحالية، تطلب من الرياض خدمات صغيرة، لكن هذه الامتيازات غالبًا ما لا تحظى بشعبية لدى السعوديين، الذين بدأوا مؤخرًا دفع ضريبة الاستهلاك، وبذلك يراقبون كيفية إنفاق أموال الدولة.

وأكدت فونتينروز، أن الرياض كانت في حيرة من أمرها، بسبب مطالبة الولايات المتحدة لها، بقبول معالجة الأفغان كمحطة انتقالية، قبل نقلهم إلى الولايات المتحدة، بينما تساءل المسؤولون عن سبب توقُّعهم السماح للأفغان، الذين لم يتم فحصهم أمنيًا بما يكفي، إذا لم تفعل الولايات المتحدة ذلك.

ورغم اعتراف الحكومة السعودية، بأن واشنطن تبقيها على عِلم بقضايا مثل المفاوضات بشأن الاتفاق النووي الإيراني، فإنها تأسف لحقيقة أنها لم تسمع رؤية للشرق الأوسط وجنوب آسيا من إدارة بايدن.

وأوضحت أن وزارة الخارجية الأمريكية، أبلغت الكونغرس الأسبوع الماضي، بصفقة محتملة بخمسمئة مليون دولار لقيادة طيران القوات البرية الملكية السعودية، مشيرة إلى أن المضي قدمًا في هذه الصفقة، قد يرقى إلى اعتراف الإدارة بالحاجة إلى إظهار دليل على الشراكة، في وقت تكون فيه قيمة تلك الشراكة موضع تساؤل.

 

الجانب الجيد

وأشارت إلى أن الرياض يمكن لها نظريًا، استخدام دعمها المالي لباكستان، كوسيلة للضغط على إسلام أباد لوقف أنواع معينة من الدعم لطالبان، يمكن أن يفيد القاعدة، مؤكدة أن الرياض عرضت الأسبوع الماضي، التوسط في النزاع السياسي في كشمير بين الهند وباكستان، بينما تسمح هذه الخطوة للمملكة، بتقوية علاقتها الدفاعية بالهند، من دون تنفير وكالة الاستخبارات الباكستانية، وهي وسيلة تحوط ذكية.

وأشارت كاتبة المقال، إلى أنه إذا طلبت الولايات المتحدة المساعدة الإنسانية نحو الأفغان، فمن المرجَّح أن توافق السعودية، على تقديم المساعدة مرة أخرى إلى أفغانستان، من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة الإنسانية، لكنها لن توافق على ذلك على المدى الطويل، ما لم تظهر خطة استراتيجية لتشكيل الحكومة والقواعد السياسية، مؤكدة أنه من خبرة الرياض في التعامل مع الحكومة الأفغانية، فإنها ليست متفائلة بأن هذا أمر وشيك، بناءً على دراسات حالة في سوريا ولبنان حتى الآن هذا العام.

وأوضحت أنه رغم أن السعودية والإمارات وباكستان، اعترفت بحكومة طالبان عندما سيطرت على أفغانستان من عام 1996 إلى عام 2001، فإنهم لا يبدو أنهم يميلون إلى فِعل ذلك مرة أخرى، لأنهم يتوقَّعون أن تدعم طالبان عودة تنظيم القاعدة، فضلًا عن أن الحكومة الجديدة قريبة من قطر.

 

الإمارات... اللعب بأمان

مديرة مبادرة سكوكروفت الأمنية للشرق الأوسط، قالت إن الإمارات لم تفاجأ بانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، بل بسوء تنفيذ ذلك، مشيرة إلى أنه وفقًا للإماراتيين المشاركين في جهود النقل الجوي، فإنه خلال الأيام الأولى للإجلاء، تحدى طيار إماراتي أمر «عدم الهبوط» من برج مراقبة الحركة الجوية في مطار كابل، وهبط ونجح في إجلاء الإماراتيين ومئات آخرين.

مؤكدة أنه منذ سقوط كابل، نقلت الإمارات أكثر من 250 طناً من المساعدات الإنسانية إلى أفغانستان، وفتحت مطاراتها لأكثر من خمسة آلاف لاجئ أفغاني.

وأشارت إلى أن الإمارات، بذلت كل ما في وسعها، للمساعدة في الإجلاء والجهود الإنسانية، مؤكدة أن الحكومة الإماراتية تشعر بالقلق إزاء نمو الجماعات المتطرفة العنيفة الأخرى داخل أفغانستان.

 

علاقات إماراتية صينية

وأكدت كاتبة المقال، أن الإمارات العربية المتحدة، ترى أيضًا علاقة أوثق بالصين، كوسيلة لإبقاء الأنظار على الأرض في أفغانستان، مشيرة إلى أن بكين وأبوظبي تشتركان مع السعودية وأمريكا وحلف شمال الأطلسي وإسرائيل، في هدف منع الجماعات الإرهابية، التي تطمح إلى مهاجمة الخارج، من إقامة معسكر لها في أفغانستان.

وأشارت إلى أنه بينما تعمِّق الصين علاقتها بالحكومة التي تقودها طالبان في كابل، وتستفيد من هذه العلاقة للحفاظ على نطاق مشاريع الاستخراج الخاصة بها في جميع أنحاء البلاد، ستكون لها رؤية داخل الحدود الأفغانية، أفضل من أي دولة غربية.

وأكدت أن الإمارات ستتجاهل مساعي الولايات المتحدة بشأن علاقتها بالصين، بينما يحتاج البلدان الثلاثة (الدوحة والرياض وأبوظبي) إلى المزيد من الضمانات الأمريكية.

مديرة مبادرة سكوكروفت الأمنية للشرق الأوسط، قالت إن الولايات المتحدة، قد تحتاج إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر وشركاء خليجيين آخرين، للقيام بعمليات مكافحة الإرهاب «في الأفق» في أفغانستان.

وأوضحت أن شركاء الخليج، شعروا بأنهم سمعوا تطمينات شفهية من إدارة بايدن في الأسابيع الماضية، بأن العمليات الأمريكية ستستمر في سوريا والعراق، مشيرة إلى أن واشنطن لا تزال ملتزمة بأمن الخليج.

من جانبها، ستحتاج دول الخليج إلى تقييم ما إذا كانت الإجراءات الأمريكية، التي تدعم هذه التطمينات، تكافئ خطر الدخول (أو العودة) في مرمى الجماعات المتطرفة، التي يحتمل أن تنبعث من أفغانستان، بينما تشترك دول الخليج في أهداف الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب في أفغانستان، لكن هذه الدول سترغب في رؤية الدعم لأمنها، إذا كانت ستصبح منصة للولايات المتحدة لضمان أمنها.