إثيوبيا تفقد الأصدقاء والنفوذ.. آبي أحمد يتحدى العالم
رسائل آبي أحمد من حفل تنصيبه الباذخ، لم تكن تستهدف الداخل وحده، بل إن العرض كان موجهًا أيضًا للجمهور الدولي، بعد أن تراجعت العلاقات بين إثيوبيا والعديد من الدول الغربية، إلى أدنى مستوى لها منذ عقود.

ترجمات - السياق
احتفالية نُظّمت في الرابع من الشهر الجاري، في قلب العاصمة أديس أبابا، لتنصيب رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد بولاية جديدة، مدتها خمس سنوات عقب انتخابات أجريت في يوليو الماضي، إلا أنها كانت «باذخة» لدرجة أن المرء قد يخطئ في اعتقاده تنصيب رئيس أو تتويج ملك.
هكذا وصفت مجلة «الإيكونوميست» البريطانية، احتفال آبي أحمد، بإعادة تنصيبه رئيسًا لوزراء إثيوبيا، إلا أنها أكدت أن تلك الاحتفالية كان رئيس وزراء إثيوبيا، يهدف من ورائها لإيصال رسائل عدة، أولاها الرد على أولئك الذين يشككون في شرعية آبي، خاصة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، التي كانت ذات يوم هي الحل في البلاد، إلا أنها الآن في حالة حرب مع الحكومة المركزية.
اضطرابات عرقية
وصل آبي أحمد إلى السلطة، عندما استقال سلفه وسط احتجاجات حاشدة عام 2018، بحسب «الإيكونوميست» التي قالت إنه رغم أن الأشهر الأولى من ولايته، تضمنت إصلاح العلاقات مع المعارضة، وتوقيع اتفاق سلام مع إريتريا (التي فاز بسببها بجائزة نوبل عام 2019)، فإن حُكمه منذ ذلك الحين، شابته اضطرابات عرقية وتباطؤ اقتصادي وحرب أهلية مدمرة، في ولاية تيغراي الشمالية.
«لقد وصلنا إلى حقبة جديدة»، هكذا قال آبي أحمد للجماهير المبتهجة بإعادة تنصيبه، مشيرًا إلى أن تلك الحقبة، تنبع فيها القوة فقط من الصوت الحقيقي للشعب عبر صناديق الاقتراع، إلا أن تصريحاته قالت عنها «الإيكونوميست» إنها كانت تجافي الواقع، فصوت الشعب كان مكتومًا إلى حد ما، بسبب مقاطعة المعارضة وقرار إلغاء الانتخابات في خُمس الدوائر بسبب العنف، مؤكدة أن فوز حزب آبي أحمد (الرخاء) بأكثر من 90% من المقاعد المتنازع عليها نتيجة طبيعية.
رسائل دولية
رسائل آبي أحمد من حفل تنصيبه «الباذخ»، لم تكن تستهدف الداخل وحده، بل إن العرض كان موجهًا أيضًا للجمهور الدولي، بعد أن تراجعت العلاقات بين إثيوبيا والعديد من الدول الغربية، إلى أدنى مستوى لها منذ عقود.
فبينما قالت أمريكا، إنها ستفرض عقوبات على المسؤولين المتورطين في الحرب في تيغراي، إذا لم تبدأ الأطراف (التي تشمل أيضًا القوات الإريترية التي تقاتل إلى جانب القوات الإثيوبية) محادثات، أو تسمح بوصول الطعام إلى أولئك الذين تحاصرهم الحكومة، حذر مارتن غريفيث، منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، في 29 سبتمبر الماضي من أن مئات الآلاف قد يتضورون جوعًا.
ورغم تلك التحذيرات والنداءات، فإن رد آبي أحمد كان طرد سبعة من كبار مسؤولي الأمم المتحدة، متهماً إياهم بـ«التدخل» في شؤون إثيوبيا، بحسب مجلة «الإيكونوميست» البريطانية، التي قالت إن حكومة أديس أبابا أوقفت في أغسطس الماضي، عمل منظمة أطباء بلا حدود والمجلس النرويجي للاجئين، وهما منظمتان إغاثيتان.
ولم يكتفِ رئيس وزراء إثيوبيا بطرد المسؤولين الأمميين، وصم أذنيه عن التحذير الأمريكي، بل أعلن في خطاب تنصيبه، أن أديس أبابا لن تخضع للضغوط الأجنبية.
مقارنة بين خطابي إثيوبيا
وقارنت مجلة «الإيكونوميست» بين خطاب «براغماتي» كانت تتحدث به إثيوبيا في الماضي، كان يكسبها أصدقاءً ونفوذًا دوليين، وآخر «شائك» تتحدث به أديس أبابا حاليًا، تبدلت معه الصورة تمامًا.
وأشارت إلى أن أديس أبابا، دافعت عن منظمة «إيقاد»، وهي كتلة إقليمية، وساهمت بقوات حفظ سلام في الأمم المتحدة، أكثر من أي دولة أخرى تقريبًا، كما أقامت علاقات وثيقة بالصين وأمريكا، مؤكدة أنها تمتعت -كذلك- بمثل هذا النفوذ في واشنطن، لدرجة أنها عندما غزت الصومال عام 2006 لإطاحة حكومة إسلامية، انضمت إليها أمريكا.
إلا أن الصورة الآن مختلفة، فقرار آبي أحمد بالتقرب من الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، أدى إلى انقسام «إيقاد» الاجاد، إضافة إلى توتر علاقات إثيوبيا بالسودان، ما أدى إلى اشتباكات حدودية، بحسب المجلة البريطانية، التي قالت إن الأمر الأكثر إثارة هو الخلاف مع الغرب.
«فبالكاد لا يمر أسبوع إلا وتخرج مسيرة ضد التدخل الأجنبي المزعوم، أو تصريح من مسؤول رفيع يدين الأعداء الخارجيين»، تقول «الإيكونوميست»، مشيرة إلى أن تيارًا من نظريات المؤامرة، يتدفق إلى وسائل الإعلام الحكومية: أن أمريكا تزود مقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بالبسكويت المغطى بالمخدرات، أو أن وكالات الأمم المتحدة تهرِّب الأسلحة.
3 عوامل
وأوضحت «الإيكونوميست»، أن هناك ثلاثة عوامل تسهم في عزلة إثيوبيا المتزايدة، أولها نهج آبي أحمد المتقلب في السياسة الخارجية، الذي يتميز بالعلاقات الشخصية بدلاً من التعامل مع المؤسسات، مشيرة إلى أنه همَّش وزارة الخارجية، وأغلق أو قلَّص عشرات السفارات.
وتابعت المجلة البريطانية، أن آبي أحمد أبعد القادة الأجانب، بسلسلة من الوعود التي لم يتم الوفاء بها، مثل تلك التي سمحت بوصول المساعدات إلى تيغراي أو طرد القوات الإريترية، مشيرة إلى أنه أثار غضب أمريكا بشراء طائرات مسيرة من إيران، وتجاهل المبعوثين الأمريكيين.
العامل الثاني الذي يزيد عزلة إثيوبيا، ازدواجية المعايير المتصورة لدى الغرب، فمن عام 1991 إلى 2018، عندما سيطرت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي على الحكومة الإثيوبية، كانت أمريكا تغض الطرف بشكل روتيني عن انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها حليفها، بحسب «الإيكونوميست» التي قالت إن الحملة الوحشية ضد الانفصاليين في المنطقة الصومالية بإثيوبيا، لم تلق إدانة تذكر، لأن الجيش الإثيوبي كان يساعد في محاربة «الجهاديين» في الصومال.
من جانبه، يقول المحامي الإثيوبي زيلالم موغس: «لقد شجع الغرب جبهة تحرير تيغراي، وساهم في تبييض خطاياها».
وتقول المجلة البريطانية، إنه في الآونة الأخيرة، انحازت إدارة دونالد ترامب إلى مصر والسودان، في نزاعهما مع إثيوبيا بشأن سد ضخم على النيل الأزرق، بينما يقول دبلوماسي أمريكي: «يعتقد أبي حقًا أن الولايات المتحدة تحاول إطاحته، يعتقد أنه مصلح السوق المؤيد لأمريكا والمتحرر الذي تجنبناه».
حرب جديدة
لكن الأهم –"بحسب الإيكونوميست"- هو الخلاف على الحِكمة من استمرار الحرب، فبينما يقول دبلوماسي أوروبي: «مطالبنا بسيطة للغاية، إنهاء الحرب وعلاقاتنا أفضل من حيث التعريف»، يميل المسؤولون الأفارقة، رغم كونهم أكثر هدوءًا، إلى الاتفاق، حتى إن روسيا والصين، اللتين يعتمد عليهما آبي، في سد أي ثغرات مالية ناجمة عن خفض المساعدات الغربية والمساعدات العسكرية، كانتا متحفظتين.
وبينما تقول «الإيكونوميست»، إن آبي أحمد ألمح سِرًا إلى أنه قد يكون منفتحًا على المفاوضات مع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، أفادت الأنباء بأن المبعوث الخاص للاتحاد الإفريقي إلى القرن الأفريقي، الرئيس النيجيري السابق أولوسيغون أوباسانجو، حصل على إذن لاستطلاع قيادة الجبهة، التي قالت عنها المجلة إنها لن تقبل بوساطة الأخير.
وتوقعت المجلة، أن يكون رئيس الوزراء الإثيوبي، عازمًا على شن هجوم جديد على جبهة تحرير تيغراي، إلا أنها قالت إن ذلك قد يجبر أمريكا، على تعليق الوصول المعفى من الرسوم الجمركية للسلع الإثيوبية، بموجب قانون النمو والفرص الإفريقي، مشيرة إلى أن العلاقات السيئة بين إثيوبيا وحلفائها، مهيأة لمزيد من التدهور.