بعد إعلان انسحابه من الانتخابات.. التيار الصدري يعقِّد المشهد السياسي العراقي

يرى مراقبون، أن غياب حركته عن المشهد الانتخابي سيزيد تعقيد المشهد السياسي، وسيتطلب بعض الخيارات الصعبة، بما في ذلك المضي في الانتخابات من دونه، وزيادة احتمال عودة الجماهير الصدرية إلى الشارع كمعارضة.

بعد إعلان انسحابه من الانتخابات.. التيار الصدري يعقِّد المشهد السياسي العراقي

ترجمات - السياق

رأى فرهاد علاء الدين، رئيس المجلس الاستشاري العراقي، المستشار السياسي للرئيس العراقي السابق فؤاد معصوم، أن انسحاب التيار الصدري، الذي يرأسه الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر، من الانتخابات المقرَّرة في أكتوبر المقبل، سيزيد المشهد السياسي العراقي تعقيدًا.

وكان مقتدى الصدر، أعلن في خطاب متلفز في 15 يوليو 2021، انسحابه من السباق الانتخابي، قائلًا: "ابلغكم أنني لن أشارك في هذه الانتخابات"، وفي الوقت نفسه، أعلن تفكيك اللجنة السياسية الصدرية، ما يعني أن أكبر كتلة سياسية في البرلمان، بقيت من دون زعيم، ولا هيئة لاتخاذ القرار.

وكانت اللجنة السياسية مسؤولة -بشكل مباشر- عن توجيه ممثِّلي التيار الصدري في الحكومة، وإدارة الشؤون اليومية للكتلة البرلمانية الصدرية، وإعطاء التوجيهات بالحضور أو المقاطعة، والتصويت على القرارات البرلمانية والتشريعات.

وأدى قرار مقتدى الصدر، إلى تعليق الآلة الانتخابية وتوقُّف النشاط الانتخابي الصدري، كما سيؤدي غياب الكتلة الصدرية في البرلمان، إلى أن يكون المجلس التشريعي (مشلولًا) ، إذ يواجه الآن تحديًا لتحقيق النصاب القانوني، لأي جلسة أو تصويت.

من جهة أخرى، أصدر قادة كتل سياسية عراقية، بيانات تطالب الصدر بالتراجع عن قراره.

ويرى مراقبون، أن غياب حركته عن المشهد الانتخابي سيزيد تعقيد المشهد السياسي، وسيتطلب بعض الخيارات الصعبة، بما في ذلك المضي في الانتخابات من دونه، وزيادة احتمال عودة الجماهير الصدرية إلى الشارع كمعارضة.

 

أهمية الصدريين

من الواضح أن للتيار الصدري حضوراً قوياً على الساحة السياسية والشعبية في العراق، إذ يمتلك أكبر كتلة متماسكة ومنضبطة في البرلمان، إضافة إلى قاعدة شعبية واسعة ومؤثِّرة في الشارع، بحسب فرهاد علاء الدين.

وأشار فرهاد -في مقال له بشبكة رووداو الإعلامية الكردية، إلى أن عدم مشاركتهم في العملية الانتخابية، يعني خسارة كتلة كبيرة وحليف أساسي للكتل السياسية الأخرى.

وتعتمد أغلبية الأحزاب السياسية، على التحالفات مع الصدر، لمواجهة الخصوم السياسيين، وتشكيل جبهة موحَّدة، تؤدي إلى تشكيل الحكومة، خاصة أن الصدريين لم يطلبوا منصب رئيس الوزراء.

هذا الأمر، جعلهم شريكًا مرغوبًا للائتلافات، لا سيما أنهم لم يكن لديهم حضور سياسي قوي، يمكّنهم من الحصول على أحد المناصب الرئيسة الثلاثة، مثل الرئيس أو رئيس الوزراء أو رئيس البرلمان.

كانت مشاركة التيار الصدري حاسمة، في تشكيل الحكومات الأربع الماضية، بدءاً بولاية نوري المالكي الثانية عام 2010، وحيدر العبادي عام 2014، ثم تحالفهما الثنائي لتشكيل حكومة عادل عبدالمهدي عام 2018، تلاها تنصيب مصطفى الكاظمي رئيسًا للوزراء في مايو 2020. ومن الواضح أنه من دون التيار الصدري سيتعثَّـر التوازن السياسي الشيعي.

 

تصعيد ضد الصدريين

قال مقتدى الصدر، في تصريحه الشهير، في 22 نوفمبر 2020: "إن بقيت وبقيت الحياة، سأتابع الأحداث من كثب وبدقة، فإن وجدت أن الانتخابات ستسفر عن أغلبية صدرية في مجلس النواب، وأننا سنحصل على رئاسة الوزراء، سأتمكَّن من إكمال مشروع الإصلاح"، وفقًا لكاتب المقال.

وأعقب ذلك تصريح الناطق باسمه، صلاح العبيدي، في 29 ديسمبر 2020: "هناك نية وطموح للحصول على 100 مقعد في الانتخابات المقبلة، للسيطرة على الأمور".

وقال فرهاد: "بعد هذين البيانين، أصبح التيار الصدري هدفاً واضحاً للكتل السياسية المتنافسة، التي أخذت هذه التصريحات على محمل الجد، وكثَّفت حملاتها الإعلامية -المخفية والمعلنة- ضد التيار الصدري".

منذ ذلك الحين، ظهر هجوم إعلامي كبير، على رموز التيار الصدري، بمن في ذلك زعيمهم وقيادتهم والوزارات التي تُعَـدُّ من نصيب التيار الصدري في الحكومة، مثل الصحة والكهرباء والخارجية، إضافة إلى البنك المركزي العراقي.

ورغم محاولة التيار الصدري، النأي بنفسه عن هذه المؤسسات، والادِّعاء بعدم تورِّطها في تعيين الوزراء، فإن الحملة على وسائل التواصل الاجتماعي، كانت وحشية.

واشتدت بشكل شخصي، ضد مقتدى الصدر، بعد حريق مستشفى الحسين بالناصرية، 13 يوليو 2021، إذ قُتل -حسب تقارير- 92 شخصًا. وجاء هذا الحريق، بعد حريق مماثل في مستشفى ابن الخطيب ببغداد، في 27 أبريل 2021، وأودى بحياة 82 شخصًا.

ألقى كثيرون باللوم، في هذه الإخفاقات، على التيار الصدري وزعيمه، الذين بدورهم ألقوا باللوم على الفساد في مؤسسات الدولة، وغياب الإصلاح.

ومع اقتراب الصيف الحارق، وارتفاع درجات الحرارة، تعرَّضت أبراج نقل الضغط العالي، التابعة لوزارة الكهرباء للتدمير المنهجي. إذ تم تفجير 135 برجاً خلال أسبوع، ما أدى إلى انهيار شبكة الكهرباء، وحرمان مدن عدة من الكهرباء، الأمر الذي زاد معاناة الأهالي، الذين وجَّهوا غضبهم بدورهم للتيار الصدري والوزارة التي تُعَـدُّ تابعة لهم، ما أدى في النهاية إلى استقالة الوزير.

يرى التيار الصدري، أن هذه الهجمات ذات دوافع سياسية، وحاول أعضاؤه الدفاع، لكنهم لم ينجحوا في الوقوف أمام موجة النقد الهائلة، خاصة أن الصدريين، الأضعف في الإعلام، مقارنة بباقي الأحزاب، إذ ليس لديهم قنوات إعلامية بارزة ومؤثِّرة، بل وتُعَدُّ الحسابات الشخصية على "تويتر" و"فيسبوك" لمقتدى الصدر أقوى منصاتهم، تليها حسابات المقرَّبين منه، مثل محمد صالح العراقي، أو أعضاء البرلمان الناشطين في مجموعات واتساب، التي تدافع عن وِجهة نظر التيار الصدري بين النُّخب، بحسب كاتب المقال.

 

حكومة ومعارضة

يقول فرهاد علاء الدين، إن التيار الصدري اعتاد اللعب في ساحتي الحكومة والمعارضة في الوقت نفسه، فقد شاركوا في تشكيل حكومات وتسلَّموا مناصب سنة أو سنتين، ثم سحبوا الوزراء وأعلنوا معارضتهم، كما حدث في حكومتي المالكي عامي 2007 و 2013.

وقاد تيار الصدر أيضًا تشكيل حكومة عادل عبدالمهدي عام 2018، وخصَّصت له أربع وزارات مهمة، واشترطوا أن يختار رئيس الحكومة، وزراء تكنوقراط، وفرضوا أحدهم أمينًا عامًا للأمانة العامة لمجلس الوزراء، وتقلدوا مناصب عدة بنواب الوزراء، ومع ذلك، انضمت الحركة إلى الاحتجاجات المناهضة للحكومة، في أكتوبر 2019 وساهمت بشكل فاعل في استقالة عبدالمهدي.

كما قاد التيار الصدري، حملة تشكيل الحكومة الحالية، وكان لهم دور كبير في تنصيب مصطفى الكاظمي رئيسًا للوزراء، واحتفظوا بأربع وزارات، هي الصحة والكهرباء والمالية والموارد المائية.

ومع ذلك، أعلن مقتدى الصدر في 15 يوليو الجاري انسحابه، قائلًا: "أعلن أنني أسحب دعمي لجميع أعضاء هذه الحكومة والحكومة المستقبلية، حتى لو ادَّعوا أنهم ينتمون إلينا".

تجدر الإشارة، إلى أن التيار الصدري، لم يعلن معارضته للحكومة الحالية، بل أعلن فقط أنه "يسحب يده".

 

انسحاب وتأجيل

يقول الكاتب: إن أكثر الأسئلة المطروحة في أروقة السُّلطة في العراق حاليًا: هل تجرى الانتخابات أم لا؟ مضيفاً أن "هذا السؤال يطرحه جميع القادة والمحللين السياسيين والدبلوماسيين والمهتمين بالشأن العراقي" ويشكك كثيرون من المراقبين، في إمكانية إجراء انتخابات في أكتوبر كما كان مقررًا، خاصة بعد إعلان مقتدى الصدر انسحابه.

عدم مشاركة التيار الصدري، يعني خسارة أصوات شريحة كبيرة داخل البيت الشيعي، ويقول كاتب المقالة بشبكة رووداو: هذه الانتخابات لن تمثل الأغلبية العظمى من الشعب... لنفترض أننا أضفنا في المقاطعة التي قامت بها الحركات المدنية، وأحزاب حركة أكتوبر الاحتجاجية، مع تردُّد الناخبين في المشاركة بشكل عام، في هذه الحالة، سنواجه انتخابات تفتقر إلى الشرعية، بسبب انخفاض معدل الدعم الشعبي ومشاركة الناخبين، وهذا يعني أن أي حكومة منبثقة عن هذه الانتخابات، لن تمثِّل الأغلبية العظمى من الشعب.

وبحسب مصادر، في اجتماع بين الكاظمي والكتل الشيعية، هذا الأسبوع، فإن رئيس الوزراء أبلغهم بأنه لن تكون هناك انتخابات، من دون مشاركة التيار الصدري.

 في الواقع، هذا هو السيناريو الوحيد المقبول، حيث يترك غياب التيار الصدري، خللًا وفراغًا كبيرًا في الساحة السياسية الشيعية، فقد سيطر الصدريون على المشهد الشيعي منذ عام 2010، وزادت هيمنتهم مع كل انتخابات، حيث ارتفعت مقاعدهم في البرلمان من 32 إلى 44 ثم 54، ومعها ارتفع نفوذهم السياسي.

ويرى مراقبون، أن التيار الصدري لن يخوض الانتخابات، من دون إشارة على دعم زعيمهم مقتدى الصدر.

ويقول الكاتب، إنه مع اقتراب موعد الانتخابات، أصبح من الضروري حل مسألة المشاركة، مشيراً إلى أن الحل هو بدء حملة تطهير من الصدر، تستهدف الفساد داخل التيار، وقطع طريق منافسيه السياسيين، ومحاسبة مَنْ يستغل اسم التيار لمصالح شخصية، وأضاف: "قد تكون هذه الحملة رداً مناسباً على الاتهامات الموجَّهة للتيار الصدري، وباباً لعودة الحركة إلى المشهد السياسي".