جريمة حرب.. كيف أخفت أمريكا غارة جوية قتلت عشرات المدنيين في سوريا

تعد الباغوز من أكبر حوادث الضحايا المدنيين في الحرب ضد تنظيم داعش، لكن لم يعترف بها الجيش الأميركي علناً

جريمة حرب.. كيف أخفت أمريكا غارة جوية قتلت عشرات المدنيين في سوريا

ترجمات – السياق

كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن القوات الجوية الأمريكية تسترت على غارتين نفذتهما على سوريا عام 2019، تسببتا في مقتل نحو 70 مدنيًا من النساء والأطفال، إبان معركته مع تنظيم داعش، خلال أيامه الأخيرة قبل سقوطه عام 2019، مشيرة إلى أن الأمر يصل إلى جريمة حرب محتملة.

وذكرت الصحيفة الأمريكية، في تقرير، أنه في الأيام الأخيرة من المعركة ضد "داعش" في سوريا، عندما حوصر التنظيم في حقل ترابي في بلدة الباغوز، حلَّقت طائرة أميركية عسكرية من دون طيار في سماء المنطقة بحثاً عن أهداف، لكنها رأت حشداً كبيراً من النساء والأطفال متجمعين على ضفة النهر.

وأضاف التقرير أنه من دون سابق إنذار، أسقطت مقاتلة أميركية من طراز  "إف-15" قنبلة تزن 500 رطل على الحشد، ما أدى إلى وقوع انفجار مروِّع. ومع تلاشي الدخان، أسقطت الطائرة قنبلة أخرى تزن 2000 رطل ثم أخرى، ما أسفر عن وفاة معظم الموجودين.

ومع تلاشي الدخان، حاول بعض الناجين من القنبلة الهرب إلى بر الأمان، فعاجلتهم طائرة أخرى بقنبلة زنتها 2000 رطل، ما أسفر عن مقتل معظم الموجودين، وفقًا للصحيفة؟

مشيرة إلى أن كل ذلك تحت أنظار الكثير من العسكريين الأمريكيين، الذين كانوا يشاهدون بثًا حيًا للعمليات في مركز العمليات الجوية المشتركة للجيش الأمريكي بقاعدة العديد في قطر، وخيَّمت على الجميع حالة من الذهول، بحسب ضابط كان هناك.

 

أكبر عدد من الضحايا

كانت غارة الباغوز من أكبر حوادث الضحايا المدنيين في الحرب ضد تنظيم داعش، لكن لم يعترف بها الجيش الأميركي علناً، بحسب الصحيفة.

ونقلت "نيويورك تايمز" عن الضابط نفسه: "من خلال نظام تواصل آمن يستخدمه مراقبو الطائرات من دون طيار، سأل أحدهم: مَنْ أسقط القنبلة؟، فأتى الرد: "لقد أسقطنا 50 امرأة وطفلًا، لنعرف في ما بعد أن عدد القتلى كان في الواقع نحو 70".

ووفقًا للتفاصيل التي كشفت عنها "نيويورك تايمز"، فإن عدد الضحايا كان واضحاً على الفور للمسؤولين العسكريين، إذ وصف ضابط قانوني الغارة بأنها "جريمة حرب محتملة" تتطلب إجراء تحقيق.

غير أن الجيش الأمريكي قام بخطوات أخفت الضربة الكارثية، بداية من تقليل عدد الضحايا، ثم تأخير التقارير و"تعقيمها" وتصنيفها، ولاحقاً جرَّفت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة موقع الانفجار، ولم يُخطر كبار القادة، وفقاً للتقرير.

 

دفن الكارثة

ونقلت "نيويورك تايمز"، عن جيني تايت الذي عمل على ملف القضية في مكتب المفتش العام، ووافق على مناقشة الجوانب التي لم يكشف عنها، قوله: "القيادة تبدو كأنها عازمة على دفن هذا الهجوم، لا أحد يريد أي شيء له علاقة به، وهذا يجعلك تفقد الثقة بالنظام... يحاول الناس فعل الصواب لكن لا أحد في مناصب القيادة يريد سماعه".

وأضاف تايت، وهو ضابط سابق في البحرية الأميركية، عمل سنوات محللًا مدنيًا مع وكالة الاستخبارات والمركز الوطني لمكافحة الإرهاب، قبل الانتقال إلى مكتب المفتش العام، إنه انتقد عدم اتخاذ أي إجراء بشأن ذلك، لكنه في النهاية أجبِر على ترك وظيفته.

وأوضحت "نيويورك تايمز"، أنها جمعت تفاصيل الغارات الأمريكية على مدى أشهر من خلال وثائق وتقارير سرية، ومقابلات مع مسؤولين مباشرين وآخرين يملكون تصاريح أمنية عالية السرية، شرط ألا يتم كشف هوياتهم.

وخلص تحقيق الصحيفة، إلى أن التفجير كان بوحدة عمليات خاصة سرية "فرقة العمل 9" التي كانت مسؤولة عن العمليات البرية في سوريا.

ونقلت الصحيفة عن ضابط خدم في مركز القيادة، قوله: "في حالة تفجير الباغوز، لم يكن لدى قيادة القوات الجوية الأمريكية في قطر أي فكرة عن الضربة".

وذكرت الصحيفة أنها أرسلت النتائج التي توصلت إليها إلى القيادة المركزية الأميركية، التي أشرفت على الحرب في سوريا، هذا الأسبوع، ما أجبر القيادة على الاعتراف بالضربات لأول مرة، قائلة إن "80 شخصاً سقطوا لكن الضربات الجوية كانت مبررة" لأن بين القتلى 16 من مقاتلي داعش وأربعة مدنيين، ولم يتضح إذا كان الستون الآخرون من المدنيين، فربما كان النساء والأطفال من مقاتلي داعش".

 

لحظات ما قبل الضربة

وكشفت "نيويورك تايمز"، أنه في الدقائق التي أعقبت الضربة، استدعى ضابط مخابرات سلاح الجو في مركز العمليات، محامي القوات الجوية المسؤول عن تحديد مشروعية الضربات، مشيرة إلى أن المحامي أمر سرب " إف -15 إي" وطاقم الطائرة من دون طيار بالحفاظ على مقاطع الفيديو والأدلة الأخرى.

ووفقًا للوثائق، فإن الضابط صعد الطابق العلوي وأبلغ التسلسل القيادي بالضربة، مشيراً إلى أنها انتهاك محتمل لقانون النزاع المسلح -جريمة حرب- وإن اللوائح تتطلب تحقيقاً شاملاً ومستقلاً، لكن ذلك لم يحدث.

وتعليقًا على ذلك، قال النقيب بيل أوربان، المتحدث باسم القيادة: "إننا نبغض فقدان أرواح الأبرياء، ونتخذ جميع الإجراءات الممكنة لمنع حدوث ذلك، لكن في هذه الحالة، أبلغنا ذاتيًا عن الغارة وحققنا فيها وفقًا لأدلتنا ونتحمل مسؤولية الخسائر غير المقصودة في الأرواح".

لكن التقييم الوحيد الذي كان بعد الضربة مباشرة، أجرته الوحدة البرية نفسها التي أمرت بالضربة.

 

جرائم حرب

ويعتقد محامي سلاح الجو، المقدم دين دبليو كورساك، أنه شهد جرائم حرب محتملة وضغط مرارًا على قيادته والمحققين الجنائيين في القوات الجوية، للتحرك من أجل فتح تحقيق في الحادثة، مشيرًا إلى أنهم عندما لم يفعلوا ذلك، نبه المفتش العام المستقل لوزارة الدفاع بالأمر.

وأضاف العقيد كورساك: "بعد عامين من الغارتين، لم يرَ أي دليل على أن وكالة المراقبة تتخذ إجراءً، فأرسل بريدًا إلكترونيًا إلى لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، وأخبر موظفيها بأن لديه مواد سرية للغاية لمناقشتها"، واستطرد: "أعرّض نفسي لخطر كبير عبر إرسال هذا البريد".

وقال في رسالة البريد الإلكتروني، التي حصلت عليها الصحيفة: "كبار المسؤولين العسكريين الأميركيين تحايلوا عمداً ومنهجياً على عملية الضربة المتعمدة"، وأضاف أن "الكثير من المواد سرية وستحتاج إلى مناقشة من خلال اتصالات آمنة".

ووصف الضابط في رسالة البريد الإلكتروني، التي أرسلها لمجلس الشيوخ، حصيلة القتلى المصنفة بأنها "عالية بشكل صادم"، وقال: إن الجيش لم يتبع متطلباته الخاصة للإبلاغ عن الغارة والتحقيق فيها.

ونبهت الرسالة إلى أن المراقبين المدنيين، الذين وصلوا إلى منطقة الضربة في اليوم التالي، وجدوا أكوام قتلى من النساء والأطفال، بينما نشرت منظمة حقوق الإنسان في الرقة صورًا للجثث ووصفتها بـ "مجزرة مروعة".

وذكرت "نيويورك تايمز"، أن الولايات المتحدة صورت الحرب الجوية ضد داعش بأنها "أكثر حملة قصف دقيقة وإنسانية في تاريخها، وقال الجيش إنه حقق في كل التقارير عن ضحايا مدنيين، ونُشرت النتائج، لكن ضربات الباغوز تحكي قصة مختلفة.

 

 أوامر بإطلاق النار

نقلت "نيويورك تايمز"، عن ضابط في "فرقة العمل 5" من مجموعة القوات الخاصة قوله، إنه نظر إلى لقطات الطائرة من دون طيار ولم ير أي مدنيين، غير أن الطائرة من دون طيار التي اعتمد عليها لم يكن لديها سوى كاميرا ذات دقة متوسطة، وقالت القيادة المركزية إنه لا توجد طائرات من دون طيار عالية الدقة في المنطقة، يمكنها الحصول على رؤية أفضل للهدف.

بالمقابل، ذكرت الصحيفة، أن ضابط القوات الخاصة أعطى الأمر بإطلاق النار، وقالت القيادة إنه مع عدم وجود صواريخ دقيقة، استدعى القائد البري قنابل تزن 500 و2000 رطل، وتم تصنيف الضربة بأنها "دفاع عن النفس".

وكشفت "نيويورك تايمز" أنه كانت هناك طائرة من دون طيار عالية الدقة، إلا أن "فرقة العمل 9" لم تستخدمها، وادعت القيادة المركزية أن "فرقة العمل" لم تكن تعلم أن الطائرة من دون طيار عالية الدقة كانت تحلّق في الجو.

وبحسب ما قاله الأشخاص، ظهر نحو ثلاثة رجال وليس 16، عبر الإطار، يتجولون بالقرب من الحشد، وبحوزتهم بنادق لكن لا يبدو أنهم يناورون أو يشتبكون مع قوات التحالف أو يتصرفون بطريقة تبرر ضربة للدفاع عن النفس بقنابل تزن 2000 رطل.

 

نهاية القتال

ونقلت "نيويورك تايمز" عن ديفيد يوبانك، الجندي السابق في القوات الخاصة بالجيش الأميركي، الذي يدير منظمة "Free Burma Rangers"  الإنسانية، قوله في مقابلة، بعد أن سار عبر المنطقة بعد وقوع الحادثة بنحو أسبوع: "المكان دُمّر بسبب الغارات الجوية... الأرض جُرفت، ورائحة الجثث النتنة تحتها، الكثير من الجثث."

صدر تقرير المفتش العام بشأن الخسائر المدنية في سوريا رسمياً هذا الربيع، لكن المكتب رفض الكشف عن نسخة عامة أو مناقشة النتائج السرية، مقرّاً بأنه لم يذكر ضربة الباغوز.

وقالت متحدثة باسم مكتب المفتش العام إنه من المتوقع الانتهاء من تقييم جديد، لالتزام قيادة العمليات الخاصة بقانون الحرب هذا الشهر، وسيشمل غارة الباغوز.

مثلت المعركة في الباغوز نهاية حملة قادتها الولايات المتحدة قرابة 5 سنوات لهزيمة تنظيم داعش في سوريا، وكانت انتصاراً للسياسة الخارجية للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.

وأشارت "نيويورك تايمز" في تقريرها، إلى أن معركة الباغوز مثلت نهاية حملة قادتها الولايات المتحدة لقرابة خمس سنوات لهزيمة تنظيم داعش في سوريا، وهو ما اعتبر حينها انتصارًا للسياسة الخارجية للرئيس السابق دونالد ترامب.

لافتة إلى أنه في ذروة سيطرة التنظيم عام 2014، الذي كان يحتل مناطق في سوريا والعراق، ضرب أسطول من طائرات التحالف والطائرات النفاثة والمروحيات الهجومية والقاذفات الثقيلة مواقع "داعش" بنحو 35 ألف غارة على مدى السنوات الخمس، ما مهد الطريق أمام الجماعات المسلحة الكردية والمحلية لاستعادة الأرض.

وأوضحت "نيويورك تايمز"، أنه نهاية القتال الطاحن، حصدت الضربات الجوية آخر مقاتلي "داعش" في قطعة أرض زراعية قرب نهر الفرات بالقرب من الباغوز، إذ أجبرت القوة الجوية للتحالف آلاف المقاتلين على الاستسلام.