فتاوى الدماء... باب داعش لإعلان دولته الجديدة من إفريقيا
أطلق ما يسمى قاضي التنظيم، المدعو يوسف بن شعيب، فتوى بتكفير أهل منطقة إقليم أزواد شمالي مالي، في حدث أباح من خلاله لقواته قتل سكان تلك المنطقة، وهو ما وجد آذانًا مصغية من قِبل تلك الذئاب المنفردة، التي شنت العديد من الهجمات الإرهابية.

السياق
فتاوى التكفير، كلمة السر وشارة الضوء الأخضر التي يطلقها تنظيم داعش الإرهابي لقواته، لـ«استباحة الدماء»، وإعادة تكتيك «الصدمة والرعب» الذي اتسمت به ولايته الأولى.
فالتنظيم الإرهابي، الذي يحاول -عبر ذئابه المنفردة- إعادة التموضع في البلدان التي اندثر حلمه فيها، يسعى إلى تثبيت أركان ولايته الثانية، انطلاقًا من إفريقيا، التي رأى في بعض بلدانها بيئة يقتات عليها، نظرًا للتوترات والاضطرابات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تمر بها.
أحد بلدان تلك المنطقة، التي وضعها تنظيم داعش الإرهابي هدفًا لانطلاقته «المشؤومة»، كان أحد أقاليم مالي، التي أصبحت على موعد مع فتوى جديدة لأحد قادة التنظيم، تبيح إراقة الدماء.
وأطلق ما يسمى قاضي التنظيم، المدعو يوسف بن شعيب، فتوى بتكفير أهل منطقة إقليم أزواد شمالي مالي، في حدث أباح من خلاله لقواته قتل سكان تلك المنطقة، وهو ما وجد آذانًا مصغية من قِبل تلك «الذئاب المنفردة»، التي شنت العديد من الهجمات الإرهابية.
وبحسب مراقبين، فإن هذه الفتوى لها دلالات عدة، ترتبط بالمكان وآلية الإعلان، وملامح إعادة ترتيب التنظيم داخليًا، مؤكدين أنها تمهد لعودة جديدة للتنظيم إلى تكتيك «الصدمة والرعب» الذي كان مصاحبًا لولايته الأولى عام 2014.
هيكلة أمنية
إلى ذلك، قال أحمد سلطان، الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية، في تصريحات لـ«السياق»، إن تنظيم داعش الإرهابي بدأ استراتيجية إعادة هيكلة ولاياته على الأرض، ما أسفر عن إنشاء أفرع جديدة له، أهمها ولايتا الساحل وموزمبيق.
وأوضح الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية، أن التنظيم فصل ولاية وسط إفريقيا، التي كانت تضم مناطق الكونغو وموزمبيق، وجعل كلًا منهما ولاية منفصلة، بينما باتت منطقة الساحل ولاية جديدة.
تلك الهيكلة أثارت تساؤلات المراقبين، إلا أن سلطان أجاب عنها بأن هذا التوجه ساعد «داعش» في تشكيل شبكات تنظيمية وقيادات فاعلة تتولى ما تسمى «الولاية».
استباحة الدماء
قال عنها سلطان إنها نتيجة مترتبة على أمور عدة: أن التنظيم يتبنى فكرًا «جهاديًا»، يرتكز على «التكفير»، ما يبيح له استحلال دماء وأموال المخالفين له، عبر عمليات ضدهم.
وعن أماكن تمركز داعش في إفريقيا، قال الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية، إن التنظيم ينشط في مالي وبوركينا فاسو وبعض بلدان القارة السمراء، متخذًا من منصاته الدعائية الرسمية وأذرعه بابًا لإعادة دولة «الخلافة» التي اختفت فى العراق وسوريا، ما ينذر بمزيد من الخطورة.
وأوضح أن تنظيم داعش نجح في إثبات قدراته بشكل كبير، وتنظيم شبكاته، مشيرًا إلى أنه يعتمد على أساليب براجماتية و«عنيفة» في القتال، مستغلًا ضعف الحكومات والأنظمة، ما ساعده في استنزاف جيوش الدول الإفريقية.
تهديدات حقيقية
وأكد الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية، أن التنظيم سيعود لكن في إفريقيا، وهو ما أشار إليه التحالف الدولي لقوات الأمن المشتركة، خلال اجتماعه الأخير في مراكش، قائلًا إن تهديد التنظيم «حقيقي وينبغي التصدي له».
ورغم توقعات عودة داعش من بوابة القارة السمراء، فإن الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية، قال إنه لا يتوقع أن يتدخل أو غيره لهزيمة التنظيم، الذي استطاع -رغم الحملات الأمنية الدولية والمحلية المستمرة- أن يتكيف، وأن يبقى، وأن يتمدد.
ويرى سلطان أن إجهاض «إرهاب داعش» يتطلب استراتيجية تتداخل فيها العسكرية والأمنية مع السياسية والاجتماعية، مؤكدًا أنه يجب إزالة المظالم المحلية وإنهاء الصراعات على الحدود، ومعالجة التغيرات المرتبطة بالبيئة والمناخ.
معاقل بديلة
من جانبه، قال الباحث في شؤون الحركات الإرهابية عمرو فاروق، في تصريحات لـ«السياق»، إن تنظيم داعش يستعد -خلال المرحلة الراهنة- لإعلان «دولته» في العمق الإفريقي، بعد سقوطها في سوريا والعراق، وفقًا لاسترايتجية المعاقل البديلة أو الممرات الآمنة.
وأوضح فاروق أن منطقتي الساحل والصحراء والقرن الإفريقي مهيأة لتوطين التنظيم، لأسباب عدة أبرزها: الطبيعة الجغرافية للدول الإفريقية، كالممرات الجبلية والدروب الصحراوية، التي تمثل ملاذات آمنة للتنظيم، إلى جانب قدرته على التدريب المسلح.
وأكد الباحث في شؤون الحركات الإرهابية، أن تنظيم داعش سعى إلى تنفيذ استراتيجية البقاء عن طريق ما يسمون «أطفال إفريقيا»، لمحاولة انتقائهم واستقطابهم لصفوفه، والاستفادة من الطبيعة الصلبة التي ينشأ فيها هؤلاء الأطفال، وسط المعارك والمليشيات المسلحة، وتشكيلهم بأدبيات التنظم الفكرية، ما يمثل نوعًا من التمركز طويل الأمد، لتكوين أجيال «داعشية» جديدة في العمق الإفريقي.
وأشار إلى أن الموارد الاقتصادية الضخمة، كانت مطمعًا لتنظيم داعش والعصابات «الإجرامية»، لأسباب عدة، بينها تعويض خسائره المادية في سوريا والعراق، وضرب الأهداف والمصالح الأمريكية والغربية داخل إفريقيا، وصناعة «بروباجندا إعلامية» توحي بأن التنظيم ما زال قويًا وقادرًا على التمركز في مناطق جغرافية وسياسية واسعة، ضد التحالفات الدولية العسكرية التي تسعى إلى القضاء عليه واستئصال جذوره.
بيئة مواتية
تلك البيئة استطاع تنظيم داعش من خلالها الاستفادة بقوة من المليشيات المسلحة المتركزة داخلها، مثل «بوكو حرام»، و«جماعة التوحيد والجهاد»، وجماعة أبو الوليد الصحراوي، وحركة الشباب الصومالية، وغيرها من الحركات المتطرفة، وإخضاعها لسلطته التنظيمية، بحسب الباحث في شؤون الحركات الإرهابية.
وأشار إلى أن «داعش» مدعوم من مجموعة دول راعية للإرهاب، تعمل على التغلغل في مناطق الساحل والصحراء الإفريقية، لبسط نفوذها عليها واستغلال خيراتها، لا سيما اليورانيوم، الذي تسيطر عليه إيران من مقديشو، وكذلك الذهب والألماس الخام، وآبار النفط والغاز الطبيعي، والموارد الطبيعية التي تنقل -بشكل مباشر- إلى كيانات وشركات تابعة لهذه الدول.
وأضاف أن تنظيم داعش سيطر على حركة وتجارة السلاح والمخدرات وخطف الرهائن، التي تنشط في هذه المناطق الجبلية والصحرواية، لبسط نفوذه على هذه العصابات، التي تمثل محطة مهمة في الإرهاب العالمي، وتستهدف المصالح الغربية في إفريقيا.
وأوضح فاروق أن العمليات الاٍرهابية زادت في العمق الإفريقي بأكثر من 1000% منذ عام 2007، لاسيما في منطقة الساحل والصحراء، نتيجة كثافة التنظيمات الاٍرهابية المنتشرة في هذه المناطق.