هل ينبغي للولايات المتحدة الدفاع عن تايوان أم التخلي عنها؟

يُعد التوغل الصيني الأخير للأجواء التايوانية، الأكبر من نوعه منذ يناير الماضي، ويأتي بعد أيام من تحذير الرئيس الأمريكي جو بايدن للصين من غزو تايوان، وفي اليوم نفسه الذي زار فيه مسؤول أمريكي تايبيه لبحث الوضع الأمني مع القادة هناك

هل ينبغي للولايات المتحدة الدفاع عن تايوان أم التخلي عنها؟

ترجمات - السياق

تساءلت مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، عن الدور الذي يجب أن تلعبه الولايات المتحدة في الأزمة التايوانية، في ظل التصعيد الصيني الأخير، بإرسال نحو 30 طائرة حربية إلى منطقة الدفاع الجوي الخاصة بها، مشيرة إلى أنه للقيام بهذا الدور يجب أولًا على واشنطن الحفاظ على تفوقها غربي المحيط الهادئ.

ويُعد التوغل الصيني الأخير للأجواء التايوانية، الأكبر من نوعه منذ يناير الماضي، ويأتي بعد أيام من تحذير الرئيس الأمريكي جو بايدن للصين من غزو تايوان، وفي اليوم نفسه الذي زار فيه مسؤول أمريكي تايبيه لبحث الوضع الأمني مع القادة هناك.

وزادت الصين وتيرة مهامها الجوية خلال الأشهر الأخيرة، بدعوى أنها تُجري تدريبات عسكرية.

ورأت المجلة -في تقرير- أن تعهد بايدن الأخير بالدفاع عن تايوان أثار جدلاً متجددًا، وذلك عندما سُئل عما إذا كان "على استعداد للتدخل عسكريًا للدفاع عن تايوان" خلال زيارته لآسيا في 23 مايو الماضي، فأجاب بنعم، مضيفًا: "هذا هو الالتزام الذي قطعناه على أنفسنا".

وأشارت إلى أن تصريحات الرئيس الأمريكي تتناقض مع مبدأ "الغموض الاستراتيجي"، الذي تتخذه الولايات المتحدة منذ عقود تجاه تايوان، والذي يتناقض -عن عمد- مع مدى التزام الولايات المتحدة بمساعدة تايوان.

وبينت أنه رغم أن البيت الأبيض ووزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، وبعد ذلك بايدن نفسه، نفوا أن البيان يعكس تغييرًا في سياسة الولايات المتحدة، فإنه من غير الواضح ما إذا كانت هذه (زلة أخرى من الرئيس)، أو بيانًا متعمدًا يهدف إلى تعزيز الردع ضد الصين، لاسيما بالنظر إلى أن هذه لم تكن المرة الأولى، التي يعرب فيها بايدن عن التزامه بالدفاع عن هذا البلد الآسيوي الصغير.

 

أسباب الغموض الأمريكي

ورأت "ناشيونال إنترست" أن غموض السياسة الأمريكية بشأن تايوان، يهدف إلى الحفاظ على الوضع الراهن، سواء من خلال كبح حماس تايوان لطلب الاستقلال، أم ردع الصين عن قرار الغزو.

وأشارت إلى أنه عندما طبعّت الولايات المتحدة العلاقات الدبلوماسية مع الصين عام 1979، تبنت سياسة الصين الواحدة، التي ترى أن تايوان جزء منها، ورغم ذلك حافظت على علاقة قوية مع تايبيه وإن كانت غير رسمية.

وأوضحت المجلة، أنه رغم امتناع واشنطن عن تقديم ضمان أمني صريح لتايوان، فإنها زودتها بالأسلحة لمساعدتها في الدفاع عن نفسها، بموجب قانون العلاقات مع تايوان لعام 1979.

ورأت أن سياسة "الغموض الاستراتيجي" قد لا تظل قابلة للتطبيق فترة طويلة جدًا، في ضوء التأكيد المتزايد لمطالب بكين تجاه تايوان، مشيرة إلى أنه كثيرًا ما كانت استعادة تايوان هدف بكين الرئيس، لكنها صعّدت ضغوطها على البلد الآسيوي الصغير منذ انتخاب تساي إنغ وين، الزعيمة المؤيدة للاستقلال من الحزب الديمقراطي التقدمي، عام 2016، من خلال زيادة وتيرة التدريبات العسكرية بالقرب من تايوان.

وبينت المجلة أنه رغم أن بكين تفضل إعادة التوحيد السلمي، فإنها لم تتخل عن استخدام القوة، مستشهدة بما قاله الرئيس الصيني شي جين بينغ: "الصين تحتفظ بخيار اتخاذ الوسائل الضرورية لإعادة التوحيد مع تايوان".

 

توقعات الضم

ونقلت "ناشيونال إنترست" عن محللين ومراقبين تصورهم بأن الصين ستسعى -على الأرجح- لإعادة التوحيد مع تايوان عام 2049 -الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية- على أبعد تقدير، بينما يحذر آخرون من أن ذلك قد يحدث في وقت مبكر من عام 2027، بناءً على التاريخ المستهدف الذي تأمل بكين بحلوله القدرة على مواجهة التدخل الأمريكي غربي المحيط الهادئ.

وحسب المجلة، يختلف الخبراء على ما إذا كان على الولايات المتحدة الدفاع عن تايوان، مشيرة إلى أن الرأي العام الأمريكي منقسم في هذه القضية، إذ إنه وفقًا لمسح أجراه مجلس شيكاغو عام 2021، أيد 52 في المئة من المستطلعين استخدام القوات الأمريكية للدفاع عن تايوان، رغم أن ذلك يمثل زيادة كبيرة عن عام 2020 عندما أيد 40 في المئة فقط هذا الاقتراح.

وتتساءل المجلة: هل تايوان مسألة حيوية تستحق التدخل للدفاع عنها عسكريًا، أم مجرد (مصلحة هامشية فقط)؟، وما مدى أهميتها بالنسبة لواشنطن؟... وتجيب "ناشيونال إنترست" بأن آراء الخبراء لا تتوافق في ذلك، مشيرة إلى أن البعض يجادل بأن تايوان في حد ذاتها ليست مصلحة حيوية للولايات المتحدة، لكن غزو الصين لها سيكون "انتهاكًا كبيرًا للمعايير الدولية ليصبح مصلحة أمريكية حيوية".

بينما يرى آخرون أن الدفاع عن تايوان له أهمية اقتصادية نظرًا لأهميتها في سلاسل التوريد العالمية، خصوصًا في صناعة أشباه الموصلات، حيث تمثل تايوان 92 بالمئة من الإنتاج العالمي للرقائق الدقيقة التي تقل عن 10 نانومتر، بينما هناك فريق ثالث لا يرى أي قيمة استراتيجية لتايوان.

وتعليقًا على ذلك، ترى المجلة الأمريكية، أن تايوان مهمة للغاية لاستمرار تفوق الولايات المتحدة غربي المحيط الهادئ، مشيرة إلى أنه إذا سقطت تايوان، ستتساقط أسبقية الولايات المتحدة غربي المحيط الهادئ، وذلك بدوره سيقلل من مكانة الولايات المتحدة عالميًا.

 

نقطة اشتعال

وبينت "ناشيونال إنترست" أن احتلال تايوان سيزيد قوة الصين غربي المحيط الهادئ، وسيسمح لها باختراق ما تسمى "سلسلة الجزر الأولى" التي تمر عبر جزر الكوريل واليابان وأوكيناوا وتايوان والفلبين.

وأوضحت أن الولايات المتحدة  تسعى لتحصين سلسلة هذه الجزر، مشيرة إلى أن تايوان تقع وسطها، وتشكل مع قناتي باشي- جنوب الجزيرة- ومياكو في الشمال، نقاط اختناق للصين.

وأشارت إلى أنه مع وجود تايوان تحت سيطرة بكين، يمكن أن تكون هذه القنوات مداخل إلى المحيط الهادئ، مشددة على أن ذلك هو السبب في أن تايوان من المحتمل أن تكون نقطة اشتعال، إذا نشب صراع بين الولايات المتحدة والصين.

إضافة إلى ذلك -حسب المجلة- فإن إعادة التوحيد مع تايوان من شأنه أن يساعد الصين في إنشاء مجال نفوذ بآسيا، لافتة إلى أنه إذا فشلت واشنطن في الدفاع عن تايوان، فإن مصداقية الولايات المتحدة -كحليف موثوق به- سوف تتبخر، ما يترك بلدان المنطقة بلا خيار سوى الوقوف إلى جانب الصين.

أيضًا -حسب المجلة الأمريكية- يرى بعض الخبراء أن الحفاظ على تفوق الولايات المتحدة مصلحة حيوية، لإيقاف أي محاولة صينية للهيمنة على العالم، بينما يرى آخرون أنه من الحكمة التخلي عن السيادة الأمريكية غربي المحيط الهادئ، لأن الحفاظ عليها محفوف بالمخاطر.

كما حذر الخبراء -حسب المجلة- من أن الدفاع عن تايوان أمام أي عدوان صيني محتمل، قد يؤدي إلى خسائر بشرية ضخمة في صفوف الأمريكيين، في ضوء القوة العسكرية المتزايدة للصين، والأسوأ من ذلك، أن صدامًا عسكريًا بين الدولتين النوويتين يمكن أن يتصاعد إلى كارثة نووية.