عدم الثقة والاستسلام الغامض.. هكذا سقطت كابل في يدي طالبان

مع تقدُّم طالبان، ظل أشرف غني في البداية منعزلاً، لكن تغير ذلك، عندما سافر إلى مزار الشريف، عاصمة المقاطعة الشمالية، لحشد أمراء الحرب، الذين كان يحتقرهم للدفاع عن المدينة، حيث التقى دوستم.

عدم الثقة والاستسلام الغامض.. هكذا سقطت كابل في يدي طالبان

ترجمات – السياق

كشف تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية، تفاصيل الساعات الأخيرة لانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، وسقوط العاصمة كابل بيد مسلحي طالبان، مشيرًا إلى أن تغيير الموعد النهائي للانسحاب، أربك حسابات القوات الأفغانية، ومنح طالبان فرصة أكبر للسيطرة على العاصمة، ومطار كابل، وقاعدة باغرام.

وذكر التقرير أن الجنود الأمريكيين، تسللوا من مطار باغرام في جوف ليلة 1 يوليو، وعند مغادرتهم، قطعوا الكهرباء عن القاعدة العسكرية المحصَّنة، التي كانت قلب حرب أمريكا، ضد طالبان وحلفائها من القاعدة طوال عقدين.

وأضاف التقرير: "لم تكن القاعدة الجوية، التي تركها الأمريكيون في الظلام فحسب، بل تركوا القوات الأفغانية أيضًا، إذ كانت واشنطن مصمِّمة على سحب جميع الجنود الأمريكيين من أفغانستان، بحلول 11 سبتمبر، الذكرى السنوية للهجمات التي قادتها القاعدة على الولايات المتحدة، والتي أدت إلى غزو الدولة غير الساحلية، الواقعة وسط آسيا عام 2001.

وكان من المقرَّر الاستيلاء على قاعدة باغرام من قِبَلِ القوات المسلَّحة، تحت قيادة الرئيس أشرف غني.

لكن بسبب عدم الثقة في نظرائهم الأفغان، اختار القادة العسكريون الأمريكيون، عدم الكشف عن الوقت المحدَّد لمغادرتهم.

وأكد جون كيربي، المتحدِّث باسم البنتاغون: "لأسباب أمنية عملياتية، لم نعلن بالتحديد الساعة التي ستغادر فيها القوات الأمريكية باغرام".

 

الإحساس بالتخلي

وقال التقرير: "عندما اكتشف القائد الأفغاني، أن القوات الأمريكية غادرت قبل ساعات، كانت باغرام قد تعرَّضت للنهب، فبينما كانت القوات البرية الأفغانية قلقة من العمل، من دون غطاء جوي أمريكي وقائي واستخباراتي، عزَّز هجر باغرام الإحساس بالتخلي الذي ينمو داخل إدارة غني منذ فبراير 2020، عندما أبرم الرئيس السابق دونالد ترامب آنذاك اتفاقًا مع طالبان، لانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان".

وقال مايك مارتن، وهو ضابط بريطاني سابق، خدم في أفغانستان ومؤلف كتاب "الحرب الحميمة" عن الصراع في أفغانستان: إن اتفاق فبراير 2020 كان صفقة خروج وليس اتفاق سلام، وقد دمَّرت الطريقة المتسرِّعة التي أجريت بها، الأمن النفسي المتبقي الذي شعرت به القوات الأفغانية، من شراكتها التي استمرت 20 عامًا مع القوات الأمريكية.

وأضاف في تصريح لـ "الفايننشال تايمز": "تجسد ذلك بمغادرة باغرام منتصف الليل، من دون إخبار الأفغان، ما منح طالبان رسالة دعائية مثالية".

ففي أسابيع، استسلمت معظم وحدات الجيش الأفغاني، المدربة والمجهزة من الولايات المتحدة، مع القليل من المقاومة، ما سمح لطالبان بالاستيلاء على كابل، في هجوم أذهلت سرعته واشنطن وحلفاء الناتو والجماعة الإسلامية نفسها.

 

جرس إنذار

العام الماضي، وسَّعت حركة طالبان نفوذها على المناطق الريفية ذات الكثافة السكانية المنخفضة في أفغانستان، حيث نقلت الأشخاص والمعدات، كما استخدمت التخويف، من خلال القتل المستهدف لشخصيات المجتمع المدني، والتهديدات على وسائل التواصل الاجتماعي، لكنها أيضًا استخدمت الدبلوماسية لعقد صفقات مع زعماء القبائل، تحسباً لانسحاب الولايات المتحدة، بحسب التقرير.

وأواخر يوليو الماضي، قدَّر المسؤولون الأمريكيون، أن طالبان سيطرت على نِصف المناطق الريفية في أفغانستان، البالغ عددها 420، بعد أن كانت خمسًا في يونيو، وبحلول ذلك الوقت، كانت المجموعة -العازمة على إقامة إمارة إسلامية متطرفة في أفغانستان- قد وضعت أنظارها على المدن، وكلها تحت سيطرة الحكومة.

وذكر التقرير أن القوات الخاصة الأفغانية المدربة في الغرب، نجحت في التصدي لهجمات عدة لطالبان الشهر الماضي، على ثلاث مدن رئيسة، قندهار ولاشكر جاه في الجنوب، وهيرات في الغرب.

لكن في 6 أغسطس الجاري، استولت طالبان على زرانج، عاصمة إقليم نمروز الجنوبي الغربي، من دون مقاومة تذكر، إذ فرت القوات الأفغانية والمسؤولون الأفغان إلى إيران المجاورة، وهو ما كان بداية جرس إنذار لواشنطن، التي لم تكن تتوقَّع أن تشن طالبان -على الفور- هجمات مباشرة على المدن.

في اليوم التالي، استولت طالبان على العاصمة الإقليمية الثانية، شيبرغان، المعقل الشمالي لعبدالرشيد دوستم، أمير الحرب الأوزبكي البالغ من العمر 67 عامًا، الذي عاد إلى أفغانستان، قبل أيام من إقامته في تركيا لتلقي العلاج.

في مقاطع الفيديو، التي تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي، ظهر مقاتلو طالبان في قمة السعادة داخل قصر دوستم الفخم، بأثاثه المطلي بالذهب، وأضواء الديسكو المبهرة باللونين الأحمر والأزرق.

وفي يومين، سيطرت طالبان على خمس من عواصم المقاطعات الأفغانية البالغ عددها 34، أربع منها في الشمال -تاريخيًا معقل مقاومة أمراء الحرب لحكم طالبان- كما فرضت حصارًا على قندهار وهرات، ثاني وثالث أكبر مدن أفغانستان، ما دفع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، إلى مطالبة مواطنيهما بمغادرة البلاد على الفور.

وفي واشنطن، أشار الرئيس جو بايدن، إلى أن الولايات المتحدة أنفقت تريليون دولار في أفغانستان، بما في ذلك تدريب القوات المسلَّحة وتجهيزها، وأضاف: "عليهم أن يقاتلوا"، في إشارة إلى القوات الأفغانية، التي بدأت الانهيار السريع.

 

غني يبتلع كبرياءه

وسلَّط تقرير "فايننشال تايمز"، الضوء على مواقف الرئيس الأفغاني الفار أشرف غني، فذكر أن غني، وهو مسؤول سابق بالبنك الدولي ومؤلف كتاب عن إصلاح الدول الفاشلة، انتخب رئيسًا لأفغانستان عام 2014، لكن جاء انتخابه في الوقت الذي قررت فيه الولايات المتحدة الانسحاب، ما جعله معزولًا هو وحكومته عن العالم.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أجانب قولهم: إن غني -الذي طالبت طالبان باستقالته كشرط لإجراء محادثات مع كابل- كان في حالة صدمة، لأنه كان مقتنعاً بأن بايدن سيتخلى عن خطط انسحاب سلفه.

ومع تقدُّم طالبان، ظل غني في البداية منعزلاً، لكن تغير ذلك الأربعاء الماضي، عندما سافر إلى مزار الشريف، عاصمة المقاطعة الشمالية، لحشد أمراء الحرب، الذين كان يحتقرهم للدفاع عن المدينة، حيث التقى دوستم.

وعن ذلك يقول أحمد رشيد، مؤلف كتب عدة عن آسيا الوسطى: "كان عليه (أي غني) أن يبتلع كبرياءه ويتعامل معهم، لأن أمراء الحرب هم الوحيدون الذين يستطيعون المقاومة ومواجهة طالبان".

وكشف التقرير أن المحادثات بين غني ودستم والرجل القوي المحلي عطا محمد نور، حاكم ولاية بلخ، طغى عليها قرار الاستسلام الجماعي، الذي حدث في اليوم نفسه لمئات الجنود الأفغان في قندوز القريبة، وبحلول الوقت الذي عاد فيه غني إلى كابل، كانت طالبان تسيطر على تسع من عواصم البلاد الإقليمية البالغ عددها 34.

 

واشنطن تستنكر

في واشنطن، التقى بايدن مستشاريه للأمن القومي، لمناقشة تدهور الوضع الأمني في أفغانستان، بينما كان البنتاغون يجري تدريبات على الإخلاء منذ أشهر، ونفَّذ تدريبات لإجلاء المواطنين الأمريكيين من كابل قبل 10 أيام.

لكن الخميس الماضي فقط، مع سقوط عاصمة المقاطعة الثانية عشرة، أمر بايدن بتنفيذ خطة إخلاء السفارة التي تنطوي على نشر 3000 جندي، وأرسل السبت ألف جندي.

مساء ذلك اليوم، حاولت أديلا راز، سفيرة أفغانستان لدى الولايات المتحدة، تنبيه كبار مسؤولي إدارة بايدن وغيرهم من كبار الديمقراطيين في الكونجرس، لأهمية زيادة الدعم الأمريكي بشكل عاجل للقوات المسلحة الأفغانية.

وقال مسؤول في السفارة الأفغانية: "لقد أمضت راز ليلة الجمعة بأكملها وهي تحاول التحدُّث إلى الجميع، لكنها لم تستطع لفت انتباه المسؤولين، ورغم أن بعض قادة الكونجرس أعربوا عن تعاطفهم، فإن دعوات راز للعمل لم تلق آذانًا مصغية".

واعترف مسؤول دفاعي أمريكي، بأن خطة الإجلاء "بدت عشوائية"، وأضاف: لقد عُرضت حالات طارئة لسيناريوهات مختلفة، لكنها كانت مدعومة في البداية، بافتراض وجود بيئة "متساهلة" لعمليات الإجلاء، أي أن الإدارة الأمريكية لم تكن تتصور أن كابل ستتعرَّض لأي تهديد من طالبان، في المستقبل القريب.

 

استسلام أمير حرب مخضرم

بالقرب من الحدود الإيرانية، استأنف أمير الحرب المخضرم محمد إسماعيل خان، القتال ضد العدو القديم لأسابيع، لكن كان عليه وميليشياته الدفاع عن هرات، مسقط رأسه ومهد التقاليد الصوفية في أفغانستان.

وأشار التقرير، إلى أن قوات خان توسعت بانضمام العديد من الجنود الأفغان الساخطين، وغير الراضين عن عدم فعالية الجيش، والفشل المزعوم في دفع رواتبهم.

لكن بحلول يوم الجمعة كانت المفاجأة، إذ شوهد أمير الحرب البالغ من العمر 70 عامًا وهو يلقي ذراعيه وكان يلتقط صوراً على أريكة فخمة مع أعضاء المنظمة الإسلامية نفسها، التي حاربها كجزء من التحالف الشمالي في تسعينيات القرن الماضي، في ما بدا في الصورة وقد لف أحدهم ذراعه حول كتفيه.

وقال بلال سرواري، الصحفي الأفغاني المقيم في كابل، في تغريدة على "تويتر": "إن ما يحدث ديناميكيات محلية معقَّدة للغاية، يصعب على أي شخص فهمها".

مزار الشريف أيضًا سقطت صباح السبت، ما أدى إلى إرسال دوستم ونور إلى أوزبكستان المجاورة، ولمح نور إلى أن الهجوم الخاطف لطالبان، تم تسهيله بمؤامرة، وقال في تغريدة من ملجئه: "رغم مقاومتنا الشديدة، تم تسليم جميع معدات الحكومة وقوات الأمن إلى طالبان، نتيجة مؤامرة كبيرة منظمة وجبانة"، وأضاف: "لديّ الكثير من القصص غير المروية، التي سأشاركها في الوقت المناسب."

بعد ظهر ذلك اليوم، انخفضت قيمة العملة الوطنية الأفغانية 20 في المائة مقابل الدولار الأمريكي، وبينما كان المسؤولون الحكوميون في الرحلات الجوية التجارية خارج البلاد، أصدر غني في وقت متأخر رسالة موجزة مسجَّلة على شاشة التلفزيون، متعهداً "بإعادة تعبئة القوات المسلحة".

 

طالبان على الأبواب

صباح الأحد، حاصر مقاتلو طالبان كابل، ونقلت طائرات هليكوبتر مسؤولي السفارة الأمريكية إلى المطار، وصدرت أوامر لألف جندي أمريكي بتأمين المطار، والمساعدة في الإجلاء، بعد اختفاء القوات الأفغانية، بينما حذَّر بايدن من أن أي هجوم على الأمريكيين سيواجه "برد عسكري سريع وقوي".

في الوقت ذاته، وفي العاصمة القطرية الدوحة، التقى القائد الأمريكي الجنرال فرانك ماكنزي قادة طالبان، للاتفاق على ترتيب تفادي المواجهات، خلال عملية الإجلاء الأمريكية في كابل، وتم الاتفاق على أن طالبان لن تعرقل جهود الإجلاء الأمريكية في المطار، لكنها ستتمكن من دخول القصر الرئاسي.

في السابعة مساءً، علم الأفغان أن غني قد فر، فتدفق متشدِّدون إسلاميون على كابل، واستولوا على مراكز الشرطة المهجورة، حتى أنهم قاموا بجولة في القصر الرئاسي.

وخلال عطلة نهاية الأسبوع، طارت 22 طائرة عسكرية أفغانية و24 طائرة هليكوبتر أفغانية تحمل 585 جنديًا أفغانيًا إلى أوزبكستان، بينما هبطت بعض الطائرات، التي كان فيها ما لا يقل عن 100 جندي أفغاني، في بختار بطاجيكستان.

يوم الاثنين، استيقظت كابل على احتلال طالبان، وفي المطار، حدث الهرج والمرج عندما اجتاحت حشود من الأفغان اليائسين والخائفين على حياتهم من طالبان، المدرج وحاولوا شق طريقهم إلى الطائرات التي كانت تحلِّق، أملا في الهروب من حكم المتشدِّدين.

تشبَّث البعض من الذين بقوا في الخلف، بمعدات هبوط طائرة عسكرية أمريكية، لكنهم سقطوا بعد وقت قصير من إقلاعها، بينما عثر سلاح الجو على رفات بشرية في قاعدة العجلات بعد هبوطها.

في هذه الأثناء، في العاصمة، التي امتلأت ساحاتها بالعائلات الهاربة من طالبان، تحدَّث الجميع عن نظريات المؤامرة.

وقال أجمل أحمدي، محافظ البنك المركزي الأفغاني، الذي تلقى تعليمه في جامعة هارفارد، في تغريدة، بعد نفيه: "كانت هناك شائعات بأن الاتجاهات بعدم القتال، كانت تأتي بطريقة ما من أعلى"، وأضاف: "يبدو من الصعب تصديق ذلك، لكن لا يزال هناك شك في سبب ترك قوات الأمن الوطني الأفغانية مناصبها بهذه السرعة... هناك شيء غير مبرَّر".