غارديان: مصير العراق تحدده النجف أو قُم في إيران

جاء اعتزال الصدر، بعد فتوى من المرجع الديني المقيم في إيران، كاظم الحائري، الذي دعا أنصار الصدر إلى الامتثال لمرجعية المرشد الإيراني، علي خامنئي.

غارديان: مصير العراق تحدده النجف أو قُم في إيران

ترجمات – السياق

الفوضى تضرب العراق، بعد إعلان الزعيم الشيعي مقتدى الصدر اعتزاله السياسة، وأسابيع من الاحتجاجات والاعتصامات ودعوات النفير العام، وسقوط قتلى وجرحى في مظاهرات عنيفة.

إلى ذلك رأت صحيفة غارديان البريطانية، أن مصير العراق لن يتحدد في عاصمة ذات سيادة، لكن في أحد المركزين الروحانيين للشيعة (النجف في العراق وقم في إيران).

وجاء اعتزال الصدر، بعد فتوى من المرجع الديني المقيم في إيران، كاظم الحائري، الذي دعا أنصار الصدر إلى "الامتثال" لمرجعية المرشد الإيراني، علي خامنئي.

وبعد نحو ساعة من قرار الصدر، اقتحم الآلاف من أنصاره القصر الجمهوري في المنطقة الخضراء، ما دفع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، إلى تعليق الاجتماع الأسبوعي لحكومته التي تتخذ من القصر مقرًا لها.

وقالت مصادر ميدانية، إن مجموعات أخرى من المحتجين تخطط للتحرك نحو المربع الرئاسي، الذي يضم رئاسة الجمهورية في قصر السلام، ومقر "تيار الحكمة" الذي يتزعمه عمار الحكيم، بينما قال بعض الناشطين إن شبكة الإعلام العراقي ضمن أهداف الحراك الاحتجاجي للصدريين.

أعمال عنف دامية

وحسب "غارديان" شهدت العراق أعمال عنف دامية، بعد أن أعلن رجل الدين البارز مقتدى الصدر اعتزاله السياسة.

وحسب الصحيفة، تحولت التوترات السياسية، التي استمرت أشهرًا بسبب المحاولات المتوقفة لتشكيل حكومة في العراق، إلى أعمال عنف، حيث قُتل عشرات الأشخاص وأصيب المئات في اشتباكات بين الميليشيات في المنطقة الخضراء ببغداد، على أثرها فُرض حظر تجول على مستوى البلاد.

جاء إطلاق النار بعد إعلان رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر أنه سيترك السياسة وقرار سابق لمعلمه الروحي بالتقاعد ومحاولة إقناع الصدر بنقل ولائه إلى إيران.

أمام ذلك، اخترق أنصار الصدر، الذين كانوا يعتصمون منذ أسابيع أمام البرلمان في المنطقة الخضراء، مدخل القصر الجمهوري، حيث تُعقد اجتماعات مجلس الوزراء عادةً.

بحلول ليل الاثنين 29 أغسطس، انتشرت القوات الموالية للصدر في جميع أنحاء بغداد، حيث كان الكثيرون يخربون ملصقات القادة الشيعة المدعومين من إيران، بمن في ذلك الجنرال الإيراني قاسم سليماني، الذي قُتل في غارة أمريكية بطائرة مُسيرة عام 2020.

وسقطت سبع قذائف على الأقل في المنطقة الخضراء ليل الاثنين، بحسب مصدر أمني نقلت عنه وكالة فرانس برس، ولم يتضح على الفور من يقف وراء القصف الذي أعقبه إطلاق نار آلي في المنطقة شديدة التحصين.

أزمة سياسية

حسب "غارديان" ألقت التطورات بظلالها على العراق، حيث تفاقمت الأزمة السياسية والصراع المرير على النفوذ بين المصالح المدعومة من إيران والأحزاب الرافضة لنفوذ طهران على مدى الأشهر العشرة الماضية.

بينما أضافت استقالة كاظم الحائري، على وجه الخصوص، ديناميكية جديدة إلى الوضع المعقد، ما دفع بعض المراقبين إلى الادعاء بأن مصير العراق لن يتحدد في عاصمة ذات سيادة، لكن في أحد المركزين الروحانيين للإسلام الشيعي: (النجف في العراق وقم في إيران).

وبدا شبح انجرار أقوى الميليشيات في البلاد إلى مواجهة أوسع الخيار الأرجح، مع اندلاع اشتباكات متفرقة بالقرب من البرلمان العراقي، بين الميليشيات المدعومة من إيران والقوات الموالية للصدر، التي يمكنها قيادة ولاء ما يصل إلى 7 ملايين شيعي عراقي.

خطورة الموقف استدعت تدخلًا أمميًا، ودعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش –الاثنين- إلى "ضبط النفس" في العراق وطلب من جميع الأطراف "اتخاذ خطوات فورية لتهدئة الوضع"، وفقًا للمتحدث باسمه، مع انزلاق المنطقة الخضراء في بغداد إلى الفوضى.

اقتحام القصر

وروت "غارديان" الكيفية التي جرى بها اقتحام القصر الرئاسي، قائلة: "داخل القصر الفخم، استلقى المتظاهرون على كراسي بذراعين في غرفة اجتماعات، وبينما كان البعض يلوحون بالأعلام العراقية ويلتقطون صورًا لأنفسهم، دخل آخرون مسبح الحديقة".

كما اندلعت الاحتجاجات في المحافظات الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية، حيث أحرق أنصار الصدر الإطارات وقطعوا الطرق في محافظة البصرة الغنية بالنفط، وتظاهر المئات خارج مبنى المحافظة في ميسان.

من جانبه، فرض رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي حظر تجول في معظم البلدات والمدن باستثناء الشمال الكردي من الساعة 7:30 مساءً.

وفي يوليو الماضي، -حسب الغارديان- أرسل الصدر أتباعه للسيطرة على البرلمان، بينما دعا إلى تغييرات شاملة في النظام السياسي، الذي قسَّم العراق إلى إقطاعيات طائفية.

وحسب الصحيفة البريطانية، كان الصدر أحد المستفيدين الرئيسين من نظام ما بعد عام 2003، الذي تم تكريسه في ظل الاحتلال الأمريكي للعراق، واستخدمه لتعزيز سلطته على أتباعه والتأثير في الحياة السياسية.

كما أنه حوَّل شعبيته إلى نجاح انتخابي، حيث فاز بأكبر عدد من المقاعد، بالاستحقاقات التي أجريت في أكتوبر الماضي، لكنه أمر أعضاءه في ما بعد بالاستقالة، احتجاجًا على محاولات فاشلة لتشكيل الحكومة.

وأشارت الصحيفة إلى أنه رغم صداقته مع إيران طوال العقدين الماضيين منذ إطاحة صدام حسين، فإن الصدر كان يتنافس -بشكل متزايد- على نفوذ الجار الشرقي للبلاد.

حرب أهلية شيعية

وطالما كان رجل الدين العراقي يذعن للحائري في القضايا الروحية وحتى السياسية، ومع ذلك، بدا أن الحائري يتحدى بشكل مباشر حق الصدر في التصرف كخليفة لوالده الراحل محمد صادق الصدر، وهي ضربة خطيرة لشرعية رجل الدين البالغ من العمر 46 عامًا.

ووجَّه الحائري (83 عامًا) في بيان اعتزاله المرجعية، رسالة شديدة اللهجة للصدر قائلًا: "على أبناء الشهيدين الصدرين (يقصد محمد باقر الصدر ومحمد صادق الصدر) أن يعرفوا أنّ حبّ الشهيدين لا يكفي ما لم يقترن الإيمان بنهجهما بالعمل الصالح والاتباع الحقيقيّ لأهدافهما التي ضحّيا بنفسيهما من أجلها، ولا يكفي مجرّد الادعاء أو الانتساب، ومن يسعى لتفريق أبناء الشعب والمذهب باسم الشهيدين الصدرين، أو يتصدّى للقيادة باسمهما وهو فاقد الاجتهاد أو لباقي شروط القيادة الشرعيّة فهو -في الحقيقة- ليس صدريّاً مهما ادعى أو انتسب".

وأثار البيان -حسب "غارديان"- صدمة في أنحاء العراق، التي كانت تستعد لاشتعال النيران بين الجماعات الشيعية، حتى أن البعض حذروا من نشوب حرب أهلية شيعية.

عقب البيان بساعات، أصدر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي يعتصم المئات من أنصاره منذ نحو شهر داخل المنطقة الخضراء، وسط بغداد للمطالبة بحل البرلمان والتوجه نحو انتخابات جديدة، بياناً شديد اللهجة أعلن فيه اعتزاله العمل السياسي بشكل نهائي، وإغلاق المؤسسات المرتبطة بالتيار.

ونقلت "غارديان" عن انتفاض قنبر، وهو مسؤول عراقي كبير سابق، قوله: استقالة الحائري وتحدي الصدر يمثلان لحظة فارقة في تاريخ العراق ما بعد صدام.

وأضاف: "قبل وفاة والد مقتدى، طلب من الصدريين اتباع الحائري كزعيم ديني نهائي لهم، لذا فإن ما حدث اليوم يُعد انقلابًا لحرمان نفسه وحرمان مقتدى من زعامة التيار الصدري"، متابعًا: "وراء الأمر صفقة كبيرة جدًا".

وحسب الصحيفة البريطانية، يخشى بعض المراقبين أن تختبر الاشتباكات التي طال أمدها ولاء الجيش العراقي الذي يضم أعدادًا كبيرة من أتباع الصدر في صفوفه.

وتعليقًا على ذلك، قال حسام البدر، الموالي للصدر، شرقي بغداد: "سيتبع إخواننا في الجيش الأوامر إذا طلب منهم الصدر ذلك"، مضيفًا: "في الوقت الحالي ، كلنا ننتظر التعليمات".