لماذا يتعامل أردوغان فجأة مع أعدائه بلطف؟

خلال معظم العقد الماضي، نصَّبت تركيا نفسها كقوة إقليمية مهيمنة، وأنشأت قواعد عسكرية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، واستعرضت عضلاتها في البحر المتوسط​​، ونشرت قوات في ليبيا وسوريا والعراق.

لماذا يتعامل أردوغان فجأة مع أعدائه بلطف؟
رجب طيب أردوغان

ترجمات – السياق

تساءلت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، عن الأسباب التي جعلت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (يُغير تعامله فجأة) مع أعدائه، مشيرة إلى أنه رغم سجله الكبير -كرجل قوي لا يرحم وحاد الطبع- فإنه بدأ يظهر بصورة أخرى مؤخرًا.

وبينت في تحليل للكاتبة أسلي أيدينتاشباش -الزميلة بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية- أنه خلال معظم العقد الماضي، نصَّبت تركيا نفسها كقوة إقليمية مهيمنة، وأنشأت قواعد عسكرية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، واستعرضت عضلاتها في البحر المتوسط​​، ونشرت قوات في ليبيا وسوريا والعراق.

وأشارت إلى أن جهود أردوغان التصحيحية سارت جنبًا إلى جنب مع خطة نشر التأثير التركي في الأراضي العثمانية السابقة وإعادة تشكيل المنطقة وفق الصورة التركية.

وشمل ذلك –بالتعاون مع حليفتها قطر– مساعدة الحركات الإسلامية المتشابهة في التفكير على اكتساب القوة في جميع أنحاء المنطقة.

وأوضحت الصحيفة، أن ما سمته "التنازع الأيديولوجي" لهاتين القوتين مع الملكيات العربية الأخرى في منطقة الخليج، كان عاملًا رئيسًا في تشكيل الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية، حيث شملت النزاعات في ليبيا والبحر المتوسط وسوريا، وجرَّت حتى دولًا أوروبية مثل اليونان وفرنسا إلى ساحات النزاع.

 

تغير الموقف

وحسب "واشنطن بوست" فقد تغير كل ذلك على ما يبدو، إذ بدأت دول الشرق الأوسط النظر في شؤونها الداخلية، والبحث عن طرق لتخفيف التوتر في ما بينها.

وبينت أن سبب هذه الاصطفافات الجديدة الحرب في أوكرانيا، وعودة التنافس بين القوى العظمى، وتراجع اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة.

وأشارت إلى أن تركيا ليست استثناءً، إذ إنها "على مدى العام الماضي أرسلت وفودًا عدة إلى عواصم المنطقة، تحمل معها عروض التطبيع مع أعدائها السابقين".

ففي الأسبوع الماضي -حسب الصحيفة- أعلنت تركيا وإسرائيل تعيين سفراء، بعد عقد أو يزيد من العلاقات المضطربة.

وفي فبراير، سافر أردوغان إلى أبوظبي والتقى ولي عهد دولة الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد آل نهيان، رغم تصوير الصحافة التركية، الزعيم الإماراتي بالعدو اللدود لتركيا، واتهمته بدعم محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016.

وفي مارس، سحب الأتراك قضية قتل جمال خاشقجي تحت البساط، ما سمح لأردوغان بزيارة الرياض وعِناق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

بينما أرسلت أنقرة وفدًا إلى مصر لإصلاح الضرر في العلاقات النابع من دعم تركيا لجماعة الإخوان ودورها في ليبيا.

أمام هذا التحول، قالت الصحيفة الأمريكية: "لأردوغان، بالطبع، أسبابه الشخصية لرغبته في تكوين صداقات مع أنظمة كان يأمل الهيمنة عليها ذات يوم".

إلا أن الصحيفة، أرجعت هذا التحول إلى حالة الضعف التي ظهر عليها أردوغان مؤخرًا -قبيل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل- قائلة: "قبل انتخابات 2023، يبدو الزعيم التركي ضعيفًا ويواجه معارضة موحدة واقتصادًا مترنحًا وشعبية متراجعة، بينما أصبحت الخزينة التركية خالية تقريبًا، والليرة التركية تفقد قيمتها باستمرار، ووصل معدل التضخم إلى 80%"، مشددة على أنه رغم سيطرته الشديدة على البلد، فإن حظوظ إعادة انتخابه "غير مؤكدة".

 

صداقات مع الأعداء

وأمام ذلك كله، يأمل الرئيس التركي أن يجلب تكوين صداقات مع أعداء سابقين، خصوصًا مع دول الخليج، المال الذي يحتاجه ليستطيع عبور المرحلة الحالية حتى الانتخابات، وتجنب الإفلاس الذي يلوح بالأفق وأزمة دفع الديون.

ورأت "واشنطن بوست" أن أكبر تحول في السياسة التركية، الإشارات التي صدرت من أنقرة عن استعدادها لبدء الحديث مع الرئيس السوري بشار الأسد، بعد سنوات من محاولة إطاحته ودعم أعدائه، خصوصًا جماعات المعارضة المسلحة شمالي البلاد.

لكن -حسب الصحيفة- إصلاح العلاقات مع دمشق ليس مرتبطًا بالوضع المالي، وإنما الأمر كله يتعلق بإرضاء الناخبين الأتراك الغاضبين من وجود ملايين اللاجئين في بلادهم.

وأشارت إلى أنه طالما طالبت المعارضة التركية بتطبيع العلاقات مع دمشق، على أمل العودة الطوعية للاجئين السوريين، مضيفة: "أردوغان يقفز الآن إلى العربة، ويتخذ خطوات المعارضة نفسها، كمحاولة لتشجيع إعادة ملايين السوريين الذين فروا من نظام الأسد إلى أوطانهم".

ورغم هذه الدعوات، فإن الصحيفة الأمريكية، استبعدت عودة اللاجئين السوريين قريبًا إلى وطنهم، مشيرة إلى أن الأسد لم يُظهر أي إشارات على أنه غيّر سياساته تجاه اللاجئين، أو هيأ الظروف المناسبة لعودتهم.

ورأت أنه بوجود نحو 4 ملايين لاجئ سوري -مناهض للنظام- داخل تركيا، ومليون على حدودها، لن تستطيع أنقرة فرض تسوية بين المعارضة والنظام، ناهيك عن أن العودة تمثل مستقبلًا مجهولًا للسوريين.

أمام ذلك، ربطت الصحيفة بين الوعد بالعودة إلى الوطن على عكس الواقع- والانتخابات المقبلة، مشيرة إلى أن أردوغان يأمل أن يزيل أي حديث عن صفقة مع دمشق الانتقادات واسعة النطاق لسياسته تجاه سوريا.

 

خفض التصعيد

وأشارت "واشنطن بوست" إلى أن ما سمتها "مناورة أردوغان" لخفض التصعيد الإقليمية بدأت تؤتي ثمارها ماليًا، إذ تظهر احتياطات البنك المركزي التركي زيادة غير محددة بأكثر من 17 مليار دولار منذ بداية العام، وسط تكهنات بأنها "أموال خليجية وروسية، والمزيد قادم".

وأوضحت أنه في الوقت الذي لم ترض دول الناتو بقرار أنقرة تجاوز العقوبات الاقتصادية ضد روسيا وتوفير شريان حياة لنظام فلاديمير بوتين، فقد التزمت الصمت نظرًا للوضع الاستراتيجي لتركيا كبوابة للبحر الأسود، المهم لدفاع أوكرانيا عن نفسها، ومن ثمّ فإن "آخر ما يريده الغرب هو استعداء أردوغان ودفعه أكثر نحو الكرملين".

ووصفت الصحيفة، الحملة الدبلوماسية لأردوغان بأنها "ذكية"، لكنها لا تغير الكثير من الواقع المحلي السيئ، مشيرة إلى أنه رغم النزعة الشمولية لتركيا، فإن النظام الانتخابي تنافسي، والناخبين غير راضين عن اتجاه البلد وسوء إدارة الاقتصاد والتضخم.

ورأت أن الأموال الأجنبية قد تساعد في تفادي كارثة اقتصادية، لكن في النهاية، لا يستطيع بوتين والأسد ومحمد بن سلمان تحديد نتيجة الانتخابات التركية، بل الناخب التركي وحده، وهو -حتى هذا الوقت- ليس مقتنعًا بقدرة أردوغان على توفير ما يريده في المستقبل.