5 انسحابات في تاريخ الصدر تكشف عن قراره المستقبلي... فهل يستطيع العراق تجاوز الأزمة؟

بحسب مراقبين، فإن قرار مقتدى الصدر وضع القوى السياسية في أزمة، وجعلها في مواجهة مباشرة مع الشارع، بعد أن كان التيار الصدري حائط الصد بينهم وبين المتظاهرين.

5 انسحابات في تاريخ الصدر تكشف عن قراره المستقبلي... فهل يستطيع العراق تجاوز الأزمة؟
مقتدى الصدر

السياق

بعد «فشله» في «تقويم الاعوجاج»، الذي كانت القوى السياسية الشيعية السبب الأكبر فيه، تنحى زعيم التيار الصدري عن العمل السياسي، برسالة فجَّر محتواها غضبًا عراقيًا، استدعى فرض حظر التجول في البلد المأزوم سياسيًا.

وأعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر –الاثنين- اعتزاله النهائي للسياسة، وغلق كل المؤسسات، إلا المرقد الشريف والمتحف الشريف، وهيئة تراث آل الصدر، تاركًا وراءه تركة ثقيلة، وواضعًا القوى السياسية في اختبار عصي على الحل، فشلوا في مرحلته التمهيدية، التي أعلنها الصدر قبل أشهر باستقالته ونواب الكتلة الصدرية من البرلمان.

وأصدر المكتب الخاص لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ثلاثة توجيهات بعد قرار الاستقالة، أكد فيه منع التدخل في جميع الأمور السياسية والحكومية والإعلامية ورفع الشعارات والأعلام والهتافات السياسية واستخدام أي وسيلة إعلامية، بما في ذلك منصات التواصل الاجتماعي باسم التيار الصدري.

وما إن أعلن الصدر قراره الذي لوَّح فيه بإمكانية تعرُّضه للاغتيال، حتى حاصر المحتشدون الغاضبون القصر الجمهوري وسط المنطقة الخضراء ببغداد، بينما تقدم آخرون نحو مبانٍ رئاسية أخرى في المنطقة نفسها.

وبعد اقتحام المتظاهرين للمباني الحكومية في المنطقة الرئاسية، وتخوفًا من أي أعمال عنف، أعلنت قيادة العمليات المشتركة، فرض حظر شامل على التجول في العاصمة بغداد، من الساعة الثالثة والنصف ظهر الاثنين.

ودعت قيادة العمليات المشتركة –الاثنين- المتظاهرين للانسحاب الفوري من المنطقة الخضراء، مؤكدة أنها التزمت أعلى درجات ضبط النفس والتعامل الأخوي، لمنع التصادم أو إراقة الدم العراقي.

يأتي ذلك، بينما وجَّه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي -الاثنين- مجلس الوزراء بتعليق جلساته، إلى إشعار آخر، بعد دخول مجموعة من المتظاهرين لمقر مجلس الوزراء المتمثل بالقصر الحكومي.

ودعا رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي الجميع إلى ضبط النفس، مؤكدًا أن ما وصفها بـ«التطورات الخطيرة التي جرت في عراقنا العزيز اليوم، من اقتحام المتظاهرين للمنطقة الخضراء ودخول مؤسسات حكومية، إنما تؤشر إلى خطورة النتائج المترتبة على استمرار الخلافات السياسية وتراكمها».

وبينما دعا الكاظمي، مقتدى الصدر «الذي طالما دعم الدولة وأكد الحرص على هيبتها واحترام القوى الأمنية، للمساعدة في دعوة المتظاهرين للانسحاب من المؤسسات الحكومية»، حذر من أن «تمادي الخلاف السياسي ليصل إلى لحظة الإضرار بكل مؤسسات الدولة، لا يخدم مقدرات الشعب العراقي، وتطلعاته، ومستقبله، ووحدة أراضيه».

 

هل يستطيع العراق تجاوز تنحي الصدر؟

تطورات أربكت العملية السياسية المأزومة، ووضعت العراق في مهب الريح، خاصة أن جميع السيناريوهات محتملة، إثر انسداد الأفق السياسي، فهل يستطيع العراق تجاوز غضبة الشارع بانسحاب الصدر؟

وفور اعتزال الصدر، عقد رؤساء الجمهورية برهم صالح، والوزراء مصطفى الكاظمي، والبرلمان محمد الحلبوسي، والقضاء الأعلى فائق زيدان –الاثنين- اجتماعًا دعوا فيه إلى التهدئة وإيقاف التصعيد السياسي واعتماد الحوار لإنهاء الخلافات.

وقالت الرئاسة العراقية، في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، إن الاجتماع أكد ضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار والمسار الديمقراطي والدستوري في العراق واجب جميع العراقيين، مشيرة إلى أن الحوار البنّاء هو الطريق السليم لإنهاء الخلافات.

وجدد الاجتماع دعمه لدعوة رئيس مجلس الوزراء، لعقد جولة جديدة من الحوار الوطني الأسبوع الحالي، لبحث ومناقشة أفكار ومبادرات حل الأزمة، مجدداً الدعوة للتيار الصدري لحضور جلسة الحوار.

ودعا الاجتماع القوى الوطنية إلى تحمُّل المسؤولية، بما يشمل اعتماد التهدئة على كل المستويات، وإيقاف التصعيد السياسي بما يسمح بمناقشة مثمرة للحلول الآنية المطروحة، ومناقشة للوضع السياسي العام، وتحسين بيئة العلاقات بين القوى السياسية المختلفة على قاعدة المصلحة الوطنية العليا.

وبحسب مراقبين، فإن قرار مقتدى الصدر وضع القوى السياسية في أزمة، وجعلها في مواجهة مباشرة مع الشارع، بعد أن كان التيار الصدري حائط الصد بينهم وبين المتظاهرين.

وأكد المراقبون أن الصدر أراد خلط الأوراق وبعثرتها، وإثبات عجز التيارات السياسية، التي لا تريد الاستجابة لمبادرته الأخيرة، عن احتواء الغضب الشعبي، أو إحراز أي تقدم في الأزمة السياسية التي تتفاقم يومًا تلو الآخر.

وأشاروا إلى أن الصدر أفقد القوى السياسية أوراق اللعبة السياسية الحالية، ما يجعلهم أمام خيارين: الانصياع لرغبات التيار الصدري أو الخروج من المشهد السياسي، بعد إثبات عدم قدرتهم على تعويض غياب التيار الصدري.

 

هل استقالة الصدر الأولى؟ وما احتمالات عودته؟

رغم تأثير استقالة مقتدى الصدر اللحظية في الوضع السياسي بالعراق، ومع التحذيرات من تأزم الأوضاع، ما يضع البلد الغني بالنفط في أتون صراع مفتوح على كل الاحتمالات، فإن مراقبين توقعوا عودة جديدة لمقتدى الصدر إلى الساحة، خاصة أن تاريخه السياسي خير شاهد على ذلك.

فالصدر أعلن -أكثر مرة- انسحابه، ثم عودته إلى العمل السياسي، ما يجعل إمكانية تراجعه ليست بالمستحيلة، وإن كان أحد لا يستطيع التكهن بما إذا كان قراره الأخير نهائيًا، أم أنه سيخضع للضغوط الشعبية والدينية في الأيام المقبلة، خاصة أنه يتمتع بجماهيرية هائلة في أوساط الشيعة.

 

انسحاب الصدر... ليس الأول

انسحاب مقتدى الصدر من الساحة العراقية، يعد الخامس من نوعه والثالث من حيث الاعتزال السياسي، ما يضع احتمالات تراجعه عن قراره ممكنة.

 

سيناريو 2006

أواخر عام 2006، اختفى مقتدى الصدر عن الأنظار ولم يستطع أحد أن يعرف مكان إقامته حتى عاد مرة أخرى إلى حي الحنانة في النجف العراقية، حيث مقر إقامته بعدها بخمسة أعوام وتحديدًا عام 2011.

غياب الصدر في ذلك الوقت، فسَّره البعض تفسيرات عدة، خاصة أنه جاء بعد أعوام من تأسيسه مليشيات ضمت عشرات الآلاف من الشبان الشيعة باسم «جيش المهدي»، سرعان ما خاضت تمردًا ضد القوات الأمريكية في النجف، أصيب فيه مقتدى الصدر في يده.

ومع إعلان وزارة الدفاع الأمريكية عام 2006، أن مقتدى الصدر من أكبر التهديدات التي تعيق استقرار العراق، وتزامن ذلك مع اختفائه، ظن البعض أنه قتل أو أسر، إلا أنه تبين أنه أمضى أكثر من أربعة أعوام في مدينة قم الإيرانية لمتابعة دروس في الحوزة العلمية.

 

سيناريو 2013

في الرابع من أغسطس 2013، أعلن مقتدى الصدر اعتزاله العمل السياسي، بسبب ما قاله آنذاك إن «ما حدث ولا يزال يحدث» من محسوبين على التيار الصدري حملوا السلاح في مواجهات مع عصائب أهل الحق، بعد سنوات من تجميده عمل «جيش المهدي» التابع له.

 

سيناريو 2014

إلا أن مقتدى الصدر عاد إلى السياسة، لتفاجأ الساحة العراقية عام 2014، بإعلانه انسحابه من العمل السياسي في العراق، وإغلاق مكاتبه السياسية، وحل تياره، وإلغاء ارتباطه بالكتلة التي تمثله في مجلس النواب.

وهدد مقتدى الصدر -في ذلك الوقت- كل من يتكلم بخلاف ذلك بـ«المساءلة الشرعية والقانونية»، في قرار أربك القوى السياسية حينها، إلا أنه منح مكاسب لبعض القوى المنافسة له، لم تكن لتحلم بها.

 

سيناريو 2022

وفي يونيو 2022 رغم استحواذ تياره على الكتلة الأكبر في مجلس النواب العراقي، بعد الانتخابات النيابية المبكرة، أعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، استقالة نوابه من البرلمان، واضعًا القوى السياسية في مأزق، لم تتمكن من الخروج منه حتى بعد أشهر من حدوثه.

ورغم أن قوى سياسية منافسة ابتهجت بقرار استقالة كتلة التيار الصدري، كونه سيمنحها الأغلبية التي فقدتها، فإن القرار كان عقبة كأداء لم يستطع فرقاء البلد الغني بالنفط تجاوزها، كون الشارع في قبضة مقتدى الصدر، وهو ما بدا واضحًا، في الاعتصامات والاحتجاجات التي أعقبته.

إلا أن قراره اليوم باعتزال العمل السياسي، يعد السيناريو الأكثر شبهًا بعامي 2013 و2014، بمضمونه وتأثيره في الأوضاع الحالية، خاصة أنه وضع العراق في مأزق، وأرجأ أي إصلاحات إلى حين.

ورجَّح مراقبون أن يتراجع الصدر عن تياره، استنادًا إلى ماضيه السياسي، إلا أنهم أكدوا أن شيئًا مثل هذا لن يحدث، إلا إذا حصل زعيم التيار الصدري على ضمانات أو تحققت مبادرته الأخيرة، الهادفة لتنحية القوى السياسية الحالية جانبًا.