بعد الأزمة الاقتصادية والفيضانات المدمرة... هل يتدخل صندوق النقد لإنقاذ باكستان؟
يتطلع صندوق النقد الدولي لأن يتضاعف الاحتياطي الأجنبي لدى إسلام آباد إلى 16 مليار دولار بحلول نهاية السنة المالية في يوليو المقبل.

ترجمات - السياق
بعد أن ارتفع عدد ضحايا الفيضانات الناجمة عن الأمطار الموسمية في باكستان، إلى 1061 قتيلاً، التي تتزامن مع كارثة اقتصادية ضارية تضرب البلاد، تنتظر إسلام آباد -الاثنين- رد صندوق النقد الدولي لصرف 1.2 مليار دولار في إطار الشريحتين السابعة والثامنة من برنامج الإنقاذ الباكستاني، الذي جرى الاتفاق عليه عام 2019.
ونقلت "وول ستريت جورنال" الأمريكية، عن مسؤولين باكستانيين، قولهم إن حكومة إسلام آباد ربطت -في الأسابيع الأخيرة- ما لا يقل عن 37 مليار دولار في شكل قروض واستثمارات دولية، ما أبعد البلاد عن الانهيار المالي الذي شهدته سريلانكا.
كان من المقرر أن يجتمع مجلس إدارة صندوق النقد الدولي، الاثنين، للنظر في صفقة إنقاذ تم التوصل إليها بين موظفي صندوق النقد الدولي وإسلام آباد، التي بموجبها يقدم البنك 4 مليارات دولار خلال الفترة المتبقية من السنة المالية الحالية، التي بدأت في الأول من يوليو.
حزم وشروط
ووفقًا لـ "وول ستريت جورنال" حصلت باكستان على تمويل، طُلب من صندوق النقد الدولي ترتيبه أولًا قبل النظر في صفقة إنقاذ تم التوصل إليها بين موظفي الصندوق والبلاد.
وبينّت الصحيفة أنه إذا وافق مجلس إدارة الصندوق على الصفقة، سيصرف صندوق النقد الدولي على الفور 1.2 مليار دولار لباكستان، وقد يقدم ما يصل إلى 4 مليارات دولار خلال الفترة المتبقية من السنة المالية الحالية.
علاوة على ذلك، ذكرت إذاعة صوت أمريكا أنه في الأسابيع الستة الماضية حصلت باكستان على "قروض وتمويل ومدفوعات نفطية مؤجلة والتزامات استثمارية تقترب من 12 مليار دولار من الصين والمملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة" لتجنُّب التخلف عن السداد، لكن هذه الالتزامات لن تصبح متاحة إلا بعد موافقة مجلس إدارة صندوق النقد الدولي على الحزمة.
وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى أن صندوق النقد الدولي طلب من البلاد أولاً ترتيب أموال إضافية، لتغطية ما تبقى من نقص التمويل الخارجي للسنة المالية، مشيرة إلى أن إسلام آباد يبدو أنها حققت هذا الهدف.
وأضافت أنه من بين الحلفاء الذين قدموا مساعدات "جمهورية الصين الشعبية التي قدمت أكثر من 10 مليارات دولار، معظمها من خلال تجديد القروض الحالية".
وفي مقابلة مع "وول ستريت جورنال" قال وزير المالية الباكستاني مفتاح إسماعيل: إن المملكة العربية السعودية تقوم بتجديد قرض بـ 3 مليارات دولار وتوفر ما لا يقل عن 1.2 مليار دولار من النفط على أساس الدفع المؤجل، كما ستستثمر الرياض مليار دولار في باكستان.
كان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وجَّه باستثمار مليار دولار في باكستان، لدعم اقتصادها، وفق وكالة الأنباء السعودية (واس).
ووافقت السعودية والإمارات وقطر على توفير 4 مليارات دولار لباكستان، لمساعدتها في سد فجوة التمويل وزيادة الاحتياطات الأجنبية، حسب وزير المالية الباكستاني مفتاح إسماعيل.
وحدد صندوق النقد الدولي 29 أغسطس موعدًا لاجتماع مجلس إدارته بشأن القرض الباكستاني، ما يشير إلى أن دول الخليج العربي قدمت ضمانات للصندوق بأنها ستوفر الأموال للدولة الواقعة جنوبي آسيا.
ويتطلع صندوق النقد الدولي لأن يتضاعف الاحتياطي الأجنبي لدى إسلام آباد إلى 16 مليار دولار بحلول نهاية السنة المالية في يوليو المقبل.
من المقرر أن تستثمر الإمارات مبلغًا مماثلاً في القطاع التجاري الباكستاني، وتجدد قرضًا بـ 2.5 مليار دولار، بينما أعلنت قطر -الأسبوع الماضي- أنها ستستثمر 3 مليارات دولار في البلاد.
استقرار بعيد
وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى أنه رغم هذه الخطوة الحيوية، فإن الاستقرار الاقتصادي لباكستان بعيد عن أن يكون مضمونًا، حيث يواصل زعيم المعارضة عمران خان حملته الشرسة ضد الحكومة، للضغط من أجل انتخابات جديدة، في حين أن الفيضانات الكارثية الناجمة عن الأمطار الموسمية الصيفية ستكلف الاقتصاد مليارات الدولارات الإضافية.
ونقلت الصحيفة عن مفتاح إسماعيل قوله: "لم يكن الأمر سهلاً... أعتقد أن باكستان -في الوقت الحالي- ليست في خطر التخلف عن السداد، لكن قدرتنا على البقاء تعتمد على برنامج صندوق النقد الدولي".
من جانبه، حذر مجلس الأعمال الباكستاني -الذي يمثل الشركات الأكبر بالبلاد- من أنه مع صرف صندوق النقد الدولي وحلفائه الأموال، يجب أن تنحسر أزمة ميزان المدفوعات، لكن حجم الفيضانات الناجمة عن أمطار موسمية أكثر غزارة من المعتاد، يعني أن البلاد تحتاج إلى تمويل أكثر مما كانت تخطط له.
وقدر وزير المالية الباكستاني، أن الآثار الاقتصادية للفيضانات ستصل إلى 10 مليارات دولار على الأقل، ما يعد نحو 3% من الناتج المحلي الإجمالي.
ويقول مسؤولون للصحيفة الأمريكية: إن نحو 30 مليون شخص تضرروا من الفيضانات وقُتل أكثر من ألف منذ منتصف يونيو الماضي.
وأوضحت أنه عندما وصلت حكومة جديدة إلى السلطة في أبريل الماضي، حذرت من أن البلاد مُعرضة لخطر التخلف عن سداد ديونها الخارجية، لافتة إلى أن الوضع تفاقم بسبب صدمة الأسعار العالمية التي تسببت فيها حرب أوكرانيا، والتي أدت إلى ارتفاع تكلفة الوقود والواردات الأخرى.
ومن المقرر أن تسدد باكستان قروضًا تقارب 21 مليار دولار في السنة المالية الحالية، إضافة إلى ذلك، تحتاج إلى تغطية عجز الحساب الجاري، الذي يُتوقع أن يبلغ 9.2 مليار دولار.
ويهدف باقي التمويل الجديد إلى تكوين احتياطيات من العملات الأجنبية - تكفي لتغطية ستة أسابيع من الواردات- بحلول نهاية السنة المالية، كما يقول المسؤولون.
تجربة سريلانكا
وعما إذا كان من المحتمل أن تتكرر أزمة سريلانكا في باكستان، نقلت "وول ستريت جورنال" عن طاهر عباس، رئيس الأبحاث في مؤسسة عارف حبيب -إحدى أكبر شركات البورصة بباكستان- قوله: إن تحدي ديون البلاد لم يصبح حادًا مثل سريلانكا، لأن قروضها كانت مستحقة -في الغالب- إلى دول أخرى أو وكالات متعددة الأطراف، يمكن إعادة التفاوض عليها بسهولة أكبر.
وأشار إلى أن كولومبو، التي تخلفت عن سداد ديونها السيادية في مايو، اقترضت أيضًا بكثافة من حاملي السندات من القطاع الخاص، مضيفًا: "نحن في وضع جيد.. لذلك فإن اتفاق صندوق النقد الدولي مضمون، خصوصًا بعد تدخل الدول الصديقة للمساعدة".
وحسب الصحيفة، ارتفعت أسعار البنزين والكهرباء بشكل حاد، بينما بلغ التضخم 45% في المؤشر الرسمي الأسبوعي الصادر في 25 أغسطس الجاري.
ومن المرجح أن يؤدي الفيضان إلى زيادة التضخم، حيث تضرر مليونا فدان من المحاصيل، إضافة إلى تضرر الصادرات.
وقال وزير المالية إن جهود الإغاثة الفورية قد تكلف السلطات ما لا يقل عن مليار دولار.
أمام ذلك، طلبت باكستان مساعدات دولية لمواجهة الفيضانات، وأعرب وزير الخارجية الباكستاني بيلاوال بوتو زرداري، عن حاجة بلاده الشديدة إلى مساعدات مالية للتعامل مع فيضانات "مدمرة"، مشيرًا إلى أنه يأمل أن تأخذ مؤسسات مالية مثل صندوق النقد الدولي التداعيات الاقتصادية لهذه الكوارث الطبيعية في الاعتبار.
وتوقع بوتو زرداري أن يوافق مجلس الصندوق على صرف الأموال لباكستان، بالنظر إلى أنه جرى التوصل لاتفاق بين المسؤولين الباكستانيين ومسؤولي الصندوق، وأعرب عن أمله بأن يراعي الصندوق تأثير الفيضانات في الأشهر المقبلة.
وقال: "في المستقبل، أتوقع أن يدرك، ليس فقط صندوق النقد الدولي وإنما أيضًا المجتمع الدولي والوكالات الدولية، مستوى الدمار".
لكن -حسب الصحيفة- الأوضاع السياسية تزيد خطر انحدار البلاد اقتصاديًا، فقد هدد حزب عمران خان السياسي، الذي يدير حكومتين من مقاطعات باكستان الأربع، بتقويض شروط اتفاقية صندوق النقد الدولي، من خلال عدم تقديم الأموال المستحقة من المقاطعات للحكومة المركزية.
كانت حكومة شهباز شريف قد اتهمت "خان" بالإرهاب، بسبب خطاب ألقاه مؤخرًا، كما يواجه جلسة استماع بتهمة ازدراء المحكمة هذا الأسبوع، ومن ثمّ فإن "خان" قد يتعرض -إثر ذلك- للاعتقال والحرمان من ممارسة السياسة إذا أدانته المحكمة.