قصف صاروخي واشتباكات وحظر تجول... تفاصيل يومٍ دامٍ في العراق

في محاولة من زعيم التيار الصدري لتهدئة الأجواء، أعلن إضرابًا عن الطعام حتى يتوقف العنف واستعمال السلاح

قصف صاروخي واشتباكات وحظر تجول... تفاصيل يومٍ دامٍ في العراق

 السياق 

قصف بالصواريخ وحظر تجول ودعوات لضبط النفس وخطوط حمراء، ملامح يوم دام عاشته العاصمة العراقية بغداد، بعد إعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر اعتزاله العمل السياسي، ما أسفر عن سقوط مئات القتلى والمصابين. 

ما إن أعلن الصدر قراره، حتى خرج المحتجون إلى المنطقة الخضراء وسط بغداد، واقتحموا المقار الحكومية، ما أجبر رئاسة مجلس الوزراء على إعلان تعليق الجلسات حتى إشعار آخر، فضلًا عن إعلان وزارة التربية في العراق تعطيل الدراسة.

تلك التطورات الساخنة ازادات اشتعالًا، بعد اندلاع اشتباكات بالمنطقة الخضراء، بين أنصار التيار الصدري وموالين لقوى الإطار التنسيقي، تراشق فيها المحتجون بالحجارة، ما أسفر عن ضحايا من الطرفين.

وبعد تطور الاشتباكات بين الأطراف المتناحرة، التي كانت انعكاسًا للخلافات السياسية بين التيار الصدري وقوى الإطار التنسيقي، اضطرت القوات الأمنية لإطلاق الرصاص الحي في الهواء، لتفريق المتظاهرين بالمنطقة الخضراء، خاصة بعد أن أعلن أنصار التيار الصدري تحويل اعتصامهم إلى عصيان مدني ونفير عام.

إلا أن المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء أصدر بيانًا وجَّه فيه بمنع استخدام الرصاص وإطلاق النار على المتظاهرين من أي طرف أمني، أو عسكري، أو مسلح منعاً باتاً، مشددًا على التزام الوزارات، والهيئات، والأجهزة الأمنية والعسكرية بالعمل وفق السياقات والصلاحيات والضوابط الممنوحة لها.

وأكد الكاظمي أن القوات الأمنية مسؤولة عن حماية المتظاهرين، وأن أي مخالفة للتعليمات الأمنية بهذا الصدد ستكون أمام المساءلة القانونية، موجِّهًا بفتح تحقيق عاجل في أحداث المنطقة الخضراء، ومصادر إطلاق النار، وتحديد المقصرين ومحاسبتهم وفق القانون.

وفي محاولة من زعيم التيار الصدري لتهدئة الأجواء، أعلن إضرابًا عن الطعام حتى يتوقف العنف واستعمال السلاح، في دعوة أشاد بها رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، الذي دعا إلى إيقاف العنف، مطالبًا الجميع بتحمل المسؤولية الوطنية لحفظ الدم العراقي.

إلا أن دعوات الصدر وإشادة الكاظمي لم تجدِ نفعًا، فالساعات الساخنة سرعان ما زادت حرارتها أجواء أغسطس، التي انعكست على العاصمة العراقية بغداد، ما دفع الأمانة العامة لمجلس الوزراء، لتعطيل الدوام الرسمي الثلاثاء، لاستمرار فرض حظر التجول.

كانت قيادة العمليات المشتركة، قد أعلنت فرض حظر شامل على التجول في العاصمة بغداد، طورته إلى حظر شامل في جميع محافظات العراق.

الانسحاب الفوري

أمام حظر هش لم يجد طريقًا للتطبيق، دعا الكاظمي المتظاهرين إلى الانسحاب الفوري من المنطقة الخضراء، وعدم إرباك الوضع العام، وتعريض السلم المجتمعي إلى الخطر.

وجدد الكاظمي توجيهاته للقيادات الأمنية بالالتزام بالتعليمات، في ما يخص حماية أرواح المتظاهرين، والحفاظ أيضاً على الممتلكات العامة والخاصة، ومنع التجاوز على المؤسسات الحكومية من أي طرف كان.

ومع استمرار الاحتجاجات، تداول مغرِّدون عبر مواقع التواصل الاجتماعي أنباءً تفيد بتوجُّه وزارة الاتصالات، لقطع خدمة الإنترنت في العراق، إلا أن الوزارة نفت ذلك، مؤكدة أن خدمة الإنترنت ما زالت متوافرة بشكل طبيعي.

أمام الانسداد السياسي واستمرار الاحتجاجات والاشتباكات غير عابئة بإضراب الصدر ولا بحظر التجول، حاول الإطار التنسيقي تهدئة الشارع، بدعوته التيار الصدري إلى العودة لطاولة الحوار والعمل من أجل الوصول إلى تفاهماتٍ مشتركة.

ودعا الإطار التنسيقي جميع الفعاليات دينيةً وسياسيةً واجتماعيةً إلى التدخل والمبادرة من أجل درء الفتنة، وتغليب لغة العقل والحوار، وتجنيب البلد مزيداً من الفوضى وإراقة الدماء، وتحميل المسؤولية لكلِ من يسهم بتوتير الأجواء والدفع نحو التصعيد، ووضع حلول عملية وواقعية تعتمدُ الدستورَ والقانون ولغة الحوار أساساً للوصولِ إلى نتائج حاسمةٍ وسريعةٍ لإيقافِ معاناة الناس.

قصف بالصواريخ

إلا أن شيئًا لم يحدث بل ازدات الأمور اشتعالًا، خاصة بعد أن أعلنت خليّة الإعلام الأمني –الثلاثاء- تعرُّض المنطقة الخضراء لقصف بأربعة صواريخ.

وقالت الخلية الأمنية التابعة للحكومة العراقية: «المنطقة الخضراء في بغداد تتعرض لقصف بأربعة صواريخ سقطت في المجمع السكني، ما أدَّى إلى إلحاق أضرار به»، مشيرة إلى أن «مكان انطلاقها كان من منطقتي الحبيبية والبلديات شرقي العاصمة بغداد».

وبعد القصف الجوي، تداولت أنباء عن إنزال قناصين على أسطح مباني المنطقة الخضراء، إلا أن قيادة العمليات المشتركة، نفت- الثلاثاء- إنزال ‏طائرات لقناصين، مشددة على أهمية توخي الدقة في نقل المعلومات ومعرفة الحقائق من مصادرها.

وأشارت إلى أن المقطع المتداول في هذا الشأن يعود إلى عمليات تدريب «قامت بها الأبطال في جهاز مكافحة الإرهاب في وقت سابق».

دعوات للتهدئة

أما تأزم الأوضاع فتدخلت فيه أطراف محلية بتوجيه دعوات للمحتجين، إذ أكد الرئيس العراقي برهم صالح، أن الدم العراقي خط أحمر، بينما دعا رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، لإطفاء نار الفتنة والتوصل إلى تفاهمات لحفظ وصون سيادة الوطن واستقراره.

وحذر الحلبوسي من الفوضى وإراقة دماء العراقيين الأبرياء، عبر استخدام السلاح من أي طرف، بينما دعا رئيس ائتلاف النصر حيدر العبادي، إلى التهدئة وضبط النفس وعدم الانجرار خلف الفتن.

وبينما طالب العبادي القوات الأمنية بحماية المواطنين وحفظ العراق من «عبث العابثين»، دعا زعيم تحالف الفتح، هادي العامري، كل الأطراف إلى التوقف عن استخدام السلاح، مشيرًا إلى أن السلاح ليس حلًا ولا يوجد حل بين الإخوة إلا بالحوار والتفاهم.

ودعا رئيس ائتلاف النصر حيدر العبادي، إلى إيقاف القتال «العبثي» الذي لا يخدم الوطن ولا يحمي المواطنين، بينما أكد رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، أن التصعيد لن يحل المشكلة، مبينًا أن أوضاع البلد تستدعي الحكمة.

وأضاف بارزاني، أن التظاهر السلمي حق دستوري، أما التصعيد وتعطيل مؤسسات الدولة فلن يحل أي مشكلة، بل يزيد الوضع تعقيداً، لذا يجب حفظ هيبة مؤسسات الدولة وعدم إعاقة مهامها وأعمالها.

ودعا رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، إلى ضبط النفس ومراعاة المصلحة العامة، محذرًا من اللجوء إلى لغة السلاح والعنف في حسم ‏الصراعات والمشكلات، بينما أكد رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، أن الهيئة ستبقى خارج الاصطفافات السياسية.

تغليب المصالح الوطنية

أمام استمرار التطورات، دخلت دول عربية وغربية على خط الأزمة، داعية إلى التهدئة وضبط النفس، والجلوس إلى مائدة الحوار ومنع التصعيد، حرصًا على مصلحة البلد الآسيوي.

ودعا البرلمان العربي، الأطراف السياسية بالعراق كافة، لإعلاء المصلحة الوطنية ووقف التصعيد والجلوس إلى طاولة الحوار، ووقف العنف حقناً للدماء العراقية، مشيرًا إلى أن الحوار البنّاء والحفاظ على المسار السلمي للعملية السياسية وفقاً للدستور العراقي، الطريق السليم للحفاظ على مقدرات العراق.

الجامعة العربية دخلت على خط الأزمة، فدعت الأطراف العراقية إلى تغليب المصالح الوطنية على أي اعتبارات، لتجاوز الوضع الراهن الذي يمثل خطورة على استقرار البلاد، معربة عن قلقها من التطورات المتلاحقة والخطيرة على الساحة العراقية.

وباتصالين هاتفيين من الرئيس المصري عبدالفتاح السسي إلى الرئيس العراقي برهم صالح ورئيس وزرائه مصطفى الكاظمي، دخلت القاهرة على خط الأزمة، مؤكدة دعمها لأمن واستقرار وسلامة العراق.

أما الجزائر فأصدرت بيانًا دعت فيه جميع الأطراف في العراق إلى تفضيل لغة الحوار، معربة عن أملها بأن يتمكن الفرقاء من تجاوز المرحلة الراهنة واستعادة أمنه واستقراره، بتضافر وتوحد جهود جميع أبنائه.

دعوات أممية

بدوره، حث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش، على اتخاذ خطوات فورية لتهدئة الموقف وتجنُّب أي عنف في العراق، داعيًا جميع الأطراف والجهات الفاعلة إلى رفع مستوى خلافاتهم، والدخول –من دون تأخير- في حوار سلمي شامل بشأن طريقة بناءة للمضي قدمًا.

وأكدت سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في بغداد، أنه ينبغي عدم تعريض أمن العراق واستقراره وسيادته للخطر، فالوقت حان لحل الخلافات بالحوار، مشيرة إلى أن تقارير الاضطرابات في جميع أنحاء العراق مثيرة للقلق، حيث لا تسمح للمؤسسات العراقية بالعمل.

ودعا الاتحاد الأوروبي، جميع الأطراف في العراق إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، بينما دعت بعثة الأمم المتحدة في العراق يونامي جميع الأطراف إلى الامتناع عن العنف فوراً، وتغليب صوت العقل.

أما وزارة الخارجية الروسية، فدعت إلى ضبط النفس والحوار بين الأطراف العراقية، مشيرة إلى أنها تتابع تطورات الوضع في العراق، وتدعو جميع الأطراف إلى ضبط النفس والحوار.