بلومبرغ: كيف يدفع بريكست بوريس جونسون إلى النجاح؟
مَنْ الذي سيحل محل جونسون؟

ترجمات - السياق
تساءلت شبكة بلومبرغ الأمريكية، عن إمكانية أن يتسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، في إعادة نجاح بوريس جونسون (المستقيل) من بين كل المرشحين المحتملين، لتولي منصب رئيس وزراء بريطانيا، مشيرة إلى أن هناك مرشحين أقويا، ولكن ميراث الخروج من الاتحاد الأوروبي سيؤثر بشكل أو آخر.
كان رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، قد قدَّم استقالته من قيادة حزب المحافظين، الأسبوع الماضي، بعد الفضائح والاستقالات التي عصفت بحكمه في الأشهر الأخيرة.
وقال جونسون إنه سيبقى مُسيرًا لأعمال الحكومة البريطانية، حتى يختار حزب المحافظين قائدًا جديدًا يتولى رئاسة الحكومة، من دون الحاجة إلى انتخابات عامة، لكن خطوة حزب العمال المعارض تهدد هذا الاتجاه.
ويرى رئيس حزب العمال في بريطانيا، كير ستارمر، أن استقالة جونسون تمثل نبأ سارًا للبلاد، مع تأكيده أن بريطانيا بـ"حاجة إلى قيادة جديدة".
انفجار
وقالت "بلومبرغ" في تحليل للمؤرخ البريطاني أدريان وولدريدج: "رأينا أمام أعيننا حزب المحافظين وهو ينهار، فأكثر من 50 مسؤولًا استقالوا في غضون 48 ساعة، إذ كانوا يستقيلون بسرعة كبيرة، بحيث لم يكن بإمكانك غلي كوب شاي من دون أن تسمع عن استقالة جديدة".
ورغم ذلك، فإن بوريس جونسون -حسب الشبكة- أصر على أن لديه تفويضًا شخصيًا للبقاء في السلطة، مع أن الناخبين، في ظل النظام البريطاني، يصوِّتون لنوابهم المحليين وليس لرئيس الوزراء.
وأشار الكاتب إلى أن جونسون بينما حاول ملء الأماكن الشاغرة -بعد الاستقالات- سريعًا، إلا أنه -وسط هذا الارتباك- تحدى دعوات أنصاره وزملائه في مجلس الوزراء للتنحى، عن طريق إقالة وزير الإسكان مايكل غوف حليفه السابق.
وذكرت تقارير أن وزير الدولة للإسكان، كان أول من قال له إن عليه أن يستقيل من أجل مصلحة حزب المحافظين والبلد، وقال مصدر مقرب من جونسون: إن غوف كان «ثعبانًا»، وهو ما أعطى غوف -حسب بلومبرغ- تمييزًا غير عادي عن كونه الشخص الوحيد الذي أقيل عندما كان الجميع يتقدمون باستقالاتهم.
وتعليقًا على هذا الارتباك، قال وولدريدج: "انتهت هذه المأساة أخيرًا، وأعلن جونسون أنه مستعد للاستقالة وإفساح المجال أمام زعيم جديد لحزب المحافظين يصبح تلقائيًا رئيسًا للوزراء".
ورغم ذلك، فإن الكاتب رأى أن هذا الأمر -استقالة جونسون- يترك البلاد في حالة من الفوضى، إذ إنه ليس لبريطانيا حاليًا حكومة عاملة، لأن الإدارات بأكملها ليس لديها أي وزراء.
وأشار إلى أنه رغم أن جونسون قال إنه يريد البقاء في منصبه كرئيس وزراء مؤقت، حتى يجد الحزب بديلاً، كما سبق أن فعلت تيريزا ماي وبقيت في المنصب ثلاثة أشهر بعد استقالتها، فإن الكاتب تساءل: هل هو الرجل المناسب لإدارة حكومة مؤقتة، بالنظر إلى أن العديد من الوزراء استقالوا، على أساس أنهم لم يعودوا قادرين على العمل في ظل رجل يعاني هذه العيوب الفظيعة في الشخصية؟ وإذا لم يكن الرجل المناسب فمن هو الشخص المناسب؟ لافتًا إلى أن دستور بريطانيا لا ينص على ما يجب القيام به في هذه الظروف الغريبة.
مَنْ يخلف جونسون؟
أمام هذه المعضلة، التي تركتها استقالة الوزراء ثم جونسون، بات السؤال الأهم -حسب بلومبرغ- مَنْ الذي سيحل محل جونسون؟ متوقعة أن تكون قائمة المرشحين طويلة بشكل غير عادي، إذ ألقى اثنان بقبعاتهما في الحلبة، حتى قبل أن يرضخ جونسون للأمر المحتوم ويعلن استقالته، هما سويلا برافرمان، المدعي العام لإنجلترا وويلز، وستيف بيكر، أحد قادة حزب المحافظين المتشددين تجاه تأييد "بريكست".
ورغم توقع وولدريدج مزيدًا من الانهيار داخل حزب المحافظين، فإنه رأى أن "بريكست" سيكون المؤثر الأكبر في اختيار خليفة جونسون.
وأشار إلى أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أدى إلى تقوية نظام الترويج الداخلي للحزب، من خلال اختبار أيديولوجي للوظائف الحكومية، لافتًا إلى أنه تم طرد جيل من الأكفاء مثل روري ستيوارت من الحكومة، لأنهم كانوا في الجانب "الخطأ" من نقاش خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
كما أحدث خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي -حسب الكاتب- انفجارًا أيديولوجيًا جعل الحزب غير متأكد مما يمثله، متسائلًا: هل المحافظون حزب الحكومة الصغيرة والضرائب المنخفضة، أم حزب الطبقة العاملة المناضلة الذي يحتاج إلى مساعدة من الدولة؟
وللإجابة عن ذلك، بيّن الكاتب، أن جونسون أثار غضب حزبه، ليس فقط من خلال الكذب المتكرر ولكن أيضًا بمحاولة جعل كل شيء بيده، وهو ما يتيح للفصائل الأيديولوجية المختلفة فرصة، لتقديم مرشحيها ووضع رؤيتها للمستقبل.
ورأى الكاتب، أن ما يزيد تعقيد الأمر، أن على المرشحين تقديم طلباتهم إلى دائرتين (النواب وأعضاء الحزب)، مشيرًا إلى أن النواب مسؤولون عن إنتاج قائمة مختصرة من اسمين يذهبان بعد ذلك إلى أعضاء الحزب.
ولفت إلى أن ذلك سيتيح الكثير من الفرص للتصويت التكتيكي، حيث يحاول النواب منع المرشحين من الوصول إلى القائمة القصيرة، قبل أن يصوت أعضاء الحزب البالغ عددهم 200000 أو نحو ذلك على مَنْ يريدون أن يكون زعيمًا للحزب ومن ثم رئيسًا للوزراء.
أبرز المرشحين
أما عن أبرز المرشحين لخلافة جونسون، فرأى وولدريدج أن ستيف بيكر -المنتمي إلى الجناح اليميني لحزب المحافظين- على رأس القائمة، مشيرًا إلى أنه مسيحي إنجيلي محافظ، وسبق أن قاد تمردًا ساعد في تدمير تيريزا ماي -رئيسة وزراء بريطانيا السابقة- بدعوى أنها لم تكن متشددة بما فيه الكفاية بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ثم ساعد في تدمير جونسون على أساس أنه لم يلتزم بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
تأتي في المرتبة الثانية بالنسبة للمرشحين لخلافة جونسون -حسب بلومبرغ- سويلا برافرمان، المدعية العامة لإنجلترا وويلز، التي يصفها المراقبون بأنها مارجريت تاتشر السمراء، التي كانت سابقًا وكيلة وزارة الخارجية البرلمانية في وزارة الخروج من الاتحاد الأوروبي من يناير إلى نوفمبر 2018.
تتمتع برافرمان بخبرة برلمانية، خاصة بعد انتخابها نائبة لحزب المحافظين عن فرهام في مايو 2015.
ورأى الكاتب، أن وزير المال البريطاني السابق ريشي سوناك، الأوفر حظًا أمام جميع المرشحين، رغم الفضيحة التي تعرَّض لها، بعد الكشف عن استفادة زوجته المليونيرة الهندية أكشاتا مورثي بوضع "غير مقيم" ضريبيًا لكونها هندية، ما ساعدها في التهرب من "ضريبة الدخل" الذي تكسبه في الخارج.
لكنه -حسب بلومبرغ- لديه مزيج من المهارات والشخصية التي يحتاجها حزب المحافظين في هذه الأوقات الصعبة، لافتة إلى أنه عكس جونسون من نواحٍ كثيرة، فهو منظم ومهذب، بينما كان جونسون فوضويًا (وشعره كذلك)، وهو أيضًا تكنوقراطي بينما كان جونسون شعبويًا، ورصينًا وعقلانيًا بينما كان جونسون غضوبًا.
وأمام هذه الصفات، قد يراه بعض النشطاء الرجل الذي يمتلك اللمسة السحرية، التي من خلالها يمكن أن يفوز بالانتخابات، خصوصًا أنه عضو في النخبة العالمية، وتلقى تعليمه في كلية وينشستر وأكسفورد وستانفورد للأعمال، ومتزوج بإحدى أغنى النساء في العالم.
توجيه البلاد
واشترط وولدريدج في مَنْ يخلف جونسون، أن يكون بإمكانه توجيه البلاد خلال عامين صعبين للغاية إلى بر الأمان، محذرًا من أن الأسواق العالمية قد تفقد الثقة بالاقتصاد البريطاني المتعثر.
رشح الكاتب أيضًا، وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس، لتكون أبرز المرشحين لخلافة بوريس جونسون، مشيرًا إلى أنها يُنظر إليها على أنها نجمة سياسية صاعدة.
وأوضح أن تروس شغلت مناصب في عهد رئيسي الوزراء السابقين ديفيد كاميرون وتيريزا ماي، بل قورنت شخصيتها القوية بشخصية رئيسة الوزراء الشهيرة مارغريت تاتشر.
تروس -حسب الشبكة الأمريكية- أول وزيرة خارجية في حكومة محافظة، وقد رحب الجمهور بمناصرتها للعقوبات ضد الأوليغارشية الروسية، بداية حرب أوكرانيا، لكن العديد من أعضاء البرلمان ينتقدون مهاراتها السياسية، إذ إنها متحدثة صريحة، ويمكن أن تبدو أحيانًا منفصلة بشكل غريب عن العالم من حولها.
تضمنت قائمة المرشحين -التي قدمتها "بلومبرغ" أيضًا، نديم الزهاوي، الذي عُيِّن وزيرًا للخزانة بعد ساعات من استقالة ريشي سوناك.
الزهاوي الذي اكتسب سمعة طيبة بعد أن قاد برنامج التطعيم البريطاني ضد كورونا، عندما كان وزيرًا للدولة، قبل أن ينتقل -الأسبوع الماضي- من وزارة التعليم إلى وزارة المالية، وُلد في العراق عام 1967 وهاجر إلى بريطانيا مع أسرته في سبعينيات القرن الماضي، عندما تولى صدام حسين السلطة، وتحدث كثيرًا عن كيف أن بريطانيا قدَّمت له ولأسرته "كل شيء" وأنه يشعر بواجب تجاه خدمة هذه الأمة.
من المرشحين أيضًا ساجد جاويد، وزير الصحة المستقيل من حكومة جونسون، الذي يرى الكاتب أن استقالته أدت إلى الأزمة الحالية.
يأتي في آخر القائمة -حسب الشبكة الأمريكية- بن والاس، وزير الدفاع البريطاني الذي أعلن صراحةً عدم ترشحه.
ووضع وولدريدج بعض الأسماء الأخرى التي يراها غير مؤثرة في السباق نحو داوننغ ستريت، منهم جيريمي هانت، وبيني موردانت وتوم توجندهات.
وأمام كل هؤلاء المرشحين، ترى "بلومبرغ" أن حزب المحافظين محظوظ بما فيه الكفاية، لوجود مرشح قيادي جاد في شكل (ريشي سوناك)، وأعضاء محتملين جديين في الحكومة مثل جافيد وغوف، كما أن لديه الكثير من اللامعين مثل جيسي نورمان وبيم أفولامي، مشددة على أن الحزب لا شك يعيش "ولادة جديدة".
ورغم هذه الترشيحات، فإن الشبكة الأمريكية، رأت أن جونسون مازال لديه بعض الحظوظ في استعادة منصبه، لافتة إلى أنه مما يثير القلق بالنسبة لمستقبل البلاد، أن انتخابات القيادة المقبلة ستكون أشبه بمهمة شائكة، أكثر من كونها بحثًا عقلانيًا عن أفضل شخص يدير بلدًا يواجه هذه المشكلات الهائلة والمتفاقمة.