صراع مؤسساتي واتهامات بالاغتيال وتحشيدات مسلحة... ماذا يحدث في ليبيا؟
تحشيدًا عسكريًا بالآليات الثقيلة شوهد داخل شوارع العاصمة فجر الأربعاء، وسط تخوفات من اندلاع اشتباكات مسلحة بمحيطها

السياق
تطورات متضاربة تحملها الرياح الموسمية المقبلة من ليبيا المأزومة، لتلقي برسائل بعضها إيجابي والآخر سلبي، بينما سفينة الأزمة -التي دخلت عامها الثاني عشر- لم تجد شاطئًا للرسو بأمان.
فالبلد الإفريقي عاد إليه شبح الانقسام، بعد تعنُّت رئيس الحكومة السابقة عبدالحميد الدبيبة في تسليم السلطة لمن قلَّده البرلمان الليبي قبل أربعة شهر زمام الحكومة الجديدة، بل إنه زاد في شططه بإصداره قرارات من شأنها تأجيج الأزمة.
إلا أنه في محاولة من سلفه فتحي باشاغا لإنهاء أزمة عدم تمكن حكومته من دخول العاصمة، لوَّح بأنه سيكون خلال أيام وحكومته داخل مدينة طرابلس، منهيًا ما وُصف بـ"عبث الدبيبة".
تطور كان باشاغا يحاول توثيقه وتنسيقه دوليًا، خاصة مع الدول التي ما زالت ترعى حكومة الدبيبة السابقة، بينها بريطانيا، فألقى كلمة -مساء الثلاثاء- أمام مجلس العموم البريطاني، فضح فيها ممارسات سلفه، بل اتهمه بمحاولة اغتياله، وطالب لندن برفع يدها عن حكومة الدبيبة، والتعاون في خطط إعادة الإعمار مع حكومته.
مفترق طرق
وقال باشاغا، في الكلمة التي تلقت «السياق» نسخة منها، إن بلاده عند مفترق طرق، فرغم الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لإصلاح الأوضاع، فإنه لا تزال هناك فوضى، بسبب رئيس وزراء لا يملك سيطرة على الأرض، يجد دعمًا من بعض الجهات الدولية الفاعلة، بمن في ذلك الحكومة البريطانية.
رئيس الحكومة الليبية أكد أن الدبيبة، القابض على السلطة في طرابلس، يجلس محميًا من عدد محدود من الميليشيات التي يعتقد أن بعضها على صلة بجماعات إرهابية دولية، مع عودة نشاط الجماعات الإرهابية، خاصة في الجنوب الليبي.
وأشار المسؤول الليبي إلى أن الإيرادات التي تحصل عليها ليبيا مقابل مواردها الطبيعية تُستخدم -بلا خجل- لحماية مصالح شخصية، بدلاً من استخدامها لمصلحة الشعب الليبي، مؤكدًا أن فترة تولي الدبيبة شهدت ليبيا فيها ارتفاعًا غير مسبوق في أسعار الغذاء والدواء من دون معالجات حكومية، وتفاقمت أزمة الكهرباء رغم الأموال التي أنفقت، حسب بيانات الحكومة.
وفي حادثة هي الأولى من نوعها في ليبيا، أمضى الطالب الليبي عامه الدراسي كاملًا من دون كتب، بسبب الصراع والتسابق على العمولات والصفقات، بحسب باشاغا، الذي قال إن بلاده شهدت عودة الانقسام السياسي والمؤسساتي وارتفاع خطاب الكراهية والتحريض على العنف.
محاولة اغتيال
واتهم باشاغا الدبيبة بمحاولة اغتياله، قائلًا: عندما دخلت طرابلس في مايو الماضي لممارسة مهامي بطريقه سلمية، أمر الدبيبة مليشياته بإطلاق النار عليّ وعلى مَنْ يؤيدني في أحياء مكتظة بالسكان، مضيفًا: تفاديًا لإراقة الدماء فقط، انسحبت لأنني كنت مصممًا على تجنُّب فقدان المزيد من الأرواح الليبية.
وتعهد بأن حكومته ستعمل على توفير فرص الاستثمار وإعادة الإعمار بالتعاون والعمل مع بريطانيا في ملف اتفاقية أمن الطاقة وتجارة العبور، والمساعدة في التقليل من تدفق المهاجرين غير القانونيين الذين يعبرون إلى جنوب أوروبا عبر ليبيا.
تحشيدات مسلحة
وما إن ألقى باشاغا كلمته التي عُدَّت مقدمة لدخول طرابلس، حتى عقدت المليشيات المسلحة في العاصمة اجتماعًا طارئًا، تعهدت فيه بعدم السماح لرئيس الحكومة الليبية بدخولها.
وبحسب مصادر «السياق»، فإن قادة المليشيات المسلحة زعموا -في بيان- أنهم «لن يسمحوا لمن يسعى لزرع الفتنة بين مكوناتها الأمنية، أو لإحداث أي خروق أمنية لأجندات حزبية أو سياسية»، في إشارة إلى بعض القوى المؤيدة لباشاغا.
وجددت المليشيات المسلحة رفضها لدخول ليبيا لمرحلة انتقالية جديدة تحت أي مسمى، أو لمحاولة البعض تفصيل قوانين أو دساتير على أشخاص بأعينهم، في إشارة إلى حكومة باشاغا التي من المتوقع أن تقود فترة انتقالية تصل بليبيا إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية.
وبحسب مصادر «السياق»، فإن اجتماع المليشيات المسلحة الذي عُقد داخل قاعدة أبو ستة غربي طرابلس، ناقش آليات منع الحكومة الليبية من دخول العاصمة، عبر إغلاق عدد من الطرق الرئيسة، منها الطريق الساحلي وطريق المطار، لعرقلة أي محاولة لها.
وفي أول تطبيق على الأرض لاجتماع المليشيات المسلحة، أكدت مصادر «السياق»، أن تحشيدًا عسكريًا بالآليات الثقيلة شوهد داخل شوارع العاصمة فجر الأربعاء، وسط تخوفات من اندلاع اشتباكات مسلحة بمحيط العاصمة أو داخلها خلال الساعات الماضية، إذا حاول باشاغا دخول طرابلس.
انفراجة نفطية
من التحشيدات العسكرية إلى النفط الليبي، الذي كان على موعد مع تطورات إيجابية، أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط –الأربعاء- رفع حالة القوة القاهرة على ميناءي البريقة والزويتينة، مؤكدة أن الناقلة المسماه «إيبلا» في طريقها لتجهيز شحنة من المكثفات بعد قبولها فنياً من شركة سرت.
من جانبه، قال رئيس مجلس إدارة مؤسسة النفط مصطفى صنع الله، إنه بعد مفاوضات طويلة ومستمرة إبان عطلة عيد الأضحى، جرى الاتفاق على دخول الناقلة فور وصولها ومباشرة شحن المكثفات من ميناءي البريقة والزويتينة.
وأضاف صنع الله، أنه طوال الأيام الماضية تم التواصل مع حرس المنشآت النفطية ورئيس لجنة الطاقة بمجلس النواب الليبي، ما أسفر عن الوصول إلى قناعة بأهمية شحن المكثفات لحل أزمة نقص الغاز في المنطقة الشرقية، وضمان تغذية محطتي الزويتينة وشمال بنغازي، فضلًا عن محطة السرير فور مباشرة إنتاج حقول شركة الواحة.
صراع مؤسساتي
ورغم تلك الانفراجة، فإن مؤسسة النفط نفسها، كانت ساحة للصراع خلال اليومين الماضيين، بعد قرار رئيس الحكومة منتهية الولاية بإقالة رئيس مجلس إدارتها مصطفى صنع الله، وتعيين مجلس إدارة جديد برئاسة فرحات بن قدارة، الذي شغل منصب محافظ البنك المركزي.
إلا أن مجلس الإدارة الجديد بدأت الاستقالات تنخر في مفاصله قبل أن يتسلم مهامه، خاصة بعد اعتذار خليفة عبدالصادق عن تكليفه بشغل منصب وكيل وزارة النفط وعضوية مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط.
بيان الدكتور خليفه رجب عبد الصادق عن قرار تكليفه وكيلًا عامًا لوزارة النفط والغاز وعضواً بمجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط بصفته.
وقال عبدالصادق، في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه: عن نفسي وبصفتي أحد العاملين بقطاع النفط والغاز الوطني، منذ أكثر من عشرين عاماً، أعتذر عن هذا التكليف.
وأضاف: نحن في هذه الظروف الحرجة التي تمر بها البلاد، قطاع النفط -بشكل خاص- في أمس الحاجة إلى المحافظة على وحدته وتماسكه والمحافظة عليه، والتمسك بالدور الفني المهني المحايد الذي تقوم به المؤسسة الوطنية للنفط وإدارتها الحالية بجدارة رغم العواصف التي مرت بها.
وعبَّـر عن أمانيه بأن يتم التعامل مع هذا القطاع الحساس بمسؤولية كبرى وحِكمة، بعيدًا عن الصراعات والتجاذبات والتدخلات، وحفاظًا على مصدر قوت الليبيين وحقوق الأجيال القادمة.