سريلانكا... كيف يعيش الناس في بلد يعاني الإفلاس؟
ما يقرب من تسع بين 10 عائلات تتخطى وجبات الطعام أو تقلل من تناول طعامها، بينما يتلقى 3 ملايين مساعدات إنسانية طارئة.

السياق
«الحياة أصبحت طابورًا طويلًا»، هكذا هي الأيام في سريلانكا، وسط الأزمة الاقتصادية الطاحنة، التي استنزفت مدخرات مواطنيها خلال الأشهر الماضية، والتي حاولوا فيها التكيف مع العراقيل التي باتت يومية في حياتهم.
فلا كهرباء تضيء ليالي الصيف، ولا أجهزة للتهوية تطفئ لهيب نهاره شديد الحر، في ذلك البلد الذي يعاني أسوأ أزمة اقتصادية منذ استقلاله عن بريطانيا عام 1948، التي دفعت الرئيس غوتابايا راجاباكسا إلى تحديد الأسبوع المقبل، موعدًا لتنحيه من منصبه، بعد الضغوط المتزايدة من المتظاهرين، الذين اقتحموا المجمع الرئاسي وأضرموا النار في أحد مبانيه.
أزمة اقتصادية طاحنة، أشار إليها رئيس وزراء سريلانكا رانيل ويكرمسينغ -أواخر الشهر الماضي- قائلًا إن اقتصاد الدولة المثقل بالديون انهار مع نفاد الأموال اللازمة لدفع ثمن الغذاء والوقود، بسبب نقص السيولة اللازمة لدفع ثمن الواردات من هذه الضرورات.
مع هذه الأزمة... كيف يعيش الناس حياتهم اليومية؟
منذ أشهر طويلة يحاول السريلانكيون التكيف مع الواقع الذي وُصف بـ«القاسي»، الذي أصبح ديدن حياتهم اليومي، فلجأوا إلى التخلي عن بعض وجبات الطعام.
ويقول برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، إن ما يقرب من تسع بين 10 عائلات تتخطى وجبات الطعام أو تقلل من تناول طعامها، بينما يتلقى 3 ملايين مساعدات إنسانية طارئة.
وبينما لجأ الأطباء إلى وسائل التواصل الاجتماعي، لمحاولة الحصول على الإمدادات الضرورية من المعدات والأدوية، تسعى أعداد متزايدة من السريلانكيين للحصول على جوازات سفر للهرب إلى الخارج بحثًا عن عمل.
وبحسب «إيه بي سي نيوز»، فإن السلطات الحكومية منحت موظفيها يومًا إجازة إضافية لمدة ثلاثة أشهر، لإتاحة الوقت لهم لزراعة طعامهم بأنفسهم، مشيرًا إلى أن الواقع في سريلانكا أصبح قاسيًا بالنسبة لبلد كان اقتصادها ينمو بسرعة.
فبعد أن أفلست الدولة ونضبت احتياطاتها النقدية وأصبحت على حافة الإفلاس، تحولت الحياة في سريلانكا إلى كتلة من الصعاب، بعد أن ارتفعت الأسعار إلى ضعف ما كانت عليه قبل شهر واحد.
المعركة الكبرى
إلا أن المعركة الكبرى، تكمن في تأمين وسيلة مواصلات، لأن العربات تصطف في طوابير طويلة بالمدن السريلانكية، انتظارًا لدورها في التزود بالوقود، الذي قد يستمر أيامًا، حتى إن قائدي المركبات الصغيرة مثل (التوكتوك)، لجأوا إلى جلب المساند والمياه الصالحة للشرب، كإحدى الوسائل التي تعينهم على البقاء مدة طويلة أمام محطات الوقود.
وأغلقت المدارس في أنحاء البلاد، بعد أن باتت مهمة العثور على وقود مستحيلة، بينما لجأ العاملون في سريلانكا، إلى الحافلات والقطارات التي تعج بالركاب، حتى إن بعضهم يتشبث بالإطار الخارجي للقطار، بعد أن اكتظت مداخل المواصلات العامة ومخارجها بالركاب.
وضاعف انخفاض قيمة الروبية السريلانكية، المعاناة اليومية على المواطنين، بعد أن تسبب في ارتفاع أسعار الأغذية وغاز الطهي والملابس والنقل بشكل كبير، وأدى إلى الصدقات التي كان يخرجها الأغنياء أو ميسورو الحال.
وبحسب «بي بي سي» الإنجليزية، فإن العائلات في الأحياء الفقيرة لجأت إلى الحطب والوقود، لإعداد الوجبات البسيطة، التي بالكاد أصبحت جيوب الموطنين قادرة على شرائها، حتى إن طبق العدس أصبح من قبيل الرفاهية، ناهيك عن اللحوم والأسماك، التي لم يعد الناس يفكرون فيها.
أطفال سريلانكا لم يكونوا بعيدين عن تلك الأزمة، فالأطعمة التي يحصلون عليها، شبه خاوية من البروتين، حتى إن المحال التجارية خلت من لبن البودرة الذي كان في معظم أنحاء البلاد.
تلك المؤشرات دفعت الأمم المتحدة إلى إطلاق تحذير من سوء التغذية، ومن حدوث أزمة إنسانية، في البلد الذي أصبح غير قادر على دفع ديونه، وشراء الضرورات لمواطنيه.
أما القطاع الصحي، فأصبح غير قادر على تحمُّل تكاليف الأدوية المنقذة للحياة، بينما المستشفيات الخاصة تفتح أبوابها في سريلانكا، بوتيرة أقل وبإمكانات تراجعت بشكل كبير عما كانت عليه.
خطورة الأزمة
يقول موقع «إيه بي سي نيوز»، إن الحكومة السريلانكية مدينة بـ 51 مليار دولار، وغير قادرة على تسديد مدفوعات الفوائد على قروضها، ناهيك عن التأثير في المبلغ المقترض.
وأشار إلى أن السياحة -التي تعد محركًا مهمًا للنمو الاقتصادي- تعثرت بسبب الوباء والمخاوف بشأن السلامة بعد الهجمات الإرهابية عام 2019. وانهارت العملة المحلية بنسبة 80%، ما جعل الواردات أكثر تكلفة وتفاقم التضخم، الذي أصبح خارج نطاق السيطرة.
وأوضح أنه بينما لا تكاد توجد أموال لاستيراد البنزين والحليب وغاز الطهي وورق التواليت، كان الفساد السياسي مشكلة، لم يلعب فقط دورًا في تبديد ثروات الدولة، بل في تعقيد أي إنقاذ مالي لسريلانكا.
وقال أنيت موخيرجي، الزميل السياسي، الخبير الاقتصادي في مركز التنمية العالمية بواشنطن، إن أي مساعدة من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، يجب أن تأتي بشروط صارمة للتأكد من عدم سوء إدارتها.
وأشار موخيرجي إلى أن سريلانكا تقع في واحد من أكثر ممرات الشحن ازدحامًا في العالم، لذا فإن ترك بلد بهذه الأهمية الاستراتيجية ينهار ليس خيارًا.
اقتصاد في وضع حرج
يقول الاقتصاديون إن الأزمة تنبع من عوامل محلية، مثل سنوات من سوء الإدارة والفساد، بينما ركز معظم غضب الرأي العام على الرئيس راجاباكسا وشقيقه رئيس الوزراء السابق ماهيندا راجاباكسا.
كانت الظروف تتدهور خلال السنوات العديدة الماضية، ففي عام 2019، قتلت التفجيرات الانتحارية في عيد الفصح في الكنائس والفنادق أكثر من 260 شخصًا، ما دمر السياحة التي تعد مصدرًا رئيسًا للنقد الأجنبي.
واحتاجت الحكومة إلى زيادة إيراداتها مع ارتفاع الدين الخارجي لمشاريع البنية التحتية الكبيرة، لكن بدلاً من ذلك، دفع راجاباكسا من خلال أكبر تخفيضات ضريبية في تاريخ سريلانكا.
وتم عكس التخفيضات الضريبية مؤخرًا، لكن فقط بعد أن خفض الدائنون تصنيفات سريلانكا، ما منعها من اقتراض المزيد من الأموال مع تراجع احتياطاتها الأجنبية.
وفي أبريل 2021، حظر الرئيس راجابكسا فجأة استيراد الأسمدة الكيماوية، من أجل الزراعة العضوية، ما فاجأ المزارعين وأهلك محاصيل الأرز، وأدى إلى ارتفاع الأسعار.
ولتوفير النقد الأجنبي، حظرت السلطات استيراد العناصر الأخرى التي تعد كمالية، بينما قاقمت حرب أوكرانيا أسعار الغذاء والنفط، ودفعت بالتضخم إلى 40% في مايو الماضي.
وتراجعت قيمة الروبية السريلانكية إلى قرابة 360 مقابل الدولار الأمريكي، ما جعل تكاليف الواردات أكثر تعقيدًا، ودفع بالبلد الآسيوي إلى التعثر في سداد نحو 7 مليارات دولار من القروض الأجنبية المستحقة هذا العام من أصل 25 مليار دولار سيتم سدادها بحلول عام 2026.
الحكومة والأزمة
حتى الآن كانت سريلانكا تتأرجح، مدعومة بشكل أساسي بخطوط ائتمان من الهند تبلغ 4 مليارات دولار، فبينما وصل وفد هندي إلى العاصمة كولومبو في يونيو لإجراء محادثات بشأن المزيد من المساعدة، يعلِّق البلد الآسيوي آماله الأخيرة على صندوق النقد الدولي.
وتجري الحكومة مفاوضات مع صندوق النقد الدولي لخطة إنقاذ، إضافة إلى طلبها المزيد من المساعدة من الصين، وقدمت حكومات أخرى -مثل الولايات المتحدة واليابان وأستراليا- دعمًا ببضع مئات الملايين من الدولارات.