بعد اغتياله في هجوم مسلح... مَنْ هو شينزو آبي الزعيم الياباني السابق؟
حث آبي الولايات المتحدة على التخلي عن سياسة الغموض الاستراتيجي تجاه تايوان، والالتزام بالدفاع عن الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي، في حال تعرُّضها لهجوم صيني

السياق
لقي رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي، أحد أقوى زعماء البلاد في فترة ما بعد الحرب، حتفه، الجمعة، في هجوم مسلح أثناء حضوره حدثًا انتخابيًا في مدينة نارا إلى الشرق من مدينة أوساكا وإلى الجنوب من مدينة كيوتو، وفقًا لهيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية (إن إتش كيه).
وتعرض آبي لإطلاق نار وأصيب بجروح خطيرة، خلال إلقاء خطاب في حملته الانتخابية، يوم الجمعة، لينقل جوًا على وجه السرعة إلى المستشفى.
وبعد سويعات، أعلنت هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية وفاة آبي (67 عامًا) في مستشفى بمدينة كاشيهارا.
من هو؟
حسب صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، شغل آبي -الذي دخل المشهد السياسي الياباني منذ فترة طويلة- منصب رئيس الوزراء فترة قصيرة - من 2006 إلى 2007- قبل أن يتولى أعلى منصب سياسي في البلاد مرة أخرى بين عامي 2012 و2020.
وقد هيمن حزبه الديمقراطي الليبرالي من الوسط على السياسة اليابانية، منذ تأسيسه عام 1955.
وأشارت الصحيفة إلى أنه بحلول الوقت الذي استقال فيه بسبب المرض في أغسطس 2020، كان آبي رئيس وزراء اليابان الحديث الأطول خدمة.
وتجاوزت فترة ولايته ولاية جده نوبوسوكي كيشي، الذي قاد اليابان من 1957 إلى 1960.
وقد شغل والده، شينتارو آبي، منصب كبير أمناء مجلس الوزراء، وغالبًا ما يُنظر إلى هذا المنصب على أنه ثاني أقوى منصب في البلاد.
وبينت الصحيفة الأمريكية، أن آبي سعى إلى تحويل بلاده من أمة محمية بالمظلة النووية الأمريكية وملزمة بدستور سلمي، إلى قوة أكثر حزمًا ومشاركة دولية، كما حاول تنشيط الاقتصاد الياباني الراكد، الذي فقد مكانته كأكبر اقتصاد في آسيا بين فترتي توليه المنصب.
كان آبي يبلغ من العمر 52 عامًا عندما أصبح رئيسًا للوزراء للمرة الأولى عام 2006، وبات بذلك أصغر رئيس حكومة سنًا في تاريخ البلاد، وكان يُنظر إليه على أنه رمز للتغيير والشباب، لكنه مثل أيضاً الجيل الثالث من سياسيين ينتمون إلى عائلة محافظة من النخبة.
وشهد عهده فضائح وخلافات، وانتهى باستقالته فجأة، بعد تشخيصه بالتهاب تقرحي في القولون، إلا أنه عند عودته إلى السلطة عام 2012 قال إنه تغلب على المرض بدواء جديد.
هيمنت على ولايته الثانية، استراتيجيته الاقتصادية التي أطلق عليها "آبينوميكس"، وتجمع بين زيادة الميزانيات والمرونة النقدية والإصلاحات الهيكلية، إذ دعت إلى مزيج من التيسير النقدي، كمحاولة لإنهاء أكثر من عقدين من النمو الضائع.
وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أنه للآن لم ينتهِ جدل ما إذا كانت الاستراتيجية ناجحة أم لا.
تحالفات أمنية
وذكرت "واشنطن بوست" أن آبي بنى تحالفًا أمنيًا طويل الأمد بين اليابان والولايات المتحدة، بينما كان حذرًا من الصين، إلا أنه طور علاقات وثيقة بين اليابان والهند، التي تعد أكثر دول آسيا سكانًا بعد الصين.
كما كان آبي مؤيدًا قويًا للحوار الأمني الرباعي، المعروف أيضًا بكواد، وهو تجمع غير رسمي لليابان والهند وأستراليا والولايات المتحدة، يمثل ثقلًا موازنًا لبكين، كما انضم إلى أستراليا لإنقاذ اتفاق تجاري إقليمي كبير، بعد انسحاب واشنطن.
لكن العلاقات مع أقرب جيران طوكيو كانت متوترة خلال وجوده في المنصب، فقد دعم القوميين اليمينيين، من خلال زيارة ضريح ياسوكوني المثير للجدل، الذي يكرم، من بين آخرين، مجرمي الحرب العالمية الثانية.
كما سن آبي قوانين للسماح لقوات الدفاع الذاتي اليابانية بالقتال إلى جانب حلفائها في الخارج، في خطوة أثارت قلق كوريا الجنوبية وأغضبت الصين.
واتخذ آبي موقفًا حازمًا من كوريا الشمالية، لكنه سعى ليكون صانع سلام بين الولايات المتحدة وإيران.
كانت لرئيس الوزراء السابق طموحات طويلة الأمد لتعديل دستور اليابان، إذ إنه على وجه الخصوص، رأى المادة 9، التي تنبذ الحرب وتحظر الجيش، عقبة أمام تولي طوكيو دورًا يليق بقوة إقليمية.
ورغم مهاراته السياسية، لم يحشد آبي الدعم الكافي لإجراء الاستفتاء اللازم لتغيير الوثيقة التأسيسية لليابان الحديثة.
وسعى أيضًا إلى زيادة معدل الولادات، بجعل أماكن العمل أكثر مراعاة للآباء، خصوصًا للأمهات، كذلك عمل على فرض ضريبة استهلاك مثيرة للجدل عام 2019 تهدف للمساعدة في تمويل أماكن بدور الحضانة، للأطفال بعمر الثلاث سنوات وما دون، وكذلك للمساهمة في نظام الضمان الاجتماعي الذي تجاوز طاقته، لكن اقتصاد اليابان بدأ التراجع حتى قبل أزمة كورونا التي قضت على المكاسب المتبقية.
الأنجح
ونقلت "واشنطن بوست" عن جيفري جيه هول، خبير السياسة اليابانية في جامعة كاندا للدراسات الدولية قوله: آبي كان من أنجح رؤساء وزراء اليابان في فترة ما بعد الحرب، مشيرًا إلى سجله في قيادة الحزب الديمقراطي الليبرالي إلى العديد من الانتصارات في صناديق الاقتراع.
وحسب الصحيفة، فإنه خلال السنوات التي أعقبت تركه منصبه، أصبح آبي من أشد المنتقدين لعدوان بكين المتزايد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
ومؤخرًا، حث آبي الولايات المتحدة على التخلي عن سياسة الغموض الاستراتيجي تجاه تايوان، والالتزام بالدفاع عن الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي، في حال تعرُّضها لهجوم صيني.
وأقام آبي -بشكل ملحوظ- صداقة وثيقة مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، عندما كان الاثنان في المنصب، كما كان أول زعيم أجنبي يلتقي ترامب، بعد انتخابات عام 2016.