بمعدل45 حالة كل ساعة .. كيف تواجه المؤسسات الدينية أزمة الطلاق في مصر؟
وحدة لم الشمل التي أنشئت بسبب كثرة الأسئلة الواردة في الأحوال الشخصية، خصوصًا فى الطلاق ونحوه، التي نجحت في حل نحو 77 ألف نزاع من 88 ألف حالة طلبت التدخل

السياق
مع تصاعد معدلات الطلاق في مصر، التي بلغت 45 حالة كل ساعة بحسب الإحصائيات الرسمية، تحركت المؤسسات الدينية للمساهمة في الحد من هذه الظاهرة الاجتماعية.
وكشفت مصادر -في تصريحات خاصة لـ"السياق"- عن دليل استرشادي للمقبلين على الزواج، تعمل دار الإفتاء المصرية على إعداده بشكل غير معلن حتى الآن.
وبحسب المصادر، التي طلبت عدم الكشف عنها، يعرض هذا الدليل تصحيحًا شرعيًا وفقهيًا للمفاهيم المغلوطة في تنظيم العلاقات بين الزوجين، مع توضيح محدد لحقوقهما في مراحل الارتباط، سواء كانت الخطبة أم الزواج، وكذا في حالة الانفصال.
كما كشف المصادر، عن تنظيم دار الإفتاء لعدد من الجلسات النقاشية "غير المعلنة" لمناقشة محتوى الدليل الاسترشادي، ضمت شخصيات عامة من المهتمين بقضايا المرأة بشكل خاص والشأن المجتمعي بشكل عام، وتدوين ملاحظاتهم كافة، مع الوعد بالعمل عليها.
ويبلور الدليل الاسترشادي لدار الإفتاء المصرية، خبرتها من خلال دورات تعدها لتأهيل المقبلين على الزواج من الجنسين، لتعريف كل منهما بما يمكن وصفها بالخطوط الحمراء، التي لا يمكن أن يقبلها أي منهما، وتدريبهم على تقبُّل الاختلاف.
الأزهر يتحرك
من ناحيته، يبحث الأزهر الشريف إصدار دليل شامل، يقدم الجانب المعرفي للملتحقين ببرامج تدريب المقبلين على الزواج، التي يقدمها من خلال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية ومجمع البحوث الإسلامية.
وتقول مصادر مسؤولة بمجمع البحوث، طلبت من "السياق" عدم ذكرها، إن "المجمع" يبحث إصدار كتيب تعريفي وموضح بشكل دقيق للمفاهيم وطرق لحل المشكلات المتوقع حدوثها بشكل شرعي يحفظ حقوق الطرفين، ويعرف كلًا منهما بحقوقه من دون المساس بحقوق الآخر، كما يقدِّم نصائحه للتعامل مع الأبناء في مراحلهم المختلفة.
وعن دور المؤسسات الدينية في الحفاظ على استقرار الأسرة وتوعية طرفيها بحقوقهما من المنظور الشرعي، يقول الدكتور أسامة الحديدي، المدير التنفيذي لمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية لـ"السياق": الأزهر على رأس المؤسسات الدينية التي عليها عبء كبير في الحفاظ على استقرار الأسرة، لذلك لم يقف مكتوف اليدين أمام ظاهري تفشي الطلاق، بل أطلق في ذلك عددًا من المبادرات والمشاريع وبرنامجًا لتأهيل المقبلين على الزواج والمتزوجين، لتوعية الشباب من الجنسين بأهمية بناء أسرة والمحافظة عليها ومخاطر الانفصال، وبناء الوعي الديني والمجتمعي الصحيح، والقضاء على الطلاق والظواهر السلبية والأفكار الهدامة والمتطرفة.
من هذه المشروعات، بحسب الحديدي، وحدة لم الشمل التي أنشئت بسبب كثرة الأسئلة الواردة في الأحوال الشخصية، خصوصًا فى الطلاق ونحوه، التي نجحت في حل نحو 77 ألف نزاع من 88 ألف حالة طلبت التدخل، هذه الحالات كان منها ما هو منظور أمام المحاكم، أو في طريقه لدرجات التقاضي.
وأوضح أنه تم إعلان برنامج للتوعية الأسرية والمجتمعية، جاءت فكرته بعد أن استشعر الأزهر خطورة ظاهرة الطلاق على المجتمع والوطن، لذا يعمل البرنامج على توعية الشباب في العديد من مؤسسات الدولة وهيئاتها، كالجامعات والمدارس ومراكز الشباب وقصور الثقافة والرائدات الريفيات والتجمعات البدوية.
ويلفت الحديدي إلى أن برنامج التوعية الأسرية لا يقتصر دوره على التدخل في حل الخلافات الأسرية، بل يهتم بالتوعية والوقاية وتجفيف منابع هذه الخلافات، بالتعاون مع مؤسسات الدولة وهيئاتها كالمجلس القومي للمرأة، ووزارة الشباب والرياضة، ووزارة الهجرة وشؤون المصرين في الخارج، واستفاد من تلك البرامج التي بلغت 60 ألف لقاء وندوة، ما يزيد على 4 ملايين ومئتي ألف مستفيد في مختلف محافظات مصر.
التوعية بداية العلاج
في الوقت الذي تشير فيه الإحصائيات الرسمية في مصر إلى ارتفاع نسب الطلاق، يدافع المدير التنفيذي لمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية عن دور الأزهر في الحفاظ على الأسرة المصرية، إذ يرى أن تلك المشاريع تسهم بشكل فعال في تقليل نسب الطلاق، وتعمل بتناسق وتناغم في ما بينها، لتشكل منظومة متكاملة للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة وما لها من آثار سلبية، سواء على المدى القريب أم البعيد، فلا يقتصر العمل على التدخل في حل النزاعات الأسرية، بل هناك توعية وتأهيل للمقبلين على الزواج لاقتلاع مشكلات الطلاق من جذورها.
ويلفت الحديدي إلى تلقي المشاركين في دورات تأهيل المقبلين على الزواج محتوى علميًا متخصصًان يري أن من المهم جدًا اعتماده من المؤسسات التعليمية، لتعزيز الاستقرار الأسري.
من جانبه، يؤكد الشيخ صالح عامر عضو لجنة الفتوى الرئيسة بالأزهر، أحد الحكام المنتدبين للعمل داخل محاكم الأسرة المصرية طبقًا لقانون الأحوال الشخصية، بانتداب حكمين من الأزهر في حالات الطلاق أو الخلع، يقول لـ"السياق": ارتفاع معدلات الطلاق اللافت يحتم على المؤسسات الدينية البحث عن أسبابه والعمل على حلها.
وفي هذا الإطار، يلفت عامر إلى دوره داخل محاكم الأسرة، والعمل بشكل مباشر مع الأزواج المقبلين على الطلاق أو الخلع، ومحاولة إنهاء الشقاق والخلاف بينهم، مع بيان خطورة الطلاق وتشتيت الأسرة.
كما يشير إلى أن دوره يكون إيضاح حقوق الطرفين بشكل واضح ودقيق، ليس فقط في حال الانفصال، لكن عند استكمال الزواج، الأمر الذي كان سببًا في تنازل عدد كبير منهم عن الدعاوى والتصالح بشكل ودي.
ويري الشيخ صالح، أن هناك ضرورة للتكاتف بين مؤسسات الدولة والعمل مع المؤسسات الدينية، للحد من انتشار ظاهرة الطلاق، كأن تقدم أعمال فنية تعظم من شأن تماسك الأسر، كما تعمل المؤسسات التشريعية على إصدار قانون يلزم المقبلين على الزواج بحضور الدورات التدريبية والتأهيلية، التي تعدها مؤسستا الأزهر والإفتاء المصرية وغيرهما.
وطالب بضرورة اعتماد تلك الدورات كمقررات دراسية ملزمة للجميع، سواء لطلاب المدارس أم الجامعات.
أدوار عدة
المؤسسات الدينية ليست فقط لتوجيه أوامر دينية أو النهي عن محرمات، هكذا يقول الدكتور محمد سيد وردان،ي مدير المركز الإعلامي بمجمع البحوث الإسلامية، الأستاذ بجامعة الأزهر، إذ يرى في تصريحاته لـ"السياق" أنها مؤسسات كغيرها تُعنى بصالح الناس والمجتمع، ودورها الدعوي والتوعوي أصيل، تتجلى مقوماته في تنوير العقول، لا كما يظن البعض أنه تخويف الناس بالنصوص الشرعية.
وأضاف ورداني، أن المطالع لخطط واستراتيجيات المؤسسات الدينية في مصر، يدرك ذلك من خلال انغماسها بشكل مباشر في مواجهة المشكلات المترسخة في المجتمع، والعمل المستمر على حلها، فضلًا عن أن هذه المؤسسات تعكف على دراسة تلك المشكلات، ليس من جانب ديني فقط، وإنما من جوانب اجتماعية ونفسية لمعرفة أسبابها والمساهمة في حلها، وهو ما ينفي ما يدعيه البعض بأنها بعيدة عن واقع الناس.
كما أوضح أن المجتمع يئن بمشكلات كالطلاق، الذي يسببه غياب الوعي ومعرفة أهمية رباط الزواج، ونقص الثقافة المتعلقة بإقامة أسرة آمنة، ولذلك فإن المؤسسات الدينية -وعلى رأسها الأزهر الشريف- لجأت إلى مواجهة هذه المشكلة التي تهدد استقرار المجتمع، بمعالجة البنيان الأول لها، المتمثل في الإقدام على الزواج فجاءت مبادرة "لتسكنوا إليها" لتكون مسارًا في بناء الأسرة المسؤولة، وقدمت دورات للمقبلين على الزواج، حتى يدركوا أهمية هذا البناء لهم ولمجتمعهم.
المواجهة –في وجهة نظر مدير المركز الإعلامي بمجمع البحوث الإسلامية لمشكلات الطلاق- تحتاج إلى وسائل متنوعة، لأن خطاب الناس وتأثرهم وأجهزة الاستقبال من فئة لفئة ومن فرد لفرد تختلف، فمنهم من لا يؤثر فيه إلا الخطاب المباشر، ومنهم من لا يحركه إلا الأعمال الفنية الهادفة، ومنهم من يحتاج إلى المواجهة بالمعرفة والخطوات المنهجية، وبذلك فإن إصدار دليل للتوعية بهذا الأمر أراه من الأهمية بمكان، خاصة في مراحل سنية معينة، وأيضًا قبل الزواج، فالبيت الذي يبنى على معرفة أكثر استقرارًا من بيت يقوم على جهل.