بين دوداييف وقاديروف... كيف قسمت الحرب الأوكرانية المقاتلين الشيشان إلى فريقين؟
كتيبتين شيشانيتين تقاتلان إلى جانب أوكرانيا: كتيبة الشيخ منصور وكتيبة جوهر دوداييف -التي سُميت على اسم قادة شيشانيين أسطوريين قاوموا الحكم الروسي

ترجمات - السياق
زلزال هز العالم، مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، التي لم تضع أوزارها، فأصاب أركانه بالتصدع، وكشف تشققات في الجبهات الخارجية بين الدول، وأخرى داخلية لم تكن أقل وطأة.
أحد ذلك التصدعات، كان الذي ظهر جليًا في الشيشان، تلك الجمهورية الصغيرة ذات الأغلبية المسلمة، الخاضعة للحكم الروسي في جبال القوقاز، التي انقسمت لفريقين، أحدهما تعهد بالولاء لموسكو، بينما الثاني يصف الأول ومقاتليه بـ«الخونة» لانضمامهم إلى البلد الذي قصف بلداتهم ومدنهم منذ عقود.
صحيفة واشنطن بوست سلَّطت الضوء -في تقرير- على تلك الهوة، قائلة إنه ضمن القوات الروسية، توجد فرقة شيشانية تُعرف باسم «القاديروفيين» على اسم الزعيم الشيشاني السابق أحمد قاديروف، الذي غير ولاءه للانضمام إلى روسيا بحملتها العسكرية الثانية في الشيشان، بين عامي 1999 و2000.
فريقان... أوكراني وروسي
داخل الجيش الأوكراني عدد غير معلوم من الشيشان، الذين يعتقدون أن هذه المعركة -وقف أهداف الكرملين الإمبريالية- بدأت مع وطنهم.
قائد يقود فصيلة استطلاع، تعد جزءًا من جهاز المخابرات العسكرية الأوكرانية، سمى نفسه ماخنو لعدم كشف هويته، قال: "هناك عدد قليل جدًا منا، لقد تم طرد شعبي وإبادتهم (...) الروس يدمرون شعبنا، كيف لا نحاربهم؟".
ماخنو لا يتردد في قتل أهالي قاديروف، حتى لو كانوا رفقاء شيشانيين، قائلًا: «لقد بدأوا قتلنا أولًا، إنهم مجرد جنود روس الآن، لا فرق، لا علاقة لهم بنا».
ماغا مقاتل متطوع يبلغ من العمر 29 عامًا في أوكرانيا، كان مجرد صبي خلال الحرب الثانية لروسيا في الشيشان، إلا أن إحدى ذكرياته الأولى الاختباء في قبو مع عائلته، وبعد أن صعد جده صعد إلى الطابق العلوي ليشاهد الطائرات والمروحيات الروسية تحلق في سماء المنطقة، تبعه ماغا خائفًا من ترك جده وشأنه.
يتذكر ماغا: «ثم كانت هناك فرقعة، فرقعة، فرقعة! سقط صاروخ في مكان قريب. كانت الضوضاء عالية ومخيفة لدرجة أنها أوقعتني من على قدمي وأعود إلى أسفل الدرج إلى الطابق السفلي».
كراهية متوارثة
وأضاف أن كراهيته لروسيا متوارثة في الأسرة، فوالده حارب روسيا في حربين وحشيتين، من أجل استقلال الشيشان، كما أن الهجمات الجوية الروسية على العاصمة جروزني -قبل ربع قرن- أدت إلى تدمير كل المباني تقريبًا.
وبينما أعادت موسكو تأسيس حكمها المباشر على الشيشان عام 2000، لم يستسلم مخنو وآخرون، فأداروا عمليات تمرد ضد القوات الشيشانية الموالية لروسيا، لكن عندما بدأ الانفصاليون -بقيادة روسيا- حربًا في منطقة دونباس شرقي أوكرانيا عام 2014، كان مخنو في أوروبا، يتعافى من إصابة تعرض لها أثناء القتال.
ثم أدرك أن هناك ساحة معركة جديدة يمكن أن يواجه فيها عدوه، فجاء إلى أوكرانيا كجندي متطوع قبل أن يصبح عضوًا كامل العضوية في القوات المسلحة عام 2018، بحسب "واشنطن بوست".
أما ماغا، فكانت العملية العسكرية الروسية فرصته الأولى لمواصلة قتال والده، فانضم إلى كتيبة متطوعين، لم يكن لديها حتى سترات واقية من الرصاص وخوذات، إلا أنه في النهاية، حصل على مجموعة مستخدمة تم التبرع بها، وتولى منصبًا بضاحية Moschun في كييف، حيث وقعت بعض المعارك الأكثر حدة.
تساؤلات حائرة
وقال ماغا: "لا أفهم من ربى الرجال في الشيشان، يمكنهم الآن أن يقولوا، نحن جنود مشاة بوتين، كيف يمكنك أن تفعل ذلك؟ كيف يمكنك أن تكره شعبك؟!".
في الجهة الأخرى حاول رمضان قاديروف استخدام قناته على تليجرام، التي يتابعها أكثر من 2.5 مليون، حيث ينشر تعليقات متجولة تصف العملية العسكرية في أوكرانيا بأنها «حرب مقدسة» ويدعي غزو المدن والبلدات الأوكرانية.
وبصرف النظر عن بضعة أسابيع بداية الحرب، أثناء محاولة روسيا الفاشلة لاحتلال كييف، لم يشارك أهالي قاديروف في القتال على الخطوط الأمامية، وفقًا لمحللين عسكريين، وبدلاً من ذلك كُلفوا بعمليات تنظيف أقل شهرة، وتأمين المدن والبلدات التي سيطرت عليها موسكو.
وقال مايكل ناك، المحلل العسكري والمدون الروسي المستقل: «إنهم ليس لديهم أي خبرة في القتال، لذا فهم ليسوا جنودًا»، مضيفًا: "أطلق عليهم الكثير من الناس جيش تيك توك، في إشارة إلى منشورات المجموعة بأنفسهم وهم يطلقون النار على ما يبدو أنه مبانٍ شاغرة".
الأكثر رعبًا
وأشار إلى أنهم نجحوا بين الأوكرانيين العاديين، واكتسبوا سمعة بأنهم الأكثر رعبًا من القوات الروسية، بينما يقول المسؤولون الأوكرانيون إن عائلة قاديروف كانت مسؤولة عن بعض أسوأ الفظائع، مثل قتل المدنيين وتعذيبهم بالمناطق المحتلة في جميع أنحاء منطقة كييف.
وعن تلك الممارسات وأسباب قتاله إلى صفوف أوكرانيا، قال مخنو: «مهما فعلوا هنا، فعلوه بأقاربنا في المنزل أولاً. لهذا السبب نحن نقاتل هنا».
وفي الأيام الأخيرة، ادعى قاديروف -مرارًا وتكرارًا- الفضل في «الغزو التاريخي» لمنطقة لوهانسك، مضيفًا أنه «بالنسبة لنا نحن الشيشان على الأقل، لا تزال العملية الخاصة بعيدة عن الانتهاء»، مستخدمًا الاسم المفضل للكرملين للحرب.
وقال إنه يأمل أن يسمح بوتين لرجاله بمهاجمة كييف وإبادة الشيشان الذين يقاتلون في الجانب الأوكراني، الذين وصفهم بـ«الجرذان» و«الإرهابيين المعترف بهم رسميًا».
وأضاف: «لديّ طلب واحد فقط يتمثل في منحنا الإذن بالذهاب، إذا لزم الأمر، حتى إلى كييف نفسها والتغلب على أعداء الدم لدينا»، في إشارة إلى مقاتلي الشيشان الذين يقاتلون ضمن صفوف أوكرانيا.
الشيشان الحقيقيون
وبحسب ما ورد، فإن كتيبتين شيشانيتين تقاتلان إلى جانب أوكرانيا: كتيبة الشيخ منصور وكتيبة جوهر دوداييف -التي سُميت على اسم قادة شيشانيين أسطوريين قاوموا الحكم الروسي.
وفي فبراير الماضي، أعلن آدم عثماييف قائد كتيبة جوهر دوداييف، في مقطع فيديو أن مقاتليه ينضمون إلى القتال ضد روسيا، وحث الأوكرانيين على عدم التفكير في مقاتلي قاديروف على أنهم شيشان.
وأضاف: «الشيشان الحقيقيون يقفون معك، ينزفون معك، كما فعلوا في السنوات الثماني الماضية»، في إشارة إلى بدء العملية العسكرية الروسية على شرقي أوكرانيا وغزو القرم عام 2014.
وعام 2012، اتهمت روسيا عثماييف بالتآمر لاغتيال بوتين.
الجدير بالذكر أنه عام 2017 كان عثماييف وزوجته يقودان سيارتهما في كييف، عندما نصب لهما مسلحون كمينًا عند معبر للسكك الحديدية، ما أدى إلى قتل قرينته.