هل يقاتل بوتين حتى النهاية ؟
فورين بوليسي: الفكرة القائلة إن زعيم روسيا يقاتل حتى النهاية مجرد خرافة

ترجمات-السياق
قالت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، إن الصورة السائدة عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كشخص يقاتل حتى النفس الأخير مجرد خرافة، مشيرة إلى أنه كثيراً ما يتراجع عن موقفه.
وأوضحت المجلة، في تقرير بموقعها الإلكتروني، أن هناك قصة معروفة عن الرئيس الروسي، كان قد ذكرها في سيرته الذاتية، أنه عندما كان طفلاً ظل يطارد فأراً حول منزل عائلته، وتمكن في النهاية من حصاره في زاوية، إلا أن الفأر فر وحاول عض بوتين، وهذه التجربة، على حد تعبير الأخير، علَّمته أنه إذا حوصر فإنه "عليه القتال حتى خط النهاية في كل قتال، كما أنه لا توجد فرصة للتراجع".
وتابعت: "غالباً ما يستشهد المسؤولون الغربيون بهذه القصة لتأكيد أن بوتين لا يتراجع، وأنه يتصرف بشكل خطير، خصوصًا عند محاصرته، وقد أدى هذا الاعتقاد إلى تخوف الكثيرين في الغرب من أن يتخذ الرئيس الروسي خطوات أكثر وحشية وتدميراً، أو حتى اللجوء إلى استخدام الأسلحة الكيماوية أو النووية، في حال تعرُّضه لهزيمة مُذِلة في أوكرانيا".
ورأت المجلة أن هذا الافتراض قد يكون وراء الضغط الغربي على أوكرانيا، للتخلي عن بعض الأراضي وتقديم تنازلات، لإنهاء الحرب مع روسيا، إذ أشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي، والمستشار الألماني أولاف شولتز، وحتى الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ، مراراً وتكراراً، إلى أن أوروبا تريد "بعض المفاوضات الموثوقة والحلول الدبلوماسية".
وذكرت المجلة أن هناك مشكلة واحدة تتعلق بافتراض أن بوتين لن يتراجع، أن الأمر غير صحيح، فقد كان ذلك جزءًا من صناعة الأسطورة التي نجح الرئيس الروسي في بنائها حول نفسه، والتي تم ابتلاعها بسهولة من العديد من السياسيين الغربيين، لكن على عكس الاعتقاد الشائع، فإنه عندما يواجه القوة والعزم، فإن بوتين غالباً ما يتراجع وليس الرد بخطوات تصعيدية بشكل أكبر.
ورصدت المجلة عدداً من الأمثلة على كلامها، قائلة إن أحد الأمثلة الصارخة على ذلك، كان في نوفمبر 2015 عندما أسقطت تركيا طائرة مقاتلة روسية من طراز "Su-24" بالقرب من الحدود التركية السورية، إذ إنه في ذلك الوقت، كانت هناك مخاوف من احتمال تصاعد الوضع إلى صراع مباشر بين روسيا وعضو في "الناتو"، لكن بدلاً من ذلك، كان رد فعل بوتين معتدلاً، إذ فرضت موسكو عقوبات تجارية طفيفة على الواردات التركية، وعلقت الرحلات السياحية الروسية إلى أنقرة، حتى أنه تم رفع تلك الإجراءات الصغيرة بعد أشهر، عقب إرسال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اعتذاراً إلى الكرملين.
وأضافت: "كما وقعت اشتباكات مباشرة بين الجيش الأمريكي وقوات مجموعة فاجنر للمرتزقة، المدعومة من روسيا، لكنها لم تتسبب في تصعيد خطير من جانب بوتين، فعلى سبيل المثال، قتلت غارة جوية أمريكية عام 2018 شمالي سوريا العديد من مرتزقة فاجنر الروس، وفي الوقت نفسه تقريباً وقع اشتباك مباشر بين المرتزقة الروس والقوات الأمريكية بمعركة خشام في فبراير 2018، التي قُتل فيها عدد من المتعاقدين العسكريين الروس (المرتبطين أيضاً بمجموعة فاجنر)، لكن لم ينتقم بوتين لذلك، بل لم يكن هناك حتى رد من الكرملين، ورغم حديثه المتكرر عن مواجهة الولايات المتحدة، فإنه عندما يتعلق الأمر بصراع مميت، بين القوات الروسية والأمريكية، فإنه لا يكون هناك أي تلميح لرد من جانب الرئيس الروسي".
ووفقاً لـ"فورين بوليسي"، فإن أحدث دليل على الأرض في أوكرانيا يتعارض أيضاً مع فكرة إصرار بوتين الدائم، إذ إنه عند إدراك الفشل الذريع للهدف الطموح الأولي، المتمثل بتغيير النظام في كييف، فإن الكرملين راجع خططه وتبنى أهدافاً أقل طموحاً، وبدلاً من التصعيد ومضاعفة القوات، أعلن الكرملين عن هدف أكثر تواضعاً، يتمثل في "تركيز جهوده على تحرير منطقة دونباس".
وعلى مستوى السياسة الداخلية في موسكو، التي كان يهيمن عليها بوتين بشكل شبه مُطلَق، فإنه عندما واجه مقاومة قوية للغاية تراجع، وجاء المثال الأكثر شهرة على ذلك عام 2005 عندما حاول الرئيس الروسي استبدال بعض المزايا مثل النقل العام المجاني وتقديم إعانات خاصة للإسكان والأدوية لكبار السن بمدفوعات نقدية شهرية، إذ إنه عندما واجه احتجاجات حاشدة على هذه الخطوة، تراجع بسرعة عن قراره.
وقالت المجلة إنه بالنظر لهذه الأمثلة، والكثير غيرها، فإن الافتراض السائد بأن بوتين لا يتراجع خاطئ للغاية، وأن هذا الاعتقاد الخاطئ الذي يروِّج له عملاء الرئيس الروسي أدى، في كثير من الأحيان، إلى ردع القيادة الغربية وتراجعها عند مواجهة العدوان الروسي، وكان أبرز مثال على ذلك عام 2014 عندما نصحت الولايات المتحدة أوكرانيا بعدم مقاومة ضم شبه جزيرة القرم، خوفاً من التصعيد الروسي، مضيفة أن تهديدات بوتين الضمنية المستمرة بالتصعيد النووي، صُممت للاستفادة بمخاوف الغرب من إمكانية انتشار الحرب في أوكرانيا على نطاق أوسع، وهي المخاوف التي تسببت في الكثير من الضرر، حيث أخرت تسليم الأسلحة الهجومية إلى كييف.
ورأت "فورين بوليسي" أن بوتين لا يواجه تهديداً بأن يُحاصَر في أوكرانيا، كما أنه كثيراً ما تتم المبالغة من الغرب، في الحديث عن القيود الداخلية التي يواجهها الرئيس الروسي في هذه الحرب، إذ يحكم بوتين قبضته القوية على الطريقة التي ينظر بها الروس إلى الوضع على الأرض في أوكرانيا، كما أنه عادةً ما يكون قادراً على تحويل استطلاعات الرأي عن الحرب في غضون أسابيع، بفضل سيطرة موسكو على التلفزيون الروسي، فعلى سبيل المثال، قال 69% من الروس إنهم عارضوا المساعدة العسكرية المباشرة للرئيس السوري بشار الأسد في سبتمبر 2015، وبعد بضعة أسابيع فقط، بحلول أوائل أكتوبر 2015، قال 72% من الروس إنهم يدعمون حملة القصف التي تشنها بلادهم في دمشق، وبالنظر لما يتم داخل روسيا، فإنه لا يمكن لبوتين أن يخسر هذه الحرب في أعين شعبه، حسب المجلة.
وأوضحت "فورين بوليسي" أن هناك بعض الدلائل التي وصفتها بـ"المشجعة" على أن القادة الغربيين بدأوا يفهمون أن تهديدات بوتين بالتصعيد جوفاء، وأن الأسطورة القائلة إنه لا يتراجع خاطئة، مشيرة إلى أنه عندما هدد الرئيس الروسي "بضرب تلك الأهداف التي لم نقم بضربها بعد" في أوكرانيا إذا زوَّد الغرب كييف بأسلحة بعيدة المدى في 5 يونيو، مضت الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى قدماً وسلَّمت الأسلحة.
وقالت المجلة: رغم أنه يجب أن يكون هذا هو التصرف الطبيعي وليس الاستثناء، فإنه لا يزال يتم توجيه الدعوات إلى أوكرانيا لتقديم تنازلات لروسيا، ومنح بوتين وسيلة لحفظ ماء الوجه، خاصة بين القادة الأوروبيين، الذين يريدون دعم الأساطير الخاصة بالرئيس الروسي، التي استخدموها لتبرير استرضائه على مدى سنوات.
ونهاية التقرير، ذكرت المجلة أنه رغم تهديدات بوتين بالتصعيد، فإنه يجب أن تحصل أوكرانيا على الدعم الذي تحتاجه، بما في ذلك الأسلحة الهجومية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والدعم الدبلوماسي، لكسب هذه الحرب.