السبعاوي والجمرة الخبيثة.. كيف خطط داعش لشن هجمات كيماوية على أوروبا؟

من خلال تجنيد السبعاوي، حصل التنظيم على خدمات خبير نادر لديه سنوات من الخبرة العملية في صُنع أسلحة كيماوية بكميات صناعية

السبعاوي والجمرة الخبيثة.. كيف خطط داعش لشن هجمات كيماوية على أوروبا؟

ترجمات - السياق

كشفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، أن تنظيم داعش الإرهابي، خطط لشن هجمات كيماوية على أوروبا، مشيرة إلى أن المسؤولين الأمريكيين أطلقوا عملية عام 2015 لقتل خبير أسلحة رئيس مع الجماعة الإرهابية، كان يقف وراء هذا المخطط.

وروت الصحيفة قصة صالح السبعاوي، الذي اعتمد عليه تنظيم داعش لتنفيذ هذا المخطط، مشيرة إلى أنه في صيف 2014 -بينما كان أتباعه يجتاحون مدن شمالي العراق- عقد زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي اجتماعًا سريًا مع خبير أسلحة، حيث كان القائد الإرهابي حريصًا على اكتساب مهاراته غير العادية.

وبينت أن ضيف البغدادي كان رجلاً صغيرًا، بالكاد يزيد ارتفاعه على 5 أقدام، وقد تم إطلاق سراحه من فترة طويلة قضاها في السجون الأمريكية والعراقية، لكن قبل ذلك، كان السبعاوي مسؤولاً عراقيًا ذائع الصيت، إذ إنه (مهندس متدرب في روسيا، وساعد في بناء ترسانة العراق الواسعة من الأسلحة الكيماوية).

وحسب الصحيفة، فقد كان البغدادي قد استدعى سبعاوي (52 عامًا) لعرض وظيفة عليه، وسأله (إذا تم تزويده بالمعدات والموارد المناسبة، فهل يمكنه إنتاج الأسلحة نفسها لتنظيم داعش؟)، وكان رد السبعاوي، بحسب تقرير استخباري لاحق عن الاجتماع، (نعم... يمكنه فعل ذلك وأكثر).

ترسانة كيماوية

وهكذا بدأ -حسب "واشنطن بوست"- ما وصفه المسؤولون الأمريكيون والأكراد العراقيون بأنه جهد عارم يهدف إلى بناء أكبر ترسانة من الأسلحة الكيميائية، وربما البيولوجية، التي جمعتها جماعة إرهابية على الإطلاق.

وأشارت الصحيفة، إلى أنه في غضون ستة أشهر، بتوجيه من السبعاوي، كان تنظيم داعش يصنع غاز الخردل، وهو سلاح كيميائي من حقبة الحرب العالمية الأولى، إضافة إلى قنابل وصواريخ مليئة بالكلور.

لكن -تضيف الصحيفة- طموحات السبعاوي، وكذلك البغدادي، كانت أكبر بكثير، وفقًا لتفاصيل كُشف عنها مؤخرًا عن برنامج أسلحة داعش، حيث سلطت تقارير المخابرات الكردية العراقية -التي اطلعت عليها "واشنطن بوست"- الضوء على الدور الذي لعبه سبعاوي، وهو شخصية غامضة معروفة داخل الجماعة الإرهابية باسم أبو مالك، والخطة الطموحة لقادة تنظيم الدولة لتطوير واستخدام أسلحة دمار شامل في العراق وخارجه.

وحسب الصحيفة الأمريكية، تظهر رؤى جديدة أيضًا من تحقيق أجرته الأمم المتحدة يمشط ملايين الصفحات من سجلات التنظيم، في الوقت الذي يبحث فيه عن أدلة على جرائم الحرب التي ارتكبها.

إضافة إلى ذلك، تحدث العديد من المسؤولين الأمريكيين الحاليين والسابقين -في مقابلات مع "واشنطن بوست"- للمرة الأولى بالتفصيل عن عملية عسكرية مخططة بشكل عاجل، نفذتها عام 2015 قوات العمليات الخاصة الأمريكية بمساعدة البشمركة الكردية، لقتل السبعاوي وسحق الأسلحة والبرنامج قبل أن يصل إلى مرحلة النضج.

وأوضحت الصحيفة، أن المسؤولين الأمريكيين علموا من خلال المراقبة الإلكترونية عام 2014 أن السبعاوي كان يعمل على إنتاج أسلحة جديدة قوية باستخدام توكسين البوتولينوم والريسين القاتلين للغاية، مع متابعة خطط صُنع الجمرة الخبيثة كأسلحة.

وأشارت إلى أن (توكسين البوتولينوم)، يُعد سمًا عصبيًا مشتقًا من البكتيريا نفسها التي تسبب التسمم الغذائي، وسبق استخدامه من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي كسلاح محتمل خلال الحرب الباردة، أما (الريسين) فهو مادة سامة مستخرجة من حبوب الخروع ، كان يستخدمها السوفييت في الاغتيالات السياسية.

مخزون كبير

ونقلت "واشنطن بوست" عن مسؤولين أمريكيين -حاليين وسابقين- قولهم: إن نية السبعاوي كانت إنشاء مخزون كبير يتكون من أنواع من العوامل الكيماوية والبيولوجية، لاستخدامها في الحملات العسكرية، وكذلك في الهجمات الإرهابية ضد المدن الكبرى في أوروبا.

وكشف مسؤول أمريكي كبير -مطلع على عمليات داعش- أن مقاتلي داعش كانوا يتطلعون على وجه التحديد إلى أوروبا الغربية.

وقال المسؤول، الذي تحدث بشرط عدم كشف هويته: "نعلم أنهم كانوا مهتمين أيضًا بالقواعد العسكرية الأمريكية، في القارة الأوروبية، أو حقًا في أي مكان"، مضيفًا: "كانوا في النهاية سيذهبون مع الهدف الأسهل".

وبينت الصحيفة الأمريكية، أنه كان قد تم الإبلاغ عن تصنيع داعش كميات صغيرة من الأسلحة الكيماوية، مشيرة إلى أن الجماعة الإرهابية استخدمت غاز الكلور والخردل ضد القوات الكردية والعراقية ما يقرب من عشرين مرة، منذ أوائل عام 2015 حتى تحرير مدينة الموصل العراقية بعد ذلك بعامين.

بينما استكشفت -حسب الصحيفة- مجموعات إرهابية أخرى، بما في ذلك تنظيم القاعدة، جدوى صُنع أسلحة كيماوية وبيولوجية، لكن من خلال تجنيد السبعاوي، حصل التنظيم على خدمات خبير نادر لديه سنوات من الخبرة العملية في صُنع أسلحة كيماوية بكميات صناعية.

وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أن الإشارة العلنية الوحيدة للحكومة الأمريكية إلى السبعاوي، جاءت في بيان موجز للبنتاغون عام 2015 أعلن فيه قتل "مهندس أسلحة كيماوية" يُدعى أبو مالك في غارة جوية، لافتة إلى أن قلة فقط كانوا يعرفون في ذلك الوقت تجربة السبعاوي أو رؤيته لتزويد قادة داعش بأسلحة مخيفة لزيادة حملة الإرهاب التي يشنها التنظيم في أوروبا.

ونقلت الصحيفة عن غريغوري كوبلنتز، الخبير في الأسلحة الكيماوية والبيولوجية ومدير برنامج (بوي أدفانس غراديوت) في مدرسة شار بجامعة جورج ميسون: "لو نجا أبو مالك، لكانت خبرته قد زادت خطر الأسلحة الكيميائية"، مضيفًا: "إنه لأمر مروع للغاية التفكير في ما كان يمكن أن يحدث إذا استخدم داعش سلاحًا كيميائيًا ، بدلاً من البنادق والقنابل، لشن إحدى هجماته في مدينة أوروبية كبرى".

مصانع سامة

وذكرت "واشنطن بوست" أنه خلال حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، وفي ذروة حكم صدام حسين كزعيم قوي للعراق، كان مركز تصنيع الأسلحة الكيميائية العراقية مُجمعًا صناعيًا ضخمًا يسمى مؤسسة المثنى العامة، على بُعد نحو 85 ميلاً شمالي غرب بغداد.

وأشارت إلى أن العلماء العراقيين أشرفوا حينها على إنتاج أربعة أنواع على الأقل من الأسلحة الكيماوية، التي استخدمها الجيش في الخنادق الوحشية بالحرب الإيرانية العراقية.

وبينّت أنه من بين عشرات العلماء الذين تم توظيفهم في المثنى كان السبعاوي، الذي -وفقًا لملف استخباراته- تولى وظيفة في المنشأة عام 1989، في سن 28، لافتة إلى أنه عمل مهندسًا كيميائيًا بالجيش بعد تدريبه في العراق والاتحاد السوفييتي، كما عمل في معمل الأسلحة حتى توقفت العمليات بهزيمة الجيش العراقي في حرب الخليج الأولى عام 1991.

وأوضحت الصحيفة، أنه مع نهاية الحرب العراقية الإيرانية كان من الممكن إنتاج 500 طن من خردل الكبريت، المعروف بغاز الخردل، كل عام، إلى جانب كميات أقل من عوامل الأعصاب الفتاكة، مثل التابون والسارين وفي إكس.

وكشفت عن أن السبعاوي كان متورطًا بشكل خاص في إنتاج غاز الخردل، خلال السنوات الثلاث الأخيرة للمصنع، وفقًا لملف تحتفظ به إدارة مكافحة الإرهاب التابعة لحكومة إقليم كردستان العراق.

مهارات السبعاوي

وبينت "واشنطن بوست" أنه بعد الحرب، تم تفكيك مصانع الأسلحة الكيماوية بشكل منهجي في التسعينيات تحت إشراف الأمم المتحدة، وتدمير مئات الأطنان من الأسلحة -التي ساعد السبعاوي في صنعها- في المحارق أو إبطال مفعولها كيميائيًا.

وأمام ذلك، ذكرت الصحيفة أن السبعاوي احتفظ بوظيفته العسكرية وتمت ترقيته -نهاية المطاف- إلى رتبة عميد، لكن يبدو أن استياءه من تدمير برنامج الأسلحة الكيماوية العراقية لم يكن قد انتهى من ذاكرته.

وبحسب ملفه الاستخباراتي، فقد انضم إلى جماعة متمردة بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، متحالفًا مع إرهابيين أطلقوا على أنفسهم "القاعدة في العراق"، وألقي القبض عليه عام 2005 وقضى السنوات السبع التالية خلف القضبان، أولاً في مركز احتجاز عسكري أمريكي، ثم في سجن عراقي يديره مدنيون.

وبصفته ضابطًا عسكريًا رفيع المستوى، حافظ السبعاوي على روابط سياسية مهمة، إذ كشف مسؤولو المخابرات أنه تمكن -في النهاية- من استخدام هذه العلاقات لاستعادة حريته، حيث خرج من السجن عام 2012، في اللحظة التي بدأت فيها جماعته المتمردة القديمة في استعادة قوتها تحت اسم جديد، داعش في العراق.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أكراد عراقيين قولهم: السبعاوي ربما عرف البغدادي في وقت سابق، ومن ثمّ فبعد خروجه من السجن، كان الأخير أصبح الخليفة المزعوم لداعش، ومهتمًا بشدة بأذرعه السابقة، بعد أن أكمل إرهابيوه غزوهم للموصل عام 2014.

وحسب "واشنطن بوست" كانت تلك لحظة انتصار البغدادي، وكان يتطلع للاستفادة منها، فبعد أن استولى على مساحات شاسعة من العراق وسوريا، سيطر على موارد لم يمتلكها أي زعيم إرهابي (القواعد العسكرية والمصانع والجامعات ومحطات التلفزيون وخوادم الإنترنت والبنوك المليئة بملايين الدولارات بالعملة الصعبة).

ومن ثمّ فإنه مع وجود عشرات الآلاف من المقاتلين تحت قيادته، ووصول المزيد كل يوم، أعلن البغدادي لأتباعه أن داعش سيغزو -نهاية المطاف- كل الشرق الأوسط، مع استخدام التهديد بوقوع هجمات إرهابية كبيرة الحجم، لمنع الدول الغربية من التدخل.

"أمير" الأسلحة الكيماوية

ووصفت "واشنطن بوست" السبعاوي الكردي بأنه "أمير" الأسلحة الكيماوية، مشيرة إلى أن ملفه عبارة عن حزمة كثيفة من الوثائق والتقارير التي تمتد عشر سنوات، بما في ذلك الفترة القصيرة لكن المزدحمة للغاية، عندما كان يحمل لقب أمير تصنيع الأسلحة الكيماوية والبيولوجية لتنظيم داعش.

ويظهر ملفه أنه كان رجلاً في منتصف العمر بشعر قصير، ولحية رمادية وعينين بنيتين.

بينما زعم بعض الخبراء العراقيين، الذين ذهبوا للعمل في تنظيم الدولة، أنهم أُجبروا على تولي وظائف بعينها، لأنه لم يكن لديهم طريقة أخرى لكسب العيش، بينما على النقيض من ذلك، تشير وثيقة موجزة عن دور السبعاوي في الجماعة الإرهابية إلى أنه كان مواليًا ومقربًا جدًا من البغدادي، وحصل على مكافأة جيدة على خدمته.

وتظهر السجلات أنه بعد وقت قصير من اجتماعه مع البغدادي، حصل السبعاوي على مختبره الخاص، في مدرسة فنية على أرض جامعة الموصل، وسمح له بتوظيف موظفين محترفين، بينهم مهندسون مدربون في الخارج.

وبينت الصحيفة، أنه في صيف 2014 -لمساعدة السبعاوي في الحصول على المواد اللازمة- نظم التنظيم حشدًا واسعًا لمئات المعامل والمستودعات في المنطقة للمعدات والإمدادات، التي يمكن استخدامها لصُنع أسلحة من جميع الأنواع، من المتفجرات التقليدية إلى المركبات السامة.

وحيال ذلك الأمر، قال جيف برودير، خبير الأسلحة الكيماوية والبيولوجية المتقاعد بالجيش الأمريكي، الذي حقق في أنشطة داعش بعد طرد التنظيم من الموصل: "لقد دخل الإرهابيون المدارس والمصانع والعيادات الطبية وجردوهم من كل شيء يعدونه مفيدًا".

وكما أكد محققو الأمم المتحدة، عرض داعش استخدام سجناء عراقيين كموضوعات اختبار بشرية محتملة للأسلحة الجديدة التي سيصنعها السبعاوي.

وتشير السجلات والمقابلات إلى أن الجماعة استخدمت سجناء في محاكمات بشرية في مناسبات عدة، وفقًا لتقرير صدر العام الماضي عن فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة، لتعزيز المساءلة عن الجرائم التي ارتكبها داعش.

وأوضحت الصحيفة، أنه بسبب خلفية السبعاوي في صناعة غاز الخردل، بدأت محاولاته الأولى لإنتاج الأسلحة بهذا المركب البسيط نسبيًا.

ونقلت عن خبراء مطلعين على برنامج السبعاوي قولهم إنه تحول إلى صيغة أبسط تنتج منتجًا أقل فاعلية، إذ خلص المحققون من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وهي مجموعة مراقبة الأسلحة الكيميائية التي مقرها لاهاي أنها ستجمع العينات، إلى أن علامته التجارية من غاز الخردل كانت بدائية نسبيًا، وتميل إلى التدهور بسرعة، ومع ذلك، كانت جيدة بما يكفي لاستخدامها في المعركة.

وحسب الصحيفة، فقد وثق المحققون 20 هجومًا كيميائيًا من تنظيم داعش بين يناير 2015 وأبريل 2017، وشملت جميعها غاز الخردل أو الكلور، وهو مجمع صناعي مشترك متوفر على نطاق واسع في العراق وسوريا، تم تحميله في قذائف الهاون أو الصواريخ أو وضعه في براميل وتفجيره في هجمات انتحارية.

وأمام ذلك، فقد أثار اهتمام داعش بغاز الخردل كأسلحة في ساحة المعركة إنذارات في واشنطن، لكن هذه المخاوف تعمقت مع اكتشاف قادة التنظيم خططًا لصنع أسلحة إضافية وتصديرها لاستخدامها في الهجمات الإرهابية.

ولإيقاف ذلك، فإنه بعد ظهر أحد الأيام أواخر يناير 2015، كان السبعاوي يقود سيارته إلى منزله من العمل برفقة أحد أبنائه، وعلى ما يبدو غير مدرك أن سيارته يتم تعقبها، أطلقت طائرة أمريكية، على الأرجح طائرة من دون طيار، صاروخًا أصاب السيارة وقتلهما، وأعقبت ذلك ضربات أخرى استهدفت شبكة السبعاوي الصغيرة من المعامل ومراكز الإنتاج.