نتائج انتخابات لبنان... صراع ما قبل الاستحقاق الدستوري يكشف التوقعات
التلويح بعصا داعش... صراع الاستحقاق الدستوري بلبنان يصل المحطة الأخيرة ومخاوف من سيطرة حزب الله

السياق
استدعاء الجانب الطائفي والتلويح بعصا «داعش» وإسرائيل، للترهيب والترغيب، كان أحد جوانب ملامح الصراع على أول انتخابات لبنانية، تُجرى منذ الاحتجاجات الجماهيرية ضد النخبة الحاكمة عام 2019، وانفجار ميناء بيروت الدامي عام 2020.
الحدثان عززا الدعوات للدفع بالعملية السياسية المعطلة في البلد الآسيوي، لتكون أولى نتائجهما، توجه الناخبين اليوم الأحد إلى مراكز الاقتراع لانتخاب 128 نائبًا برلمانيًا، في الانتخابات النيابية الشاملة، الهادفة لتحريك الركود الذي يغلف المشهد الحالي.
إلا أن ملامح نتائج تلك الانتخابات بدأت تظهر مبكرًا قبل التصويت عليها، وهو ما بدا واضحًا في السجال السياسي وطريقة حشد الناخبين التي ظهرت خلال الأيام الماضية.
تراشق سياسي
أحد ذلك السجالات كان التراشق بين جبران باسيل صهر الرئيس اللبناني ميشال عون وحليف حزب الله للقوى المناوئة لهما، الذي جاء بعد أيام من ترهيب الحزب للناخبين في الجنوب.
وشن باسيل هجومًا على حزب القوات اللبنانية، وحركة أمل وزعيمها نبيه بري رئيس البرلمان اللبناني، خلال مهرجان انتخابي للتيار الوطني الحر في البترون، زاعمًا أن «من يصوت للقوات يصوت لإسرائيل وداعش»، مشيرًا إلى أنهم «كانوا ولا يزالون ضمن المشروع الإسرائيلي في المنطقة».
في المقابل، رد سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية، متسائلًا عبر «تويتر»: «إلى ماذا استند جبران باسيل بقوله إن من يصوّت للقوات يصوّت للعدو الإسرائيلي ولداعش؟ هو لا يستند إلى شيء إلّا على ذهنيته المريضة».
شعارات واهنة
إلى ذلك، قال الكاتب والباحث السياسي اللبناني عاصم عبدالرحمن، في تصريحات لـ«السياق»، إن التراشق الإعلامي لم يقتصر على طرف بعينه، بل مورس من كل الأطراف تجاه الآخرين، واصفًا ذلك بـ«الحالة الطبيعية» التي تحدث عشية كل استحقاق انتخابي، لـ «شد العصب الطائفي والعشائري والحزبي، لدفع الأنصار والمؤيدين والمترددين في لحظة انتخابية حساسة للتوجه نحو الاقتراع بكثافة».
ويرى الباحث السياسي اللبناني، تصريحات باسيل تعبيرًا عن «ضعف» موقفه الانتخابي، مشيرًا إلى أن أنصاره يحاولون إخفاء ذلك «الضعف» بالترويج بأنه «لن يُهزم في هذه الانتخابات، وأنه سيعود على رأس كتلة نيابية أصغر عن الدورة الماضية بـ29 نائبا».
ورغم تحالفه مع حزب الله، الذي يعتمد على الدين الإسلامي كمنهج سياسي، فإن باسيل ما زال يعتمد على شعارات «واهنة»، اعتاد إطلاقها للتجييش الطائفي، منها «حقوق المسيحيين وصون كيانهم الوجودي في المشرق العربي، بحسب عبدالرحمن.
وأكد أن حزب الله وحركة أمل، يمتلكان أساليب الترهيب السياسي بحق خصومهم، خاصة من أبناء الطائفة الشيعية التي ينتميان إليها، بالشكل الذي يكفي لجعل المعارضين الشيعة يترددون في التصويت لهؤلاء الخصوم.
نهج ترهيبي
وأشار إلى أن هذا النهج «الترهيبي» يدل على أن الحزب والحركة لا يخشيان خسارة المعركة الانتخابية، بل يرغبان في عدم السماح بـ«خرق البيئة الشيعية» بصوت نيابي معارض.
وتوقع عودة الحصة النيابية الشيعية المحددة بـ27 نائبًا في البرلمان، إلى حزب الله وحركة أمل، لأن خصومهما لا يشكلون كتلة موحدة في وجههما، مؤكدًا أن آخر استطلاعات الرأي أشارت إلى فوز حزب الله وحلفائه بأكثرية نيابية تتخطى الـ70 نائباً من أصل 128 عضوًا بالبرلمان اللبناني.
مأزق سياسي
تصريحات عبدالرحمن وافقه فيها فتحي محمود، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، الذي أكد في تصريحات لـ«السياق»، أن تراشق جبران باسيل مع خصومه السياسيين يعكس المأزق الذى يمر به التيار الوطني الحر نتيجة تحالفه مع حزب الله.
وأوضح عضو المجلس المصري، أن التيار يشعر بأنه خسر كثيرًا من قاعدته الشعبية في الطائفة المسيحية نتيجة تحالفه مع حزب الله، إضافة إلى الفشل «الكبير» لولاية ميشال عون الرئاسية، وتراجع حظوظ جبران باسيل في الوصول إلى مقعد رئاسة الجمهورية نتيجة ذلك.
ورغم ذلك، فإنه قال إن هذا الأمر لا يعنى فشل تحالف حزب الله الحالي مع حركة أمل والتيار الوطني الحر وبعض الأقليات في الحفاظ على أغلبيته النيابية، مشيرًا إلى أن هذا التحالف يستخدم سلاحين وصفهما بـ«الخطيرين» للسيطرة على الانتخابات، هما «المال السياسي وإغلاق معظم بلدات الجنوب بالقوة».
شراء الأصوات
وأشار عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، إلى أن تحالف حزب الله ضخ مئات الملايين من الدولارات في الانتخابات، استخدم بعضها في «رشوة» الناخبين مباشرة، مستغلًا الأحوال المعيشية والمالية المتردية التي يعانيها معظم اللبنانيين.
وأكد أن سعر الصوت الانتخابي خلال الأيام الأخيرة بلغ 300 دولار، إلى جانب تمويل عمليات نقل الناخبين لمراكز الاقتراع وتوفير وجبات غذائية لهم يوم الانتخابات، وكذلك الدعاية الانتخابية المكثفة على مواقع التواصل الاجتماعي وشاشات التليفزيون وإعلانات الطرق.
وتشير التقديرات إلى أن حجم المال السياسي، الذى ينفق في هذه الانتخابات، قد تجاوز المليار دولار، في بلد يعاني أزمة اقتصادية طاحنة، ما يثير الدهشة، بحسب عضو المجلس المصري، الذي حذر من تأثير هذا المبلغ «الضخم» في نتائج الاستحقاق الدستوري.
سلاح القوة
وفي ما يتعلق بـ«سلاح القوة» وفرض الأمر الواقع، أكد فتحي محمود أن هذا التحالف أغلق عددًا كبيرًا من بلدات الجنوب ومناطق أخرى أمام المرشحين الآخرين بالقوة، مستغلًا ضعف الدولة اللبنانية، وعدم قدرة الأجهزة على الدخول في صدام مع الحزب.
وشدد على أن حزب الله قد يلجأ إلى هذا السلاح، لتكون النتائج لصالح الحزب، ليثبت لخصومه أن ما يقال عن انشقاقات وعدم رضا عن الحزب لدى بعض القواعد الشعبية الشيعية «غير صحيح».
وحذر عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية من أن استخدام تحالف حزب الله لسلاحي المال السياسي والقوة، إلى جانب الانقسام الذى يسود قطاعًا من الطائفة السنية بشأن المشاركة في الانتخابات، سيؤدي لاستمرار حفاظ تحالف حزب الله على الأغلبية البرلمانية، ما قد يتسبب في استمرار أزمة تشكيل أي حكومة جديدة، تكون قادرة على اتخاذ إجراءات الإصلاح الاقتصادي المطلوبة من المؤسسات المالية الدولية.
وأكد أن نتائج تلك الأوضاع، ستدفع بلبنان إلى حالة من الفراغ الرئاسي، عقب انتهاء ولاية الرئيس عون العام المقبل، بسبب صعوبة التوافق على الرئيس الجديد، مع تزايد النفوذ الإيراني في لبنان، واستمرار حزب الله في التدخل بالشئون الداخلية للدول العربية، تنفيذًا للمصالح الإيرانية، ما سيعود سلبًا على لبنان وعلاقاته بمحيطه العربي.