ماذا يجب على أمريكا إذا فشلت محادثات الصفقة النووية الإيرانية؟

خلال الأسابيع المقبلة، ستكون المشاركة الأمريكية حاسمة لمنع الحرب السرية الجارية بين إيران وإسرائيل من الخروج عن السيطرة

ماذا يجب على أمريكا إذا فشلت محادثات الصفقة النووية الإيرانية؟

ترجمات - السياق

رأت مجلة فورين أفيرز الأمريكية، أن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن -المقررة منتصف يوليو الجاري- إلى الشرق الأوسط، تأتي في وقت عصيب وحرج دوليًا، خصوصًا أنها تتزامن مع الجهود الجارية لإحياء المحادثات المتوقفة بين الولايات المتحدة وإيران، لإعادة إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، وهي الصفقة التي تهدف إلى منع طهران من تطوير سلاح نووي.

وأشارت إلى أنه منذ الجولة الأخيرة من المحادثات في فيينا، سرّعت طهران برنامجها، وتوشك على الوصول إلى عتبة امتلاك قوة نووية، لافتة إلى أنه عندما وجهت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي هيئة الرقابة النووية التابعة للأمم المتحدة، اللوم لإيران لعدم تعاونها مع المفتشين، زادت إيران تقليصها لرقابة الوكالة على برنامجها النووي، وأعلنت عن منشآت تخصيب متطورة جديدة تحت الأرض.

الموقف الإسرائيلي

وتطرقت "فورين أفيرز" إلى الحديث عن الموقف الإسرائيلي تجاه الملف النووي الإيراني، مشيرة إلى أن إسرائيل طالما تعهدت بعدم التسامح مع تحول إيران إلى دولة نووية، وتعمل خارج المؤسسات متعددة الأطراف لتحقيق هذا الهدف.

وأمام ذلك -حسب المجلة الأمريكية- خططت إسرائيل لاغتيال عدد من العلماء والمسؤولين العسكريين الإيرانيين، كما شنت هجمات جوية على أهداف إيرانية في سوريا، ووسعت قدراتها الهجومية استعدادًا لهجمات جديدة على المواقع النووية والمنشآت العسكرية الإيرانية.

وأضافت المجلة، أن الإسرائيليين يسعون -بدعم أمريكي- إلى تنظيم تحالف عسكري ضد إيران مع عدد من الدول العربية، مشيرة إلى أن "وول ستريت جورنال" الأمريكية، كانت قد كشفت أن الولايات المتحدة عقدت اجتماعًا، في مارس الماضي، مع مسؤولين أمنيين من مصر وإسرائيل والأردن وقطر والبحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لدمج تبادل المعلومات الاستخباراتية، وأنظمة الدفاع الجوي لمكافحة التهديدات الجوية الإيرانية.

ورغم محاولات واشنطن لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، كأفضل وسيلة للسيطرة على برنامج إيران النووي، فإن المجلة الأمريكية ترى أنه في حال فشل ذلك، فإن إدارة الرئيس جو بايدن قد تتبنى نهج إسرائيل الحالي في احتواء إيران.

ونوهت إلى أن النهج الإسرائيلي، يستلزم تشديد الخناق الاقتصادي على إيران، وإجبارها على الخروج من سوق النفط، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة ستدعم إسرائيل في تنفيذ هجمات داخل إيران، وفي جهودها الرامية إلى نسج تحالف مع الدول العربية يرمي إلى احتوائها.

وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أن هذا التحالف -في جوهره- يُعد أحد مهام اتفاقات "أبراهام" -الإنجاز البارز للسياسة الخارجية لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب- لافتة إلى أنه رغم أن هذا الاتفاق يربط بين العديد من الدول سياسيًا واقتصاديًا، فإنه لم يتطور إلى اتفاق دفاع عسكري فعّال، تدعمه الولايات المتحدة.

وشبهت المجلة، الوضع الحالي بسبعينيات القرن الماضي، عندما أوكل الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، إلى شاه إيران أمن الشرق الأوسط، وبالمثل، فإن إدارة بايدن، في الواقع، تسلم مهمة احتواء إيران إلى إسرائيل.

وأمام ذلك، رأت المجلة الأمريكية، أن هذا النهج محفوف بالمخاطر، إذ إنه خلافًا لما كان عليه الوضع قبل نحو 50 عامًا، فإن الشرطي الذي عينته الولايات المتحدة في المنطقة، هذه المرة، لا يحاول اجتناب الصراع وإنما هو اللاعب الإقليمي الذي يدفع بأشد الوضوح إلى التصعيد.

لذا -تضيف المجلة- على واشنطن أن تتبنى استراتيجية مختلفة، تهدف إلى تجنب الصراع من خلال الجمع بين الأمن الإقليمي وتشجيع تقوية الروابط الدبلوماسية بين إيران والدول العربية، مشيرة إلى أن ذلك سيكون من الأمور القليلة التي يمكن أن تسهم في تقليل التوترات المتزايدة بالشرق الأوسط.

رأس الأخطبوط

وتطرقت "فورين أفيرز" للحديث عن خطة (رأس الأخطبوط) التي تبنتها إسرائيل مؤخرًا، لمنع إيران من تطوير أسلحتها النووية، التي ترمي ليس فقط إلى تقويض جهود توقيع أي اتفاق نووي جديد مع طهران، أو إعادة إحياء الاتفاق السابق الموقع عام 2015، إنما إلى ضرب البرنامج النووي وتخريبه، واستهداف برامج عسكرية أيضًا، ما قد يمهد إلى تقويض النظام برمته في إيران.

وأشارت إلى أنه طالما تعهدت إسرائيل بأنها لن تسمح لإيران بالتحول إلى قوة نووية، إذ يعتقد رئيس وزراء إسرائيل -المنتهية ولايته- نفتالي بينيت أن الرجوع إلى الصفقة النووية كفيل بإعطاء إيران موارد إضافية للسعي إلى تحقيق طموحاتها الإقليمية، إلا أنه خلافًا لسلفه بنيامين نتانياهو قضى وقتًا قليلًا في الحشد ضد الصفقة، وبدًلا من ذلك زاد جهوده، لا لتخريب البرنامج النووي الإيراني وحسب، وإنما لتقويض الدولة الإيرانية.

فأوائل يونيو الماضي، تعليقًا على التوبيخ الرسمي الذي وجهته الوكالة الدولية للطاقة الذرية للحكومة الإيرانية لعدم تعاونها مع المفتشين، قال بينيت أمام الكينيست الإسرائيلي: "ولى زمن الحصانة التي تهاجم فيه إيران إسرائيل، وتنشر الإرهاب بواسطة وكلائها الإقليميين من غير أن تدفع الثمن".

وأمام ذلك، أطلق بينيت العنان لما تعرف باستراتيجية الأخطبوط ضد إيران، التي تضمنت عمليات تخريب واغتيالات وحرب إنترنت واستهداف عسكريين وبنية أساسية في إيران وكذلك لحلفائها في العراق ولبنان وسوريا.

وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أن هذا النهج الجديد -الذي يتجاوز استهداف المنشآت النووية إلى التركيز بصفة أوسع على إيران نفسها- كان أقل قابلية للتنبؤ، وأكثر عدوانية وتعقيدًا مقارنة بالحملات الإسرائيلية السابقة.

 

ففي الأسابيع الأخيرة -على سبيل المثال- وسعت إسرائيل أهداف الاغتيال لتتجاوز المرتبطين بالبرنامج النووي، وأبرز ذلك عندما قتل مرتبطون في ما يبدو بالموساد عقيدًا في قوات الحرس الثوري بطهران. ولم تكن تلك حادثة منفردة، إذ تشير تقارير حديثة إلى وفيات غامضة وتفجيرات مشبوهة وحوادث صناعية.

وأوضحت المجلة الأمريكية، أن من الأمور الحاسمة لاستراتيجية بينيت إقامة قدرات لإسرائيل على حدود إيران، وبحسب مصادر في المنطقة، اعتمدت حملة التخريب والاغتيال التي قامت بها إسرائيل في إيران على قواعد في أذربيجان ذات الحدود المشتركة مع إيران في الشمال، ومنطقة كردستان العراق المشتركة حدوديًا مع إيران في الغرب.

وبينت، أنه في الوقت الذي أعرب فيه ينيت عن أمله بأن توفر الاتفاقيات الإبراهيمية ثقلا مضادًا إقليميًا لطهران، فإن الاتفاقيات وسعت حضور إسرائيل في الخليج العربي، فضلًا عن إمداد حلفائها بأنظمة دفاع جوي متطورة ورادارات وتكنولوجيا إنترنتية، بينما تشجع واشنطن مصر والأردن على تعميق روابطهما الأمنية بإسرائيل.

استراتيجية إيران

في المقابل، رأت "فورين أفيرز" أن استراتيجية إيران تعتمد على (النفس الطويل)، مشيرة إلى أنه بينما تستمر إسرائيل في هجومها، تسعى إيران إلى كسب الوقت.

وبينّت أنه من خلال اجتناب المواجهة المباشرة مع إسرائيل، يمكن أن ترسخ طهران برنامجها النووي، وتعزز برنامجها الصاروخي وطائراتها المسيرة، وتوسع قدراتها العسكرية في العراق ولبنان وسوريا واليمن.

كما يعتقد المسؤولون الإيرانيون -حسب المجلة- أنه لو تمكنت إسرائيل من اجتذاب طهران إلى صراع أكبر، فإن إدارة بايدن ستضطر إلى التدخل عسكريًا، فضلًا عن أن تصاعد العداوات سيزيد احتمال أن تجرب دول عربية إضافية حظها مع إسرائيل.

ومع ذلك -تضيف المجلة الأمريكية- فإن إيران تهاجم إسرائيل، من خلال وكلاء مثل حماس وحزب الله، لافتة إلى أنه على مدى الأشهر الماضية، أطلق حزب الله طائرة مسيرة داخل الأراضي الإسرائيلية، وتردد أن ميلشيات عراقية متحالفة مع إيران نفذت هجمة إلكترونية على مطار إسرائيل الرئيس، بينما أطلقت حماس صواريخ على طائرات إسرائيلية.

وتُظهر إيران أيضًا استعدادًا متزايدًا لاستهداف مواقع مخابراتية إسرائيلية قريبة من حدودها، وتزيد التكاليف على الدول التي تسهل العمليات الإسرائيلية ضد منشآتها.

وقد صدق ذلك بصفة خاصة عندما لاحقت إسرائيل الحرس الثوري الإيراني، وهو فرع من القوات المسلحة له نفوذ كبيرة على الحكومة الإيرانية، فبعدما قتلت ضربات جوية إسرائيلية اثنين من قادة الحرس الثوري في سوريا، وأدى هجوم طائرة مسيرة يفترض أنها إسرائيلية انطلقت من كردستان العراق إلى تدمير منشأة عسكرية غربي إيران، نفذت طهران تدريبات عسكرية على حدودها مع أذربيجان وهاجمت أهدافًا في كردستان العراق منها قاعدة يفترض أنها تابعة للموساد.

علاوة على ذلك، فقد ضغطت طهران أيضًا على حلفائها العراقيين لتمرير قانون يجرم تطبيع العلاقات مع إسرائيل، إذ يعتزم القانون الغامض أن يُبقى العراق خارج مجال نفوذ إسرائيل المتوسع، وتضغط أيضًا على الحكومة الإقليمية الكردستانية شبه المستقلة ذاتيًا لتقلل تعاونها مع إسرائيل.

ولم تغب هذه الخطوات عن إسرائيل، إذ إنه بعد الهجمة الإسرائيلية على مطار دمشق الدولي، نصحت الحكومة الإسرائيلية مواطنيها بالبقاء بعيدًا عن تركيا، وهي مقصد سياحي شعبي لدى مواطنيها، خشية أن تكون لإيران خطط للانتقام من خلال مهاجمة إسرائيليين.

إحياء الاتفاق النووي

كما تطرقت "فورين أفيرز" إلى الحديث عن محاولات واشنطن لإحياء الاتفاق النووي، مشيرة إلى أنه في خضم هذه الاضطرابات المتصاعدة، يتفاوض أعضاء من إدارة بايدن في الدوحة، بالتنسيق مع مسؤولين في الاتحاد الأوروبي، لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة.

وحسب المجلة الأمريكية، فإن محاولات واشنطن هذه لها أوجه كثيرة، مشيرة إلى أن قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالانسحاب من الصفقة النووية سنة 2018 قلص الفترة التي تحتاج إليها طهران لصنع قنبلة نووية، إذ أنه كان ينبغي على إيران  -بموجب الاتفاقية الأصلية- أن تكون على بُعد عام من امتلاك القدر الكافي من المادة الانشطارية لصنع قنبلة واحدة، لكن الآن وفقًا للاتفاقية الجديدة سيكون هذا الإطار الزمني أقل بستة أشهر.

وأشارت المجلة إلى أن الضغوط والعقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على طهران، أسهمت في إجبارها على إجراء معظم تجارتها النفطية بشكل سري، ما دفع الحرس الثوري الإيراني إلى تأمين ميزانيته، من خلال إدارة قسم كبير من تلك التجارة غير المشروعة بشكل مباشر.

ومنذ عام 2018، تبيع إيران النفط خِلسة، إذ يجري الجزء الأكبر من تجارتها عبر السوق السوداء، ما سمح للحرس الثوري ببيع حصته من النفط، وبناء تحالفات اقتصادية، وعليه، فإن الجزء الأكبر من إيرادات الحرس الثوري من خارج الميزانية الحكومية الرسمية.

وفي ضوء هذه الوقائع -تضيف المجلة الأمريكية- لدى النافذين في الحرس الثوري الإيراني حافز قوي لمعارضة صفقة نووية جديدة، لأن عائدات إيران النفطية ستذهب من جديد إلى الحكومة الإيرانية، ومن ثمّ يتعين على الحرس الثوري عرض ميزانيته على الرقابة المدنية، وهو ما يرجح مواجهته لضغط عام للتخلي عن جزء منها.

وهذه الدعوة غير مرحب بها، في وقت يسعى فيه الحرس الثوري إلى زيادة قدرته العسكرية، ويحاول الحفاظ على تكافؤ استراتيجي مع إسرائيل، ومن وجه آخر، عززت الهجمات الإسرائيلية المتزايدة مقاومته للصفقة، ويشتبه في كونها مكيدة أمريكية، تهدف إلى تقويض قدرة إيران على الرد العسكري.

ولكن -حسب المجلة الأمريكية- فإن الثابت في الأمر أن الصفقة ستبعث الحياة في الاقتصاد الإيراني، في وقت يتعاظم فيه السخط الشعبي، كما ستتيح الصفقة -حال إتمامها- فرصًا تجارية مع جيران إيران، بينما تعمل إسرائيل على توسيع علاقاتها بالدول العربية.

وأشارت إلى أن من يناصرون من الزعماء الإيرانيين إبرام هذه الصفقة، قادرون على التغلب على الحرس الثوري إذا كانت الوعود الاقتصادية للصفقة سريعة وكبيرة، وإذا ما اطمأنت إيران إلى أنه سيتم الوفاء بها، مشددة على أن العجز عن التوصل إلى اتفاقية يزيد خطر التصعيد مع إسرائيل.

دور أمريكي

ورأت المجلة الأمريكية، أنه من المفارقات أن كلاً من إسرائيل والحرس الثوري الإيراني يعارض الاتفاق النووي ويستعد لصراع يلوح في الأفق.

وعن الدور الأمريكي لإتمام الصفقة، بينت "فورين أفيرز" أنه خلال الأسابيع المقبلة، ستكون المشاركة الأمريكية حاسمة لمنع الحرب السرية الجارية بين إيران وإسرائيل من الخروج عن السيطرة، خوفًا من أن تنفجر الهجمات المتصاعدة من قبل إسرائيل والوكلاء الإيرانيين في مواجهة أكبر، ما يؤجج التوترات من بلاد الشام إلى شبه الجزيرة العربية.

وأشارت إلى أن ذلك قد يطيل أمد الأزمات السياسية في العراق ولبنان، ويحرف الهدنة الهشة في اليمن، بل ويجدد جذوة الصراع في سوريا، وقد يجر الولايات المتحدة لترجع إلى التعامل مع المنطقة في لحظة تتمنى فيها أن تركز على روسيا والصين.

ولاجتناب هذه النتائج -تضيف المجلة الأمريكية- لابد أن تضع إدارة بايدن خطوطًا حمراء مع الحكومة الإسرائيلية وتصر على حدود للهجمات الاستفزازية، ولابد أيضًا أن تضع الولايات المتحدة استراتيجية لاستقرار الشرق الأوسط لا تقوم فقط على احتواء إيران ومواجهتها أو تأمين تخفيض قصير المدى لأسعار النفط، بل لا بد أن تضع إطارًا دائما لمنع الصراع، مشددة على أن الوسيلة الأنجع لذلك إبرام صفقة نووية مع إيران.

وأوضحت أنه من المؤكد أن هذه الصفقة لن تمضي بعيدًا بما يرضي إسرائيل، ولن تنهي أنشطة الحرس الثوري الإيراني ووكلائه في المنطقة، لكنها ستعالج برنامج إيران النووي، بما يجعل العمل الإسرائيلي العاجل غير ضروري، وستقلل من احتمال الأعمال الانتقامية الإيرانية في المنطقة -ومنها الموجهة ضد الناقلات والمنشآت النفطية- التي من شأنها أن تزعج أسواق الطاقة العالمية.