لأول مرة منذ 18 عامًا.. حرمان مليون عراقي في الخارج من الانتخابات

انتخابات العاشر من أكتوبر الجاري، ستجرى على أنغام الاحتجاجات السابقة، وبنكهة التنافس بين الفصائل السياسية المتناحرة، وستكون شاهدة على حرمان نحو مليون عراقي في الخارج، من المشاركة في الحدث الديمقراطي، الذي يعد الأبرز في البلد الآسيوي.

لأول مرة منذ 18 عامًا..  حرمان مليون عراقي في الخارج من الانتخابات

السياق

 أيام قليلة، ويشهد العراق أول انتخابات برلمانية، بعد الاحتجاجات التي اندلعت عام 2019، في حدث سيكون شاهدًا على حرمان العراقيين في الخارج، من حق المشاركة في التصويت، للمرة الأولى منذ 18 عامًا.

فانتخابات العاشر من أكتوبر الجاري، ستجرى على أنغام الاحتجاجات السابقة، وبنكهة التنافس بين الفصائل السياسية المتناحرة، وستكون شاهدة على حرمان نحو مليون عراقي في الخارج، من المشاركة في الحدث الديمقراطي، الذي يعد الأبرز في البلد الآسيوي.

كانت المفوضية العليا للانتخابات، أصدرت في مارس الماضي، قرارًا بمنع تصويت العراقيين في الخارج، رغم أنها نظمت في دورات سابقة، مشاركتهم في التصويت عبر الممثليات الدبلوماسية.

المفوضية العراقية بررت حينها قرارها، بعدم وجود وقت كاف لتجهيز العملية بالنسبة إلى عراقيي الخارج، إضافة للأوضاع الحرجة التي فرضها وباء كورونا، وحماية الانتخابات من التزوير.

وعن العدد التقريبي لعراقيي الخارج، قال المتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط، عبدالزهرة محمد الهنداوي: «لا تتوفر أي بيانات عن عددهم»، مشيرًا إلى أنه رغم كل المحاولات، فإن الإقبال كان ضعيفاً ولم يُسجل من البيانات سوى عدد محدود، إذ لا توجد جهة يمكنها الوصول إليهم وتسجيل بياناتهم.

 

انتخابات الخارج

بعد انهيار نظام الرئيس السابق صدام حسين، صدر أمر بتشريع قانون مفوضية الانتخابات العراقية المستقلة، التي تعنى بتنظيم ومراقبة وإجراء الانتخابات، في حدث شهد حينها جدلًا بشأن مشاركة العراقيين في الخارج، إلا أن مجلس المفوضية العليا للانتخابات حسمها لصالح المشاركة، رغم معارضة ممثلي الأمم المتحدة.

ونجحت مفوضية الانتخابات، في إدارة أربع دورات برلمانية للعراقيين في الخارج، الذين يتجاوز عددهم ثلاثة ملايين مواطن، بدءًا من عام 2005، الذي شهد تصويت 320 ألفًا، و2010 الذي شهد تصويت 250 ألفًا، و2014 الذي شهد تصويت 272 ألفًا، إلا أن عدد الناخبين انخفض عام 2018 إلى 170 ألفًا.

 

في الميزان

وبحسب وسائل إعلام محلية، فإن قرار مفوضية الانتخابات، بإلغاء تصويت الخارج، يتعارض مع مواد الدستور (14، 16، 20) التي تكفل المساواة، تكافؤ الفرص بين العراقيين، وحق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح، مشيرة إلى أنه يخالف –كذلك- قانون انتخابات مجلس النواب النافذ رقم 9 لسنة 2020.

أسباب القرار

المفوضية العليا للانتخابات في العراق، أرجعت قرارها، بإلغاء انتخابات العراقيين في الخارج، لأسباب عدة، بينها: صعوبة إكمال عملية تسجيل الناخبين العراقيين في الخارج (إلكترونيًا)، واعتذار وزارة الخارجية عن عدم إجراء الاقتراع في السفارات والقنصليات العراقية، لاستحالة إقامتها في المرحلة الراهنة، بسبب الظروف الصحية الحرجة التي تفرضها جائحة كورونا.

ومن أسباب المفوضية لإلغاء التصويت، ضيق الوقت المتاح لعملية فتح حسابات جارية، باسم مكاتب المفوضية خارج العراق، بينما تجرى العملية الانتخابية في أماكن غير خاضعة للسيادة العراقية، ما يجعلها تحت قوانين تلك الدول، من دون ولاية للقضاء العراقي على المخالفات والتجاوزات، التي قد تحصل خلال إجراء العملية الانتخابية، فضلًا عن أن إرسال موظفي المفوضية لدول أخرى، في ظل الظروف الصحية الحرجة، المتمثلة بانتشار جائحة كورونا، يعرِّض سلامتهم إلى الخطر.

أسباب مفوضية الانتخابات، أيدها مستشار رئيس مجلس الوزراء لشؤون الانتخابات، قائلًا: لم تجر الانتخابات في الخارج من قبل المفوضية، إضافة إلى رفض أو امتناع عشرين دولة، عن فتح مراكز اقتراع بسبب جائحة كورونا، والتكلفة المرتفعة لإجراء الاقتراع في الخارج، واحتمال تزيرها.

 

إجراء تعسفي

قرار مفوضية الانتخابات، رفضه عراقيو الخارج، مؤكدين أنه يحرمهم من أحد الحقوق التي كفلها لهم الدستور، مشيرين إلى أنه إجراء تعسفي بحق أكثر من مليون عراقي، وينطوي على تجريدهم من مواطنتهم، خاصة أن الأغلبية منهم تركوا العراق قسراً.

وتقول الكاتبة العراقية سعاد الجزائري، المقيمة في إنجلترا، في تصريحات صحفية: «في أي بلد حر وديمقراطي لا يُسلب حق المواطن في الانتخاب، أو اختيار من يمثِّله»، مشيرة إلى أن «هذا الإجراء يسهم بتعميق الفجوة بين عراقيي الداخل والخارج، ويحرم عراقيي الخارج من حقٍ دستوري، إضافة إلى أنه يضعف الانتماء للوطن».

وأكدت أن «عراقيي الخارج لا يخضعون لترهيب الميليشيات، ولا ضغوط الأحزاب المتنفذة، ولا يمكن التعرُّض لمصالحهم الشخصية والمهنية ولا حتى حياتهم. لذلك، فإن تصويتهم يكون نسبياً غير خاضع للضغوط القسرية ولا التهديد، وتحديداً أثناء العملية الانتخابية».

الباحث العراقي ماجد الربيعي، المقيم في بلجيكا، قال: «قرار الاقصاء في مصلحة عراقيي الخارج، لأنه سيرفع عنهم عبء المشاركة في انتخابات، لن تفضي إلى أي تغيير في المشهد السياسي».

وأشار إلى أن «أحزاب الإسلام السياسي ستبقى ممسكة بمقود السلطة والنفوذ، وإن اضطرت لتأكيد ذلك بقوة السلاح».

 

قانون الانتخابات الجديد

قانون الانتخابات العراقي، الذي صدَّق عليه رئيس الجمهورية برهم صالح، مطلع نوفمبر 2020 مُغاير للقوانين الانتخابيّة التي أقرّها العراق منذ عام 2003، وأجرى بموجبها أربعة انتخابات نيابية بين عامي 2005 و2018.

فالقانون الجديد لا يعتمد البلاد كدائرة انتخابية واحدة، مثلما حصل في انتخابات 2005 وهي الأولى بعد احتلال العراق، أو اعتماد كل محافظة من محافظات العراق الـ18 دائرة انتخابية، كما حصل في الانتخابات الثلاثة اللاحقة.

ويقسم القانون الجديد العراق إلى 83 دائرة انتخابية، على عدد مقاعد النساء في مجلس النواب، الذي يُلزم الدستور بحصولهنّ على 25 في المئة من المقاعد النيابية، البالغ عددها 329 مقعدًا.

ويُعد القانون الجديد تحوّلاً في عمليّة حساب الأصوات وفوز المرشحين، إذ إنه يُحدّد الفائز بأعلى الأصوات في كل دائرة، كما أن الأصوات تذهبُ مباشرةً إلى المرشّح (بدلًا من القائمة، كما كان الحال في القوانين الانتخابية السابقة)، ولا يوزّع الفائض منها على مرشحين في حزبٍ ما، ولا القائمة الانتخابية ذاتها، ونتيجةً لذلك، فإن من المُرجَّح أن يشهد مجلس النواب في الدورة المقبلة وجوهًا جديدة.

 

أرقام رسمية

ينتخب العراقيون في العاشر من أكتوبر الجاري، 329 نائبًا جديدًا في البرلمان، بينها 83 مقعدًا تمثِّل 25% من المجموع الكلي للنساء، إضافة إلى  تسعة مقاعد للأقليات موزَّعة بين المسيحيين والشبك والصابئة والأيزيدين والكرد الفيليين.

إلا أن هذه الانتخابات، التي كان موعدها عام 2022، تجرى وفقًا لقانون انتخابي جديد، يعتمد دوائر انتخابية عدة والتصويت لمرشح واحد، يفترض أن يحد من هيمنة الأحزاب الكبيرة على المشهد السياسي.

ويبلغ عدد الناخبين في هذه الانتخابات 25 مليونًا، يتوزعون على 83 دائرة انتخابية و8273 صندوق اقتراع، بينما عدد الناخبين، الذين يمكن لهم نظريًا التصويت، 23 مليونا كونهم أصدروا البطاقات الانتخابية البيومترية.

وتنتخب كل دائرة بين ثلاثة وخمسة نواب، قياسًا بعدد سكانها، بينما يتجاوز عدد المرشحين 3240 بينهم نحو 950 امرأة، إضافة إلى 789 مرشحًا مستقلًا، ويوزع الباقون ضمن قوائم أحزاب وتحالفات سياسية.

 

أبرز المتنافسين

يحظى التيار الصدري، الذي يتزعمه مقتدى الصدر، بقاعدة جماهيرية مكنته من الفوز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان خلال انتخابات 2018، وهو ما يسعى إليه عام 2021.

ويمثِّل الفصائل الموالية لإيران، مرشحون ضمن تحالف الفتح بقيادة هادي العامري، الذي يرأس كذلك منظمة بدر، إحدى الفصائل الرئيسة في الحشد الشعبي، كما يعد حزب حقوق -المحسوب على مليشيات حزب الله- أحد أبرز التيارات المنبثقة عن الحشد الشعبي المشاركة في الانتخابات.

وعن التحالفات، هناك تحالف دولة القانون، بقيادة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي زعيم حزب الدعوة، الذي شغل أطول مدة رئاسة وزراء بين عامي 2006 و2014، إضافة إلى تحالف قوى الدولة الوطنية، برئاسة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، ويضم تيار الحكمة بزعامة رجل الدين الشيعي عمار الحكيم.

وتخوض الأحزاب السنية، تنافسًا حادًا، خصوصًا بين تحالف تقدُّم بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وتحالف عزم بزعامة خميس الخنجر.

كما توجد قوائم أخرى جديدة بينها «قادمون للتغيير»، بزعامة أمينها العام حسن الرماحي، وتضم أغلبية من المستقلين.

ويلعب الحزبان الكرديان الرئيسان، الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة نجل وابن شقيق رئيسه الراحل جلال طالباني، دورًا رئيسًا في المشهد السياسي الكردي العراقي، بينما تمثِّل المعارضة في إقليم كردستان، أحزاب أخرى بينها «حزب الاتحاد الإسلامي» و«الجيل الجديد» و«كوران».