جذوة الاحتجاجات على وفاة مهسا أميني تزداد اشتعالا.. هل تحرق النظام الإيراني؟
وفاة مهسا أميني يوحد إيرانيي الداخل والخارج في وجه النظام.. وطهران ترد ببيان نادر وبالتلويح بالجيش

السياق
حرق أوشحة وهتافات منددة واستعراض عسكري وبيان نادر، مظاهر عدة للاحتجاجات التي طالت عدة مناطق في إيران، رافعة راية العصيان في وجه النظام وأدواته القمعية والتي أدت إلى وفاة الشابة مهسا أميني.
فلليوم السابع على التوالي، باتت الشعارات المناهضة للمرشد علي خامنئي والصيحات المطالبة بإسقاط النظام الإيراني أساسًا للاحتجاجات التي لم تستثن منطقة أو مدينة، بل إن المتظاهرين صعدوا من لهجتهم وصارت الميادين مسرحًا لحرق الأوشحة، ومكانًا للاشتباكات مع قوات الأمن في الشوارع.
وبحسب مقاطع فيديو نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن عددًا كبيرًا من النساء في نازي آباد بطهران ألقين أوشحتهن في كشك محروق للشرطة، كما أحرقت النساء الأوشحة في مسيرة احتجاجية في منطقة نياوران بطهران، فيما خلعت بعض النسوة أوشحتهن ورقصن على أنغام شعارات وهتافات المتظاهرين، في رسالة لا تخطئها العين للرفض الشعبي للقيود التي تمارسها إيران على النساء.
ووثقت صحيفة «إيران إنترشيونال»، بعضًا من مظاهر احتجاج المتظاهرين، مشيرة إلى أن بعضًا من المواطنين نزلوا إلى ساحة تجريش بطهران، للتنديد بالنظام، عبر هتافات منها: «الموت للديكتاتور»، فيما شهدت منطقة نرمك إشعال المحتجين النار في صناديق القمامة وقطعهم بها الطریق.
هتافات وتحد
ورغم التشديدات والانتشار الأمني، إلا أن المتظاهرين في برند هتفوا في الشوارع بشعارات «مجتبى تموت ولا تری منصب المرشد» و«الموت للديكتاتور»، في تحد لقوات الشرطة التي كانت تطوق المنطقة، فيما شهدت منطقة مشهد استخدام المتظاهرين المولوتوف للتصدي لقمع قوات الأمن لهم.
وفي عبادان وكاشمر وأنزلي وملكان وشيروان وموتل قو، وأشنويه، والأهواز ومشكين شهر، وبرديس ملارد، حاصر المتظاهرون والنساء ضباطَ شرطة ومنعوهم من استخدام أدواتهم القمعية ضد المحتجين، وهم يرددون شعارات «رضا شاه لروحك السلام»، و«لا نريد جمهورية إسلامية» و«يموت الإيرانيون ولا يقبلون الإذلال».
فيما قامت قوات الشرطة بكسر نوافذ بعض المباني لمطاردة المتظاهرين الذين احتموا فيها، بحسب مقاطع فيديو، نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبحسب «إيران إنترشيونال»، فإن السلطات الأمنية شنت موجة الاعتقالات وقمع بحق المتظاهرين، بالإضافة إلى قطعها الإنترنت عبر الهاتف المحمول والمنزلي في أجزاء من طهران ومدن أخرى من البلاد يوم الخميس. وأشارت إلى أن الشرطة الإيرانية اعتقلت بعض المحتجين عبر سيارات إسعاف سخرتها لهذا الغرض، وداهمت منازل آخرين.
إيرانيو الخارج
يأتي ذلك، فيما عبر إيرانيو الخارج، عن تضامنهم مع الاحتجاجات التي لم تنقطع طيلة الأيام السبعة الماضية داخل البلاد؛ فهتف مجموعة من الإيرانيين المقيمين في تورنتو بالإنجليزية: «كرروا اسمها: مهسا أميني».
ودعا النشطاء الإيرانيون المقيمون في نيوزيلندا إلى مسيرة احتجاجية على مقتل مهسا أميني والتضامن مع المتظاهرين الإيرانيين يوم السبت.
فيما دعا أكثر من 100 فنان وكاتب وشاعر وصحفي إيراني في الخارج، المجتمع الدولي إلى إنهاء ما وصفوه بـ«استرضاء النظام غير الشرعي والرجعي الإيراني».
وقال البيان الذي نشرته وسائل إعلام معارضة: «في هذه الجريمة، سلك النظام الإيراني طريق الكذب والإنكار كما فعل في قتل المتظاهرين خلال الأعوام 1999، 2009، 2018، 2019، وكذلك إطلاق النار على الطائرة الأوكرانية، ولولا دعم الأسرة وشرف أطباء مهسا، لكانت قد انضمت إلى العديد من النساء اللواتي أصبحن ضحايا العنف الممنهج للنظام الإيراني، واللاتي لا تزال أسماؤهن ورواياتهن مسكوتًا عنها».
وطالب الموقعون على البيان بمحاكمة الآمرين والمرتكبين لهذه «الجريمة التي تشمل السلطات كافة»، فيما أصدرت 8 منظمات سياسية إيرانية معارضة للنظام الإيراني بيانا مشتركا، وصفت فيه مقتل مهسا أميني بأنه «بداية نهاية النظام الإيراني».
وفيما طالبت المنظمات الثماني، جماعات المعارضة الموجودة في خارج البلاد إلى رفع صوت الاحتجاجات إلى آذان المجتمع الدولي، قالت رابطة الصحفيين في طهران، إن حادث مقتل مهسا أميني أظهر أن وسائل الإعلام الرسمية لا تزال غير معترف بها كوسائل إعلام محايدة.
تحليل نفسي
بعد سلسلة الاعتقالات المتزايدة والسلوك غير المبرر للشرطة الإيرانية، حاولت صحيفة صحيفة «هم ميهن» تقييم نتائج تصرفات «شرطة الأخلاق» على المعتقلات، بإجراء محادثة مع الأطباء النفسيين في مستشفى روزبه.
وقال طبيب نفسي لم تكشف الصحيفة هويته، إن النساء اللواتي جئن إليه بسبب اضطرابات نفسية بعد القبض عليهن، كانت لديهن ذكريات متكررة وخفقان في القلب وضيق في التنفس.
وفيما قالت العديد منهن إنهن امتنعن عن المرور من الشارع الذي اعتقلن فيه من قبل دورية شرطة الأخلاق، قالت أخريات إنهن لم يغادرن منازلهن لمدة شهرين، بسبب خوفهن.
ووفقًا لأطباء الطب النفسي، فإن علاج صدمات ما بعد الحوادث يعد عملية معقدة وتختلف من شخص لآخر؛ فبعض النساء المصابات بصدمات نفسية قد يحتجن إلى مضادات الاكتئاب والأدوية المضادة للقلق لكي يدركن الصدمة ويتحدثن عنها.
وأكد الأطباء النفسيون في مستشفى روزبه، أن العديد من النساء اللواتي اعتقلن من قبل دورية شرطة الأخلاق يعانين من عواقب طويلة الأمد واضطراب تشتت الانتباه، قد تؤدي إلى «الانهيار العقلي»، مشيرين إلى أن عدد النساء اللواتي ذهبن إلى المستشفى بشكاوى من نوبات عصبية ارتفع بشكل ملحوظ مع تصاعد عنف دورية شرطة الأخلاق.
بيان نادر
من جهة أخرى، حاول الحرس الثوري الإيراني العزف على وتر وفاة مهسا أميني ببيان نادر، عبر فيه عن تعاطفه ومواساته مع أسرة وأقارب مهسا أميني، مطالبًا القضاء بالتعامل بحزم وإنصاف مع صانعي الشائعات في الفضاء الافتراضي والحقيقي الذين يعرضون السلامة النفسية للفرد والمجتمع للخطر.
إلا أن الحرس الثوري والذي وضع تلك الكلمات في آخر بيانه الطويل، شن هجومًا على من وصفهم بـ«الأعداء»، الذين قال إنهم «يحرضون على توسيع دائرة الحظر ويشجعون حتى على شن هجوم عسكري على البلاد».
وأشار إلى أن هؤلاء «الأعداء» يحاولون شن حرب اقتصادية وفرض حظر واسع ودائم؛ «بذريعة وفاة إحدى بنات وطننا (مهسا أميني»، من خلال تحريض الرأي العام عبر روايات كاذبة وهادفة»، على حد زعمه.
وادعى البيان أن التظاهرات المستمرة في إيران والتي قال إنها تأتي بالتوازي مع «جمع وتنظيم وتدريب كل العناصر الفاشلة والمبعثرة وتجهيزها بأسلحة العنف المشفوعة بسلوك الدواعش»، تعد «جهدًا لا طائل من ورائه ومحكومًا عليه بالفشل»، على حد قوله.
استعراض عسكري
وفي محاولة من النظام الإيراني، لترهيب المحتجين، نظمت القوات المسلحة الإيرانية مساء الخميس، استعراضًا عسكريًا، قالت إنه بمناسبة إحياء الذكرى السنوية للدفاع المقدس بطهران والمحافظات الإيرانية الأخرى.
وقامت الوحدات المتعلقة بالقطع البحرية السطحية وتحت السطحية التابعة للجيش وقوات حرس الثوري الإيراني وقيادة قوى الأمن الداخلي والقطع الشعبية باستعراض عسكري وعرض قوتها بشكل متزامن، في رسالة ترهيب وتلويح بأن الجيش قد يتدخل لقمع الاحتجاجات إذا خرجت عن طورها.