كلٌّ يغنّي على ليلاه في الأمم المتحدة.. كيف أخلّت الحرب الأوكرانية بالنظام العالمي؟
إفريقيا عانت ما يكفي من عبء التاريخ ولا تريد أن تكون مسرحًا لحرب باردة جديدة

ترجمات - السياق
خللٌ عالمي هائل خلّفته الحرب الروسية الأوكرانية على الأمم المتحدة، فهناك "كلٌّ يغني على ليلاه"، الغرب مشغول بحرب أوكرانيا، وإفريقيا تخشى المعاناة، والشرق الأوسط لا ينسى فلسطين.
وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أن العشرات من زعماء العالم يجتمعون حاليًّا في الأمم المتحدة بنيويورك، في أولى الجمعيات العامة الكاملة منذ بداية وباء "كورونا"، وسط انقسامات دولية بسبب حرب أوكرانيا، وتوتّر قائم بسبب كيفية مواجهة كارثة الاحتباس الحراري وتغيّر المناخ.
الحرب الروسية الأوكرانية بيّنت أن الرئيسين التركي "رجب طيب أردوغان"، والفرنسي "إيمانويل ماكرون"، يحاولان استغلال التجمّع الدّولي كإبراز نفسيهما كصانعي سلام محتملين في الحرب الدائرة بأوكرانيا.
وأشارت الصحيفة إلى أنه من بين جميع الأزمات العالمية -احتباس وأوبئة ومجاعات-، هيمن الغزو الروسي لأوكرانيا على اجتماعات القادة داخل المؤسسة الدولية، حيث ناقش رؤساء الدول عنف الصراع، والفوضى في سلاسل التوريد، وأسعار الطاقة المرتفعة والآثار الأخرى للحرب.
اختلال عالمي..
من جانبه، قال "أنطونيو غوتيريش"، الأمين العام للأمم المتحدة، في كلمته الافتتاحية أمام الجمعية: يتخبّط عالمنا في مشكلات عويصة، والانقسامات تزداد شدةً، وأوجه عدم المساواة تتفاقم، والتحديات تزداد امتدادًا. نحن في حاجة إلى هذا الأمل بل أكثر من ذلك، نحن في حاجة إلى العمل.
وأضاف: "لا يمكننا الاستمرار على هذا المنوال، فعالمنا في خطر ومصاب بالشلل، ومن واجبنا أن نتحرك. ومع ذلك، فنحن محاصرون في اختلال وظيفي عالمي هائل، وليس هناك استعداد للمجتمع الدولي ولا إرادته لمواجهة تحديات عصرنا الكبرى والهائلة، إذ تهدد هذه الأزمات مستقبل البشرية ومصير كوكبنا".
ولتأكيد هيمنة الحرب الدائرة في أوكرانيا على جميع المناقشات داخل أروقة الأمم المتحدة، ذكرت الصحيفة أن الرئيسين التركي والفرنسي يحاولان استغلال التواجد الدولي، لإبراز نفسيهما كصانِعَيْ سلام.
وأشارت إلى أن "أردوغان" التقى الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" في أوزبكستان الأسبوع الماضي، ودعاه إلى إعادة الأراضي التي تم الاستيلاء عليها في أوكرانيا، ما يعكس الضغط المتزايد على بوتين من دول مثل الهند والصين، والتي كانت مصدرًا رئيسًا لدعم روسيا اقتصاديًّا في مواجهة العقوبات الغربية.
وتواصل "ماكرون" مع "بوتين" لعدة أشهر، ولكن -حسب الصحيفة- دون نجاح يذكر، وذلك على الرغم من أنه ساعد في إبقاء أوروبا موحّدة خلف أوكرانيا.
وكان الرئيس الفرنسي أبرز المتحدثين في التحالف الغربي في مواجهة روسيا، وكان شديدًا في إدانته للغزو، رغم إصراره على أنه يمكن أن يلعب دورًا في التوسّط للسلام.
وقال أمام الجمعية العامة: "ما رأيناه منذ 24 فبراير، هو عودة إلى عصر الإمبريالية والمستعمرات"، في إشارة إلى اليوم الذي بدأ فيه الغزو الروسي، مخاطبًا قادة العالم في يوم افتتاح المناقشة السنوية رفيعة المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة: "نحتاج اليوم إلى اتخاذ خيار بسيط، إما الحرب وإما السلام".
التأثير في بوتين..
لكن -حسب "نيويورك تايمز"- لم يتضح بعد كيف يمكن لزعماء العالم -الذين تجمّعوا في نيويورك- أن يتمكنوا من التأثير في بوتين، الذي اختار عدم حضور الجمعية، أو ما قد تقرر الأمم المتحدة القيام به هذا الأسبوع، خصوصًا أن العالم ليس متحدًا في قراره ضد موسكو، في إشارة إلى وجود دول تدعم الموقف الروسي في حربه ضد أوكرانيا.
فبصفتها عضوًا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تمتلك روسيا حقّ النقض "الفيتو" على أفعالها، تاركةً الدول والكتل المتحالفة معها لوضع سياساتها الخاصة، وإجبار "غوتيريش" على التركيز في أزمات محددة، مثل محاولة إتمام صفقة لإخراج صادرات الحبوب من موانئ أوكرانيا، أو الاتفاق على إبعاد المحطات النووية الأوكرانية عن الحرب هناك.
كشفت "نيويورك تايمز" مؤخرًا أن صاروخًا روسيًّا قويًّا انفجر على بُعدٍ أقلّ من 900 قدم من مفاعلات محطة للطاقة النووية الأوكرانية في وقت مبكر من يوم الاثنين الماضي، وفقًا لمسؤولين أوكرانيين، في تذكير بأنه على الرغم من النَّكْسَاتِ في ساحة المعركة، فإنه لا يزال بإمكان روسيا أن تهدِّدَ بكارثةِ في أيٍّ من أربع منشآت نووية نشطة في أوكرانيا.
وحول ما يخص أزمة الحبوب، أفادت الصحيفة أن أردوغان لعب دورًا محوريًّا في محادثات الحبوب، وأثنى على دوره في تلك الصفقة، وكمضيف لمحادثات السلام غير الحاسمة في مارس الماضي.
وقال أمام الجمعية: "نعتقد أن الحرب لن تنتصر أبدًا، وأن عملية السلام العادلة لن يكون بها خاسر. هذا مهم لأننا أكدنا دائمًا أهمية الدبلوماسية في تسوية المنازعات من خلال الحوار، ولهذا اجتمعنا مع الأطراف في منتدى أنطاليا للدبلوماسية، ثم في إسطنبول لنصبح ميسّرين في عملية المصالحة".
وأضاف: "نحن في حاجة إلى طريقة كريمة للخروج من هذه الأزمة، خلال عملية دبلوماسية عقلانية وعادلة وقابلة للتطبيق".
وترى الصحيفة الأمريكية أن أردوغان حاول -طوال الحرب- الحفاظ على علاقة وثيقة مع بوتين، ساعيًا إلى التخفيف من تداعيات الحرب داخليًّا، حيث يستعد للانتخابات الرئاسية العام المقبل، وسط تعثّر كبير لاقتصاد بلاده.
أيضًا، تحدّث ماكرون -منذ بدء الحرب- بشكل دوري مع بوتين، وشدد على أنه سيتعين على أوكرانيا وروسيا التفاوض لإنهاء الصراع.
وخلال حديثه أمام "الجمعية العامة"، الثلاثاء، تحدى الرئيس الفرنسي تلك الدول التي ظلت محايدة في الحرب، قائلًا: "إنها مخطئة وارتكبت خطأ تاريخيًّا". مضيفًا: "أولئك الذين يلتزمون الصمت اليوم هم -بطريقة ما- متواطئون مع قضية الإمبريالية الجديدة".
ودعا أعضاء مجلس الأمن إلى العمل حتى تعود روسيا عن طريق الحرب، وتقيم التكلفة لنفسها ولنا جميعًا، وأن تنهي حقًا هذا العمل العدواني.
تأخّر بايدن..
وبينّت "نيويورك تايمز"، أن ماكرون وأردوغان كانا أبرز المتحدثين في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وسط غياب لافت للرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي تأخر خطابه بسبب رحلة إلى بريطانيا لحضور جنازة الملكة "إليزابيث الثانية".
ومن المقرر أن يُلقي الزعيم الأمريكي كلمة أمام الجمعية، يوم الأربعاء، حيث من المتوقع أن يتحدث عن موضوعات التعاون الدولي وحقوق الإنسان، ويحذّر من أن الغزو الروسي لأوكرانيا ينتهك القانون الدولي، ويهدد النظام العالمي.
وأشارت الصحيفة إلى أن الحرب حفّزت كثيرًا من دول أوروبا، إذ أجبرت السويد وفنلندا على التقدّم بطلب للحصول على عضوية حلف شمال الأطلسي "الناتو"، ودفعت حتى "إغناسيو كاسيس" -رئيس سويسرا المحايدة- إلى القول، يوم الثلاثاء: إن "العمل العدواني العسكري الروسي ينتهك ميثاق الأمم المتحدة".
وإلى حد ما -حسب الصحيفة-، منحت الحرب أيضًا هدفًا جديدًا للأمم المتحدة، وذلك على الرغم من أنها تحاول فقط التعامل مع الأزمات المُلحّة، مثل سلامة محطة طاقة نووية كبرى استولت عليها القوات الروسية في أوكرانيا.
أما بالنسبة لـ"غوتيريش"، فقد أدى النزاع بشكل غير متوقع إلى رفع دوره كوسيط إنساني، إذ إنه أدان روسيا بشدة لانتهاكها ميثاق الأمم المتحدة ودعا إلى إجراء تحقيقات في الجرائم المحتملة ضد الإنسانية في أوكرانيا.
أزمات أخرى..
ووفقًا لـ"نيويورك تايمز"، فإنه بقدر ما كانت الحرب تلوح في أفق الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإن قادة عدد من الدول الصغيرة تطرّقوا لفترة وجيزة فقط إلى الصراع في خطاباتهم، ما يعكس إحجام عدد من الدول عن التورط في الخصومات والعقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا منذ بدء الحرب.
ومن وجهة نظرهم -حسب الصحيفة الأمريكية-، فإن التركيز على الحرب جعل الاهتمام العالمي بعيدًا عن الأزمات التي يواجهونها، بما في ذلك تغير المناخ ونقص الغذاء والصراعات الداخلية.
فمن جانبه، شدد رئيس السنغال "ماكي سال" -الذي يترأس الاتحاد الإفريقي- على ضرورة "التحرك معًا"، مضيفًا: "أتيت لأقول إن إفريقيا عانت ما يكفي من عبء التاريخ، ولا تريد أن تكون مسرحًا لحرب باردة جديدة".
فيما قال رئيس كوريا الجنوبية "يون سوك يول"، دون أن يذكر أي دولة في خطابه، إن الحرية والسلام في خطر، ودعا "غايير بولسونارو" -رئيس البرازيل- المجتمعَ الدولي إلى معالجة الآثار الإنسانية للقتال، لا سيما على الطاقة والغذاء.
وعن كورونا، أشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن جائحة الفيروس التاجي -على الرغم من أنها منعت قادة العالم من التجمع لمدة عامين- لم تكن نقطة مركزية للنقاش.