ملفات متشابكة.. تسفير التونسيين لبؤر الإرهاب يسقط ورقة التوت عن تنظيم الإخوان
على الرغم من محاولات تنظيم الإخوان الحثيثة خلال الفترة الماضية لإغلاق ملف تسفير التونسيين إلى بؤر الإرهاب، بالترغيب تارة والترهيب تارة، إلا أن السلطات التونسية ماضية قدمًا في طريقها لاقتلاع جذور التنظيم.

السياق
توقيفات جديدة في صفوف تنظيم الإخوان التونسي، في إطار ملف تسفير التونسيين إلى بؤر الإرهاب خلال «العشرية السوداء»، التي كان فيها البلد الإفريقي، تحت براثن التنظيم الذي لا يعترف بحدود البلاد وطنًا.
فبعد سنوات من مراوحته مكانه في أروقة المحاكم بدأت السلطات التونسية قبل أيام إجراء تحقيقات مكثفة في هذا الملف الذي وصف بـ«الأكثر خطورة»، والذي يتشابك مع ملفات أخرى كـ«الاغتيالات السياسية» والجهاز السري لحركة النهضة، والحوادث الإرهابية التي استهدفت المؤسستين الأمنية والعسكرية.
وعلى الرغم من محاولات تنظيم الإخوان الحثيثة خلال الفترة الماضية لإغلاق هذا الملف الشائك بالترغيب تارة والترهيب تارة، إلا أن الدولة التونسية ماضية قدمًا في طريقها لاقتلاع جذور التنظيم، بعد أن أفقدتها الثقل السياسي بقرارات 25 يوليو/تموز 2021.
فما جديد ملف تسفير التونسيين؟
قررت السلطات القضائية في تونس، مساء الخميس، الإبقاء على رجل الأعمال محمد فريخة، بعد ثلاثة أيام من توقيفه، مع تأجيل سماعه إلى موعد لاحق، على ذمّة القضية المتعلقة بشبهات التورط في شبكات التسفير إلى بؤر التوتر.
وبحسب وسائل إعلام تونسية، فإن محمد فريخة الذي تحوم حول شركته الشبهات بشأن تسهيل سفر التونسيين وتنظيم رحلات مخصصة لذلك الغرض، أودع المستشفى إثر وعكة صحية ألمت به.
فيما أمر قاضي التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب بإيداع فتحي البلدي المسؤول السابق بديوان وزير الداخلية التونسية، ومحرز الزواري المدير العام الأسبق للمصالح المختصة بوزارة الداخلية، وسيف الدين الرايس الناطق الرسمي سابقا باسم تنظيم «أنصار الشريعة» المصنف محليًا تنظيمًا إرهابيًا، السجن، على ذمة التحقيق في قضية تسفير التونسيين.
وبعد أيام من إيقاف رئيس الحكومة ووزير الداخلية الأسبق علي العريض، قررت السلطات القضائية إطلاق سراحه على ذمة قضية التسفير إلى بؤر التوتر، على أن تؤجل الجلسة إلى يوم 19 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
إلا أن القرار لم يرق للقيادي الإخواني، فحاول التشويش على تأجيل جلسة التحقيق معه، بادعاء احتجازه مع مجموعة من «الإرهابيين» الذين كان قد صنفهم –حينما كان على رأس الحكومة ووزارة الداخلية- كتنظيم إرهابي، مشيرًا إلى أن ذلك شكل خطرا على سلامته الجسدية.
وقال علي العريض في تصريحات صحفية: «أحاكم في قضية كما لو أني متواطئ مع ناس حكموا علي بالإعدام منذ 1 يناير/كانون الثاني 2012، ويعتبرونني أكبر عدو لهم لانني تصديت لهم ووضعت خطة للقضاء عليهم»، زاعمًا أن القضية التي يحاكم فيها سياسية بامتياز.
قرارات جديدة
وفي سياق متصل، أمر قاضي التحقيق بإيداع عبد الكريم العبيدي رئيس فرقة حماية أمن الطائرات بوزارة الداخلية، السجن، إثر جلسة التحقيق معه على ذمة القضية المتعلقة بشبكات التسفير إلى بؤر التوتر والإرهاب.
فيما قرر قاضي التحقيق رفع حظر السفر عن وزير الشؤون السابق نور الدين الخادمي، وتأجيل الاستماع إليه على ذمة القضية ذاتها إلى 18 نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
ومن القيادات إلى رئيسهم، لم يختلف الأمر كثيرًا؛ فالسلطات القضائية قررت إطلاق سراح رئيس حركة النهضة الإخواني راشد الغنوشي بعد جلسة استماع دامت 12 ساعة، إلا أنها أمرت بتأجيل الجلسة إلى يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
ورغم أن السلطات القضائية لم تصدر قرارًا بتبرئة الغنوشي، بل أبقته في وضع الاتهام على ذمة القضية التي مازالت تجرى وقائعها، إلا أن رئيس حركة النهضة، صور الأمر وكأنه انتصار.
فخرج مستقلا سيارته وسائرا بين العشرات من أنصاره الذين رددوا هتافات مناهضة للدولة التونسية، ليلوح لعلامة النصر، بعد إرجاء التحقيقات معه إلى الشهر المقبل.
ولم يكتف الغنوشي بذلك، بل إنه أطلق العنان لعناصر الحركة، لإطلاق تصريحات هنا وهناك، أملا في تصوير ملف التسفير، على أنه «حرب» تشنها الدولة التونسية بأجهزتها على حركة النهضة.
وفي هذا السياق، زعم رياض الشعيبي مستشار رئيس حركة النهضة، أن الحركة بريئة من ملف التسفير، مدعيًا أن الهدف من إثارة هذا الملف هو محاولة تشويه صورة الحركة.
وأوضح الشعيبي، أن «التسفير هو ملف سياسي وليس جنائيا»، مشيرًا إلى أن من وصفهم بـ«الخصوم» الذين يتبنون «يريدون تصفية حساباتهم معها»، على حد قوله.
أطراف جدد
تطورات ملف تسفير التونسيين أدت إلى ضم أطراف جدد إلى القضية، إلا أن اتهام تلك العناصر الجديدة يتشابك مع قضايا أخرى، متهمين فيها، مما يكشف ترابطًا إخوانيًا وثيق الصلة بالجرائم التي ضربت تونس في العشرية السوداء.
فعبد الكريم العبيدي رئيس فرقة حماية أمن الطائرات بوزارة الداخلية والذي صدر بحقه قرار بالتوقيف، وجهت إليه سابقًا اتهامات بالتورط في ملف اغتيال القياديين اليساري شكري بلعيد والقومي محمد البراهمي، بالإضافة إلى كونه واحدًا من أخطر عناصر خلية الأمن الموازي للإخوان داخل وزارة الداخلية.
فيما ارتبط اسم فتحي البلدي بالتحقيقات التي تجريها وزارة الداخلية بشأن الجهاز السري للإخوان، فالمسؤول السابق استغلت حركة الإخوان منصبه مستشارا لوزير الداخلية الإخواني الأسبق علي العريض، ليكون ظلها في الوزارة إلى جانب العريض، بحسب تقارير محلية.
وقالت وسائل إعلام محلية، إن فتحي البلدي كان مكلفًا من قبل تنظيم الإخوان بانتداب الأمنيين تحت شرط الولاء للتنظيم، مما دفع السلطات إلى عزله ليحاكم بتهمة الانتماء لتنظيم غير معترف به.
فيما حوكم سيف الدين الرايس والذي يعد أحدث المنضمين لقائمة المتهمين في قضية التسفير، سابقا بتهم عدة؛ أبرزها جمع تبرعات لصالح تنظيم إرهابي، والدعوة إلى ارتكاب جرائم إرهابية.
وبحسب تقارير محلية فإن الرايس كانت تربطه علاقات بقاتل القيادي اليساري شكري بلعيد، فيما اعترف في العام 2014 بوجود مخطط «إرهابي» يستهدف تونس.